أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نقولا الزهر - ليلة أحلام وثلوج وشموع في البرج السادس















المزيد.....

ليلة أحلام وثلوج وشموع في البرج السادس


نقولا الزهر

الحوار المتمدن-العدد: 788 - 2004 / 3 / 29 - 07:45
المحور: الادب والفن
    


( قصة قصيرة)
نقولا الزهر
-I-
كان معظم المقيمين في البرج يغطّون في نومهم ، من راديو القاهرة كان عبد الرحمن الأبنودي يروي عن نهرِ أيامه ، وعينا { وائل } تتأرجحان ما بين العقدِ الذي ينسجه لإبنته نائلة ،التي يقترب يوم ميلادها، وجزر العنكبوتِ التي يزدحم بها سقف البرج الشامخ بأحجاره العملاقة ....
فلقد آل هذا المكان ، الذي عاش بين جدرانه الكثير من أعيان التاريخ ، إلى بيتٍ يبدو لعين المرء في لحظة سكون ، كخيمةِ غجرٍ فوضوية...أمتعة مكوَمة هنا وهناك ، ثيابٌ المعتقلين المغسولة منشورة على الحبال ، أكياس وحقائب وسحاحير خشبية معلقة على الجدران ، أكياس السكر والشاي ، والأباريق ، وزجاجات الزيت والجرائد والأحذية مبعثرةٌََ على الأرض . بطانيات عتيقة ممزقة تصطف إلى جانب بعضها كالنعوش ، تلف أجساد النائمين...أصوات شخير هنا وهناك..
ثم راحت أنداف الثلج تتساقط من فتحات سقف البرج ، وراح النائمون يتقلبون تحت أغطيتهم ليلفوا أنفسهم بها من أصابع أقدامهم حتى قمم رؤوسهم...
انطفأت الأنوار ، انسلَّ وائل تحت غطائه ، بقي جهاز الراديو ملتصقاً بأذنه، وما أن ودََّع المذيع ضيفه الشاعر، حتى رفع البطانية فوق رأسه . لكن يبدو أن النوم قد طار من بين الجفون. فوضع نفسه داخل فروته، التي جاءته هدية من جدته في زيارتها الوحيدة له إلى هنا قبل أن تغادر هذه الدنيا، راح يتسكع في الممر الطويل، بخطواتٍ بطيئة متمهلة، تكاد لا تسمع، كان قد أتقنها جيداً منذ عدة سنوات.
كان عبد العزيز متربعاً مغلفاً نفسه ببطانية، سبق أن خاطها على شكل جلبابٍ ذي قبعةٍ على الطراز المغربي وسماعة الراديو في أذنه ، يسمع أم كلثوم كعادته ، يعبّ من سيجارته أنفاساً عميقة ، يخرجها من أنفه وفمه مع تنهيدةٍ صامتةٍ طويلة. يدعو وائلاً على كأسٍ من الشاي لونه بلون الحبر الصيني. لم ينبس { أبو العز } مع ضيفه ببنت شفة، نظراته كانت قلقة ومشتتة خارج جدران السور. يبدو أنها كانت عند { زينة } ابنة عمه؛ هذه الفتاة لم يخرج معها قبل مجيئه إلى هنا، سوى مرة واحدة في شارع الأعمدة في بلدته بعد تلبيس الخواتم. ومنذ مدة كان قد تلقى أخباراً تفيد بأن أهل الفتاة بعد أن مضى سنة على غيابه راحوا يضغطون على إبنتهم لتقلِعََََ عن انتظاره ...
كان { رضوان العصملي} منهمكاً على ضوء شمعته الخافت ، بقراءة " رؤيا يوحنا اللاهوتي " ، ومستغرقاً في أخبار الياجوج والماجوج، و المدنٍ السبعة الفاسقة، والمائة والأربع والأربعين ألفاً من الناجين وأزوفِ نهاية العالم ...بالقرب منه كان{ أبو السمرمر } منبطحاً على بطنه في داخلِِ أسطوانةٍ من البطانيات قد لفها حوله، يكتب بعض شعره " الحنبروشي " دون كلل ، لعل وعسى أن يأتي بشيء جديد في هذه الليلة ، ليردَ الإهانة التي وجهها له { غالب } في آخرِ أمسيةٍ شعرية جرت في البرج، حين اتهمه بسرقة بعض الجمل والصور، من بدر شاكر السياب وأمل دنقل ومحمود درويش وخليل حاوي ...
ينهضُ { يوسف الراهب } من نومه الغارق فيه منذ الثانية بعد الظهر بعد الغداء، من ثنايا بطانياتٍ لم تعرف التوضيب منذ أشهر. يشرع بإشعال شمعاته الثلاث المعهودة ، ليمارسَ على أضوائها كعادته مثل كل ليلة تأملاته الطويلة ويقرأ ستندال وهوغو وروسو. ينهض ويمشي مع وائل على رؤوس أصابعه ، ليريه بعض الشقوق في جدران البرج ، حيث تعيش نباتاته وأزهاره التي يربيها بين الحجارة القديمة. ثم يريه فراشاته التي اصطادها ،وصبِّرَها على لوحاتٍ من الورق المقوى ، ولم ينس طبعاً " يوسف الراهب " أن يصب لوائل بهدوء قدحا من النبيذ الذي خمََّره في العام الماضي...
وبعد أن تعب وائلُ من تسكعه ، يتجه إلى باب البرج ، ليجلسَ خلف قضبانه الغليظة، على كرسي صغير مصنوع من علبة حليب فارغة ، ثبتت عليها بعض دفوف سحاحير الخشب السميكة. ثم راح يسترقُّ لهسيسِ الثلج ، ويتنسمُ عبقَ ياسمين الشتاء ، الذي كان يتناثر بين الأرض والسماء ... في الوقت الذي كانت عيناه الشاردتان تخترقان حجارةَ السورِ الشاهقِ المنتصب أمامه .

-II-
استفاقت عيون وائل على صوتِ والديه ، كانا يفتحان المسالكَ أمام باب الغرفة الجنوبية ونوافذها ، في وسط الثلج المتراكم على علوٍ كبير، في فناء دارهم ،في قرية "وادي الشربين " .
ينهض وائل من فراشه، يُدخلُ رأسَه في قبعة صوفٍ خشنة من صنع والدته، من التي كانت تغطي الرأس بكامله حتى تحت الذقن ماعدا العينين والأنف والفم، ثم يصعد مع والده وأخيه الأكبر (أسعد) إلى سطح المنزل ليجرفوا الثلوج عنه .كان جبل الشربين الذي يناطح الغيوم، يبدو كهرمٍ أبيض ، يتبختر بين عشراتٍ من الأهرامات البيضاء الصغيرة على جانبيه . كل شيء في وادي الشربين كان أبيض ناصع، ما عدا بعض الأسطحة القرميدية القليلة التي كان يختلط فيها الأبيضُ بالأحمر. الأزقة والساحات غرقت تحت الثلوج، وحتى عقارب ساعة برج الدير الكبير كانت مختبئة تماماً. وكذلك (زكريا الحسيبي) كان معطفه الأسود الذي لم يخلعه ولم يغسله ، منذ أن عاد من الولايات المتحدة ، ناصع البياض أيضاً .. فلقد خرج {أبو حنا} مبكراً من التنور الذي كان ينام فيه، وجاء كعادته مثل كل يوم ليسند ظهرَه على باب مغارة { بيت زلفا } ، كان في هذا الصباح يشبه تمثالاً من الثلج؛ فلولا لحيته التي لم يقصها، منذ أن عاد إلى وادي الشربين ، وبصيص سيجارته التي تكاد أن تحرق شاربيه، لا يمكن لعابر طريق أن ينتبه إليه ...وبينما كان وائل منهمكا فرحاً بجرف الثلج ، ينتابه فرح طفولي أكثر عمقاً، لأن في مثل هذه الأيام تغلق المدرسة أبوابها، وسيبقى إلى جانب النار الممتعة ويمارس هوايته في لف لفافات المكوك لأبيه. نزل (أبو أسعد) وولداه من السطح . كانت { أم أسعد } تسكبُ الكِشكَ الساخن اللذيذ المطبوخ بقديد اللحم{ القاورمة }، في أطباق فخارية على طبق من القش، جلسوا جميعاً حول الطبق وراحوا يلتهمون أطيب إفطارٍ يليق بمثل هذه الصباحات الباردة، بجانب موقد ترقص فيه نيران حطب أشجارالتين وعبقها الرائع...
جلس {أبو أسعد } خلف نوله، ليكمِلَ نسجَ شرشفه الأزرق الجميل ...وراح وائل خلف (المِردَنْ) يحضرُ لفافاتِ المكوكِ لأبيه. وبينما كان مستغرقاً في اللعبِ على هذا الدولاب، كانت لا تفوته رؤية جدته( مريم ) وهي تضع قطعة من الأجر بين الجمر ، لتضعها في فراشها ليلاً لتدفئ قدميها طوال الليل. ثم راحت الجدة تداعبُ بأناملها النحيلة المعروقة ظهر {أنيسة} التي كانت تتنزه بالقرب من النار. فأنيستها هذه تعيش في الدار من قبل أن تتزوج ، وكثيراً ما كانت ترددُ مغتبطة أنها رأتها تتجول في فناءِ هذا البيت حينما دخلته عروساً. فقد كانت تعتني بها كثيراً وتعطف عليها وتضع لها طعامها، كانت تتفاءل بها وتعتبرها خيراً وبركة في البيت، عدا أن الأفاعي والعقارب كانت ترتعد منها هاربة حين تلمح درَّاعتها .
وبينما كانت سلحفاة الجدة (مريم) تُخرجُ رأسَها بين آن وآخر لتشاهد نيران الموقد الحمراء، وتشارك أهل البيت نعمة الدفء في الشتاء، تدخل { مريم مراد }، تقف في عتبة الغرفة حزينة مغمومة على غير عادتها. تخلع حذاءها و تقترب لتجلس إلى جانب (أم أسعد) ،ولتخبرها أن { نيقولا الروسي } قد وجدوه ميتاً ممدداً على الثلج في الساحةِ الشرقية، وبين أنامله إنجيله المعروف لأهالي البلدة المكتوب باللغة الروسية . وقالت أنه قد مضى على صيامه الأربعيني عشرون يوماً كان لا يتناول فيها سوى الماء. فهذا الطبوغرافي الذي وصل إلى وادي الشربين بعد الحرب العالمية الثانية، يبدو أن هاجس الوطن كان يملأ قلبه في لحظاته الأخيرة...وربما دفعه الحنين إليه لأن يتنزه في هذا اليوم الكانوني البارد ويموتَ بكل هدوء مكفناً بالثلج ..
بعد ظهر ذلك اليوم يدخل خال وائل {أبو طنوس }، الذي كان قد وصل لتوه من فلسطين حاملاً في سيارته ، من برتقال يافا وسمكِ طبريا .وحين عاد أبو أسعد من جنازة هذا الشريد الذي مات وحيداً بعيداً عن أهله ، تحلق الجميع حول ما هيأته أم أسعد من السمك الطبراني اللذيذ ..
-III-
أعاد صوت { مروان } بجرْسِه العالي ولكنته الحلبية الأصيلة عينا وائل من ليالي الثلج في وادي الشربين، كان متدثراً فروته ،حاملاً كرسيه الصغير وهو متجه إلى الباب، ينشد ما قاله رشيد أيوب في قصيدته المهجرية المشهورة: يا ثلجُ قد هيّجتَ أشجاني......ذكرتني أهلي وأوطاني ...ثم جلس يحدقُ في اليمام ..الذي يزدحمُ في مثل هذه الأيام بحميمية في نوافذ البرج وطلاقاته هروباً من البرد القارس ..
يقترب { الهمشري } مرتجفاً ، يجثو على عتبة الباب ، يلتصق بالقضبان الكثيفة الثخينة المبطنة بشبكٍ حديديٍ صغيرة عيونُه . كان هذا القطُّ لا يفارقه السحامُ الأسود ،ومصاباً بإحدى عينيه وإحدى ساقيه ..راح الهمشري يلتهم ما تركه له { غسان النجار} من الطعام قبل إغلاق الباب، لكن سرعان ما بدأت إناث القطط تبعث بنداءاتها الجنسية المألوفة، راحت تحوم حوله، راغبةً بشيء من شبقه ، فيبدو أنه بالرغم من تقدم سنه وهمشريته وكل عيوبه، كان يتمتع بقدرة هائلة على تلبية رغبات بنات جنسه، وقد كان في هذه المجال محطاً للتندر .كان يقول عنه { وردان الجاعوني } : "شو بدنا بالحكي فالجسر الذي يحمله الهمشري بين ساقيه لا يلين قبل أن يمتطي ألف أنثى". وأما(أبو محجوب الحموي) فكان حينما تشرعُ القطط بصراخها على باب البرج يرفع صوته ليقول: "يا جماعة يبدو أن ملْزَمَةَ الهمشري بلشت بالشغل ". وقد تعرض{البوابيري } كما كانوا يدعونه أهل البرج أيضاً، لعلقةٍ لاتنسى من (نوري) الذي ضبطه متلبساً، فوق عبلته الجميلة السوداء ذات العيون الخضر، التي يزين عنقها طوق خرزي أزرق، فنوري هذا لم يتحمل أن يعلوَ قطته النظيفةَ اللامعة، مثل هذا القط الأعور، الأعرج، والأجرب الذي يحمل كل أوساخ الدنيا ..
يبتسم مروان ابتسامة عريضة ويقول :
أنظر يا وائل إلى هذا القط الأمعطْ.. كيف يروي ظمأ إناثه ، ويطفئ ناره المتأججة في داخله ، بينما نحن..... "يا لطيف ......على هذي الدنيا شو قاسية".....
هنا يدور حديث طويل بين الإثنين حول الأساطير و ديانات الخصب وفتيات المعبد لدى السومريين والكنعانيين و الشعوب القديمة. فيبدو أن الثلج قد أثار فيهما لواعج الحنين إلى الحب والدفء والرغبة والجنس......
في هذه اللحظة يخرج الدكتور { توفيق الزعتري} من أحد الكهوف في البرج، حانياً ظهره ، ينقل خطواتِه متوجساً، يداه بين ساقيه، كان يبدو خائفاً من تبللِ سرواله، قبل وصوله إلى دورة المياه. حاول فتح باب الدورة، لكن عبثاً لم يستطع، فلقد نسي نظاراتِه بجانب سريره، و بينما كان يحاول الوصول إلى الخيط الواصل بين أكرةِ الباب والمسمار المثبت على الجدار ، يصل (يوسف الراهب) مسرعاً ليفتحه له. فالأماني تكبر وتصغر بعلاقتها مع الزمان والمكان، ففي تلك اللحظة كان الوصول إلى دورة المياه بالنسبة إلى الدكتور توفيق من أهمِ أمانيه ...وأخيراً.... دخل وهو يلعن الدنيا والزمان وتلك الغدة المتضخمة(البروستاة) ، التي كانت تمزق نومَه في أكثر الليالي .
يعود مروان إلى حديثه المرتفعة حرارتُه ، معرجاً على جور الزمان فيقول :
في زماننا الذي نعيش الآن، أصبحت المسافة بين البرج الشمالي الشرقي ، والحي الشرقي من المدينة حيث توجد{ زينب} وحيدة الآن ... أطول من المسافة إلى كوكب الزهرة ..أليست هذه نسبية انشتاين يا وائل؟..هنا يظهر {رضوان العصملي}متجهاً إلى باب البرج، ليعرض على وائل ومروان فكرته الرؤيوية التي توصل إليها، وهي أن يتقدموا بطلب رسمي ليُسمح لهم بلقاء زوجاتهم بين آن وآخر ، وفيما إذا لم تُلبَّ تلك الرغبة، فيمكن أن يرسلوا { ماءَ حياتِهم } بالأنابيب كي لا يحرموا من مشاعر الأبوة. هنا يجيبه مروان على الفور :
رضوان ،هل جننتْ ؟ شو مفكر حالك بباريز وللا بسويسرة! ؟ ...يقفل رضوان راجعاً دون أن ينبس ببنت شفة إلى كتابه المقدس مكتئباً يائساً...
يعلو فجأة صوت { أبو هيثم يوسف الناصر } خارج البرج ،وهو يقول للشرطي { أبو ثائر } : "يا حلو ، يا فهيم ، يا أفندي الله يرضى عليك ، حرام عليك ، ما في حدا بيحللْ ضرب الحيوان ، لا العرف ولا الدين ولا القانون ..حل عن هاالمسكين"....
هنا يلعلع صوت (أبوثائر) هائجاً، محتجاً على(أبوهيثم) الذي قطع عليه متعته :
- " كيف ما بدي أقتله هالحقير إذا كان أكل كل الجبن اللي في الصحن " .
يصمت أبو هيثم الناصر قاطعاً أي أمل من جدوى كلامه مع أبي ثائر.
يأتي في هذه اللحظات{ خليل الضُميري } بقبقابِه الخشبي ، كان يحمل سحارته الخشبية المزينة ببعض صور الممثلات والمطربات. يضع طاولته على الأرض، يضيء شمعتين على طرفيها ، يَصُفُّ المعجون وألة الحلاقة والمرآة والفرشاة وترمس الماء الساخن المعروف وملقط الشعر ثم يشرع بهدوء في حفلة حلاقته الطويلة التي كانت تدوم عادة أكثر من ساعة...
ثم يقترب { حمدان الأسدي } من الباب ، كان متوتراً يحرق سيجارتَه بأنفاس سريعة متواصلة، وفي يده الأخرى كان يحمل فنجان قهوته، الذي يشرب منه بصوت عال ٍ. ما أن انتهى من شرب القهوة، حتى أخرج بيده المرتجفة من جيبه ورقة ،كان قد كتب فيها برقية موجهة إلى كل من الرئيسين بريجنيف وريغان، يطلب فيها منهما عقد قمة عاجلة لإيقاف الحرب اللبنانية، والحرب العراقية الإيرانية. ثم راح يشرح لمروان، أنه قد طيَّر نسختين منها إلى موسكو وواشنطن، ويتوقع أن يستجيب الرئيسان لبرقيته ، وأن الأمور سوف تنجلي قريباً. وحينما وصلت نار سيجارة حمدان إلى شفاهه، استأذن وذهب ليأتي بسيجارة جديدة . هنا يقطع خليل الضميري طقوس حلاقته المقدسة ليعلق:
مسكين حمدان ،"هو مفكر أنو إذا انتهت الحرب بيخرج من هاالأخدود اللعين لعند مرتو (مارشا) وإبنه { أتيلا } على ضفاف الدانوب، لكن ما بيعرف أنو هون اللي بيفوت مابيطلع سواءً كثرت الحروب أو قلت...."
ترك وائل كلاً من مروان الذي ينام النهار ويسهر الليل جالساً على كرسيه ، بالقرب من باب البرج ، وأبا أتيلا، يمشي في الممر حارقاً سيجاراته المتواصلة ، وخليلاً ينتف شعراتِ وجنتيه ، ويوسف الراهب مع شموعه التي كانت تعيش لحظاتها الأخيرة ، ليندسَ تحت بطانياتِه وفروته وينام ...
في الصباح حينما هدرت طقَّاتُ الباب العشرة ، كان رضوان العصملي و{ صادق المارديني}، يحملقان مندهِشَين في خليط السكر والشاي والقهوة ومسحوق الغسيل، فيبدو أن حمدان الأسدي بعد أن انتهى من حرق سجائره وتطيير برقياته إلى الدول الكبرى، ذهب ليتسلى ويعبث بمؤونة رضوان وصادق. وحينما راحا يسألاه عن سبب تصرفه العجيب هذا، سحب حمدان من جيب سترته سيجارةً وأشعلها ، وراح يجذب أنفاس دخانه المتواصلة مبتعداً عنهما مبتسماً ابتسامة لاتخلو من خبث ....
وفي ساحة التنفس كان أبو هيثم الناصر يروي للمتحلقين حوله عن { مأساة الهمشري } ، ويصف لهم كيف أوثقه (أبو ثائر) من أطرافه الأربعة على الجدار ، وكيف راح يجرب خيزرانته الجديدة عليه إلى أن فارق الحياة .
بعد أيام ماتت (عبلى) قطة نوري السوداء اللامعة ، وافتقد أهل البرج عيونها الخضراء البنفسجية البراقة وطوقها الأزرق الجميل .....
واعتكف نوري في سريره أياماً عدة ، حزيناً مغموماً على فراقها ، نادماً على علقته الظالمة للهمشري حينما رآه يفترعُها في وسطِ الساحة .........

نقولا الزهر
دمشق في 23ـ1ـ1983



#نقولا_الزهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبوسلمى
- لجوء الموتى - قصة قصيرة جداً -
- رسالة إلى أمي
- فنجان القهوة -قصة قصيرة جداً-
- أبو شمعة - قصة قصيرة جداً
- مصلحة كل التنويعة العراقية في دولة قائمة على الوِفاق والمواط ...
- رسالةإلى وردةٍ بيضاءْ
- ساحة ...في عاصمةٍ مملوكية
- مداخلة في مفهوم الفصل


المزيد.....




- مدينة الورود بالجزائر تحيي تقاليدها القديمة بتنظيم معرض الزه ...
- تداول أنباء عن زواج فنانة لبنانية من ممثل مصري (فيديو)
- طهران تحقق مع طاقم فيلم إيراني مشارك في مهرجان كان
- مع ماشا والدب والنمر الوردي استقبل تردد قناة سبيس تون الجديد ...
- قصيدة(حياة الموت)الشاعر مدحت سبيع.مصر.
- “فرحي أولادك وارتاحي من زنهم”.. التقط تردد قناة توم وجيري TO ...
- فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي ...
- ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ ...
- بعد مسرحية -مذكرات- صدام.. من الذي يحرك إبنة الطاغية؟
- -أربعة الآف عام من التربية والتعليم-.. فلسطين إرث تربوي وتعل ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نقولا الزهر - ليلة أحلام وثلوج وشموع في البرج السادس