أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال الصالح - الحذاء















المزيد.....

الحذاء


نضال الصالح

الحوار المتمدن-العدد: 2827 - 2009 / 11 / 12 - 20:53
المحور: الادب والفن
    


كان عواء الكلاب يشق السكون المخيم على القرية. كما كانت أصوات الأولاد، يلعبون على بيادر القرية، تسمع بين الحين والحين تمتزج بنداء بعض أمهاتهم عليهم كأنها جزء من سيمفونية، يناغمها صوت بقرة الحاجة وسيلة الذي تحسبه صوت مغنية أوبرا تتناغم مع ألحان المجموعة السمفونية القروية.
للقرية رائحة خاصة، مزيج من رائحة الطوابين ودخانها ورائحة خبزها الطازج المخبوز في الطابون على حبات الحصى الساخنة، ورائحة السماد المصنوع من روث البقر والماعز. رائحة القرية في الصيف تختلف عنها في الشتاء ويقول القرويون أن لكل قرية رائحة خاصة يفرق القرويون بينها.
" يا محمود، ولك يا محمود، وبينك يا مقصوف الرقبة؟"، نادت أم محمود على إبنها الذي كان غافلا ومنصرفا في اللعب. نادى أحد الأولاد على محمود صائحا : " محمود أمك بتنادي عليك." ذهب محمود راكضا إلى البيت وهو يصيح: " ياما أنا جاي، هاظا هو أنا جاي، شو بدك قرقعتي الدنيا بالصياح علي؟"
"تعال خود غدا لأبوك، إلو من الصبح على لحم بطنه." ردت أم محمود و جلبت قطعة قماش بيضاء وضعت عليها رغيفي خبز طابون وبعض حبات من الزيتون الرصيع وقطعة جبنه بيضاء وبيضتين مسلوقتين وربطت قطعة القماش كصرة وضعتها في كيس من القماش مع إبريق من الشاي وأعطتها لإبنها محمود قائلة: " بتروح دوغري عند أبوك، مش تشنطط هيك وهيك، أنا بعرفك." أجابها محمود: " لا ياما، والله العظيم لأروح بسرعة أوصل الأكل لأبويي." ثم أضاف:" ياما بالله عليك ما عندك تعريفة تعطيني، جاي عبالي الحلقوم." ردت أم محمود بعنف:" حلقوم يسد زورك، منين يا حصرتي، روح عاد، إنقلع من وجهي."
محمود لم ينقلع بل نزع حذاءه ووضعه بين يدي والدته وقال: " شوفي ياما كندرتي، مهرية واصابع إجريي طالعين برة. إشترولي كندرة جديدة."
أخذت أم محمود الحذاء وأحضرت قطعة من الكرتون أدخلتها في فردي الحذاء وضغطت عليها حتى سدت الثقب الكبير وأعادت الحذاء إلى إبنها قائلة: " خود إلبس، مشي حالك لحتى الله يفرجها."
لبس محمود الحذاء وخرج من البيت وفي يده الكيس . مر من أمام دكان الحاج يونس ووقف عنده يفكر: " آخ يا ربي جاي على بالي الحلقوم، بفوت وببدل البيضتين بشوية حلقوم." لم يطل التفكير كثيرا ودخل الدكان.
دكان الحاج يونس فيها رفين من الخشب عليهما بعض علب السجائر وعلب الكبريت وعلبة كبيرة من الشاي وبعض قطع الصابون البلدي المصنوع من زيت الزيتون، وفي أرض الدكان كيس من السكر أبو خط أحمر. أما على الطاولة فكان هناك صندوق من الملبس وآخر من العلكة أو الليدن وعلبة كبيرة من الحلقوم أو كما يقول لها اهلنا في فلسطين الراحة.
وجد محمود الحاج يونس كالعادة يصلي فانتظرهه حتى ينهي صلاته. ألحاج يونس يكثر من الصلاة وعندما كان يسأله القرويون، شو بتصلي يا حاج، لا هو وقت ظهر ولا عصر ولا مغرب، كان يرد عليهم، بسدد ديوني لرب العالمين.
أنهى الحاج صلاته، طوى السجادة وهو يتمتم بعض التسابيح ثم سأل محمود:" شو اللي بدك إياه يا محمود؟" أخرج محمود البيضتين ووضعهما على الطاولة قائلا:" بدي في هذول البيضتين تعطيني حلقوم." أخذ الحاج البيضتين، فحصهما ثم قال: " هذول مسلوقات. كنو هذا غدا ابوك يا ملعون الوالدين." نفى محمود ذلك بشدة وحلف مليون يمين بأن والدته أعطته البيضات من أجل أن يشتري حلقوم. وضع الحاج البيضتين في درج الطاولة وتناول قطعتين من الحلقوم، لفهما في ورقة جريدة قديمة وأعطاها لمحمود.
ما أن خرج محمود من الدكان حتى بلع قطعتي الحلقوم ولحس ورقة الجريدة حتى إزرق لسانه من حروف الطباعة على الجريدة ثم مص أطراف اصابعه وتابع السير. خرج من الطريق المعبدة إلى الطريق الترابية وتوجه نحو حقل والده. ما أن إقترب من الحقل حتى سمع صوت والده وهو يحرث أرضه ويصيح على حماره:" حا، إتحرك يا ملعون الوالدين، تحرك يا حمار، حا!"
طرح محمود على والده السلام وقال:" جبتلك يا با الغدا."
وقف أبو محمود عن الحراثة، نزع الحطة عن رأسه ومسح العرق عن وجهه وقال:" جيت بوقتك، انا ميت من الجوع." حل عقدة الصرة وبسط قطعة القماش على الأرض وتمعن في محتوياتها وقال:" ولك وين البيضات، أكلتها يا عرص؟" حلف محمود مليون يمين بأنه لم يأكلها ولكنه بعد مراوغة إعترف بأنه إشترى بها حلقوم من دكان الحاج يونس.
قام ابو محمود وحمل عصى وهجم ينوي ضرب ولده بها إلا ان محمود قفز وهرب بعيدا عن متناول يد أبيه. عاد أبو محمود للجلوس بعد أن هدأ قليلا ثم قال:" إنشا الله سم الهاري اللي يهري بطنك، ولك إنت متشبعش حلقوم؟" رد محمود" " بحبو يا با، بموت فيه." ثم إقترب من أبيه رويدا رويدا وجلس بجانبه بعد أن تاكد أنه لم يعد غاضبا منه. إنتظر حتى أتم والده طعامه وأخذ في شرب الشاي فنزع حذائه وعرضه على والده قائلا: " يابا شوف كندرتي مهرية وأصابعي خارجين منها. أمي حطت لي فيها كرتونه بس في الطريق تمزعت . بدي تشتري لي كندرة جديدة." صمت والده وقال له:" إنشاء الله، على العيد بروح على المدينة وبشتري لك كندرة."
ظل محمود يسال عن العيد ومتى سيأتي وفي كل يوم يعد الأيام الباقية لقدوم العيد. أخيرا جاء العيد وجاء معه الحذاء الجديد، لونه بني لامع، لا تزال رائحة الجلد والدباغة تفوح منه. كان محمود يلبس الحذاء في البيت وحتى أنه نام به في فراشه عدة ليالي حتى منعته والدته. كان كلما تغبر الحذاء يمسحه بكم قميصة وعندما يمشي على الطريق الترابية كان ينزع الحذاء ويضعه تحت إبطيه ويمشي حافي القدمين.
كان يوما شديد الحرارة وكان محمود كعادته يحمل صرة الغداء لأبيه وتحت أبطه الحذاء الجديد. كان مسرورا مبتهجا يغني وهو يمشي أغنية شعبية معروفة "على دلعونا، على دلعونا" عندما تفاجأ بمجموعة من المستوطنين اليهود واقفة في وسط الطريق. لم يعرهم إهتماما وتابع السير إلى أن وصلهم فأوقفوه. شده أحدهم من شعر رأسه، إنتزع الصرة من يده وفتحها وألقى بمحتوياتها على الأرض وداسها بقدميه. أخذ مستوطن آخر الحذاء من تحت إبط محمود، قلبه في يده ثم وضعه في حقيبة عسكرية معه وصفع محمود صفعة قوية أوقعته الأرض، ثم رحلوا.
نهض محمود ولحقهم وهو يصيح:" هاتو كندرتي يا أولاد الكلب!".ضربوه وأوقعوه أرضا. تكرر المشهد عدة مرات، وفي كل مرة كان ينهض ويلحقهم صارخا:" هاتو كندرتي يا أولاد الكلب." ثم يضربوه ويسقطوه أرضا. في المرة الأخيرة ضربوه ضربا مبرحا حتى سقط على الأرض وعجز عن النهوض وقد غطت وجهه الدماء التي سالت من جروح مختلفة في رأسه ووجهه. رحلوا وتركوه ملقى على الأرض. أخذ يبكي وينوح:" آخ يا با يا حبيبي، اخدوا كندرتي الجديدة." دوى صوته في الوادي ورجع صداه إليه حتى ظن أن أحدا غريبا يخاطبه. ثم تغلب على نفسه و قام وتابع سيره إلى حقل والده وهو يتمتم: " معلش يا ولاد الكلب والله لفرجيكم والأيام جايه."

د. نضال الصالح / فلسطين



#نضال_الصالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيوعي وسقوط الحلم
- العلاج بواسطة الصلاة عن بعد
- كيف جرى تزوير تاريخ فلسطين والشرق الأدنى القديم
- الصديقة
- الحائرة
- عقال الباشا
- الملاك
- هل هناك حياة أخرى موازية لحياتنا على الأرض؟
- تعالوا نحطم مرايانا
- كيفية ظهور - الله- في الوعي العربي
- بعض من الحكم التاوية
- أمنية
- المعتقدات الدينية الصينية وفلسفة الوجود
- الآخر في الديانة اليهودية
- التوراة في الفكر الديني الإسلامي : كتاب مقدس أم محرف ؟
- عندما يصبح غصن الزيتون رمزا للمقاومة
- القصص القرآنية بين التاريخ والخرافة
- المتاهة
- الوداع الأخير للحب الأول والأخير
- العار


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال الصالح - الحذاء