أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال الصالح - المتاهة














المزيد.....

المتاهة


نضال الصالح

الحوار المتمدن-العدد: 2780 - 2009 / 9 / 25 - 06:27
المحور: الادب والفن
    


رن جرس الهاتف فاستيقذت مذعورا. نظرت إلى الساعة فوجدتها لم تتجاوز الرابعة صباحا. أنا أكره رنين الهاتف في الصباح الباكر، إنه في العادة يحمل أخبارا سيئة. رفعت سماعة الهاتف وقلت نعم. جاءني صدى صوت نسائي ليقول: " أنا الممرضة بيجي، أنا آسفة لإزعاجك في مثل هذا الوقت ولكنني في حاجة لمساعدتك."
بيجي ممرضة معروفة، تعمل في قسم الأطفال التابع لمستشفى السرطان وقد ألفت كتابا بعنوان " أطفال قلبي" حكت فيه عن قصص مجموعة من الأطفال الذين دخلوا المستشفى لعلاجهم من مرض السرطان وماتوا بين يديها وهم يعتقدون أن الملائكة ستأخذهم إلى مكان جميل كله فرح ولعب أطفال. كانت قصص محزنة ومؤثرة جدا ولقد لقي الكتاب رواجا كبيرا مما دفع محطات التلفزيون للتسابق على إجراء الحوار معها كما تقدمت مجموعات متعددة من الشركات بالتبرع بأموال أو شراء بعض المعدات للمستشفى وخاصة لقسم الأطفال.
عرفت من الممرضة بيجي أن السلطات قد أحضرت إلى القسم إمرأة عربية مع طفلها وجدوها تائهة على الحدود السلوفاكية المجرية. بعثوها للفحص الطبي كالعادة بالنسبة للمهاجرين فوجدوا أن طفلها يشكو من سرطان الدم فحولوها وطفلها إلى مستشفى السرطان. أضافت الممرضة بيجي أن المرأة عربية ولا تتكلم أي لغة غير العربية ولم يستطيعوا التفاهم معها. أضافت" أنا لا أعرف من العرب غيرك وأريدك أن تساعدني في التفاهم مع المرأة". وعدتها بالمجيء باسرع وقت. لبست ملابسي بسرعة وخرجت من البيت، ركبت سيارتي وتوجهت إلى مستشفى السرطان.
مرض السرطان له هيبته بغض النظر عن حقيقة يجهلها كثير من الناس أن أمراض القلب والشرايين أكثر فتكا بعدة مرات من مرض السرطان. زيارة قسم الأطفال في المستشفى يتطلب عزيمة وقوة إرادة، فمنظر الأطفال الصغار، حليقي الرأس منهكين من الكيماوي ومن سريان المرض في خلايا جسمهم يدفع الدموع إلى العيون. لم أستطع في كل زيارة أقوم بها إلى هذا القسم أن أمنع نفسي من البكاء وكنت أهرب إلى الحمام وأبكي هناك خوفا أن يراني الأطفال.
دخلت القسم وكان الأطفال ما زالوا نياما. توجهت إلى مكتب الممرضة بيجي وقرعت الباب. إستقبلتني بابتسامة قلقة ومسكتني من يدي وأخذتني إلى إحدى الغرف. كان هناك طفل صغير مستلقيا على السرير وبجانبه جلست إمرأة على أرض الغرفة. من لهجتها عرفت أنها عراقية ولكن صعب علي تقدير عمرها ففي تضاريس وجهها مرسوم كل الوجع والهم العراقي.
زوجها ترك العراق منذ فترة وذهب يبحث عن العمل في ألمانيا. بعث لها أن تلحقه ولقد بعث لها عنوان بعض الأشخاص الذين سيسهلون مهمة سفرها. باعت كل ما تملك، ومع أن زوجها كان قد دفع للوسطاء المبلغ المتفق عليه إلا أنها إضطرت أن تدفع في العراق مبلغا إضافيا.
جاءت مع طفلها مع مجموعة من العراقيين، وتبادلهم الوسطاء في الطريق حتى وصلت إلى مكان قالوا لها ولأفراد المجموعة هذه هي ألمانيا وتركوهم على الحدود السلوفاكية بدون جواز سفر، كل إلى مصيرة. تاهت وهي تجوب الطرقات وبيدها ورقة مكتوب عليها عنوان زوجها في ألمانيا. كانت توقف الناس وتقول لهم الكلمة السحرية "ألمانيا، ألمانيا" حتى أوقفها حرس الحدود ونقلوها إلى معسكر المهاجرين الدولي حيث اكتشفوا أن إبنها مريض بسرطان الدم.
حاولت أن أشرح لها بأنها في سلوفاكيا وأن ألمانيا بعيدة وأن طفلها مريض بسرطان الدم وأنه في حاجة ماسة إلى العلاج. كانت الدولة مستعدة لعلاجه على حسابها الخاص وكان عليها أن تقيم في المعسكر حتى يتقرر مصيرهما. ولكنها كانت ترفض ترك طفلها ولقد واجه المستشفى مشكلة في غاية التعقيد وكان السؤال المطروح أمامهم، ما العمل مع هذه الأم التي ترفض ترك إبنها؟ المستشفى لا يستطيع توفير الإقامة لها في غرفه أو أي مكان آخر. عرضت عليها أن تاتي وتقيم عندنا فرفضت. اتصلت بصديق عراقي جاء وعرض عليها الإقامة عندهم فرفضت. في النهاية وافقت الممرضة بيجي على إبقاءها بالسر بجانب طفلها على أن تخفيها أمام أعين المسؤولين في النهار.
تركتهم وذهبت إلى البيت وفي عقلي دوامة من الأفكار والأسئلة، ما الذي حدث لهذا الشعب العظيم وكيف وصلت به الأمور إلى هذا الحد؟ وما الطينة التي صنع منها أؤلئك الوسطاء الذين فقدوا إنسانيتهم واستغلوا مأساة هذا الشعب وأخذوا في المتاجرة بآلامة؟
كانت الساعة قد قاربت منتصف الليل عندما رن جرس الهاتف. كانت الممرضة بيجي من جديد وكانت منفعلة، صاحت" لقد أخذت إبنها وهربت". قلت لها كيف وإلى أين؟ قالت " غافلتنا وأخذت طفلها وهربت ولا ندري أين ذهبت."
بحثوا عنها فلم يجدوها. بعضهم قال أنها كانت تجوب شوارع المدينة وفي يدها ورقة وتسأل المارة" ألمانيا ألمانيا ؟



#نضال_الصالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوداع الأخير للحب الأول والأخير
- العار
- أم الشهداء
- يوم عادي من يوميات فلسطيني
- أشجار الزيتون ستظل في فلسطين واقفة (قصة قصيرة)
- الأخلاق و- الكتب السماوية-
- كلنا مشاريع قص رقبة
- علاقة الديانه اليهودية بالمشروع الصهيوني والتكوين السياسي لد ...
- عودة إلى موضوع الدين والعلمانية
- ما الهدف من نقد الفكر الديني
- المرأة ناقصة عقل وعورة وجب إخفاءها عن عيون الغرباء
- العلمانية والدين، صراع بقاء أم حياد إيجابي
- الكتب المقدسة هي جزء من المنتج الأدبي والثقافي الإنساني
- سلطة التاريخ على السياسة
- بين نقد الفكر الديني الإسلامي وسياسة الغرب الإستعمارية. رد ع ...
- رفض الغير ليس حكرا على الغلاة والمتشددين الإسلاميين
- الآخر في الخطاب والفكر الديني
- الله والمؤسسة الدينية
- المسيحيون العرب شركاء لنا في الوطن وليسوا على ذمة أحد


المزيد.....




- كيت بلانشيت ضيفة شرف الدورة الـ8 من مهرجان الجونة السينمائي ...
- رائحة الزينكو.. شهادة إنسانية عن حياة المخيمات الفلسطينية
- لحظة انتصار على السردية الصهيونية في السينما: فيلم صوت هند ر ...
- -أتذوق، اسمع، أرى- كتاب جديد لعبد الصمد الكباص حول فلسفة الح ...
- “انثى فرس النبي- للسورية مناهل السهوي تفوز بجائزة “خالد خليف ...
- وفاة الممثل والمخرج الأمريكي روبرت ريدفورد عن عمر ناهز 89 عا ...
- الشلوخ في مجتمعات جنوب السودان.. طقوس جمالية تواجه الاندثار ...
- سوريا.. فوز -أنثى فرس النبي- بجائزة خالد خليفة للرواية في دو ...
- المغرب: الحفاظ على التراث الحرفي وتعزيز الهوية الثقافية المغ ...
- ناوروكي وماكرون يبحثان الأمن والتجارة في باريس ويؤكدان معارض ...


المزيد.....

- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال الصالح - المتاهة