أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - (قفل قلبي)رواية 2















المزيد.....

(قفل قلبي)رواية 2


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2605 - 2009 / 4 / 3 - 08:52
المحور: الادب والفن
    


( 2 )

بعد يومين وجدته في وضع يسمح له التفوه بالكلام،ابتسم لحظة رآني،جلست قربه،مد يده اليمين ومسك كفي وضغط قليلاً قبل أن أفرك فروة رأسه..قلت له :
ـ أتعبتني وأغريتني إلى الحد الذي لن أتركك ما دام باب قلبك موصداً بوجهي..
ـ لا أسمح لك بدخوله..
ـ جزاء الإحسان..إحسان..
ـ لا أريدك التجوال في كهوفٍ خربة..
ـ عسى أن أهتدي لضالتي..!!
وجدته يعاني من مرارة تكاد تخنقه،خوف وقلق أكاد الوصول إلى منبعيهما،ظلّ يماري بحديثه اللامتناسق،تارة يتحمس وطوراً يهرب من كل مكاشفة تمس ما يسكنه من تواريخ ووقائع ثقيلة الوقع،رغم بريق السر في نظراته المرتبكة،بعد يومين أخريين كنت أقف إلى جواره وهو يهم بمغادرة المستوصف الصحي،زغردت المرأة وزغردن جوقة نساء كن برفقتها،تناثر الحلوى وأندفع الصبيان يتساقطون على ما يسقط حوالينا من حفنات الحلوى المنثورة،طلبت مني الطبيبة أن أرافقها لغرفتها بعدما ودعنا الحشد،جلسنا قليلاً قبل أن تنهض لتجلب زجاجتي(ببسي)من ثلاجة صغيرة..قلت :
ـ جئت مهنئاً..
ـ لك نصف نجاحي..
ـ هذا كرم جيد من طبيبة تحت التدريب..
ـ حقاً يا دكتور أنا فرحة وفخورة في هذا المكان،كنت أخشى الريف حين كنت على مشارف التخرج..
ـ في الريف تتعاملين مع أناس صادقين..أنهم يفتحون قلوبهم للغريب..
ـ إلاّ هذا الذي تسبب في....!!
ـ لـ..قـ..ا..ء..نـ..ا..!!
أطرقت فجأة برأسها وشعرت بشيء يرجف قلبي،كنت أحدق فيها لحظة رفعت عينيها،كرنفال أسئلة وأجوبة تتخذ هيئات أقواس قزح،فوق ثغرها ترسو سفينة تحمل باقات شفيفة من براعم الفرح،يكاد قلبها أن ينفلت ولسانها يحاول أن يزرع شيئاً فوق الطاولة الممتدة فيما بيننا،هاجسان كانا يصطرعان في،هاجس رغبة كانت راقدة لولا أمي التي أيقظتها،رغبة تكملة الحياة مع شريكة ملائمة،وهاجس رغبة تتعلق بسر المهنة،وددت في تلك اللحظة أن اعرف كيف أنقذته من محنته،شيء عسير قد يفقد صواب أصحاب التجارب والممارسات العملية،تمكنت هذه الكائنة الودودة المترعة برغبات الحالمين أن تضع نهاية كانت غير ممكنة لو خضع المريض لمعالج آخر،وجدت السؤال سابق لأوانه،خصوصاً أنني قمت برسم المشهد وأبديت ملاحظاتي،همت بالنهوض،وجدتها متفرغة لمزيد من الحوار..قالت :
ـ أنا ممتن لك لما أبديته..
ـ لم أفعل أكثر مما أستوجب الواجب..
رافقتني إلى باب المستوصف،وجدتها أكثر جمالاً،تضج عيناها بدفء مشاعر وسعة أحلام لا تنتهي،في المنزل رصدت أمي علامات السرور وهي تأخذني بحضنها،وزعت بثغرها الرطب دليل حبها وخلاصة دلالها على وجنتي..
ـ دكتوري يسبح في العسل هذا اليوم..
ـ أمي..أمي..
ـ أليس من حقي أن أفرح بك..مات أبوك وكان حلمه أن تتخرج ويراك دكتوراً تعالج فقراء بلدتنا العزيزة(جلبلاء)،لعنة الله على من تسبب في إشعال هذه الحرب اللئيمة..الله ينتقم منهم أخذوه حياً وأتوا به(....)..!!
عانقتها ومسحت بأناملي دموعها..
ـ أنا رهن رغبته ورغبتك،ما بوسعي أفعله..ستفرحين يا أمي،وعد مني هذا..!!
***
جاءتني المرأة ذات مساء،كنت أتصفح(مجلة)نساها رجل يعاني من أرق مزمن،رفعت رأسي لنقرات الباب..كانت تقف بكل ألقها القروي،ترتدي عباءة مطرزة بأطر مذهبة وتضع على رأسها حجاباً،امرأة تفرض هيبتها من قيافتها وتقاطيع وجهها ونظراتها الكاسحة،دخلت وجلست أمامي..قالت :
ـ بعد غد سيتزوج..!!
ـ شيء مفرح..كيف وضعه الآن..
ـ يميل إلى الصمت..يرغب العزلة والتجوال في الليل..
ـ الزواج سيغيّره..
ـ جئت لأدعوك..الخميس..يا حبذا لو بكرت بالمجيء..
ـ كما تشائين..أمي متلهفة لهواء الريف..!!
***
في الطريق إلى الاحتفال،كنت أقود مركبتي بتروي،طريق تمتد بمحاذاة نهر متعرج تفترش ضفتيه مزارع وأشجار،رأيت وجه أمي يتلون بتلون الخضرة اليانعة،كانت تراقب الطيور المتناثرة في الفضاء،ترصد النباتات والأشجار المارقة وكانت ما بين لحظة وأخرى تسحب من الهواء الرطب ملء رئتيها،تغمض عينيها وتزفر آهة..
ـ أمي..
ـ روح أمي..
ـ لا تحلقي عالياً..أخشى أن تطيري وتتركيني..
ـ آه..ليته كان معنا..
ـ أنا فخورة بك يا أمي..
ـ كان يحبني..يحبني..يا أبني..
انسابت خيوط دموعها،لم ترغب بمسحها،تركتها برهة كي تفرغ جليد حنينها المتراكم،استدارت وهي تحاول أن ترسم بسمة،هزت رأسها..
ـ لكم أحاول أن لا أنغص حياتك،أراني أضعف حين يأتي أمامي..
ـ أنت تزيدينني حباً يا أمي،حباً بك،حباً بعملي،حباً بالناس..
ـ قل لي هل هي هناك..
ـ ماذا تعنين يا أم..
ـ الدكتورة..
ـ لا علم لي..قد تأتي وقد تكون في موقع عملها..
ـ أنا على يقين أنها هناك..نعم لا بد وأن تأتي..أتحرق شوقاً لرؤيتها..
ـ إيّاك والمزاح يا أمي..حديثة العهد وهي لا تنسي من العاصمة ..
ـ أريد رؤيتها..رؤيتها فقط..
وصلنا عند الأصيل،كانت الحشود تتفاعل مع ضربات الطبل،فلاحون يرقصون بهمة ورغبة،احتشد رهط صبيان وصبايا حولنا وهم يرحبون بنا،استقبلونا وأصبحنا داخل فناء قصر يتوسط حدائق متناسقة،كانت الطبيبة في حوار مع فتاتين،قامت لحظة انتبهت وتقدمت،صارت بمواجهة أمي..قالت:
ـ الله..الله ..أمك ساحرة يا دكتور..
تعانقتا وتبادلتا كلام نواعم وبسبسات اللقاء الأول..قالت أمي وهي تغمزني :
ـ حدثني كثيراً عنك وطلبت أن يتوسط وينقلك إلى المدينة..
ـ أهنئك على أبنك،لم يقصّر في أداء الواجب يتابع الأمور أولاً بأول..
عشنا يوماً حافلاً،لم أرغب أن أتطرق لشيء بخصوص ما قمنا به لإنقاذ مريضنا من ورطته،رغم مناوشات شكوك ظلت تحفر ذهني وأبقت رغبتي قائمة للوصول إلى الوسيلة الحاسمة،كيف تمكنت طبيبة لم تخض أشواط المتاعب الصحية للناس من دحر علة غير ممكنة أو متوقعة،بدأت جوارحي تتململ إليها،وفكري ينشغل بها،في عرس مريضنا،تذوقنا مسرّة غير مكلفة،فرح أناس يندلق من قلوب متعافية،رغم غليان الزمن وانشغال البلد بحرب طاحنة مع جارة استقبلت حربنا الزاحفة بالحرب،وعدنا ليلاً،وجدت أمي مزحومة بسر يكاد يفر من لسانها..قلت :
ـ لست على ما يرام يا أمي..
ـ سلبت مخي..
ـ من جلسة واحدة..
ـ صفات البنت في كلامها يا أبني..!!
***
جاءتني المرأة ذات صباح،جلست واستغرقت بصمتها..قلت لها :
ـ كيف حال العريس..
ـ ليس على ما يرام..
ـ ماذا تعنين..
ـ يعيش في متاهاته السابقة،لا يتكلم مع أحد،وضعه يقلقني..دكتور..
ـ وزوجته..
ـ غادرته..
ـ ماذا تقصدين يا أم..
ـ أسرّت لي،أنه..أنه..لم يفعل شيئاً..!!
ـ سأزوره وأحاول معه،ابنك يعاني من صدمة نفسية،هناك شيء غامض يسكنه..
ـ دكتور..أنه..أنه..ليس ابني..!!
كنت بحاجة إلى بعض الوقت،كي أسترد ذاكرتي،وددت أن أتأكد إن كانت حقاً ما قالته أم ظن طارئ طفا ليغازلني..
ـ لا أفهم ما تقوليه..
ـ أقول الحقيقة..
ـ وهل يعني هذا شيئاً..
ـ أنا زوجة أبوه..دكتور..أعني زوجي الأوّل..
ـ أنت أيضاً أمه..!!
أطرقت برأسها،شيء عنيد يكاد أن ينتفض،في عينيها سر،يحاول أن ينفلت وهي تكافح كظمه،وسط حيرتي لمحتها تسحب منديلاً لتزيح حبات دموع تنامت،رفعت رأسها،كان الدمع المتلألئ يزيدها ملاحة..
ـ ليتك تنقذه من محنته،ليتك..دكتور..!!
قامت و غادرتني كما أتت وتركتني كغريق يبحث عن منقذ..!!
***
في تلك الليلة زاملني أرق مباغت،شيء جديد بدأ يزورني جراء التغير المفاجئ الذي عصف بفكري وقلبي،حاولت أن أصل إلى سفينة ترسيني إلى برٍّ،كي ألملم أفكاري المبعثرة،تهت في عالم مجهول،عالم لم أكتشف سوى قشرته،أي درب أسلك،ثمة متاهة تفضي إلى متاهات،كل سؤال يتشظى إلى أسئلة، كل سؤال لن يرضخ لجواب،شعرت بعدم أهليتي للبحث عن حلول وسط غابات ظلت بمنأى عن فضوليات البشر،ما لم يرافقني دليل يقودني بأمان إلى فضاء الحرية،في الصباح،قدت مركبتي لزيارة المراكز الصحية في الأرياف،استبقيت الطبيبة المتفتحة،محطتي الأخيرة..صاحت لحظة رأتني:
ـ انزاح الشتاء وهل الربيع..
ـ أمي تعتب..
ـ إنها على حق..أنا مقصّرة بحقها..قل لها..انكِ في بالها..
جلسنا متقابلين وتبادلنا بكل ود ولهفة هموم العمل وتهامسنا آخر مستجدات ومجريات الحرب المشتعلة،تطرقنا إلى شحة الدواء وتنامي ظاهرة السوق السوداء لدى المضمدين الصحيين وعمليات السرقة والاحتيالات في المخازن ومذاخر الأدوية،تفشي الفساد الإداري والتبعات المترتبة وأعباءها على كاهل الناس،تبدل جوهري يتواصل على مضض في سلوكيات المجتمع..قلت:
ـ جاءتني المرأة،قالت أشياء غريبة..
ـ أم العريس..
ـ ليست أمه..
ـ ماذا..
ـ هكذا قالت..
ـ وماذا يعني ذلك..
ـ قالت أنه لم يدخل عليها..عاوده الشرود والهذيان والتجوال الليلي..
ـ دكتور..رأيي أن نطرح عليهم فكرة أخذه إلى العاصمة..
ـ هذا يعني فشلنا..
ـ وهذا ما لا يرضيني طبعاً..
ـ جاءتني المرأة تستنجد..استعرت رغبتي لمطاردة السر حتى منبته..
ـ أشاطرك البحث..
ـ هذا ما جئت من أجله ..!!‍‍‍‍‍
*** ‍‍



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (قفل قلبي)رواية1
- الحزن الوسيم(رواية)9 القسم الأخير
- الحزن الوسيم(رواية)8
- الحزن الوسيم(رواية)7
- الحزن الوسيم(رواية)6
- الحزن الوسيم(رواية)5
- الحزن الوسيم(رواية)4
- الحزن الوسيم..(رواية)3
- الحزن الوسيم..(رواية)2
- الحزن الوسيم..(رواية)1
- مزرعة الرؤوس(قصة قصيرة)
- خمس حكايات
- لعبة الموت..البرلماني الغيور(حكايتان)
- الشرفة الواشية..قبلة أزلية(حكايتان)
- لقاءان..الكرة الزجاجية رقم 301(حكايتان)
- معاقل الذباب..مزرعة الضفادع(حكايتان)
- حجة الغائب..المهرج الأمبراطور)قصتان
- في بلاد الأمبراطور..الموسوعة الأمبراطورية(قصتان)
- خطبة حذاء..ية
- في تلك القرية القصيّة..منظم الوقت(قصتان)


المزيد.....




- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - (قفل قلبي)رواية 2