أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - قفل قلبي (رواية)3















المزيد.....

قفل قلبي (رواية)3


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2619 - 2009 / 4 / 17 - 09:55
المحور: الادب والفن
    


(3 )

وجدته يجلس قرب ترعة ماء،كان يحدق بذهول،تركته في شروده وجلست لصقه..
ـ ما الذي أتى بك ..
ـ الشوق قادني إليك..
ـ لا أحب اللف والدوران..
ـ قل لي كيف هي صحتك..جئت من أجل هذا..
ـ أريد ابتعادكم..لكم أطلب منها أن تتركني لحالي،إنها تهرع إليك كلما وددت أن أخلو لنفسي،لا أريد اللقاء بأحد،اتركوني أرجوكم..
ـ وضعك في تدهور مستمر..
ظلّ للحظات يغرز عينيه في عيني،عدوانيته نافرة،يمتلك جرأة لا تحتمل،ابتسمت وأنا أنحت عيني في عينيه، لم يرف له جفن،ظل يتفرسني بعداء..
ـ ما الذي تبغيه يا دكتور،ما تريده بخره من ذهنك..
ـ سأبرم معك اتفاقاً،سأترك لك أسئلة أريد أجوبتها للوصول إلى علتك..
ـ تريد أن تسبح في محيط..
ـ أريد أن أتعلم الصيد في المحيطات،بي رغبة أن أغامر..
ـ ستهلك..ستهلك..ستهلك..
قام وتركني،قبل أن أقوم رأيته يحمل حصاة ويلقيها صوب حمار كان يشرب الماء من الترعة،حمار رمادي ظل ينظر بريبة نحونا،نهضت ومشيت بلا يأس،استقبلتني المرأة..
ـ سنتعبك كثيراً..دكتور..
ـ يا أمي..على عاتقي أمانة ثقيلة،سأبقى إلى جانبك حتى ننجيه من علته..!!
***
وضعت جملة أسئلة،أعطيتها لسائق الإسعاف..
ـ قل للدكتورة أن توصلها..
ـ لمن دكتور..
ـ هي تعرف..
مرت أيام دون أن أتصل أو أسأل،كانت الطبيبة تتمتع بإجازتها الدورية،شعرت بنوع من الاغتراب والسأم،فقدان في الشهية،سهر متواصل،رصدت أمي ذلك ورأيتها قلقة..
ـ أنت لست على ما يرام..
ـ حقاً اشعر بالتعب..أنا مرهق يا أمي..
ـ مرهق أم معجب..
جلست لصقي،احتوت رأسي بذراعيها وتناهى لسمعي نهنهاتها،سحبت نفسي ووضعت كفي اليمين على ثغرها..
ـ أنت لم تدركِ ما أعني يا أمي..
ـ لا أريدك حزيناً..
ـ أنا مشغول في قضية العريس..
ـ هل ما زال يشكو من متاعب..
ـ متاعب كثيرة يا أمي..
ـ ماذا تفعل إن كان بلا أمل..
ـ إنها وصية أبي..لن أترك مريضاً يمر من بين يدي..( قاطعتني )..
ـ قل لي ما هي أخبارها..
ـ في إجازة..
ـ لا أكتمك،فكرت فيها..
ـ أمي..أمي..
ـ ستطرد التعب من دنياك..
ـ ليس قبل أن أنتهي من علة هذا العريس..!!
***
عادت الطبيبة من أجازتها،عرجت علي،هاتفت أمي..
ـ لدينا ضيف..
ـ ضيف أم ضيفة..
ـ أحزري..
ـ إذاً هي..
سكوتي كان خير جواب لها،عند الظهيرة كنّا على طاولة الطعام..قالت أمي :
ـ نوّرتِ هذا البيت..
أجابت بخجل :
ـ كلك نور يا ست..!!
قلت:
ـ لا تحرميها طعامك يا أمي..
وعند الأصيل جاء السائق وأصطحبها إلى المستوصف..!!
***
فاجأتني أمي بعد يومين..
ـ أبني لم أعد أحتمل ما كان يدور في ذهني ..
ـ لا أدري ماذا تقصدين..
ـ اتصلت بها..
ـ خلتها قضية جديدة..
ـ فاتحتها برغبتي..
ـ أمي..أمي..
ـ التمست فيها الرغبة أيضاً..
ـ من أول كلام..
ـ ستطرح الأمر على أهلها..
ـ ليس بوسعي رؤيتها ثانية،وضعتيني في وضع محرج يا ست..
ـ حمّلتني سلاماً خاصاً لك..
في تلك الليلة وجدت نفسي في عالم آخر،جفاني السهاد،ليس بوسعي أن أتذكر كيف ومتى نمت..!!
***
مرت الأيام سراعاً،كنت أغطس في سعادة غمرتني لحظة تم عقد قراني بالطبيبة،كنت ما بين لحظة ولحظة أكتشف أنني بين أحضان أمي وهي ترشني بفرحها،تبكي هذه المرة فرحاً،أعددنا البيت وهيأنا كافة مستلزمات الفرح وأبرمنا موعداً للزفاف،لا أريد الخوض في تفاصيل المفاتحات الأسرية وما تم من اتفاقات بخصوص الروتينيات المتكررة،كان القرار أن يكون يوم فرحنا في(نيسان)وكنا لحظتها في صلب الشتاء،علينا أن ننتظر ثلاثة أشهر على أقل تقدير لنصل إلى حياتنا الجديدة..!!
***
ذات ليلة قالت أمي :
ـ هذه المجوهرات أضعها بين يديك ..
ـ أمي..أمي..
ـ لم تعد تنفعني..
ـ لسنا بحاجة لشيء،وضعنا على ما يرام..
ـ نذر نذرته مذ ولدت..كان المرحوم شاهداً على ما قلت..
ـ احتفظي به..ألم تقولي..أحبني وأحببته..
ظلت متمسكة برغبتها،بقينا نتحاور ونضع في سفينة الحلم ما ينفع من أعمال وأمنيات وفي ذاتي بدأت الأحلام تورق..!!
***
في آذار وقبل أسبوعين من ليلة فرحنا،حملت الهاتف لحظة رن،كانت خطيبتي الطبيبة مرتبكة،بالكاد تلتقط كلماتها،أمهلتها بعض الوقت كي تلتقط أنفاسها..
ـ العريس..!!
ـ ما به..
ـ انتحر..
ـ ماذا..
ـ أتوا به،أنه هنا..يغرق في دمه..!!
كان علي أن أستعين بالإسعاف وأن أصل المستوصف في الوقت المناسب،وجدت حشد نساء في مناحة،وجدت تلك المرأة في انهيار تام،وصلت إلى ردهة الطوارئ،أزحت من على وجهه الملاءة،كان يبتسم بكل هدوء وربما بمكر،وغير غاضب على ما يبدو ما أرتكب من حماقة..!!
***
بعد أسبوعين،جاءت امرأة،وضعت مظروفاً أمامي..
ـ أمانة أرسلتها المرأة الغنية لك..
ـ أية امرأة..
ـ أم العريس الذي انتحر..
ـ قد تكون وصية..
ـ لا أعرف.أنها أوراق تركتها لك،قالت أوصليها لمدير المستشفى..!!
تناولت المظروف،شعرت أنني إزاء محنة جديدة،قبل أن أتذكر تلك الأسئلة التي تركتها له،كانت المرأة صامته كأنها مسكونة برغبة غامضة،لم تجلس،حزن يوشح وجنتيها وما يزال دموع يوم (اللطم)يركن في موقيها..
ـ هل لك صلة بها..
ـ أنا أم العروس..
ـ لماذا تركها..
ـ لم تفصح أبنتي عن شيء..!!
***
في المنزل استقبلتني الدكتورة :
ـ ما الذي تحمل يا عزيزي ..
ـ ربما الكنز الذي ظل يؤرقني..
ـ وهل ثمة كنز غيري..
ـ كنز الكنوز أنتِ..
ـ وما هذا الذي تحتضن..
ـ جواب أسئلتي..
ـ أ..مازلت في قلب الحدث..
ـ قد يكون المشهد الأخير لهذه المأساة..!!
قامت خطيبتي وتركتني لقراءة الأوراق،كدس أوراق بحجم كتاب،مكتوبة بخط هادئ ومرتب بعناية فائقة ورغبة من صحا ضميره وبث ما في صدره من أسرار،انتهيت من شرب الشاي ونحيت القدح جانباً،بعدما تعشينا،وجدت من الأنسب أن أستلقي في فراشي،حدقت في الساعة الجدارية،كانت العقارب تؤشر انتصاف الليل،دقت ساعة صالة المنزل دقاتها الكنائسية،تناهى رنين عذب لسمعي، رنين..رنين خادر غمرني لحظة تمددت،أطفأت إنارة الغرفة،ضغطت زر إنارة ـ التيبل لامب ـ وشرعت بالقراءة..!!
***
















الورقة الأولى

منذ فترة أشعر أنني غريب عن هذا العالم،حالة غريبة وجدت نفسي طائعاً أستجيب لهواجس تضج في،مقلقة وممتعة،مربكة ومسكرة،حاولت بعزلتي أن أجد خلاصاً من كوابيس لا تتركني،في الليل تسهرني وفي النهار تتلبسني،بعيداً تأخذني،وعلي أن أطيع،وكلما أسلك درباً أنتهي في ذات المكان وذات الحل،دائرة مغلقة هي حياتي،لم تكن حياتي هكذا من قبل،بل منذ فترة تغيرت وصرت أسير عالم هلامي وداخن،وكلما امشي اصل إلى هاوية فيها خلاصي،ترتجف أوصالي وتتخاذل،الآن وقد نفذ صبري وجدت إصرارك يدفعني أن أحطم(قفل قلبي)كما قلت لي ذات مرة وعساني وفقت إلى حد ما أن أرضي ضميري عقاباً على ما ارتكبت،سأبدأ من نقطة الانطلاق لكي تعرف لكم هو واهن الإنسان أمام الأشياء العابرة،ولكي لا يحاسبني الزمن سأسميها(هي)،نعم أنت هجست أن حالتي هي وليدة أنثى أعطتني ما أعطت المرأة لبعلها،لم يعرف غيري حجمها وطوفان ما كان يحتدم في أحشاءها من رغبات قد لا تحتملها أنثى غيرها مهما توقدت عواطفها لكن(هي)تكفّلت بالعبء وأنا بالإثم،قل لي:هل بوسع الرجل إخماد الحريق المتنامي في ظهره دون اللجوء إلى امرأة وهبتها الطبيعة العشبة السحرية..؟؟كيف السبيل بمراهق وجد نفسه يغرق دون منقذ في محيط مبتذل..؟ أرض ملغومة،أمشي وأتعثر وليس من معين يعينني،كانت تقف ويتوقف العالم هكذا كنت أشعر لحظة مثولها،وجدتها عواطف تتجول،تنشد مزنة مطر وربوة تفرش تحتها أسرّة كي تسترخي وتشرق على الزمن،ما الذي أنضجني وجعلني ناراً تمشي لتلتهم كل ما هو طري وبريء وغير ناضج،كنت مع زملائي،نتكاذب ونتجادل في كل شيء،قبل أن أنتبه لأسمال مراهقتي أو لنقل رداء براءتي ـ سمّيه ما شئت ـ وكل ما أرتديه،لا يناسب هيئتي،كبر حجمي وتوالدت في رغبة النفور والأنفراد،صرت أكره النوم،صرت أكره زملائي،هاجس غريب أخذني وأطعته،على ما أتذكر أوّل من أكتشف هذا التغير المفاجئ كانت(الأم)التي صارت تتبع وتتلصص حتى على أحلامي،كان الوقت ما بعد العشاء،إن لم تخني ذاكرتي قبل العاشرة بدقائق،من الممكن أن أنسى فقرات حيوية من حياتي لكن الزمن لا..لن أنسى الزمن كونه الطلسم الذي فيه مضيت وفيه أنتهيت،نعم قبل العاشرة بدقائق، وضعت(الأم)أكواب الشاي أمامنا أو بالأحرى بيننا وجلست لصق أبي..تمتمت بمكر:
ـ كبر الولد..بنات المحلة بدأن يسلبن عقله..!!
أبتسم أبي وربت على كتفي اليمين..قال:
ـ أبني كبير بعقله..وكبير العقل مرغوب عند بنات الريف..!!
بالطبع كانت(الأم)تعي ما تقول وأبي يسبح في عالم رسمه في خياله،كان مسكوناً برغبة أن أكون رجل قانون وأقف بوجه كل جائر أو أنتزع كل حق مغتصب أو مسلوب،وكان يحتج دائماً على المحامين كونهم صاروا يلهثون خلف المال ولم يتمكن أحدهم من إنقاذ بريء دفعوه إلى مخالب القانون،قد لا تبحث عن مثل هذه الأمور،هي رغبات كل أب وأم للتعويض أو للتباهي كما يسود بين الناس،أنت تبغي كل صغيرة وكبيرة،مهنتك تتطلب هكذا أمور،حسناً أنا أفهم وربما أشعر أنك تريد الوصول إلى الجذور،آليت أن لا أغفل شائبة،ربما له علاقة بما حدث،حاولت أن ألملم حياتي وأحصي إخفاقاتي وكلما أبدأ وأقطع شوطاً قاسياً حافلاً بالألم والندم،أسقط في بئر الوساوس ولا حل يرضيني سوى تمزيق ما دونت في عزلتي،ولا أكاتمك السر،وأرجو أن لا تستغرب إن قلت لك،كنت أعشق القراءة وأحياناً يراودني هاجس الكتابة ولم تكن سوى محاولات بريئة لدخيل يسوقه الفضول للدخول إلى عالم الأدب،رغبة بدأت عندما أذكت(هي)موقد المراهقة،بالطبع كلام(الأم)فتح لي نافذة الاحتراس وصرت أبحث عن دروب الخلاص ووجدت باب الكذب الملاذ الوحيد ـ قل ما تشاء ـ هكذا وجدت ما يدور من حولي،الكذب صار باب النجاة والسبيل لتحقيق الأماني،جرّب بنفسك لتعرف في أي عالم وهمي تعيش،عالم لا وسط فيه،كن نمراً ترى الآخرين من حولك حملان مطيعة،صرت أنهض قبل العصافير،أخرج لأستقبل الصباح،الليل صار طويلاً والنهار مجرد حفنة دقائق،(هي)كانت العلّة وكنت أنا المعلول،شب حريق في وفيها وكنا نطفئ الحرائق،بالطريقة القدرية الروتينية كوننا منذ اللحظة الأولى لم نهتد لوسائل بديلة تنئينا من حفر الحياة التعيسة..!!
***
ـ أحبك..!!
(الأم)تقول:أحبك..!! أبي يردد نفس اللازمة،كل من يلاقيني يسمعني هذه الترنيمة المنمقة المعتقة ـ سمّيه ما شئت ـ هذه الـ(أحبك) ذو مذاق مغاير،أخرجتني الكلمة من ترعة وألقتني في محيط حلو وساحر،ما معنى هذا الاختلاف،كأن برقاً حطمني،لهثت في الطرقات،عاندت الليل ووقفت بوجه النجوم،ما معنى أن تقول امرأة لولد لا يمت لها بصلة(أحبك)..ولم هذه الـ(أحبك)..تشل وترعش وتكبر الإنسان،بقيت أبحث عن أجوبة ولم أكن أعلم أن هناك من يحصي أنفاسي ويرصد نموّي،ليس بوسعي التخلص من شبح الثغر الذي ألتصق بأذني ومرر جبال أساها..لوعتها..رغباتها..أمواج حنينها،أنثى فاضت أحزانها وكنت لها خير إناء..!!
***
ـ ماذا فعلتِ بطفلٍ ما يزال ينام في حضن(الأم)..
كان هذا سؤالي بعد زمن ليس بالقصير وكنا في غمرة كرنفال..
ـ لا تفسد خلوتنا..!!
كان ذلك ردها وهي تسبح في بحيرة مسرّة تحت شمس رغبات دافئة..!!
***
كنت عائداً من السوق وكانت تقترب وهي تتلفع بعباءتها،أرسلتني(الأم)لجلب فطور الصباح، كانت(هي)حديثة العهد،عروسه أتوا بها لتسند رجل كثير السفر،كلّما تلاشت المسافة الفاصلة فيما بيننا،كانت تميل لتتقاطع معي،أقول هذا الكلام الآن،لقد مر زمن على ذلك وصار كل شيء جزء من ماضٍ وكلي ثقة أنك تبحث عن هكذا أمور رغم قراري الذي أعلنته أمامك يوم زرتني وأظنك تتذكره دون أن أشير إليه،لكن مع ذلك توصلت إلى قناعة،أن دخولك إلى قلبي ووقوفك على الطلل سوف لن ينفعك،إذ تجدني خارج الزمن،(هي)صارت وجهاً لوجه معي،كشفت عن ساقيها بعدما فتحت طرفي عباءتها وقالت كلمتها ومشت،آه..تذكرت أنني وقفت،لا أعرف بالضبط لم توقفت ولم استدرت،كانت تملأ الزقاق،مثل نور توهج فجأة في عيني ماشي في ظلام،لاشيء آخر يرتسم في العين..!!
***
لم تمهلني(الأم)فرصة لمراجعة نفسي،أو ألتقاط نفسي..باغتتني:
ـ من أصابتك بسهام التعجب يا ولد..!!
هل تعلم أن المرأة العاشقة وحدها تقرأ العلامات الفارقة في وجوه العاشقين،التجربة تمدها بفراسة ودهاء،كنت جالساً في حديقة المنزل،أتأمل الصباح الآتي من بين كتل الظلام المندحر،ابتسمت لها وتلك كانت حيلة لمراهق ليس بوسعه أيجاد الحلول السريعة للأسئلة المباغتة..!!
ـ ماذا بك..دعني أساعدك..!؟
ـ أنا على ما يرام..لا داعي للقلق..
ـ أخاف عليك..وضعك لا يريحني..
ـ أحب أن أشم هواء الصباح،المدرِّس يقول أنه يقوّي الجسم وينشط الذاكرة..
ـ لم تنم طوال الليل..
ـ لا أعرف..لم أعد أرغب في النوم..
ـ ولم تتناول عشاؤك..
ـ ما عدت أشعر بالجوع..
ـ ستذبل..ستموت يا ولد..!!
هكذا تبدأ المرأة الداهية،أنها تلقي حفنات متناثرة من الطعم وتعرف جيداً كيف تغزل حول نول نيتها الخيوط السرية لتحقيق رغبة ركبت ذهنها،رغبت أن تستنجد بطبيب لوقف التدهور المتنامي لبريق وجهي،كنت أعدم رغبتها وأتعلل بحجج قد تكون واهية لكنها أنقذتني في تلك الملاحقات وكنت أتحين الفرص لأقف أمام المرآة وأراقب النمو المدهش لوجهي وحين أبغي البحث عن شيء في عيني،لا شيء سوى الصفاء..
ـ لا تحرق عينيك يا ولد..؟؟
خجلت وأخفقت حين وددت تمرير كذبة،وقف أبي ورائي وبقيت أحدق به عبر المرآة..
ـ عيناي يا أبي..
ـ ما بهما،نجمتان متألقتان في سماء صافية..
ـ فركتهما..
ـ قلل من نظراتك..انتبه لدروسك..ولا تدع بنات حواء يحرقنك..؟؟
خلت أنني بمنأى من العيون وبدأت أشعر بالخوف..الخوف من أي شيء..!!
(الواحدة ليلاً..لا داعي لذكر التاريخ..)
*** (هي)ليست أكذوبة في زمن كاذب،أو واحدة عادية في زمن رديء،(هي)بركان لا يتكرر،أو طوفان لا يحدث إلاً بسقوط حضارة أو ميلادها،مذ تلاقحت العيون وتناسقت ضربات القلبين،وكادت روحي أن تنخلع وتفر،غدوت كطير يبحث عن عش يأويه من زحف أعاصير قادمة،عبثاً أحاول أن أتخلص من شبحها أو ظلّها الذي يزاحمني،أعذرني وأقبل وصفي لها،ليس بوسعي أن أختزل عالمي،لك ما تشاء أن تفعل وتأخذ ما تبغيه وما هو خارج طلباتك أطلقه للريح،أنا أحرره كي أستريح من هذا العناء،لم أجد غيرها الملاذ والأمان،ملاذ لا يحق لأحد اللجوء إليه،أنا(الفارس المنتخب)..من بين صعاليك هذا العالم،لست من يقول هذا الكلام بحق نفسه،(هي)أسمتني(الفارس المنتخب)..قالت :
ـ يا فارسي المنتخب..تعال وأرتمِ في فيئي وأرتوي من بئري كلما تثار زوابع روحك..
ـ لو عرف العالم بنا،سينحرونني بين يديك..
ـ ليس بوسع الصعاليك مبارزة الفرسان..!!
كانت ليلة ليلاء وكنا منهكين جراء ما نزفنا من عواطف،قد أربكك بهذه المداخلات والمشاهد الأعتراضية لسير تفاصيل حياتي،ليس الأمر رهن ذاكرتي،تعرف مدى معاناتي وشمّمت ربما سراً من أسراري،وربما ـ هذا ما أشعر به ـ هناك من أباح لك بشطر حيوي من حياتي،لا يهمني ذلك طالما أكاشفك الحقيقة المؤلمة،ولكي أكمل ما عزمت أن أكتبه لك في الليل وعجزت لحظة شعرت بتداخل الأشياء وفقدان السيطرة على ذاكرتي تناولت حبوب المنوّم وتمددت في سريري،لم أرغب في مراجعة ما كتبته،وجدت نفسي تتوق للتحرر والتخلص من هذه الكوابيس الكابتة لأنفاسي..!!
***
من المشاهد الأولى يحضرني لحظة كنت أجهل ما يجب العمل به،أحمل كتبي وأخرج،أتجول أينما تقوداني قدماي،باغتني صوتها ووقفت كي أتأكد من صحة النداء..
ـ أين أنت..قلبت الدنيا عليك..
ـ أأأأأأأأنا..أأأأأنا..
ـ إياك أن تعذبني..
ـ ماذا تريدين..
ـ تعال..فقط..تعال..
ـ أنني..أخاف..
ـ عيب أن تقول مثل هذا الكلام..
ـ أنت..(قاطعتني)..
ـ أنا ملك نفسي..أنا لك..هل تفهم..!!
صاحت صيحتها الصهيلية،فأجهشت بالبكاء،وجدت الرغبة في الوقوف معها وإنقاذها من أية مشكلة ستواجهها وإن تطلبت راحتها محاربة العالم بأسره..!!
ـ جئت من أجلك..
ـ وأنا خرجت أيضاً لرؤيتك..
فرحت وقبل أن أتمكن من ستر كذبتي ـ لك أن تصدق ذلك أم تفند ـ قفزت وطوقت عنقي وأحرقت مستقبلي بقبلة واندفعت تطير وتتشظى مع الصباح المنسكب كالزلال على دورق الطبيعة..!!
(الثامنة صباحاً..)
***



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (قفل قلبي)رواية 2
- (قفل قلبي)رواية1
- الحزن الوسيم(رواية)9 القسم الأخير
- الحزن الوسيم(رواية)8
- الحزن الوسيم(رواية)7
- الحزن الوسيم(رواية)6
- الحزن الوسيم(رواية)5
- الحزن الوسيم(رواية)4
- الحزن الوسيم..(رواية)3
- الحزن الوسيم..(رواية)2
- الحزن الوسيم..(رواية)1
- مزرعة الرؤوس(قصة قصيرة)
- خمس حكايات
- لعبة الموت..البرلماني الغيور(حكايتان)
- الشرفة الواشية..قبلة أزلية(حكايتان)
- لقاءان..الكرة الزجاجية رقم 301(حكايتان)
- معاقل الذباب..مزرعة الضفادع(حكايتان)
- حجة الغائب..المهرج الأمبراطور)قصتان
- في بلاد الأمبراطور..الموسوعة الأمبراطورية(قصتان)
- خطبة حذاء..ية


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - قفل قلبي (رواية)3