حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 2666 - 2009 / 6 / 3 - 06:52
المحور:
الادب والفن
منتصف ليل البارحة دخلت الخمسين من الصفر. لم أنم جيدا
مشكلة مزمنة مع النوم,لها صلة بالكحول والتدخين بشراهة,تنبع من الخوف والقلق...مشكلة.
كنت غاضبا جدّا. شربت ليس إلى درجة فقدان الوعي, خدر يكفي لإطلاق سموم الغضب
حاولت بمختلف السبل استدعاء النوم وفشلت.
ما تخيّلت يوما نفسي في الخمسين.
لا أكره أكثر من طول العمر. عبارة تخيفني, ترعبني
لم يعد الانتحار مركز اهتمامي. أقلّه لم يعد في الصدارة ....
حاولت التفكير بتركيز وهدوء. ليس متيّسرا لغاضب وقلق وخائف_الاسترخاء والتفكير بعمق.
هذه حياتي.....سلسة طويلة من سوء الحظ وسوء التدبير
لا سبيل آخر أمامي إما وقف هذا العذاب بالقوة والقصد أو تغيير عقلي وتفكيري.
لا حل آخر
.
.
بعدما فككت العقدة إلى خيوطها الرئيسية: العمل, الحبّ, العلاقة مع الحياة, الانتماء,الانجاز.
أبدأ بالعلاقة مع الحياة. نقطة المركز
ليست الحياة بحدّ ذاتها مصدر كراهيتي وقلقي, الصيغة المتوفرة لي يتعذّر قبولها_ الرضا والمحبة وبعدها الامتنان.....بذخ مضاعف يفوق كل معطياتي
إذن!
لتعيش وتستمر,يتحتّم عليك الدخول في الصراع....صراع الجرذان على كسرة الخبز
من تظن نفسك أيها الغبي....المشكلة هنا دوما وبدون حلّ
غريزيا تسعى الأحياء لتوسيع مجالها الحيوي. البشر أكثر بمتوالية هندسية
تتخلّى كليا أو تدخل في الصراع
*
تغيير اتجاه العدوانية من الداخل إلى الخارج,بالفعل,وليس بالصراخ الصبياني فقط_كلمة السر.
*
ماذا عن المهارات,المتعددة والمعقّدة؟
ماذا عن رسم المخططات سرّا, التحايل والخداع, تجاوز التعاطف أو ما تسميّه التورّط العاطفي السريع والخاسر.....والنتيجة هامش الربح الضئيل!
لقد ابتلعت من الاهانات_على مدى خمسين سنة_ ما يكفي بلدا ويزيد
العتبة.....المبالغة_ اسطرة الذات
تمّهل...حاول الاسترخاء
حاول بجهد وجدّ أن تتعلّم كيف تحب نفسك وتحمي حقوقك.
.
.
بقيت زمنا في وضعيّة المتّهم_ يحاول أولا أن يثبت براءته...عقدة الذنب المتأصّلة فتحت أبواب الجحيم في وجهي...
عقدة الإهمال كانت القاعدة الأساسية للانحدار. الخوف أن أترك وحيدا...بلا حبّ ولا واهتمام
منذ ساعات دخلت الخمسين من الصفر
*
لطالما كانت حياتي جميلة_أكثر من رائعة
نعم هذا حقيقي. في كل يوم أعيش لحظات سعادة قصوى
نشوة سماوية أكثر مما يمنحه الكحول...وتجربة المخدّرات_ مرتين أو ثلاث.
سحر الجمال ليست العبارة مبتذلة, صيغ ورودها كثيرا ما تكون منفّرة ومشبعة بروائح الأنانية والتضخّم الذاتي. الورم النفسي .أسطرة الذات....
ما سرّ ذلك الولع بالتأكيدات....التضخيم,كثرة المترادفات,الالتفاف حول نفس النقطة....
نقصان التقدير الذاتي من جهة_ جنون العظمة في المقابل,وجها العملة الواحدة.
.
.
كشف العيوب الشخصية والنواقص ليس بالأمر الممتع.
في بلد,مثل سوريا, ترتفع فيه شدّة العدوانية والغضب فوق العتبة ....بكثير
سيستخدم ضدّك يوما ومن الجميع. هل قلت الجميع.....أجل
لكن أن تتخفّف من ثقل الستائر والحجب, ثم تعتاد على ذلك ويعتادك الآخرون....نتيجة مذهلة.
لا شيء يستهلك الطاقة الوجدانية أكثر من التستّر والعيش في الخفاء
أمر آخر,الشخص الغاضب والعدواني سيريك دوما اقلّ مما أنت عليه
النزول على وحل الواقع
.
.
ها أنا أتحضّر
هل يمكن لقارئ تجاوز محو الأمية,أن ينكر, أهمية ديوان"نحن لا نتبادل الكلام" في الشعر السوري أو العربي!
هل يوجد في سوريا"ممنوع من السفر" تسبب منعه في خراب حياته أكثر من حسين عجيب!
يغمز ويضحك....كثيرون من أصدقائي
لم يرد لك شيء في انطولوجيا الشعر السوري
لم يرد اسمك في قوائم الممنوعين من السفر
.
.
سبب منعي من السفر جنائي_ جانح خطير
وعدم ورود اسمي بين الشعراء لأنني كاتب رديء_ هي مسألة ذوق
.
.
اضحكوا يا أصدقاء....وأنا سأضحك معكم ومنكم
هذا اليوم دخلت وحل الخمسين
عاريا وأعزلا
كما رماني الله في سوريا منذ نصف قرن
ونسيني
*
استيقظت في الخمسين
احتقان في الأنف وجفاف في الحنجرة والحلق.
قصصت شعر رأسي على الصفر بمناسبتين
عودة فريدة سالمة غانمة وسقوطي في مرحلة الشيخوخة
وفكّرت.....بحكمة العجائز,في تدبير بقية العمر
المال والسلطة والشأن العام والسمعة.....آخر همومي
نيل إعجاب الآخرين_ عبر الكتابة أو بابتلاع الغضب والاهانات....مرضي العقلي والعاطفي
أتوقّف بحنكة كهل في الخمسين, أفكّر, .....أغمض عيناي وأسترخي
لا تقلق يا حسين لا تغضب يا حسين لا تخف يا حسين....
ما مضى أعظم وأسوأ
لقد وصلت إلى القاع_ أنت الآن في القاع
ما الذي تخشاه بعد.....
.
.
الأسوأ قد مضى
أجل,
لكن الأجمل مضى معه أيضا
.
.
كل عام وأنت بخير
احتفل بنفسك وأنت تدخل الخمسين, بحنكة ومهارات....تستطيع استحضارها_ ساعة تشاء
بأطراف أصابعك
نرجسية....
هل قلت نرجسية بتفخيم؟
لماذا الادّعاء,وتطيير البالونات الملوّنة من خيالك إلى العدم
ليس من السهل بعد خمسين سنة من سوء الفهم والغباء والاحتقار المتبادل
ألاّ تستنفد آخر ذرّة نرجسية
ألا تعني النرجسية أولا العشق الذاتي ومحبّة النفس بمختلف الحالات.....
.
.
صحن الطبيخ الشهي, من جيراني الطيبين
أعادني إلى شروط الواقع وضروراته
بعد غداء دسم
ينام الكهل _بسلام مثل طفل
*
وصل الليل مجددا,وغرقت بسنادا في الظلام.
_هل تسمع مثلي ذلك الصوت؟
لا أحد في هذه الخرابة سوانا, حاول أن تسترخي
الشباب لا يدوم,وأنت لم تعد شابا...
صوت بعيد,ومتقطع,كأنه يخرج من جماجم تتدحرج بين الصخور.
صوت لزج,يمكن لمسه وحتى وزنه
أجنحة سوداء وبيضاء, أجنحة تصارع للبقاء ولو لحظات,قبل السقوط في المحرقة
_التلفون يرنّ
لا أحد
الموتى لا يكذبون
...شرور الواقع. الوحل المصفّى بعناية
لتنام
بكل هدوء ممكن
هذا يوم لا يشبهه سواه
يوم بطول الأبد
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟