أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال الصالح - الشيوعي وسقوط الحلم














المزيد.....

الشيوعي وسقوط الحلم


نضال الصالح

الحوار المتمدن-العدد: 2821 - 2009 / 11 / 6 - 16:51
المحور: الادب والفن
    


كان شيوعيا حتى النخاع. ترعرع في عائلة شيوعية حيث عمل والده وجده في مناجم الفحم وفي مناجم اليورانيوم. في شبابه إنضم إلى الشبيبة الشيوعية واشترك في المقاومة السلوفاكية المسلحة وقاتل ضد المحتلين النازيين وجرح مرتين.
بعد استلام الشيوعيين الحكم في تشيكوسلوفاكيا تسلم عدة مناصب حزبية وحكومية. كان مؤمنا بالنظام ولقد خدمه وخدم حزبه بتفاني و بكل طاقته ولم يحاول في يوم من الأيام إستغلال منصبه من أجل مصالحه الخاصة. عاش عيشة بسيطة وعندما عرفته كان يسكن مع زوجته وإبنه وبنتيه في بيت صغير في منطقة شعبية ويحتوي على غرفتين للنوم صغيرتين وصالة طعام صغيرة لا تسع إلا لطاولة بأربع كراسي.
كنت أزوره بين الحين والحين عندما يكون في البيت في عطلة نهاية الأسبوع. كانت زوجته تحضر لنا الشاي أو القهوة وبعض الكعك وتتركنا لوحدنا وتنسحب إلى المطبخ.
كنا نتناقش ونتجادل وكان صوتنا يسمع حتى خارج البيت وكانت زوجته تأتي بين الفين والآخر لتحذرنا وتطلب منا خفض أصواتنا.
كنت أوجه النقد اللاذع لكثير من سلوكيات النظام وكان هو يدافع عن كل شيء يتعلق بالنظام. وكان يتهمني في بعض الأحيان بأنني متأثر بالدعاية الغربية. كان يرجع بنا دوما للوضع قبل الإشتراكية وكيف كان الناس يعيشون في فقر وذل ويعدد لي الإنجازات التي قامت بها الإشتراكية في مصلحة الطبقة العاملة والشعب. وكنت ألومة لهذه العودة وأن الناس شبعوا من قصة الماضي وأنهم بعد عشرات السنوات من قيام الإشتراكية يتوقون للحصول على الحرية الفردية والديموقراطية والتعددية. وكنت أركز على مظاهر الفساد وعجز القيادة في الحزب الذي كان معدل عمر القادة في لجنته المركزية قد وصل إلى السبعين فما فوق.
عندما كنا نتعب من المجادلة ننقل الحديث إلى أمور أخرى مثل أخبار العائلة في فلسطين ووضع الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال. ثم ننهي حديثنا بأخبار عائلته وعائلتي ثم يودعني إلى الباب ولا يتركني حتى أعده بأنني سأعود لزيارته ثانية. كان يقول لي: " أنت الوحيد من جميع أصدقائي الذي لا يطلب مني أي خدمة أو قضاء مصلحة ولذلك أحترم رايك وأعلم أنه نابع من الحرص."
عندما سقط النظام بدأ كثير من رفاق الأمس ينتقلون أفرادا وجماعات إلى المعسكر الآخر ويرفعون شعار العداء للإشتراكية والشيوعية وحتى يثبتوا حسن سلوكهم كانوا ينشرون على الملأ أوساخا بعضها كان صحيحا وبعضها كان مختلقا أو جرى تضخيمه. لكنهم نسوا أن يذكروا أنهم كانوا من زلم النظام وأنهم إشتركوا في صنع تلك الأوساخ التي يتحدثون عنها. لقد أصبحت الآلة الإعلامية المقروءة والمرئية تتسابق في كشف عورة النظام الإشتراكي وقيادته الشيوعية. وأخذ كثير من رفاق الأمس يتسابقون للمشاركة في المناظرات التلفزيونية التي خرجت عن كل مألوف في تقبيح كل ما بني في الفترة الإشتراكية. كانت مناظرات تثير في الإنسان العاقل الغثيان.
هاتفتني زوجته وطلبت مني زيارته قائلة،" إنه في حاجة إليك". دخلت إليه وطرحت السلام فلم يجب، كان مشغولا بمشاهدة التلفزيون. قالت زوجته: " إنه على هذا الوضع منذ أيام. وضعت يدي على كتفه فأدار وجهه إلي وحدق في وجهي ثم قال: " هل انت مرتاح؟ ها أنت ربحت." جلست بجانبه وقلت له: " لا يا صديقي، كلانا خسر." ثم تابعت قائلا:" أرجوك يا صديقي، إطفئ هذا الجهاز اللعين!"
جلست معه أكثر من ساعة أحاول الحديث معه وإشغاله في حديث خارج عن ما يجري في المسرحية المقرفة التي طغت على كل ما حولها ، ولكنه لم يعرني أي إهتمام وبقي مسمرا إلى الشاشة يهز رأسه بين الحين والحين غير مصدق لما يجري. تركته ورجعت إلى بيتي والأفكار والصور تتصارع في مخيلتي.
بعد يومين نقلوه إلى المستشفى. زرته هناك وهالني منظره. لقد نحل حتى ظهر عظمه من تحت جلده. أخبرتني زوجته أنه لم يأكل شيئا منذ أسبوع وهم يحاولون تغذيته بحقن الوريد.
في مساء اليوم الثاني إتصلت بي إبنته لتخبرني أنه مات في المستشفى وستجري مراسيم جنازته في صبيحة اليوم التالي في محرقة الجثث التابعة للعاصمة براتسلافا . لقد طلب أن تحرق جثته وأن يذرف رمادها في نهر الدانوب الذي يمر بالعاصمة السلوفاكية إلى جانب عدد من البلدان الأوروبية.
تقع المحرقة على رأس جبل خارج المدينة وعلى الزائر القادم بالسيارة أن يوقف سيارته في الموقف وأن يتابع مشيا على الأقدام للوصول إلى قاعة المراسيم. أوقفت سيارتي في الموقف وبدأت بالصعود المتعب. إلتقيت في الطريق برجل كبير في السن يلبس بدلة سوداء ويحمل في يده اليمنى ضمة زهور وهو يلهث لا يكاد أن يتحرك. علمت منه إنه ذاهب إلى حيث وجهتي فأخذت بيده وصعدنا الطريق سويا وكنت أشعر أنه يتألم في كل خطوة يخطوها.
وجدنا في القاعة مجموعة من الأهل بما فيهم زوجته وإبنه وبنتية وبعض الأقارب جاؤا من مسقط رأسه في شرق سلوفاكيا. كان هناك أيضا بعض الأصدقاء الذين يمكنك عدهم على أصابع اليد الواحدة وجميعهم في عمر رفيق الطريق العجوز الذي جلس والعرق يتصبب من جبينه يلهث واضعا يده على صدره. عانقت زوجته وبناته وإبنه وقلت لهم بعض الكلمات مواسيا ومعزيا. شكرتني زوجته وقالت لي: "أنظر لقد هجره رفاقه." ثم تابعت:" أتذكر عندما إحتفلنا بميلاده الستين، كانت القاعة مليئة بالمهنئين وكانت الهدايا متراكمة فوق بعضها،لقد جاؤا جميعا بسبب مركزه وليس من أجله واليوم يؤكد ذلك، لقد هجروه فلم تصبح صداقته مرغوبا بها وانتقلوا إلى المعسكر الآخر." بقيت صامتا لأنني لم أدر ما أقول.
عزفت الموسيقى الجنائزية وبدأ التابوت الخشبي الذي يحوي جثة الفقيد تنزل ببطئ إلى بوابة المحرقة حتى إختفى عن أعيننا. عم بعدها الصمت على القاعة يشقه بين الحين والحين شهقات بكاء و نحيب أفراد العائلة. رحل صديقي ورحل حلمه معه.

د. نضال الصالح/ فلسطين




#نضال_الصالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلاج بواسطة الصلاة عن بعد
- كيف جرى تزوير تاريخ فلسطين والشرق الأدنى القديم
- الصديقة
- الحائرة
- عقال الباشا
- الملاك
- هل هناك حياة أخرى موازية لحياتنا على الأرض؟
- تعالوا نحطم مرايانا
- كيفية ظهور - الله- في الوعي العربي
- بعض من الحكم التاوية
- أمنية
- المعتقدات الدينية الصينية وفلسفة الوجود
- الآخر في الديانة اليهودية
- التوراة في الفكر الديني الإسلامي : كتاب مقدس أم محرف ؟
- عندما يصبح غصن الزيتون رمزا للمقاومة
- القصص القرآنية بين التاريخ والخرافة
- المتاهة
- الوداع الأخير للحب الأول والأخير
- العار
- أم الشهداء


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال الصالح - الشيوعي وسقوط الحلم