|
أدباء و مثقفوا -هارون الرّشيد- في عراقنا الجديد
سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر
(Sohel Bahjat)
الحوار المتمدن-العدد: 2580 - 2009 / 3 / 9 - 09:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما هي طبيعة المشهد الثقافي العراقي الحالي؟ و هل استطاعت هذه الثقافة و نخبة المثقفين الذين وصلوا إلى مراتب في المسؤلية "كإتحاد الأدباء و الكُتاب العراقيين" و "وزارة الثقافة" من أن يهيئوا الثقافة العراقية لمرحلة التغيير الديمقراطي الذي ننتظره؟ المؤسف لحد الآن هو أن هناك حاجزا كبيرا جدا بين السلطة و بكل مكوناتها من شخصيات سياسية و أحزاب و بين الطبقة المثقفة العراقية التي تمتلك رصيدا ثقافيا و لكنه غير عملي على المستوى السياسي إلا بشكل محدود، و المشكلة هنا أن السياسي هو الذي يفرض شروطه الفكرية على الثقافي لكون الأخير لا يملك المال و السلطة و بالتالي يجد نفسه محصورا بين ضغط الواقع المؤلم و المباديء التي يؤمن بها و شروط السياسي التي تناقض مبادئه. فالمثقف يؤمن بالإنسانية ـ مثلا ـ لكن السياسي يفرض عليه وجهة نظر "قومية" ـ مثلا ـ تنتهي بالعنصرية التي هي نقيض المبدأ الإنساني، و تحت ضغط الواقع المرّ يعيش المثقف صراعا نفسيا حقيقيا بين أن يكون "مثقفا" في خدمة الشعب و حقوقه أو أن يصبح "مرتزقا" على باب السياسيين ليقدم ثقافته كـ"سلعة" مخدرة يضحك بها السياسيون على أبناء البلد، و بالتالي يخسر المثقف حقيقته كمثقف. و المثقف يؤمن بالحرية و كسر الحواجز الدينية و التقليدية لكنه يجد نفسه في مواجهة "السياسي الذي يتاجر بالدين" و السياسي القومي العنصري "الذي يرسخ العرق العشائري و يقتل المرأة"، و لأن غالبية أبناء الشعب لا يتذوقون الثقافة و يبتلعون الشعار السياسي و الديني بكل سهولة، فالمثقف يجد نفسه مرة أخرى في موقف لا يُحسد عليه. و مشكلة النخبة الثقافية العراقية القريبة من السلطة ـ اتحاد الأدباء و الكتاب العراقيين خير نموذج ـ أنها حشرت نفسها في الأدب الرمزي "الشعر و القصة و الرواية" و هو ما لا يناسب عراق الديمقراطية و الحرية، و لكنه قد يتناسب مع السياسي الطموح إلى المزيد من السيطرة و الهيمنة و النفوذ و إضفاء حصانة عن النقد لنفسه، فهذه النخبة الثقافية همشت الفلسفة و نقد التاريخ و نقد المجتمع بكل مكوناته، رغم أن هذه المجالات الأدبية هي صاحبة التغيير الحقيقي دون تلك النصوص الرمزية التي لا تتناسب إلا و عهد الدكتاتورية و الكبت تحت المسميات الدينية و القبلية. إن غياب المثقفين و الثقافة عن الساحة السياسية مرده إلى أن الأدباء و المثقفين ـ و الاستثناءات لا تنفي القاعدة ـ تعاملوا مع ثروتهم الثقافية و كأنها واحدة من أدوات التسلية و الترف، و هذه النوعية من الثقافة (الخيالية الرومانسية) لا تناسب الظرف الحالي للعراق، حيث جبال من المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية و فقدان الأمن و الاستقرار اللذين بالكاد بدءا يسودان البلد و بخطوات بطيئة، فالشعوب الديمقراطية و المرفهة و المتطورة هي التي ترى في هذا الأدب قفزة نحو عوالم أخرى غير مكتشفة أو لم تكتشف بعد. لقد نئى المثقفون الذين هم في الصدارة بأنفسهم عن السياسة و شؤون الحكم، و نحن لا نعني هنا أن يكون المثقف عضوا في حزب أو منظمة سياسية بقدر ما نريده صاحب موقف، فالفدرالية و النظام الجمهوري أو الملكي و طبيعة الفلسفة التي يحتاجها البلد، كل ذلك و أمور أخرى كثيرة هي من اهتمامات المثقفين و بالتالي لا معنى للسياسي إذا كان معزولا عن الثقافة و لا معنى للثقافة إذا لم تتداخل مع أحلام الناس و مصالحهم و رغباتهم، بينما نجد أدباءنا و مثقفينا يحاولون جهد الإمكان أن يعزلوا أنفسهم عن هذه المصطلحات، و هذا الموقف يُذكرني بمواقف رجال الدين، فهم إما أن يُحولوا الدين إلى سياسة أو يعزلوا أنفسهم كليا عن السياسة، و الأكيد أن كلا الموقفين سلبيان، فعلى الأديب و المثقف أن يهتم بالسياسة لا أن يستغل ثقافته و قناعاته لتكون تبعا للسياسة. إن المثقف العراقي عموما مال إلى تهميش نفسه و ساعده السياسي في ذلك عندما فرض شروطه على المثقف، و هكذا تحولت الثقافة إلى مصطلح سلبي معزول عن الحياة بدلا من أن تكون الثقافة انعكاسا و منبعا للحياة، لذلك نجد أبناء الشعب ينظرون إلى المنتديات الثقافية و الأدبية كجمعيات للإسترزاق و للوصول إلى المال و قطع الأرض و الرواتب التقاعدية، فالثقافة العراقية و خصوصا التخبة لا تزال تعيش عقلية "الفن لأجل الفن" أو "الثقافة لأجل الثقافة"، و معلوم أن هذه العقلية لا تصنع أدبا يحتضنه الشعب، نعم قد يحتظنه المسؤلون و السياسيون، كما يحتظنون أي تحفة أو قطعة أثاث مرمية في قصورهم، و لكن هذا لا يعني أنها ذات قيمة حقيقية، و قد كان هذا سمة الأدب الشرقي القديم في العراق خصوصا العهد العباسي، هارون الرشيد تحديدا، و لكن هذه الثقافة لا قيمة لها الآن ما دامت لا تغير واقع الشعب، و على اتحاد الأدباء و الكتاب مراجعة هذا الانحراف و إلا فإن العراق كله سيرجع إلى عهود الظلام و إخفاق وزارة الثقافة لحد الآن يقع في الأغلب على عاتق المثقفين و أدبهم و ثقافتهم السلبية.
#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)
Sohel_Bahjat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراقيون و ... ما وراء السفارة
-
إلى الوزير خضير الخزاعي.. هل أنت غافل عن مناهج البعث؟
-
أزمتنا السّكنيّة و -الصهيونيّة-!!
-
الدبلوماسية وحدها لا تنفع مع إيران بقلم مايكل روبن
-
أزمة العقل العراقي
-
بعد الانتخابات... شبيك لبيك المرشح بين إيديك
-
المجتمعات الحرة و مجتمعات التخلف
-
الانتخابات بين الإخلاص و المتاجرين بالدين
-
جلادوا آل سعود و صمت الحكومة العراقية
-
إقليم الجنوب و -مجلس بني أمية-!!
-
أحب بلدك و عارض حكومتك
-
المالكي و الطالباني... و غزة و مزة!!
-
-نصر الله- عروبي... و العراق لن يكون فلسطين
-
مجتمعنا العراقي... و المسكوت عنه!!
-
هيئة الإعلام العراقي و -ثقافة الحذاء-!!
-
المواطن العراقي و الانتخابات القادمة
-
شتان بين حذاء أبو تحسين و حذاء البعثي
-
قناة الحرة ... من خان الأمانة؟
-
العراق... من هيمنة الفرد (الدكتاتور) إلى حقوق الفرد (المواطن
...
-
أحداث مومباي الإرهابية... تداعيات الزلزال العراقي
المزيد.....
-
أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي
...
-
كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير
...
-
جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
-
الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
-
الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
-
احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
-
شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي
...
-
نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
-
تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
-
الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|