أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نقولا الزهر - مداخلة في مفهوم الفصل















المزيد.....

مداخلة في مفهوم الفصل


نقولا الزهر

الحوار المتمدن-العدد: 754 - 2004 / 2 / 24 - 18:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لايزال الذهن العربي، عند طرح مسائل فصلِ الدين عن الدولة  وفصل الدين عن العلم وعن المدرسة  وفصلِ المجتمع المدني عن السلطة ، وفصل سلطات الدولة عن بعضها البعض،  يذهب مباشرة بالنسبة إلى مفهوم الفصل في هذه المقولات إلى معاني القطع المطلق وبتر العلاقات بين الأشياء ؛ في الوقت الذي لم تكن دلالات الفصل على هذا النحو خلال السياق التاريخي للغة.
-1-
لقد انحسر إلى حدٍ كبير المعنى البدائي لمفهوم الفصل الذي يحيل إلى القطع والبتر. فهو في أكثر استعمالاته شيوعاً يفيد التنظيم والتفصيل والترتيب (فصول السنة  وفصول الكتاب والمسرحية والمدرسة وفصائل النبات والحيوان و فصائل الجيش والمقاومة..). و يحيل على التقييم والتخمين (فَصْل  قيمة الأشياء يعني تثمينها وتسعيرها، و يقوم بهذا الفاصِل والفصَّال). كما تدل الكلمة على أهم الكلام والقول فيقال (فصْل الخطاب وفصْل المقال).
و السمة العامة والغالبة لمفهوم الفصل هي الفصل والربط بين الأجزاء في آن: فالمِفْصَل يفصل بين عضوين ويربط وينظم العلاقة والحركة بينهما، والجسم كله قائم على المفاصل، وكذلك الآلات جميعها تعمل وتتحرك عبر المفاصل. والساحات والمفترقات تربط وتفصل بين الطرق والشوارع. وفي النص المكتوب لايستقيم فهم المعنى الكلي مالم تتوفر فيه أدوات الفصل(النقاط والفواصل). ولقد اقترن دائماً الفصل بالوصل ، كما اقترن الحل بالعقد. ومن أهم وظائف الفصل والمفاصل والفواصل ، الإبقاء على حرية الحركة النسبية لأجزاء وحدة ما، ضمن إطار قدرة هذه الوحدة على القيام بوظيفتها الكلية.
-2-
وفي البنية الاجتماعية هنالك فصل بين الفكر والسياسة رغم العلاقات العميقة جداً التي تربط بينهما، وهما مستويان مختلفان فيها ولكلٍ منهما لغته الخاصة. وهذا ينطبق أيضاً على الدين الذي ينتمي للمستوى الفكري داخل هذه البنية وليس لمستواها السياسي. وكذلك الحال بالنسبة إلى السياسة والإقتصاد، فرغم صلتهما العميقة جداً هنالك فصل واستقلال نسبي بينهما كما هو بين الشعور واللاشعور كما يقول انجلز.
ومنذ القديم أطلقوا على الحجر الذي يفصل ويربط بين جدارين: حجر الزاوية. ويطلق البناؤون إلى الآن في بلادنا على هذا الحجر الفاصل الواصل: الدستور. فالدستور في لغتنا العربية إلى جانب كونه حجرَ الزاوية الذي يشكل أهم عناصر استقرار البناء، يستخدم أيضاً في علاقات الناس فيما بينهم عند استئذان أحدهم الآخر في قضايا يومية مختلفة، وفي الدولة المعاصرة هو قانون القوانين فيها.
لقد ارتبط مفهوم الدستور في الدولة الحديثة بمفهوم فصلِ السلطات ، وطبعاً هنا لم يكن يعني مونتسكيو وديدرو وكل الحقوقيين الدستوريين في العالم بمفهوم الفصل الطلاقَ والقطيعةَ بين هذه السلطات؛ بل قصدوا بفصلِها تحريرَها من طغيان إحداها على الأخرى وتنظيم العلاقات الموضوعية فيما بينها ، وعدمَ إلحاق السلطتين التشريعية والقضائية بالسلطة التنفيذية المالكة للقوةِ وأدوات القمع.
-3-
ففي الدولة السوفياتية لم يسدْ مفهوم الفصل، لا بين السلطة والحزب  ولا بين السلطة والحزب من جهة ومؤسسات المجتمع المدني من جهة أخرى. ما ساد هناك هو سياسة الدمج، و طُمْس كيان الفرد عبر إلحاقه بعلاقات إسمنتية وفولاذية مع الجماعة. فالمشكل بمجمله هناك كان يتعلق بتكلساتٍ مفصليةٍ في كل المستويات.
وفيما يتعلق بالفصل بين الدين والدولة، فجلََّ ماجرى في هذا الصدد، كان إلغاءً تعسفياً للظاهرةِ الدينية الموضوعية في المجتمع . ماحدث لم يكن أكثر من عملية استبدال دينٍ سلطويٍ بدين سلطويٍ آخر، فالسلطة هناك استبدلت الدين بالماركسية المسَفْيتة التي تحولت إلى دين جديد(فكر كامل ناجز وأي اجتهاد فيه هو "تحريف" = كفر ). فمثلما القيصرية كان لها دينها المتحالف معها, كذلك الستالينية أصبح لها دينها وأنبياؤها وكهنتها وفقهاؤها المبشرون بها والمسبِّحون بحمدها.
وأيضاً لم يكن هناك فصل بين سياسة السلطة والفكر والأدب والفن ، فكان كل من يخرج عن طقوس {الواقعية الإشتراكية الجدانوفية} يدخل في خانة المضطهدين(باسترناك وسولجينيتسن وغيرهم كثيرون)، وحتى لم ينج من ذلك كتاب وشعراء من ذوي القامات العالية (مكسيم غوركي، ماياكوفسكي، ألكسي تولستوي..)
وكذلك  في الدول الشمولية الأخرى بما فيها الدول العربية "الثورية"، فلقد أوجدت السلطات الحاكمة فيها استنساخات ايديولوجيةٍ دينية على النمط السوفياتي، عصية أيضاً على الاجتهاد والإصلاح. وفي الواقع، لم تقتصرصنعة "التكفير والزندقة" على حكام العصور الوسطى وحلفائهم من رجال الدين، أوعلى الأصوليين الإسلاميين المتطرفين في عصرنا، كذلك السلفيون والتماميون من أهل اليسار كان لهم في عصرنا باع طويل في هذه المهنة.
لربما كان غياب مفهوم الفصل في الإتحاد السوفياتي من أكثر العوامل التي أدت إلى انهياره. فنبذ السلطة السوفياتية  للفصل والتفاصل والمفاصلة، أدى إلى التفكك والإنفصال(على وزن انفعال) بسبب المعاناةِ والغبْنِ والإخضاع  والطغيان والتبعية. والمفارقة التاريخية هي أن في الوقت الذي كنا نشهد عملية الانفصال الدرامية في كل من الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا، كنا نشهد من طرف آخر عملية توحدٍ ديموقراطيةٍ هائلة في أوربا أساسها الحوار والفصل والمفاصلة وتفصيل الأشياء المزمَعُ توحيدها؛ ومن ثم حين تسارع هذه الدول ذاتها التي لمَّا تنعم بحلم انفصالها بعد، لتصطفَ على بوابة الدخول إلى الاتحاد الأوربي. في الواقع المسألة هنا لاتتعلق بمفارقة وإنما بالسمة النابذة للوحدة القائمة على علاقات الدمج والقسر التي تجعلها تنتهي بالانفصال، وبالسمة الجابذة أو الجاذبة للوحدة القائمة على الفصل والمفاصلة والتفاصل التي تمنحها القدرة على الاستمرار والتقدم.
-4-
وأيضاً الدول العربية "الحديثة" بجناحيها التقليدي "الرجعي" و "الثوري التقدمي"( بحسب تصنيف الخمسينات والستينات)، فقد افتقرت إلى الفصل ومشتقاته واستمرت تشكل كيانات "ماقبل الدولة" وما "قبل السياسة"، وهي كما نراها، في هذه الأيام التي نعيشها الآن، متخلفة وعاجزة عن المحافظة على وجودها.
وأيضاً الإسلام السياسي المتطرف الذي طفا بقوة على السطح كقطب منافسٍ للأنظمة، بعد هزيمة المشروع القومي العربي، الناصري والبعثي في (5 حزيران 1967)،لم يفهم مقولة الفصل بين السياسة والدين إلا قطيعة وبتراً نهائياً للعلاقات بينهما. لذلك فهو يجعلهما دائماً في مستوىً واحد داخل البنية الاجتماعية، في الحال الذي هما مستويان اجتماعيان متمايزان ومختلفان. فالفصل بين المستويين مكاناً وزماناً كان قد فهِمَه الخليفة عمر بن الخطاب حينما فصل بين النصوص وضرورات الواقع، وكذلك فهمه معاوية وعبد الملك ابن مروان وأبو جعفر المنصور وهارون الرشيد والمأمون والمعتصم وكثيرون غيرهم.وانتهى في الواقع هذا الفصل مع إغلاق باب الاجتهاد في القرن الخامس الهجري.
ثم عاد مفهوم الفصل ليظهر بأشكالٍ وسوياتٍ مختلفة لدى مفكرين مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وقاسم أمين وعلي عبد الرازق وطه حسين وآخرين. وكان كتاب "الإسلام وأصول الحكم" لشيخ الأزهر علي عبد الرازق الذي برأه القاضي آنذاك بعد دعوى تكفيرية ضده، نقطة مضيئة ومتقدمة على طريق فكر عدم التطابق بين السياسة والدين. ولكن عودة الفصل هذه لم تدم طويلا فدفنت من جديد. والمفارقة أن الدفن قد تم في آن على أيدي الأنظمة العربية الثورية وعلى أيدي التيار الأصولي المتطرف الذي جاء انفعالاً انعكاسياً على ممارسات الأنظمة.
-5-
البنية الاجتماعية، هي بنية ثلاثية البعد بالإضافة إلى بعدها الزمني(البعد الرابع)؛ بينما يراها الماضويون والتطابقيون بنية ثنائية البعد(بنية مستوية). ومستويات هذه البنية، الاقتصادي والسياسي والفكري، ليست متوازية غير متلاقية فراغياً، بل هي متقاطعة ومتصلة ومتفاعلة.
فالسلفيون (ابن تيمية، محمد ابن عبد الوهاب...) ومنظرو الحاكمية(المودودي، سيد قطب..)، والاسنساخيون ( المدرسة الديوبندية، الملاعمر، ابن لادن ، أيمن الظواهري، أبوقتادة، أبو حمزة...إلخ ) وكل أصحاب العلوم الكاملة والمغلقة على الجدل والنفي والاجتهاد، على مختلف أديانهم ومذاهبهم وطوائفهم واثنياتهم وايديولوجياتهم، بيمينهم ويسارهم، ينتمون لمدرسة البعدين(الهندسة المستوية)  والنافر بالنسبة لهم (البعد الثالث) يجب استئصاله على الدوام، ولا يعترفون نهائياً على البعد الرابع(الزمن)، وهذان البعدان يدخلان لديهم في إطار التحريم والتكفير والتحريف. لذلك هم تطابقيون واندماجيون مع نصوصهم، ولايرون الخيرَ إلا فيها، ومتوازون غير متلاقين وصراعيون مثنويون واستئصاليون مع نصوص غيرهم. لذلك فجهادهم أبدي سرمدي.
 فالأوربيون أخذوا من ابن رشد  ولم يضِرْهم ذلك في شيء أنه كان مسلماً شرقياً وعربياً. وهنا كانت بداية انتصارهم الفكري، حين لم يتورعوا من أخذ الفكري المتقدم من الآخر. ثم جاء الإصلاح الديني ونقد نصوص الدين ليسهما في تأسيس العقلانية والعلمانية الديموقراطية. فعلمانية الأوربيين ابتدأت تقاطعية ناهلة من الآخر العربي والمسلم، وحين انتصرت لم تنفِ الدين من المجتمع مثلما نفاه السوفييت، ولم تجعل منه عدواً لها، بل فصَلتْ وفصَّلَتْ وحررت العلاقة معه للتحرر من طغيان دعاة التطابق مع نصوصه.
-6-
في ظل ما تتسم بنية عالمنا العربي من تغاير وتنوع، فمن أولى المهام الملقاة على عاتق أي نضال فكري وسياسي عربي مستقبلي، هي أن يوليَ اهتمامه الرئيس لمفاهيم الفصل والمفاصل والإستقلال النسبي ولمفاهيم العلاقات لتوحيد هذه البنية ديموقراطياً. ونحن أحوج من أي وقت مضى إلى رفع شعار الديموقراطية قبل أي شعار آخر داخل كل قطرعربي، لأن الوحدة العربية لن تقوم في ظروف واقعنا التاريخي الراهن إلا بين دولٍ  ديموقراطية . ولا بد من أخذ الدروس من التجارب الوحدوية التي انتهى جميعها إلى الفشل بسبب عدم أخذها بمفاهيم الفصل والفروق .
نحن لانعتقد أن الحماسَ كثيراً لمفاهيم الدمجِ ، و"توحيد المذاهب " وصهر التنوعات في المجتمع وتأسيس الحركات السياسية العربية الواحدة يؤدي إلى "الوحدة الوطنية" و"الوحدة العربية". ماهو مُلِح هو تأسيس دولة الفصل والديموقراطية والمواطنة في كل قطر عربي أولاً. بدونها لايمكن إعادة الناس إلى الوطن من هجراتهم إلى طوائفهم ومذاهبهم وإثنياتهم. والوطن القائم على الدمج القسري لأنواعه وتنوعاته، ينقطع عن كونه وطناً، ويفقد سماته كدولة حديثة تقدمية، ولا يلعب دوراً جاذباً وجابذاً من أجل الإسهام في تأسيس دولة عربية موحدة، أو تأسيس كيانٍ إقليميٍ ذي شأن دولي .



#نقولا_الزهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نقولا الزهر - مداخلة في مفهوم الفصل