أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نقولا الزهر - طبق القش














المزيد.....

طبق القش


نقولا الزهر

الحوار المتمدن-العدد: 807 - 2004 / 4 / 17 - 12:37
المحور: الادب والفن
    


ما أن وضعَ { هشام أيوب} فنجان القهوة أمامي، حتى راحت الكلماتُ تتدفق منه كالسيل : لقد تعرفتُ اليوم يا عامر،على صبية رائعة ، متوسطة القامة ، ممتلئة قليلاً ، سمراء ، شعرها يتراوح بين الأسود والكستنائي ، تلبس بنطالاً أسود ، وقميصاً صيفياً زهرياً ، فيها ملامحُ الصبيةِ التي ودعت للتوِ دنيا الطفولة . على صدرها عقدٌ مشغولٌ من الخرزِ الملون، يشبه التمائم التي تضعها الفتيات الجزائريات في منطقة القبائل المطلة عل البحر . وفي أذنيها قرطان برونزيان عريضان . كانت تبدو واثقة من نفسها ، وكأنها أكبر من سنها .
- من هذه الصبية التي تتكلم عنها بهذا الحماسِِ الشديد يا هشام ؟
- للحظاتْ.. يا عامر ، لم أعرفْها ، لولا دموع أختها { نائلة } التي سارعتْ لتقول بصوتٍ لا يخلو من احتجاج:
- بابا....أختي { راوية } .
قلت ُ لزوجتي محاولاًَ حبس دموعي :
- مرت الأيام يا { عَهْد } وراوية أصبحت أطولَ منكِ .
هنا علقت راوية مباشرة مداعبةً :
- بابا : " كمان لازم تشوف أن الماما لابسة كعب عالي " .
- في تلك اللحظة كانت أمنيتي أن تتمزق المربعات الصغيرة ، لألثمَها وأعبثُ بشعرِها........
ثم راح مستغرقاً { هشام أيوب } ، في كلامه على زيارته الأسطورية:
وجناتهم جميعاَ كانت غارقةً بالدموع ،لا يصدقون أعينهم .أمي كانت متماسكة رغم أنها كانت تقرع أبواب الثمانين ، ولكن { الرُعاش } اللعين يبدو أنه شرَعَ في غزوِ أعصابها، وأصبحت مِشيتها متباطئة ضعيفة ، وهي التي كانت حينما تمشي، تطحنُ الحصى تحت قدميها . دهشتي براوية كانت كبيرة ، لأني لم أعرفها إلا في عالمِ عربة الأطفال، والحليب، والألعاب، وتوصيلها صباحاً إلى إحدى جدتيها. وحتى في أحلامي هنا ، لم أشاهدْها أبدا إلا طفلةً صغيرة، لا يزيد عمرها عن السنتين.
قلت لها أثناء الزيارة :
- راوية هل تتذكرين شيئاً عني ؟
أجابت على الفور : بابا ، الذكرى التي لا أنساها ، هي ، حينما كنتَ تشرب القهوة مع الماما على شرفةِ البيت، ثم نزِلتَ مع { نائلة} لتشتري بعض الأشياء المصنوعة من القش من رجل كان يفرِد حاجياتِه على الطريق أمام بيتنا، وقد اشتريتما آنذاك طبقا مزخرفاً جميلاً ، وبعض الأواني الأخرى التي تستخدم لوضع الفواكه، و أدوات الخياطة. ولا يزال في ذاكرتي ذلك المشهد حينما رحت تعلق هذا الطبق المصنوع من سنابل القمح على أحد جدران غرفة الجلوس.
ثم تابعت كلامها قائلة :
- بابا كن مطمئناً ، إني أعرف عنك كلَ الأشياء ، من أمي وأختي وجدتي ، طوال آلاف الأيام التي مضت.
يتابع هشام أيوب:
- اعذرني يا عامر، إذا استغرق حديثي عن راوية معظم جلستنا . لكني أريد أن أقول لك شيئاً، بقي يؤرقني طويلاً؛ فبالنسبة إلى إبنتي نائلة، فقد كانت رفيقتي في الكثير من الأحيان إلى الحدائق والحارات القديمة والأماكن الأثرية الدمشقية. لكن الأمر يصعب إلى حدٍ كبير، حينما يشعرُ المرء أن أحد أبنائه لا يعرفُ عنه شيئاً إلا من خلال الأحاديث والحكايا والصور. إنني الآن أشعرُ بشيء من السرور والفرح يجتاحني من الداخل. و أكِنُ لهذا الطبقِ البسيطِ المصنوع من القشِ كلَ الحب والامتنان .....
يتابع هشام حديثه قائلاً :
- عامر ، لم أتكلم لك عن { عهْد} . كل ما أقول لك عنها ، أن هذه المرأة حينما اختار والداها إسمها ، كان يبدو لديهم حسٌ عميق بأنه جزء من كيانها. فهي كما عهدتها دائماً، في كل الظروف كانت لديها القدرة على أن تبثَّ في السوادِ بياضاً ..وتحيي في الرمادِ عوداً أخضر ....
شكرتُ هشاماً على قهوته وحديثه الرائع المترع بعواطفه الجياشة التي لم يتح لي أن أكتشفها لديه من قبل، وغادرتُ سريره الضيق ،الذي لم يخلُ منذ أيام من المهنئين بزيارته اليتيمة بعد ثلاثة عشر عاماً من وصوله إلى مقابر الزمان الرمادية بالقرب من مقبرة نهر المدينة..........
********************

نقولا الزهر- دمشق- تموز- 1993



#نقولا_الزهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شجرةٌ من جبالِ قَلْمونْ
- حارس الطريق الجنوبي - قصة قصيرة جداً
- مصباح جديد
- سرابٌ في حلمٍ نيساني - قصة قصيرة جداَ
- حكاية كلمة صغيرة
- مداخلة في موضوعات المؤتمر السادس - الحزب الشيوعي السوري /الم ...
- دستور العراق المؤقت.... يقسِّم أكثر مما يجْمع
- مداخلة حول الإصلاح والتصليح
- صور متقاطعة من شرقِ المتوسط
- ليلة أحلام وثلوج وشموع في البرج السادس
- أبوسلمى
- لجوء الموتى - قصة قصيرة جداً -
- رسالة إلى أمي
- فنجان القهوة -قصة قصيرة جداً-
- أبو شمعة - قصة قصيرة جداً
- مصلحة كل التنويعة العراقية في دولة قائمة على الوِفاق والمواط ...
- رسالةإلى وردةٍ بيضاءْ
- ساحة ...في عاصمةٍ مملوكية
- مداخلة في مفهوم الفصل


المزيد.....




- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...
- الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة( ...
- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نقولا الزهر - طبق القش