أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سهيل أحمد بهجت - حرّيّتنا... مشوهة كتمثالنا!!














المزيد.....

حرّيّتنا... مشوهة كتمثالنا!!


سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر

(Sohel Bahjat)


الحوار المتمدن-العدد: 2612 - 2009 / 4 / 10 - 09:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في الولايات المتحدة الأمريكية و في مدينة نيويورك تحديدا، ينتصب تمثال الحرية المشهور و الذي صممه (فريدريك بارتولدي) و أهدي من قبل الجمهورية الفرنسية إلى الولايات المتحدة في عام 1886 في الذكرى المئوية الأولى لاستقلال الولايات المتحدة الأمريكية و الذي يبلغ ارتفاعه 46 مترا و وزنه يبلغ 125 طن، و لست هنا بصدد الدخول في تفاصيل تاريخ تصميم و وضع هذا التمثال الذي يرمز إلى الحرية، و لكني أود أن أقارنه بالأعمال الفنية العراقية، و عذرا إن أسميتها بالبائسة مقارنة بصروح عظيمة بنتها شعوب و أمم، فهي و إن كانت تحمل ذات القضية و تثير فينا فكرة الحرية على الدوام، لكنها تعكس تماما الحرية التي نعيشها.
لدينا في بغداد ـ و هي المدينة التي زرتها صغيرا جدا فلم أعد أذكر شيئا عنها ـ تمثالان للحرية، الأول و هو جدارية الفنان المرحوم جواد سليم و الثاني تمثال الحرية في ساحة الفردوس الذي حل محل تمثال الطاغية المجرم صدام و حقيقة لا أعرف من هو مصممه، و ما أثار انتباهي هنا هو أن كلا العملين الفنيين، خصوصا التمثال القائم في ساحة الفردوس، لا يعكسان في نفس الناظر أي تأثير نفسي أو عاطفي حقيقي، فالجدارية هي أشبه بالقصة و هي تحتاج إلى الشرح و كأنه كتاب مستغلق عصي على الفهم، أما تمثال (حريتنا) في ساحة الفردوس فهو انعكاس دقيق مشوه لمفهوم الحرية عندنا و قد وصفه أحد أصدقائي قائلا بتهكم: (إنه يبدو لي أشبه بغريندايزر مصابا بعبوة ناسفة من صنع محلي).
الحرية عندنا لا تجرؤ على التعبير عن نفسها إلا و الخوف معها، إنه أشبه بتمثال صنع محاطا بفتاوى تحريم "التصوير" و من صور إنسانا فقد إدعى القدرة على الخلق!! يبدو لي تمثالا ممسوخا فلا تدري ما هو، إنه ليس كتمثال شهرزاد التي تحكي قصص ألف ليلة و ليلة لشهريار، أو تمثال الخادمة في قصة علي بابا و الأربعين حرامي، فهذه التماثيل تبدو لي أكثر جمالا و واقعية، لكن تماثيل و جداريات الحرية تعكس، فيما يبدو لي، أفكارنا المشوشة و المشوهة عن الحرية التي نريدها و لا نملك فكرة واضحة عنها.
كلنا يتغنى بالحرية، و حتى البعث القاتل المجرم كان يتغنى بها و يضعها في قمة شعاراته، و لكن لأن الشعب لم يعِ و لا زال لا يعي الحرية كمفهوم و الفارق بين حرية الشعب و حرية الفرد لم يتضح للعراقيين إلى الآن، الافتقار إلى المفهوم هو الذي يجعل الشعب يندفع نحو الحرية بكل عاطفة و لكن ما أن نحاول كمجتمع أرساء مفاهيم الحرية و الديمقراطية حتى يبدأ التزويق و التصنيف إلى مقبول و غير المقبول تارة بحجج دينية أو بحجة أن المجتمع العراقي "متدين محافظ" أو أنه "عشائري قبلي" و "هويتنا الخاصة" و "الخوف على الأخلاق"!! و ما إلى ذلك من أعذار تنتهي بنا إلى نشويه الحرية و إعادة المجتمع إلى الخلف.
تماثيلنا بسيطة و فقيرة و تفتقر إلى الضخامة التي تخلق ذلك التأثير العميق في النفس بأن هذا التمثال يعكس بعظمته و ضخامته مدى تقدير العراقيين للحرية و إيمانهم بها، لكن حينما ننظر إلى تماثيلنا و منحوتاتنا نجدها توحي للناظر بأن للحرية أهمية تساوي في نظر العراقي أهمية الخبز و الباذنجان و الكهرباء و غيرها من الأشياء التي نحتاجها في حياتنا البائسة، فهل حرية كهذه تستحق منا أن نضحي من أجلها؟ بمعنى آخر سيبدو عملنا هذا مضحكا، أن يضحي بنفسه في سبيل الباذنجان و رغيف الخبز.
إن الحرية هي التي صنعت الأمم المرفهة و الناجحة و الغنية و المتطورة و الملتزمة بالقانون، لا يوجد في التاريخ شعب كان غنيا و مرفها أنتج الحرية، فالحرية كانت على الدوام هي الدافع الأساس في الثورة الفرنسية و الأمريكية و حتى في الثورة الهندية السلمية بقيادة المهاتما غاندي، و نحن نشهد نهوض الهندكدولة عظمى، بينما ثورة العشرين التي نتغنى بها إلى اليوم أنتجت لنا نظاما برلمانيا ضعيفا و حرية مشوهة انتهت بسقوط الديمقراطية البرلمانية بفعل القوميين و البعثيين في انقلاب 1958 الدموي الذي جاء بجمهورية دكتاتورية، أجهزت على ما كان في الدولة العراقية من حسنات. و إذا كنا نريد أن نرسخ الحرية فعليا في حياتنا الاجتماعية، فعلينا قبل كل شيء أن نعود أنفسنا على أخلاق قد تبدو غريبة عنا لأول وهلة، فدول العالم المتحضر تعلمت أن يحترم كل فرد من أفرادها حرية الآخرين، في تركيا مثلا، و هو بلد مسلم، يمارس كل فرد حريته بدون أي تدخل من أي أحد، حرية شرطها الوحيد هو أن لا يؤذي صاحبها الآخرين بشكل مباشر، أما نحن، فمن أسهل الأمور لدينا أن نتدخل بشؤون الآخرين بحجة "الحفاظ على الأخلاق" و "الهوس الديني"، أو نشجب رأيا من الآراء بحجة "أنه كفر و زندقة"، و العقبة الحقيقية أمام الحرية الآن هو "طبقة رجال الدين" و "النظام القبلي العشائري"، و حينما نتخلص كعراقيين من هاتين العقبتين و من هيمنتهما الشاملة، ستكون الحرية متاحة لنا.


Website: http://www.sohel-writer.i8.com
Email: [email protected]




#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)       Sohel_Bahjat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 9 نيسان... يوم إسقاط هبل
- هوية العراق (إنسانه رخيص)!!
- مجتمعات القسوة و -أعمى العمادية-!!
- المقاومة القذرة بين سقوطين
- عمرو بن العاص و الاستراتيجية العراقية
- بين جدّي و صدّام حسين
- معايير الإنسحاب من العراق بقلم دانييل بليتكا*
- أدباء و مثقفوا -هارون الرّشيد- في عراقنا الجديد
- العراقيون و ... ما وراء السفارة
- إلى الوزير خضير الخزاعي.. هل أنت غافل عن مناهج البعث؟
- أزمتنا السّكنيّة و -الصهيونيّة-!!
- الدبلوماسية وحدها لا تنفع مع إيران بقلم مايكل روبن
- أزمة العقل العراقي
- بعد الانتخابات... شبيك لبيك المرشح بين إيديك
- المجتمعات الحرة و مجتمعات التخلف
- الانتخابات بين الإخلاص و المتاجرين بالدين
- جلادوا آل سعود و صمت الحكومة العراقية
- إقليم الجنوب و -مجلس بني أمية-!!
- أحب بلدك و عارض حكومتك
- المالكي و الطالباني... و غزة و مزة!!


المزيد.....




- -جريمة تستوجب العزل-.. تعليق إرسال الأسلحة لإسرائيل يضع بايد ...
- زيلينسكي: -معارك عنيفة- على -طول خط الجبهة-
- نجل ترامب ينسحب من أول نشاط سياسي له في الحزب الجمهوري
- بارون ترامب يرفض المشاركة كمندوب للحزب الجمهوري في فلوريدا
- عاصفة شمسية -شديدة- تضرب الأرض للمرة الأولى منذ 2003
- بيان من -حماس-عن -سبب- عدم التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النا ...
- واشنطن تصدر تقريرا حول انتهاك إسرائيل استخدام أسلحة أمريكية ...
- مصر تحذر: الجرائم في غزة ستخلق جيلا عربيا غاضبا وإسرائيل تري ...
- الخارجية الروسية: القوات الأوكرانية تستخدم الأسلحة البريطاني ...
- حديث إسرائيلي عن استمرار عملية رفح لشهرين وفرنسا تطالب بوقفه ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سهيل أحمد بهجت - حرّيّتنا... مشوهة كتمثالنا!!