أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاكر خصباك - الواعظ















المزيد.....



الواعظ


شاكر خصباك

الحوار المتمدن-العدد: 2545 - 2009 / 2 / 2 - 08:25
المحور: الادب والفن
    



مسرحية

2007
(تنفتح الستارة عن المسرح وقد تصدرته منصة القاضي. على يمينها منصة المدعي العام وعلى يسارها كرسي لجلوس المتهم.
يدخل "الحاجب" وينادي"محكمة".
يدخل بعد دقائق القاضي ووراءه المدعي العام والكاتب.
يقف "الحاجب" أمام المسرح ويؤشر لجمهور القاعة صائحاً. "قيام.. قيام""، فينهض الموجودون في الصالة، يجلس القاضي وراء المنصة، فيهتف الحاجب "جلوس".
ينكب كل من القاضي والمدعي العام على أوراقهما. يرفع القاضي رأسه أخيراً ويقول للحاجب: نادي على المتهم عادل جبّوري الفرحان.
يتجه الحاجب إلى مقدمة المسرح وينادي: المتهم عادل جبّوري الفرحان.
يغادر عادل جبوري الفرحان مقعده في الصالة ويرتقي خشبة المسرح ويقف أمام منصة القاضي).
القاضي- اسمك؟
عادل – عادل جبّوري الفرحان.
القاضي – عمرك؟
عادل – خمسة وثلاثين عاماً.
القاضي – شغلك؟
عادل – مدرس سابق.
القاضي – تفضل اجلس.
(يجلس عادل على الكرسي على يسار منصة القاضي).
القاضي- (ملتفتاً إلى المدعي العام) لنستمع إلى مطالعة المدعي العام.
المدعي العام – (يقف ويقرأ في ورقة) سيدي القاضي. إنني أقف أمامكم ممثلاً لأهل البلدة والحكومة في شكاواهم ضد المتهم المسمى عادل جبّوري الفرحان والملقب بالواعظ.وقد تواترت شكاوى أهل البلدة عما يحدثه المتهم المذكور من بلبلة وتشويش بينهم. ويظهر أن المتهم الماثل أمامكم يا سيادة القاضي قد عزّ عليه أن تتمتع بلدتنا بالاستقرار فقرر لسبب أو لآخر أن يدمّر هذا الاستقرار. واتخذ لتحقيق هدفه زيّا مكذوباً ظاهره الخير وباطنه الشر. وأوحى لأبناء البلدة البسطاء بأنه يرشدهم إلى حياة الخير والصلاح. وراح يقضي يومه في الأسواق والمقاهي يخالط الناس محدثاً إياهم عن مكارم الأخلاق كما يزعم كما أنه واظب على الاتصال بمختلف المسؤولين الحكوميين متدخلاً في صميم اختصاصاتهم مدعياً تقويم عملهم من أجل الصالح العام. لكن حقيقته لم تنطلِ على وجهاء البلدة والمسؤولين الحكوميين وأدركوا أهدافه الشريرة في تدمير استقرار البلدة وفي زرع الفتنة بين مختلف أناسها، وخصوصاً بين ذوي اليسار منهم والفقراء وكذلك في التشكيك في إخلاص المسؤولين الحكوميين للبلدة.وقد طالبت جهات عديدة بكفّ أذاه عن البلدة، وقدّم عدد غير قليل شكاوى للجهات المسؤولة.
سيدي القاضي. إن الادعاء العام يطالب بإنزال العقوبة المناسبة بالمتهم الماثل أمامكم والحيلولة بينه وبين مواصلة أهدافه الشريرة
.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
القاضي – سيكون تعاملنا مع هذه القضية بطريقة تخرج عن المألوف نظراً لخصوصيتها. ويمكن لجمهور الحضور أن يطلبوا الإذن بالكلام إذا كان لديهم معلومات يمكن أن تنوّر المحكمة. (يقلّب الأوراق أمامه لدقائق ثم يقول) والحقيقة أن هناك العديد من الشهادات ضد المتهم كما أن هناك الكثير من الشهادات معه، لكننا سنقتصر على عدد محدود من كلا النوعين (يلتفت إلى الحاجب قائلاً): نادي على الشاهد عبدالله الهادي.
الحاجب – (وهوي يخطو إلى مقدمة المسرح) : الشاهد عبدالله الهادي.
(يغادر عبدالله الهادي مقعده في الصالة ويرتقي خشبة المسرح ويقف أمام منصة القاضي)
القاضي – اسمك؟
عبدالله – الحاج عبدالله حسين الهادي.
القاضي – عمرك؟
عبدالله – خمسين سنة.
القاضي – شغلك؟
عبدالله – تاجر.
القاضي – قل والله العظيم أشهد بالحق.
عبدالله - والله العظيم أشهد بالحق.
القاضي – تفضل .. قل ما عندك عن المتهم.
عبدالله – سيدي القاضي. ما عندي من أقوال عن المتهم يخصنا نحن التجار الكبار. فالمتهم المذكور يحرّض أبناء البلدة البسطاء ضدنا ويتهمنا بأننا نجني على حسابهم أرباحاً طائلة وأننا نستغلهم مع أننا يا سيادة القاضي نقدم لهم في الحقيقة خدمات جليلة0 وأضرب لكم مثلاً يا سيادة القاضي بمهنتي. فأنا تاجر حبوب معروف وقد ورثت مهنتي أباً عن جدّ. وعائلتنا كسبت احترام أبناء البلدة منذ زمن بعيد بما قدّمته لهم من خدمات عظيمة. إذ وقفت معهم دائماً في أوقات الأزمات. فكنا في أيام الحرب نفتح مخازننا ونوزع ما فيها من حبوب بأسعار رمزية.
(يرفع أحد المشاهدين يده)
القاضي – تفضل.
المشاهد – أنا نوري العلي .والله العظيم أقول الحق . سيدي القاضي. ما قاله الحاج عبدالله غير صحيح. وأهل البلدة كلهم يعرفون كيف انتفعت عائلته من أزمة الطعام أيام الحرب. وكانت تبيع الحبوب للناس بأسعار خيالية.
الحاج عبدالله – أنت تكذب.
المشاهد – الناس كلهم يعرفون ذلك يا سيادة القاضي وأنا لا أكذب.
القاضي – تفضل اجلس. (ملتفتاً إلى الحاج عبدالله) أكمل يا حاج عبدالله.
الحاج عبدالله – نحن عائلة مشهورة في البلدة يا سيادة القاضي بأننا لا نأكل خبزنا بالحرام. فمثلاً نحن نتعامل مع المزارعين دائماً بما يرضي الله. فنحن عادةً نشتري الحبوب من المزارعين قبل نضجها، أي على الأخضر وذلك لكي نساعدهم0 وصحيح أننا نشتري الحبوب منهم بسعر متهاود نوعمّا لكننا نقوم بمغامرة كبيرة فقد يفشل المحصول فنخسر أموالنا. وطبعاً نحن نبيعها للناس بسعر السوق فنربح ما يقسمه لنا الله. هذه هي طريقتنا في العمل يا سيادة القاضي وهي الطريقة التي يتعامل بها تجار الحبوب في كل مكان. لكن المتهم المذكور أخذ يشيع عنا بين أبناء البلدة بأننا لا نتبع الطريق المستقيم في تجارتنا.وهو يقحم نفسه في شؤوننا ويدعونا إلى اتباع هذا الطريق.
القاضي – وما هو هذا الطريق المستقيم الذي يدعوكم المتهم إلى اتباعه يا حاج عبدالله؟
الحاج عبدالله – الطريق المستقيم في رأيه يا سيدي القاضي هو التفريط في مصالحنا وتجارتنا. فهو يريد منّا أن نشتري الحبوب من المزارعين بسعر أعلى يتناسب والسعر الذي نبيعه مع أنه يعلم أننا نعرّض أنفسنا للخسارة في بعض السنوات.وهو يعارض في بيع الحبوب بالسعر المتداول في السوق ويقول أنه سعر مرتفع يحقق لنا أرباحاً طائلة على حساب الفقراء.
القاضي – على كل حال يا حاج عبدالله للمتهم رأيه في هذه القضية رأي شخصي.
الحاج عبدالله _ لا يا سيدي القاضي00 المسألة ليست مسألة رأي شخصي0 فرأيه هذا رأي خطير يضرّ أولاً بالناس. فلو امتنع التجار عن البيع والشراء لعمّ الكساد الأسواق وساد الخراب. وثانياً يسيء إلى سمعتنا ويثير حفيظة أبناء بلدتنا علينا. فهو يزعم أن التجار على اختلافهم يشترون بضائعهم بأسعار متهاودة ويبيعونها بأسعار مضاعفة. ومعنى ذلك أننا نسرق الناس. وهو يقول ذلك لنا في وجوهنا ويطالبنا بأن نخشى الله في تعاملنا ولا نظلم الناس ونثير كراهيتهم ضدنا وكأننا لا نخشى الله فعلاً. والغريب في الأمر يا سيادة القاضي أن المتهم المذكور هو ابن تاجر كبير هو الحاج جبّوري الفرحان وهو شخص محترم معروف بصلاحه. ولا أدري كيف يتجرأ على نشر الكلام المهين بحقنا وحقّ أبيه. فنرجوك يا سيادة القاضي أن تكفّ أذاه عنا فقد ضاعت هيبتنا بين أبناء البلدة.
القاضي – هل لديك أقوال أخرى؟
الحاج عبدالله – لا يا سيادة القاضي.
القاضي – تفضل إذن.
(يعود الحاج عبدالله إلى مقعده في الصالة).
القاضي – (يقلب أوراقه ثم يخاطب الحاجب) نادي على الشاهد عبدالمجيد الحمّادي.
الحاجب – (ينادي)الشاهد عبد المجيد الحمادي.
(يغادر عبدالمجيد الحمادي مقعده في الصالة ويرتقي خشبة المسرح ويقف أمام منصة القاضي).
القاضي – اسمك؟
عبدالمجيد – عبدالمجيد الحمادي.
القاضي – عمرك؟
عبدالمجيد – أربعون سنة.
القاضي – شغلك؟
عبدالمجيد – صاحب مصنع.
القاضي – قل والله العظيم أشهد بالحق.
عبد المجيد - والله العظيم أشهد بالحق.
القاضي – ماهي شهادتك عن المتهم؟
عبدالمجيد – سيدي القاضي . شهادتي عن المتهم هي شهادة جميع أصحاب المصانع.وهي كذلك تخص اقتصاد البلاد. واسمح لي أن أقول إن المتهم يهدف إلى تخريب اقتصاد البلاد ونشر البطالة في بلدتنا.
القاضي – وكيف ذلك؟
عبدالمجيد – يبدو لي يا سيادة القاضي أنه يهدف من وراء أحاديثه للناس عنّا نحن أرباب المصانع إلى حثّهم على الامتناع عن العمل في المصانع وبالتالي إلى إقفال المصانع. وبذلك يضرب عصفورين بحجر واحد . فمن جهة يخرّب الصناعة في بلدتنا وهي عصب الاقتصاد فيها ومن جهة أخرى ينشر البطالة بين أناس بلدتنا فتتوجه جيوش العاطلين نحو السرقة والجريمة للحصول على قوتهم.
القاضي – ولكن ما الذي يدعوك إلى توجيه هذه التهم الخطيرة للمتهم يا سيد عبدالمجيد ؟
عبدالمجيد – لأنه يا سيادة القاضي نجح في التأثير على أبناء البلدة البسطاء فأخذوا يتداولون أقواله ويعملون على تطبيقها. فصار العمال يتمردون على أصحاب المصانع وكثرت الإضرابات.، بينما كانت العلاقات قبل ذلك بين أصحاب المصانع والعمال على أحسن ما يرام. فأنا مثلاً يا سيادة القاضي ومصنعي قديم لم أعرف مثل هذه التمردات من قبل، وكانت علاقتي بعمالي على أحسن ما يرام. سمن على عسل.
( يرفع أحد المشاهدين يده)
القاضي – تفضل .. تكلم.
المشاهد – أنا سعدون محسن ياسيادة القاضي. والله العظيم أقول الحق. وأنا من العمال القدماء في مصنع السيد عبدالمجيد الحمادي. وما قاله عن علاقته بعمال مصنعه لا أساس له من الصحة. وكانت هناك دائماً مشاكل بينه وبين العمال وسببها أنه يتعنّت معنا تعنتاً شديداً فيما يتعلق بحقوقنا.وهو يحاول الالتفاف على قوانين الدولة التي تنصفنا في بعض الجوانب. ومن يرفع صوته منّا يهدده بالفصل.
(صيحات في الصالة: صدقت.. صدقت).
عبدالمجيد – سيادة القاضي. أنا أحتفظ بحقي في تقديم شكوى ضد هذا الكذّاب الذي يريد أن يشوّه سمعتي أمامكم وأمام الجمهور. وأنا أقول لكم يا سيادة القاضي أنه مدفوع في هذا الافتئات عليّ بتبعيته للواعظ وتشرّبه بأفكاره.
القاضي – (مخاطباً سعدون) هل أنت على صلة فعلاً بالمتهم يا سعدون؟
سعدون – يشرّفني يا سيدي القاضي أن أقول بأن الحظّ قد أسعدني بالتعرف على الواعظ. فهو من أشرف الناس الذين عرفتهم في حياتي. لكنني أقسم لكم بالله العظيم أنه لا علاقة له أبداً بما يحدث من إضرابات في المصانع.وعلى العكس من ذلك، فهو يدعونا إلى أن تكون علاقتنا بأصحاب المصانع علاقة ودية يسودها العدل والنزاهة والتعاون لكي تعمّ البلدة المحبة والوئام. وهو يحثنا على أن نقوم بواجبنا على خير ما يرام وبما يرضي الله بشرط ألاّ نتساهل في 0 ولكن تعلمون سيادتكم أن الأوضاع المعيشية قد ساءت مؤخراً في بلدتنا وعم الغلاء وارتفعت الأسعار بشكل جنوني وأجور العمال هي هي وأصحاب المصانع يرفضون زيادتها. فمن الطبيعي أن يلجأ العمال إلى سلاحهم الوحيد لنيل حقوقهم وهو الإضراب وهو حقهم القانوني. هذا كل ما في الأمر. ولا أدري لماذا يُتهم الواعظ بأنه وراء هذه الإضرابات.
(صيحات في الصالة "صدقت" ... "صدقت").
القاضي – تفضل .. اجلس. (ملتفتاً إلى عبدالمجيد) هل لديك أقوال أخرى؟
عبدالمجيد – نعم يا سيادة القاضي فأنا أريد أن أؤكد لسيادتكم أن ما ذكرته عن المتهم من أقوال هي أقوال جميع أصحاب المصانع. والحقيقة أن المتهم لم يكن يكتفي بتحريض العمال ضدنا بل كان يفرض نفسه علينا ويناقشنا في شؤون عملنا ويتهمنا بأننا نصادر حقوق العمال ونتلاعب بقوانين العمل مما يؤدي إلى إثارة الكراهية ضدنا فيتعكر السلام في البلدة . وهذا تدخّل ساخر في شؤوننا يا سيادة القاضي.
القاضي – هل لديك أقوال أخرى؟
عبدالمجيد – هذا كل ما عندي من أقوال يا سيادة القاضي.
القاضي – تفضل إذن.
(يعود عبد المجيد إلى مقعده في الصالة).
القاضي – (يقلب أوراقه ثم يرفع رأسه مخاطباً الحاجب): نادي على الشاهد المقدم فتحي الكامل.
الحاجب - الشاهد المقدم فتحي الكامل.
(يغادر فتحي الكامل مقعده في الصالة ويرتقي خشبة المسرح ويقف أمام منصة القاضي ويؤدي التحية العسكرية)
القاضي - اسمك؟
المقدم فتحي – المقدم فتحي الكامل سيدي.
القاضي – عمرك؟
المقدم فتحي – ثمانية وثلاثون عاماً سيدي.
القاضي – شغلك؟
المقدم فتحي – مدير السجن.
القاضي – قل والله العظيم أشهد بالحق.
المقدم فتحي - والله العظيم أشهد بالحق.
القاضي – تفضل مقدم فتحي . نوّر المحكمة.
المقدم فتحي – سيدي القاضي. كما يعرف أبناء البلدة أن المتهم الماثل أمامكم قد تبنّى خطة شيطانية لتدمير الاستقرار في البلدة وتأليب أبنائها بعضهم على بعض وتحريض المواطنين ضد مسؤولي الحكومة. ومنذ أخذ الناس يتناقلون أقواله والجوّ المستقر في البلدة قد تعكر0 فعلاً يا سيادة القاضي لم تعد بلدتنا كما كانت. وأنا أعزو هذا التغيير إلى هذا الشخص الشرير الماثل أمامكم.ويظهر أن لديه موهبة خاصة يا سيادة القاضي في إثارة مكامن الشر في النفس الإنسانية. فأنتم تعلمون يا سيادة القاضي أن الإنسان ليس خيراً كله كما أنه ليس شراً كله، وإنما تختلط هاتان النزعتان في أعماقه اختلاطاً شديداً. ونحن كمواطنين صالحين علينا أن ننمي نزعة الخير في نفوسنا وأن نخمد نزعة الشر فيها لكي يعم المجتمع الاستقرار.لكن المتهم الماثل أمامكم يفعل العكس ويوظف كل مواهبه في نشر الاضطراب في البلدة عن طريق نشر الكراهية بين فئات الناس المختلفة وتأليب بعضهم على بعض.
مشاهد – لا والله يا سيادة القاضي. إنه يحثنا على نبذ الكراهية والتمسك بالمحبة والسلام.
(ضجيج وصيحات في الصالة – كذبت يا مقدم00 كذبت يا مقدم)
القاضي – (وهو يضرب بمطرقته على المنصة) هدوء .. هدوء (ملتفتاً إلى المقدم فتحي) واصل يا مقدم فتحي.
المقدم فتحي –ثم إنني لا أفهم يا سيادة القاضي من الذي خوّل المتهم أن يمثل أبناء البلدة الفقراء ومن الذي نصّبه محامياً عنهم. (وهو يضحك) فهل يا ترى انتخبوه ممثلاً لهم؟
(صيحات في الصالة .. "نعم" .. "نعم")
القاضي – لو سمحت يامقدم فتحي.. نوّر المحكمة بالمفيد.
المقدم فتحي – نعم يا سيادة القاضي .وجوهر شهادتي هو الصلاحيات التي منحها المتهم لنفسه للتدخل في شؤون السجن. فهو قد سمح لنفسه أن يناقش معي قضايا هي من صميم عملي زاعماً أنه يريد إصلاح أوضاع السجن.
القاضي – الرجاء تنوير المحكمة عن ذلك يا مقدم فتحي.
المقدم فتحي – نعم يا سيادة القاضي 0لقد حدثت تدخلات
المتهم في شؤون السجن على النحو التالي0 ففي ذات صباح
أخبرني بوّاب مكتبي العريف خلف أن شخصا يطلب
مقابلتي. فأذنت بذلك .وحينما دخل عليّ المتهم استقبلته بحفاوة.
وفي الحال أخذ يحاورني في خصوصيات السجن حتى أنه لم
يمهلني لتقديم الشاي له. وأصارحك يا سيادة القاضي أنه خيّل إليّ
للوهلة الأولى أنه شخصية مهمة وأنه مبعوث من مراجع عليا
للتفتيش على السجن. وبدأ كلامه بالتحدث عما سماه الأوضاع
المزرية في السجن وما يجري فيه من مخالفات. فتكلم عما يلاقيه المسجونون من معاملة سيئة وعن تعرضهم الدائم للضرب والإهانة0 وقد فاجأني هذا الكلام يا سيادة القاضي ودهشت له لأن المعاملة التي يلقاها المسجونين في سجننا هي أحسن معاملة.
(صيحات في الصالة .. "كذب..كذب").
المقدم فتحي – (ينظر إلى جمهور الصالة في غضب).
القاضي – واصل يا مقدم فتحي .. واصل.
المقدم فتحي – والذي أثار استنكاري يا سيادة القاضي قوله بأن بعض مسؤولي السجن يبتزون السجناء ذوي الإمكانيات المالية .وفي حالة عدم استجابتهم للإتاوات يتلقون اعتداءات منكرة من قبل المجرمين العتاة من المسجونين بتحريض من المسؤولين.وهذه أغرب وأبشع اتهامات سمعتها عن سجننا الذي يعدّ سجناًمثالياً.
(صيحات في الصالة.. "كذب.. كذب").
المقدم فتحي –(وهو ينظر إلى الصالة غاضباً) وبعدين معكم يامجرمين ؟!
القاضي –واصل .. واصل يا مقدم فتحي.
المقدم فتحي – والحقيقة يا سيادة القاضي أن المتهم المذكور لم يترك شاردة ولا واردة في السجن إلا وتكلم عنها أسوأ كلام.. حتى الطعام الذي نقدمه للمسجونين قال إنه أسوأ طعام.
(صيحات في الصالة .. "فعلاً .. فعلاً").
القاضي – واصل يا مقدم فتحي.
المقدم فتحي –وقد ختم كلامه يا سيادة القاضي قائلاً: المفروض بكم أن تطبقوا في السجن الشعار المعروف "السجن إصلاح وتهذيب" لا أن تجعلوا منه اضطهاداً وتعذيباً.
وبقيت طوال الوقت أصغي إليه بذهول يا سيادة القاضي لفظاعة الاتهامات التي وجهها إلى إدارة السجن. فهل من المعقول أن تجري كل تلك المخالفات في السجن ولا أسمع بها؟ّ! ولو فرضنا أنها وقعت فعلاً فهل من المعقول أن أسكت عنها؟! وحينما انتهى من كلامه سألته بكل أدب: ولكن من أين استقيت هذه المعلومات الكاذبة يا سيادة المفتش؟
فأجابني بكل قحة: أولاً إنها ليست معلومات كاذبة فقد استقيتها من مصادر موثوق.بها وهم السجناء أنفسهم. وثانياً أنا لست مفتشاً وإنما أنا مواطن عادي. وأنا في الحقيقة مدرس سابق.
ولا أنكر يا سيادة القاضي أنه جنّ جنوني حينما استمعت إلى ردّه. ولم أعِ على نفسي إلاّ وأنا أنهال عليه ضرباً وركلاً ورفساً.
القاضي – ولكن ألم يكن الجدير بك يا مقدم فتحي أن تمتلك أعصابك وتناقشه بهدوء وتفنّد مزاعمه كما تقول؟
المقدم فتحي – اعذرني يا سيادة القاضي على تصرفي فقد
شعرت أنه وجّه إليّ إهانة بالغة بلتلك الأكاذيب الوقحة والاتهامات
الباطلة.
(يرفع أحد المشاهدين يده).
القاضي – تفضل.
المشاهد – أنا ضياء محمد يا سيادة القاضي ووالله العظيم أقول الحق. واسمح لي يا سيادة القاضي أن أضيف معلومات أخرى عن هذه المقابلة بين الواعظ ومدير السجن. فسيادة المقدم مدير السجن لم يكتفِ بضرب الواعظ ضرباً مبرحاً بل كلفّ جلاوزته بأن يُروه نجوم الظهر. وأولئك الجلاوزة مختصون بمعاقبة المسجونين عادة. وباختصار حُمل الواعظ إلى بيته وهو جسد محطّم.
القاضي – تفضل اجلس.
المقدم فتحي – (في غضب) كذّاب .. حقير.
(يرفع أحد المشاهدين يده).
القاضي – تفضل.
المشاهد – اسمي كريم محمود ووالله العظيم أقول الحق. أنا يا سيدي القاضي كنت أحد المقيمين في السجن وأقسم بالله العظيم أن كل ما قاله الواعظ لمدير السجن صحيحً. كنا نعامَل معاملة سيئة للغاية لا أراك الله مثلها. وجنابك تعلم أنه ليس جميع المقيمين في السجن مجرمين محترفين0 فالبعض منهم ارتكب أخطاءً غيرمقصودة. فكان مصيره السجن. وأمثال هؤلاء هم الذين يعاملون عادةً معاملة سيئة وليس المجرمين العتاة. فالمسؤولون يهابون أولئك المجرمين العتاة. والمقدم فتحي يدّعي أنه لم يكن مطلعاً على تلك التعديات والأحوال السيئة في السجن. لكننا في الحقيقة كنا نخبره بكل شيء فلم يهتم لنا يوماً.
المقدم فتحي – (غاضباً) اسكت يا مجرم. أتريد من سيادة القاضي أن يصدق مجرماً حقيراً مثلك ويكذبني؟!
القاضي – هل انتهيت من شهادتك يا مقدم فتحي؟
المقدم فتحي – تقريباً يا سيادة القاضي. واسمح لي أن أضيف أنه منذ أخذ المتهم الماثل أمامكم يقحم نفسه في شؤون السجن والتمردات فيه تتكرر. وهكذا صار خطراً يهدد استقرار البلدة.
القاضي – هل انتهيت من شهادتك يامقدم فتحي؟
المقدم فتحي – نعم يا سيادة القاضي.
القاضي – تفضل إذن.
المقدم فتحي – شكراً يا سيادة القاضي.
(يعود المقدم فتحي إلى مقعده في الصالة)
القاضي – (يقلّب أوراقه ثم يلتفت إلى الحاجب) نادي على الشاهد حاتم المنصوري.
الحاجب – الشاهد حاتم المنصوري.
(يغادر حاتم المنصوري مقعده في الصالة ويرتقي خشبة المسرح ويقف أمام منصة القاضي)
القاضي – اسمك؟
حاتم – حاتم المنصوري.
القاضي – عمرك؟
حاتم – خمسة وأربعون عاماً.
القاضي – شغلك؟
حاتم – رئيس البلدية.
القاضي – قل والله العظيم أشهد بالحق.
حاتم – والله العظيم أشهد بالحق.
القاضي – تفضل يا أستاذ حاتم. نوّر المحكمة بشهادتك عن المتهم.
حاتم – سيدي القاضي . شهادتي لا تكاد تختلف عن شهادة
المقدم فتحي وهو تدخل المتهم السافر في صميم عملنا. فقد اعتاد
المتهم أن يقتحم عليّ مكتبي بين الحين والحين ويناقشني في أمور
تخص صميم عملي معترضاً على أداء جهاز البلدية في كل
المرافق المتعلقة به، وقد نصّب نفسه مسؤولاً عن سلامة مرافق
البلدة. وقد دأب على تحريض أبناء البلدة ضدي شخصياً وضد جميع موظفي البلدية باعتبارهم مقصّرين في واجباتهم فصاروا ينتقدوننا ويتدخلون في صميم شؤوننا.
القاضي – هل تنوّر المحكمة يا أستاذ حاتم عن اعتراضات المتهم عليكم؟
حاتم – إنه يعترض على كل شيء يا سيادة القاضي. فهو يزعم مثلاً أننا مقصّرون في الاهتمام بشوارع البلدة مما يجعلها مليئة بالحفر والمطبات والتي تلحق الضرر بأبناء البلدة. وهو يزعم أن بعض الحفريات التي نقوم بها من أجل تمديدات أنابيب المياه أو أسلاك الكهرباء أو التلفون تظل مفتوحة لشهور طويلة مما تلحق الأذى بأبناء البلدة. وطبعاً هذا كذب وبهتان.
القاضي – (وهو يبتسم)ولكن كيف كذب وبهتان يا أستاذ حاتم؟ فأنا شخصياً انكسرت سيارتي يوماً في حفرة من مثل هذه الحفر.
(يرفع أحد المشاهدين يده)
القاضي – تفضل.
المشاهد – اسمي ثامر بدر يا سيادة القاضي. ووالله العظيم أقول الحق. أنا وقعت يوماً في إحدى هذه الحفر يا سيدي القاضي فانكسرت رجلي. وقد تعطلت عن عملي وظللت أتعالج لشهور وخسرت مئات الدنانير.
القاضي – (ملتفتاً إلى رئيس البلدية) واصل يا أستاذ حاتم.. واصل.
حاتم – نحن لسنا المسؤولين عن الحفر يا سيادة القاضي فهناك جهات عديدة أخرى تشترك معنا في هذا المرفق. ثم بأيّ حق يحاسبنا المتهم على ذلك؟ ومن نصّبه محامياً عن أبناء البلدة؟
(أصوات في الصالة: نحن الشعب .. نحن الشعب).
حاتم – تصور يا سيادة القاضي أنه يعتقد بأن من حقه أن يحاسب موظفي البلدية مدعياً أن قضية مراقبة التزام المسؤولين بأداء مهامهم هي قضية تهم الناس جميعاً وهي مسؤولية مشتركة. مع أن مسألة محاسبة موظفي البلدية هي من اختصاصي أنا وليس من اختصاص أي شخص آخر. فأنا الوحيد الذي يحق له أن يحاسب موظفي البلدية إذا قصّروا.
القاضي – وهل حاسبهم المتهم فعلاً؟
حاتم – كان يحاسبهم باستمرار يا سيادة القاضي.. باستمرار.. حتى أن البعض منهم قال لي إنه لا يستطيع الاستمرار بعمله مع وجود الواعظ. فهو يلومهم باستمرار على عدم نظافة الشوارع مع أن الشوارع لا غبار عليها. وهو يزعم أن مجاري البلدة مهملة مما يغرق بعض الشوارع بالأوحال.
القاضي – (مقاطعاً وهو يبتسم)ولكن كيف لا غبار عليها يا حضرة رئيس البلدية؟ يظهر أنك لا تسير إلاّ في الشوارع الرئيسية. حاول أن تدخل في الشوارع الجانبية والأزقة لتراها غارقة في الأوحال ولترى أكوام الأقذار تزحم السائرين.
حاتم –وهل هذه مسؤولية البلدية يا سيادة القاضي؟ ما ذنبنا إذا كان الناس قذرين ولا يعرفون معنى النظافة؟
القاضي – وهل من مضايقات أخرى قام بها المتهم تجاه إدارتكم يا استاذ حاتم؟
حاتم – نعم يا سيادة القاضي .. وبصورة تسيء إلى سمعة البلدية. فهو يتهم موظفي البلدية بالرشوة والفساد وهذا اتهام خطير. فهل هناك بين موظفي الحكومة من يمكن اتهامه بالرشوة والفساد يا سيادة القاضي؟! لا .. لا .. هذا اتهام خطير ينقص من هيبة الحكومة.
(أصوات في الصالة – هم كثيرون .. هم كثيرون)
القاضي – واصل يا أستاذ حاتم.. واصل.
حاتم – وهو يزعم أن مراقبي البلدية يغضون الطرف عمن يخالفون قوانين البناء ومن يضايقون المشاة بما يتركون من أنقاض أبنيتهم التي تزحم الطرقات العامة وذلك لقاء رشاوى معينة. ويدّعي أنهم يفرضون إتاوات على بعض أصحاب الحوانيت باعتبارهم خالفوا قوانين البلدية.. ويتهمهم أنهم يفرضون حتى على أصحاب عربات البضائع الإتاوات .. وكلها مزاعم طبعاً الغرض منها إساءة سمعة موظفي البلدية ورئيس البلدية.
مشاهد – لا والله سيدي القاضي .. إنها ليست مزاعم. فأنا أحد باعة العربات ممن يدفع الإتاوات لموظفي البلدية. ونحن فقراء مساكين يا سيدي القاضي.
مشاهد – وأنا كذلك يا سيادة القاضي وأنا من باعة الأرصفة وهم يهددوننا بقطع رزقنا وليس لنا مورد رزق آخر.
حاتم –(في غضب) اسمح لي يا سيادة القاضي أن أنسحب فأنا لست مستعداً أن أسمع الإهانات من أمثال هؤلاء الكذبة.
القاضي – وهل انتهيت من شهادتك يا أستاذ حاتم؟
حاتم – تقريباً يا سيادة القاضي، وكلما أريد إضافته أن المتهم يحمّل البلدية أيضاً التقصير في إنشاء المتنزهات والحدائق وأماكن الترفيه في البلدة. بل ويطلب منها أن تخصص ملاجئ للعجزة والشحاذين الذين يملؤون الشوارع (وهو يضحك ساخراً) وكأننا دولة في داخل دولة يا سيادة القاضي. ولا أدري ما هي مسؤوليات الدولة إذن.. كل ذلك لكي يظهر البلدية ورئيسها وموظفيها بمظهر المقصرين.
القاضي – هل انتهيت من هادتك يا أستاذ حاتم؟
حاتم – نعم يا سيادة القاضي لكي لا أسمع إهانات أخرى.
القاضي – تفضل إذن .
(يعود حاتم المنصوري إلى مقعده في الصالة).
القاضي – (يقلب أوراقه ثم يلتفت إلى الحاجب) نادي على الشاهد العقيد غضبان المسعودي.
الحاجب – العقيد غضبان المسعودي.
(يغادر العقيد غضبان المسعودي مقعده في الصالة ويرتقي خشبة المسرح ويقف أمام منصة القاضي ويحييه تحية عسكرية).
القاضي – اسمك؟
غضبان – العقيد غضبان المسعودي.
القاضي – عمرك؟
العقيد غضبان – أربعين سنة.
القاضي – شغلك؟
العقيد غضبان – مدير الأمن.
القاضي – قل والله العظيم أشهد بالحق.
العقيد غضبان - والله العظيم أشهد بالحق.
القاضي – تفضل بشهادتك عن المتهم يا عقيد غضبان .
العقيد غضبان – سيدي القاضي .لا أخفيك أن المتهم المذكور كان تحت مراقبة رجالنا من وقت طويل. وكانت التقارير عنه تنطوي على الكثير من الغرابة. وقد اتفقت على أنه يتصل بأبناء البلدة الفقراء زاعماً لهم أنه يريد تقويم حياتهم وإرشادهم إلى حياة الخير والصلاح حتى أنهم لقّبوه بالواعظ. لكنه كان في الحقيقة يحرّضهم ضد وجوه البلدة من التجار والصناعيين ويزعم لهم أنهم يستغلونهم ويصادرون حقوقهم. ومما أثار شكوكنا في نواياه المبطنة تدخله المستمر في شؤون بعض المسؤولين واتهامهم بالتقصير تجاه أبناء البلدة.وهذا يعني أنه كان يهدف إلى تدمير استقرار البلدة.
(يرفع أحد المشاهدين يده)
القاضي – تفضل.
مشاهد – أنا فاضل عبد الرزاق وأقسم بالله العظيم أنني أقول الحق. سيدي القاضي. إن الواعظ لم يحرضنا يوماً على أعمال تخلّ باستقرار بلدتنا. وكان يقول لنا إن أهم شيء للإنسان هو التمسك بمكارم الأخلاق والتمييز بين الخير والشر والحق والضلال والعدل والظلم، وألاّ يسمح لنفسه بأن ينجرّ إلى كره الآخرين ويفكر بالانتقام منهم. ولكن لابد له أن يطالب بحقوقه بما تقتضيه العدالة الاجتماعية وأن يرفض ما يتعرض له من ظلم وإجحاف . حتى تشيع المحبة بين الناس جميعاً ويسود العدل والسلام. هذا كل ما كان ينصحنا به الواعظ يا سيدي القاضي .
العقيد غضبان – (يضحك ساخراً) هكذا كان المتهم يضحك على عقول أبناء البلدة السذّج يا سيدي القاضي. لكنه كان يضمر في الحقيقة أهدافاً شريرة للبلدة وأهلها. وبعد دراسة التقارير عنه دراسة مسهبة وهي تقارير بنيت على تتبع ذكي لحركاته واتصالاته، توفرت لدينا القناعة بأنه عميل لدولة أجنبية. وقد أوكلت إليه مهمة تدمير استقرار البلدة .و مما عزّز هذا الاعتقاد لدينا أن المتهم كان ينفق المال بسخاء على الفقراء والمحتاجين من أبناء البلدة لاجتذابهم إليه والتأثير فيهم. فمن أين له بالمال وهو عاطل عن العمل؟!
القاضي – وما هي الإجراءات التي اتخذتموها يا عقيد غضبان بعد أن توصلتم إلى هذه القناعة؟
العقيد غضبان – كما تدركون يا سيادة القاضي أن هذه القناعة اقتضت مناإجراءات حازمة تجاهه. فقضية المحافظة على استقرار البلدة هي من أخطر مهامنا. وفي سبيل تحقيقها يحق لنا اتخاذ كل الإجراءات الصارمة. وبما أن وكلاءنا لم يستطيعوا التوصل إلى دليل حاسم على عمالته لدولة أجنبية فقد كان علينا أن نتوصل إلى هذا الدليل بطرقنا الخاصة. واستدعيناه للتحقيق. وكان بودّي أن يكون تحقيقاً روتينياً نستخدم فيه الضغوط النفسية التي نحاصره فيها فيضطر إلى الاعتراف بحقيقته. لكنه فاجأني بصلافة لم أكن أتخيلها0 فبدلاً من أن أحقق معه صار هو الذي يحقق معي. وراح يكيل لجهازنا من التهم الوقحة مالا يخطر على البال. فزعم أننا بدلاً من حماية أبناء البلدة وتوفير الأمن لهم نضهدرهم ونرهبهم. وقال إن تجاوزات رجال المخابرات على قوانين الدولة التي تكفل حماية المواطن تبلغ درجة تجعل منها قيوداً وأصفاداً وكمامات تكمم أفواههم. واتهمنا بأننا نلجأ في تحقيقاتنا إلى وسائل إرهاب وتعذيب تفوق ما كان معروفاً في العصور المظلمة. تصور يا سيادة القاضي أن هذا المتهم الوقح تجرأ على إهانة أهم جهاز حكومي في بلدتنا والذي لولاه لعمّت الفوضى فيها. وقد وجّه هذه التهم الباطلة والإهانات الجارحة والأكاذيب الشنيعة إلى الرجال المخلصين الذين يَصِلون الليل بالنهار للسهر على استقرار البلدة وأمن المواطنين.
(ضجيج في الصالة وصيحات "صدق الواعظ .. صدق الواعظ").
القاضي – (وهو يضرب بمطرقته على المنصة) هدوء .. هدوء .. هدوء.
(يعود الهدوء إلى الصالة)
القاضي – واصل يا عقيد غضبان.
العقيد غضبان – لا أكتمك يا سيدي القاضي أن صلافة هذا المتهم الماثل أمامكم زادتني قناعة بأنه لابد أن يكون فعلاً عميلاً لدولة أجنبية. فأنا أعرف طبيعة أبناء بلدتنا. فهم لا يتصفون بمثل هذه الصلافة. وهم أناس مسالمون ويحترمون رجال الأمن ويقيّمون أداءهم تقييماً عالياً.
(صوت في الصالة – "لكي يأمنوا بطشكم").
العقيد غضبان – (ينظر إلى الصالة غاضباً) حسابنا مع أمثالك من المشاغبين فيما بعد.
القاضي – واصل يا عقيد غضبان .. واصل.
العقيد غضبان - - وأصارحك يا سيادة القاضي أننا اضطررنا في النهاية إلى أن نطبق عليه الخطة الأمنية المسماة "الهراوة" لننتزع منه الاعتراف. فقضيته اكتسبت خطورة بالغة. وحماية البلدة من أخطار أمثال هؤلاء العملاء يبيح لنا كل شيء.
(صوت في الصالة – وخرج الواعظ من أقبيتكم في النهاية وهو حطام إنسان كما هي العادة).
العقيد غضبان – (في غضب) سيدي القاضي أرجو عدم السماح بأية عبارة مهينة تجاه جهاز الأمن فهذا الأمر كما تعلم هو خط أحمر لا يجوز تجاوزه.
القاضي – المهم .. ماذا كانت نتيجة تحقيقاتكم يا عقيد غضبان؟
عقيد غضبان – الحقيقة أننا لم نستطع الحصول منه على شيء يا سيادة القاضي. واضطررنا إلى إطلاق سراحه لعدم توفر الأدلة ضده. لكننا اقتنعنا بأنه شخص خطر على استقرار البلدة وأن أفضل حل لمشكلته هو أن يمكث بقية عمره وراء القضبان لتأمن البلدة شره. ونأمل من سيادتكم أن تستجيبوا لقناعتنا هذه.
القاضي – أهذا كل ما لديك يا عقيد غضبان ؟
عقيد غضبان – نعم سيادة القاضي.
القاضي – تفضل إذن.
عقي – شكراً يا سيادة القاضي.
(يعود العقيد غضبان إلى مقعده في الصالة).
القاضي – تُرفع الجلسة للاستراحة لمدة ساعة
(يغادر القاضي والمدعي العام والكاتب المسرح ويطفأ النور فيه لكنه يظل مناراً في الصالة).


بعد الاستراحة
تضاء الأنوار في المسرح، ويدخل الحاجب ويهتف "محكمة" فينهض المشاهدون، ثم يدخل القاضي ووراءه المدعي العام والكاتب.
القاضي – (يراجع أوراقه ثم يقول) استمعنا في الجلسة السابقة إلى شهود الاتهام. وفي هذه الجلسة سنستمع إلى شهود الدفاع. (ملتفتاً إلى الحاجب) نادي على المتهم عادل جبوري الفرحان.
الحاجب – المتهم عادل جبّوري الفرحان
(يغادر عادل مقعده في الصالة ويرتقي خشبة المسرح ويجلس في مقعده المعتاد).
القاضي – (يستمر في تقليب أوراقه ثم يقول للحاجب) نادي على الشاهد ثامر الفلاحي.
الحاجب – الشاهد ثامر الفلاحي.
(يغادر ثامر الفلاحي مقعده في الصالة ويرتقي خشبة المسرح ويقف أمام القاضي)
القاضي – اسمك؟
ثامر – ثامر الفلاحي.
القاضي – عمرك؟
ثامر – خمسة وثلاثين عاماً.
القاضي – شغلك؟
ثامر – موظف حكومي.
القاضي – قل والله العظيم أشهد بالحق.
ثامر - والله العظيم أشهد بالحق.
القاضي – تفضل. ماهي شهادتك عن المتهم؟
ثامر – سيدي القاضي. أحب ن أقول أن معرفتي بالمتهم الأستاذ عادل ترجع إلى أيام الدراسة الثانوية. فقد كنت أحد زملاءه. ونظراً لما ثار من لغط حول سلوكه فقد وجدت من واجبي أن أنوّركم عنه يوم كان تلميذاً في الثانوية . فلعل كلامي يلقي ضوءاً على سلوكه الحالي.والحقيقة يا سيادة القاضي إن صلتنا انقطعت بعد الدراسة الثانوية. ولقد عرف عنه يومذاك أنه شخص محبّ للخير ويعطف على الفقراء والبائسين ويتألم لأحوالهم. وكنا نسميه فيما بيننا تفكّهاً "نصير الإنسانية المعذبة"0 وكان معروفاً بيننا أنه أبعد التلاميذ عن الحقد على الآخرين مهما تكن الأسباب. وكان يدافع حتى عن التلاميذ الذين يتصرفون تصرفات شريرة. وكان يقول لنا نحن أصدقاءه سامحوهم فلابد أن لهم أسبابهم. وكنا نعتقد أنه يبالغ في موقفه تجاه أمثال أولئك التلاميذ. بل إنه كان يسامح حتى التلاميذ الذين يسرقون بعض حوائجه. وكان هؤلاء يستغلونه فيستدينون منه مبالغ ولا يعيدونها إليه.
القاضي –(وهو يهز رأسه) هكذا إذن؟
ثامر – نعم سيدي القاضي . وكان مشهوراً بيننا بتواضعه وبساطته في ملبسه. وكنا نعرف أن أباه من كبار التجار في البلدة. لكن مظهر وسلوكه لم يكونا يدلان على ذلك. فقلما كان يبدّل ملابسه حتى أنها كانت أقرب إلى الرثاثة. (وهو يضحك) فكان بعض الزملاء يقولون إن أهله وإن كانوا أغنياء لكنهم بخلاء، ولا ينفقون عليه كما ينفق الأغنياء على أبنائهم.
سيدي القاضي . أريد أن أخلص من شهادتي إلى القول أن الأستاذ عادل عرف بيننا بحبه للخير منذ كان تلميذاً في الثانوية.وكان مشهوراً أيضاً بأنه حمامة السلام بيننا. فكان يتوسط بين المتخاصمين من زملائنا ولا يتركهم حتى يتصالحوا. وكان يقول إن السلام والوئام هو أهم شيء للناس 0 لكنه كان يستنكر الظلم والإجحاف من أية جهة صدرا.
القاضي – هل لديك شيء آخر يا سيد ثامر؟
ثامر – كلا يا سيادة القاضي "لكنني أريد أن أؤكد أن صلتي بالأستاذ ثامر انقطعت منذ ذلك اليوم.وهذه شهادتي.
القاضي – تفضل إذن.
(يعود ثامر الفلاحي إلى مقعده في الصالة).
القاضي – (يقلب أوراقه ثم يقول للحاجب)نادي على الشاهد جبر نعناع.
الحاجب – الشاهد جبر نعناع.
(يغادر جبر نعناع مقعده في الصالة ويرتقي خشبة المسرح ويقف أمام القاضي)
القاضي – اسمك؟
جبر – جبر نعناع.
القاضي – عمرك؟
جبر – سيدي والله ما أعرف.
القاضي – (لكاتب المحكمة) اكتب ثلاثين سنة. (ملتفتاً إلى جبر) شغلك؟
جبر – سيدي بائع متجول .. وعندي عربة.
القاضي – قل والله العظيم أشهد بالحق.
جبر - والله العظيم أشهد بالحق.
القاضي – ماذا تعرف عن المتهم؟
جبر – سيدي أنا سمعت بسيّدنا الواعظ وأنا في الحبس، فأنا يا سيدي القاضي كنت محبوساً بتهمة سرقة. وكنت أسمع عنه من اخواني أنه يدافع عنا ولا يرضى بالتعديات علينا، وكنت أتعجب كيف أن شخصاً مثله من عائلة غنية يدافع عنّا نحن الذين يسموننا مجرمين. فلمّا خرجت من الحبس احترت في عيشتي .وكنت تعبت سيدي القاضي من حياة الحرام فنصحني أولاد الحلال أن أطلب المساعدة من سيدنا الواعظ ودلّوني على بيته. فاستقبلني أحسن استقبال وهداني إلى الطريق المستقيم. وأنا مديون له طول عمري. فهو خدمني كما لم يخدمني أحد قبله حتى أهلي.
القاضي – وكيف خدمك؟
جبر – سيدي القاضي اشترى لي عربة وحاجات مما تباع في العربات.وأنا الآن أرتزق منها بالحلال والحمد لله.
القاضي – هل تريد أن تقول شيئاً آخر؟
جبر – نعم سيدي القاضي .أريد أن أقول أن سيدنا الواعظ رفض أن يأخذ ما صرفه عليّ ولم يقبل فلساً واحداً. الله يطوّل عمره ويكثّر من أمثاله. يا ليت عندنا عشرة من أمثاله.
القاضي – هل انتهيت؟
جبر – نعم سيدي القاضي الله يطوّل عمرك.
القاضي – إنصرف.
(يعود جبر إلى مقعده في الصالة)
القاضي – (يقلب أوراقه ثم يقول للحاجب ) نادي على الشاهد خالد عبداللطيف.
الحاجب – الشاهد خالد عبداللطيف.
(يغادر خالد عبداللطيف مقعده في الصالة ويرتقي خشبة المسرح ويقف أمام القاضي).
القاضي – اسمك؟
خالد – خالد عبداللطيف.
القاضي – عمرك؟
خالد – خمس وثلاثين سنة.
القاضي – شغلك؟
خالد - مدرّس في المدرسة الثانوية.
القاضي – قل والله العظيم أشهد بالحق.
خالد - والله العظيم أشهد بالحق.
القاضي – ماذا تعرف عن المتهم؟
خالد- سيدي القاضي. لعلني أكثر الناس معرفةً بالأستاذ عادل. فقد تزاملنا كمدرسين في المدرسة الثانوية لعدة سنين.واسمح لي أن أقول يا سيادة القاضي أن من أغرب الأمور أن يُعدّ شخص مثله خطراً على استقرار البلدة وأمنها،وأن يتهم بأنه يهدف إلى بث الفرقة بين أبنائها. فهو يؤمن بأن أهم واجب على الإنسان هو التمسك بمكارم الأخلاق وعدم الإضرار بالآخرين.وهو يعتقد أن من أهم الأمور هو سيادة السلام بين الناس.. السلام بكل أشكاله. السلام بين مختلف أبناء البلدة..والسلام بين أبناء البلدة وحكامها. لكنه يدعو في الوقت نفسه إلى السلام القائم على العدل والمساواة وعدم سيطرة القوي على الضعيف واستغلاله أو الإضرار بمصالحه.هذا هو جوهر آرائه ياسيادة القاضي. فكيف يهدف شخص مثله إذن إلى تدمير استقرار البلدة وإشاعة الكراهية والفوضى فيها؟
ولقد كانت سيرته في المدرسة يا سيادة القاضي مثالاً عملياً على أفكاره هذه. لذلك كان أحبّ مدرس لدى تلاميذ المدرسة. وكان يعطف عليهم جميعاً ويساعدهم بكل الطرق. ولا أذيع سرّاً إذا ذكرت لكم يا سيادة القاضي أنه كان يساعد العديد من التلاميذ المعوزين0ونظراً لأنه كان يعتقد أن من أهم الأمور إزالة مسببات الكراهية بين التلاميذ والمدرسين وإدارة المدرسة فقد كان التلاميذ يتوجهون بشكاواهم إليه. وكان ذلك يوقعه في مشاكل دائمة مع الإدارة والمدرسين المتعسفين لأنهم رأوا في سلوكه تدخلاً في شؤونهم. وكنت أنا شخصياً أعترض على إقحامه نفسه في أمور لا تخصه لأنها تسبب له المشاكل. فكان يقول لي: أنا مسؤول مسؤولية خلقية ياخالد في الوقوف مع الحق والعدل وأن أسهم في إزالة مسببات الكراهية بين التلاميذ بعضهم بعضاً وبينهم وبين المدرسين والإدارة لكي تسود المدرسة المحبة والسلام. وأنا مستعد لدفع الثمن مهما يكن غالياً. وبالفعل يا سيادة القاضي كان يدفع الثمن من راحته وهدوء باله. فقد كان عرضةً باستمرار إلى الشكاوى من قبل الإدارة وبعض الزملاء وإلى اتهامات هو براء منها. وكان محور الاتهامات أنه يهمل في وظيفته الأساسية وهو التدريس ويشغل نفسه في أنشطة اجتماعية هي ليست من اختصاصه، مع أن التلاميذ كانوا يقولون عنه أنه أفضل مدرس من الناحية العلمية. وهذا أمر طبيعي لأنه كان يعتقد أن أداء المرء لمهامه الوظيفية هو أمر في قمة الأولويات، وقد أحيل مراراً عديدة إلى لجان تحقيقية بسبب الطعن في أدائه الوظيفي. وأخيراً سئم أمثال تلك المؤامرات عليه.وأخبرني يوماً أنه سيستقيل من وظيفته وأنه سينطلق بأنشطته الإنسانية في عالم أرحب من عالم المدرسة وأنه سيكرس حياته لخدمة أبناء البلدة كافة فينشر بينهم قيم العدالة الاجتماعية والحياة القويمة والدعوة إلى نبذ كل مسببات الكراهية بينهم لكي تسود البلدة المحبة والسلام. وقد حاولت أن أثنيه عن قراره هذا فلم أفلح. وبالفعل استقال من وظيفته ونفّذ رغبته في ممارسة أنشطته الإنسانية في عالم البلدة الرحيب. فأنت ترى ياسيادة القاضي أن هدف الأستاذ عادل هو نشر المحبة والسلام في البلدة وليس إشاعة الفرقة والفوضى فيها. ولم يكن يقصد من أنشطته سوى هداية الناس إلى الطريق المستقيم في الحياة وليس الإضرار بهم. وهذه شهادتي. وأقسم بالله العظيم مرة أخرى أنني لم أنطق في شهادتي هذه عن هوى بل ذكرت بكل أمانة ما عرفته عن الأستاذ عادل.
القاضي – تفضل يا أستاذ خالد.
(يعود خالد إلى مقعده في الصالة)
القاضي – (يقلب أوراقه ثم يقول للحاجب) نادي على الشاهد عبود السلمان.
الحاجب – الشاهد عبود السلمان.
(يغادر عبود السلمان مقعده في الصالة ويرتقي خشبة المسرح ويقف أمام القاضي)
القاضي – اسمك؟
عبود – عبود السلمان سيدي.
القاضي – عمرك؟
عبود – أربعين سنة سيدي.
القاضي – شغلك؟
عبود – كاسب سيدي.
القاضي – قل والله العظيم أقول الحق.
عبود - والله العظيم أقول الحق.
القاضي – ماهي شهادتك عن المتهم؟
عبود – سيدي القاضي أنا ليس عندي كلام كثير. لكنني حين سمعت أن سيدنا الواعظ سيقدم إلى المحاكمة بتهمة تخريب الحياة في بلدتنا تعجبت. سيدي 0 هل يعقل أن يتهم شخص مثل الواعظ بتخريب الحياة في بلدتنا؟ إنه ملاك من ملائكة الرحمة أرسله الله تعالى لإصلاح حياة أمثالنا.. أمثالنا من الذين يعملون حماقات تخرّب حياتهم. سيدي القاضي. شهادتي قصيرة. وكلما أردت أن أخبر جنابكم به هو أن الواعظ أنقذ حياتي من أكبر حماقة كادت تدمّرني.
القاضي – وكيف ذلك؟
عبود – سيدي القاضي. جنابكم تعلمون أن الشيطان اللعين يوسوس في صدور الناس ليفسد حياتهم 0فهذا هو عمله منذ طرده الله تعالى من ملكوته. وقد دخل الشيطان اللعين بيني وبين أم أولادي ووسوس لي بأن أطلّقها بالثلاث.. مع أنها من خيرة النساء. ثم أصبت بعد ذلك بما يشبه الجنون. ولم أعد أعرف النوم لا ليلاً ولا نهاراً. وأردت أن أعيدها إلى عصمتي ولكن تعلمون جنابكم أن ذلك ليس ممكناً ما لم تتزوج غيري. وأصارحكم سيدي القاضي أنني لم أطمئن إلى زواجها من رجل آخر ولو زواجاً صورياً. فهي سيدي القاضي حورية من حوريات الجنة.. أي والله. وأخيراً نصحني أهل الخير بأن أتوجه للواعظ فهو الوحيد الذي يمكنني أن أثق به. وأقسم بالله أنني لم أسمع كلاماً حلواً طول حياتي كالكلام الذي سمعته منه يا سيدي القاضي. وقال لي: أنت ارتكبت خطأ عظيماً ياعبود بالخضوع لغضبك. وتذكر أن الغضب هو أحد أبواب جهنم. أي والله سيدي القاضي.. لن أنسى كلمته هذه طول حياتي0 واستجاب لطلبي فعقد على امرأتي ثم طلقها في اليوم التالي. وهكذا أنقذ حياتي التي كادت تتدمر يا سيدي القاضي (ملتفتاً إلى المتهم) أنت ملاك رحيم أرسلك الله إلى بلدتنا يا سيدنا الواعظ ولست بشراً.
القاضي – خلاص .. خلاص . أهذا كل ما عندك؟
عبود – نعم سيدي القاضي.
القاضي – انصرف إذن.
(يعود عبود السلمان إلى مقعده في الصالة)
القاضي – (يقلب أوراقه ثم يقول للحاجب) نادي على الشاهد جميل الكامل.
الحاجب – الشاهد جميل الكامل.
(يغادر جميل مقعده في الصالة ويرتقي خشبة المسرح ويقف أمام القاضي).
القاضي – اسمك؟
جميل – جميل الكامل.
القاضي – عمرك؟
جميل – ثلاث وأربعين سنة.
القاضي – شغلك.
جميل – موظف حكومي.
القاضي – قل والله العظيم أشهد بالحق.
جميل - والله العظيم أشهد بالحق.
القاضي – ماهي شهادتك عن المتهم؟
جميل – سيدي القاضي . أنا لا أدري كيف يمكن أن يقال
عن الأستاذ عادل بأنه متهم. هل يمكن أن يكون شخص مثله متهم؟ الشخص الذي يجب أن يوضع فوق رأسه تاج الفضيلة والنزاهة والأخلاق السامية؟
القاضي – اسمع يا سيد جميل. أنت شاهد ويفترض بك أن تنوّر المحكمة بما تعرفه عن المتهم وليس امتداحه.
جميل – العفو سيادة القاضي .ولكن يعزّ عليّ أن يقال عن الأستاذ عادل أنه متهم.
القاضي – التزم بشهادتك يا سيد جميل. هل عندك شيء تريد أن تنوّر به المحكمة؟
جميل – نعم سيدي القاضي . عندي ما أنوّر به المحكمة وهو شيء حدث معي بالذات ويدل على نبله وسموّ أخلاقه.. الأخلاق التي يندر أن نجدها عند الناس في هذا الزمن الرديء..
القاضي – (مقاطعاً) قلنا تلتزم بشهادتك يا سيد جميل.
جميل – سيدي القاضي. قبل شهور أصيب ولدي الوحيد بمرض عضال. وبعد مراجعة الأطباء أخبروني أنه لا يمكن إنقاذ حياته إلا بعملية مستعجلة، وبالطبع لم يكن ممكناً إجراء مثل تلك العملية في المستشفيات الحكومية فحضرتك مطلع على أوضاع مستشفياتنا الحكومية التي لا تسر. وكان لابد من إجرائها في إحدى المستشفيات الخاصة، وحينما استفسرت عن أجور تلك العملية صعقت للمبلغ الذي طلبته المستشفى. وتعرفون حضرتكم أن مهنة الطب عندنا صارت مهنة تجارية وليست مهنة إنسانية وصار شأنها شأن مهنة الاستيراد والتصدير.
القاضي – (مقاطعاً) التزم بشهادتك يا سيد جميل.. التزم بشهادتك.
جميل – حاضر يا سيدي القاضي. واحترت ماذا أفعل. وأفقدتني الحيرة عقلي ورحت أهيم في الشوارع لا أدري ماذا أفعل. وأنت أدرى يا سيادة القاضي بحال الموظف. فأنا موظف حكومي منذ أكثر من عشرين سنة ومع ذلك لا أملك أية مدخرات أنقذ بها ولدي وفلذة كبدي0 وتطوّع أصحاب المروءة وأرشدوني إلى الأستاذ عادل.. واعظنا وتاج رؤوسنا. ولم يتأخر الأستاذ عادل يوماً واحداً عن نجدتي. ودفع كل نفقات العملية والعلاج فأنقذ ولدي من موت محقق. (وهو يرفع رأسه إلى السماء) كيف أستطيع يا ربي أن أرد معروف هذا الإنسان العظيم؟ (ملتفتاً إلى القاضي) هل تسمح لي يا سيادة القاضي أن أقبّل قدمي هذا الملاك أمام رؤوس الأشهاد تعبيراً عن امتناني؟
(يندفع جميل فجأة نحو المتهم وينحني على قدميه محاولاً تقبيلهما فيمد يديه يدفعه عنه برفق وهو يتمتم : "استغفر الله.. أستغفر الله".
يسارع إليه الحاجب ويسحبه إلى موضعه فينخرط فجأة في نوبة بكاء حادة).
القاضي – اهدأ يا سيد جميل.. اهدأ.(بعد لحظة) هل لديك شيء آخر تضيفه إلى شهادتك؟
جميل – (وهو يحاول تجفيف دموعه) لا يا سيادة القاضي.
القاضي – تفضل إذن.
(يعود جميل إلى مقعده في الصالة)
القاضي – (يقلّب أوراقه ثم يقول للحاجب) نادي على الشاهد فرهود العلي.
الحاجب – الشاهد فرهود العلي.
(يغادر فرهود مقعده في الصالة ويرتقي خشبة المسرح ويتجه مباشرة إلى المتهم وينحني على كتفه يقبلهاوهو يهتف: السلام عليكم يازينة الرجال)0
القاضي – تعال يا رجل .. تعال هنا. أنت مطلوب كشاهد وليس للسلام على المتهم.
فرهود – مولاي.. كيف تريد مني ألاّ أسلّم على من طوّقني بجميل لن أنساه طول عمري؟
القاضي – اقترب من هنا.
فرهود – تؤمر مولاي القاضي.
(يتقدم فرهود نحو منصة القاضي)
القاضي – اسمك؟
فرهود – فرهود العلي مولاي.
القاضي – عمرك؟
فرهود – أظن مولاي خمسين سنة.
القاضي – شغلك؟
فرهود – مزارع مولاي.
القاضي – قل والله العظيم أشهد بالحق.
فرهود_ مولاي ولماذا لا أشهد بالحق؟وهل هناك إنسان شريف لا يشهد مع سيدنا الواعظ؟
القاضي – قل كما أخبرتك .. والله العظيم أشهد بالحق.
فرهود - والله العظيم أشهد بالحق.
القاضي – ماذا تعرف عن المتهم؟
فرهود – مولاي .. كيف يمكن أن يكون سيدنا الواعظ "متهم"وهو الذي يعلّمنا درب الحق ويرشدنا إلى كل ما فيه خيرنا وصلاحنا؟! هل الذي يساعد كل محتاج يصير متهماً؟!
القاضي – اسمع يا فرهود. إذا لم تلتزم بشهادتك حسب الأصول فسأصرفك.
فرهود – لا يا مولاي القاضي . أنا أريد أن اشهد بالحق عن سيدناالواعظ0 مولاي.. ولن أطيل شهادتي عليك، أنا جئت أقول على رؤوس الأشهاد أن سيدنا الواعظ هو الذي أعاد لي أرضي.. أرضي وأرض أجدادي التي هي مصدر عيشي وعيش عائلتي.
القاضي – وكيف أعاد لك أرضك؟
فرهود – مولاي تعلمون جنابكم أن الموسم في السنة الماضية كان كارثة على المزارعين ، وهو غضب من الله تعالى على عباده الجاحدين. ففقدنا محاصيلنا. واضطررت أن أستدين مبلغاً كبيرا ًمن أحد التجّار الذي اعتدت على التعامل معه. وكنت مديوناً له من قبل فاشترط عليّ أن أرهن أرضي لديه مقابل الدين فوافقت. وكان يوماً ملعوناً يوم وافقت. وكان الموسم هذا العام أسوأ من الموسم الماضي. فوقعت في شرّ عظيم. ولم تنفع توسلاتي لصاحب الدين لتأجيل سداده وأصرّ على مصادرة أرضي. واحترت ماذا أفعل، وإذا بالله سبحانه وتعالى يخلصني من ورطتي على يد هذا الآدمي ابن الأوادم.. (متجهاً إلى المتهم ) الله ينصرك على الظالم يا آدمي يا ابن الأوادم.. يا سيدنا وتاج رؤوسنا.
القاضي – كلمني أنا..لا عليك بالمتهم.
فرهود – مولاي ولماذا هو متهم؟ هل الذي يحسن للناس يسمى "متهم"؟
القاضي – لا عليك بهذا الأمر.. هل لديك كلام آخر؟
فرهود – لا يا مولاي القاضي.
القاضي – انصرف إذن.
فرهود – تؤمر مولا.ي
(يعود فرهود إلى مقعده في الصالة).
القاضي – (يقلّب أوراقه ثم يقول للحاجب) نادي على الشاهد الأخير سليم جبوري الفرحان.
الحاجب – الشاهد سليم جبوري الفرحان.
(يغادر سليم جبوري الفرحان مقعده في الصالة ويرتقي خشبة المسرح ويقف أمام القاضي)
القاضي – اسمك؟
سليم – سليم جبوري الفرحان.
القاضي – عمرك؟
سليم – خمسة وأربعون عاماً.
القاضي – شغلك.
سليم – تاجر.
القاضي – قل والله العظيم أشهد بالحق,.
سليم - والله العظيم أشهد بالحق.
القاضي – تفضل.
سليم – سيدي القاضي. سيفكر أي واحد من الحضور الكرام أن شهادتي لابد وأن تنصب في الدفاع عن أخي المتهم عادل، لكن أخي عادل لا يحتاج في الحقيقة إلى شهادتي لتبرئته من التهم التي وجهت إليه. فكل أهل البلدة القطيّبو القلوب مستعدون للشهادة في صالحه. لكنني أردت أن أنوّر المحكمة ببعض الحقائق عنه باعتباري أحد أفراد عائلته، على الرغم من أنني لا أتفق معه في طريقته في الحياة وفي أفكاره جملةً وتفصيلاً. وأنا يا سيادة القاضي كنت أختلف معه في ذلك منذ كنا صغاراً. وأنا بالمناسبة سيدي القاضي أخوه الكبير، وكنت أعتقد دائماً أنه شخص خيالي لا يفهم الحياة على حقيقتها. وحتى أهدافنا في الحياة كانت مختلفة منذ صغرنا. فأنا مثلاً قررت مستقبلي منذ البداية في مواصلة حرفة والدي وهي التجارة التي ورثناها أباً عن جدّ.. حتى أنني لم أجد داعٍ لمواصلة الدراسة الجامعية وفضلت أن أعمل مساعداً لأبي. لذلك كان طموح أبي أن يدرس عادل الحقوق ليصبح محامياً يتولى رعاية مصالحنا، لكنه منذ كان طالباً في الدراسة الثانوية أعلن عن رغبته في أن يكون مدرّساً ورفض الانصياع لرغبة والدنا الحاج جبوري، وكانت حجّته في ذلك أن مهنة التدريس هي أفضل مهنة تحقق أهدافه في الدعوة إلى مكارم الأخلاق وإلى ترسيخ المثل السامية في نفوس التلاميذ.
ونحن يا سيادة القاضي من وجهاء البلدة الذين أنعم الله عليهم بالربح الوفير والحمد والشكر لله لكن أخي عادل كان منذ صباه يرفض هذه النعمة بل يخجل منها. وكان يرفض كل ما يمكن أن توفرها له من عيش رغيد. وكنا في خصام دائم معه بسبب ذلك لأنه كان يحط من قدرنا أمام الناس ويظهرنا وكأننا بخلاء. فكان وهو تلميذ في المدرسة الثانوية يفضل ارتداء أرخص الملابس. وكان يكتفي بمصروف جيب زهيد جداً. ومنذ صباه أيضاً كان لا يرضى عن حياتنا المرفهة ويعتبرها إجحافاً بالفقراء المعوزين0 وكان يتهمنا بالبذخ والإسراف. ولم يكن يتناول من طعامنا إلاّ أبسطه. وكان يقول: أليس الأجدر بنا أن نوزّع هذا الطعام الكثير المتنوع على الفقراء الجائعين؟ وحينما كان الوالد يقول له: "كيف يجوز لنا أن نرفض نعمة الله علينا يا ولدي؟" كان يرد عليه: ألم تسمع يا أبي بقول الإمام علي بن أبي طالب: "ما جاع فقير إلا بما مُتّع به غني"؟ وكان يقول له أيضاً: ألم يكن باستطاعة نبيّنا الكريم أن يعيش حياةً تفوق حياة أغنى الأغنياء؟! لكنه ظل يعيش حياةً متقشفة كأفقر الفقراء.
وطبعاً أنا كنت ضد أفكاره المتطرفة هذه يا سيادة القاضي. غير أن أبي كان يُسرّ لها بينه وبين نفسه. وكان يقول لي حينما أنتقده أمامه: "ولدي عادل من أولياء الله الصالحين يا سالم" 0لكنه لم يكن يستجيب لأفكاره هذه. فهو يعتقد أن الله هو الذي تفضّل عليه بالرزق، وعليه ألاّ يرفض نعمته ما دام يسلك في تجارته سلوكاً لا يغضبه.وكان أبي على كل حال لا يرد له طلباً أبداً حينما يحتاج إلى مبلغ من المال ويقول: لابد أنه سيسدّ بالمبلغ حاجة محتاج.
وبسبب اعتراضه الدائم على طريقة حياتنا استقل بنفسه
في بيت بسيط حالما تخرّج من الكلية وتوفر له دخله الخاص،
وصار يعيش عيشة متقشفة. وكان سلوكه هذا مصدر حزن شديد لأبويّ وخصوصاً للحاجّة الوالدة.وكم توسلَت إليه أن يعود إلى بيته الكبير المريح بلا جدوى. لكنه طبعاً لم يقاطعنا، وأشهد أنه كان دائماً برّاً بوالديه.
ثم فوجئنا قبل شهور باستقالته من وظيفته وأصبح عاطلاً عن العمل. وحينئذ أصرّ عليه الوالد الحاج أن يقبل منه راتباً شهرياً فوافق على ذلك. واشترط أن يكون أقلّ من راتبه الحكومي.
ثم أخذ يسير سيرة عجيبة في الناس.وراح يقضي يومه في الأسواق والمقاهي والجوامع يتحدث إليهم عن مكارم الأخلاق وعن السيرة القويمة في الحياة. وصار يتفقد أحوال الناس المعوزين ويفكّ ضيقهم. وفتح أبواب بيته لهم فجعلوا يتوافدون عليه يسألونه النصيحة في شؤونهم وفي مشاكلهم الحياتية، بل ويطلبون منه معونات مالية. وكان الوالد لا يبخل عليه بأي مبلغ يطلبه مهما كان كبيراً0 وكنت أعترض عليه أحياناً يا سيادة القاضي لكنه كان يردّ عليّ قائلاً: لا تنس يا سليم أن عادل يقوم مقامي في الاستجابة لرغبة الخليفة عمر رضي الله عنه الذي قال:" لو أمدّ الله في عمري من قابل لآخذت من فضول أموال الأغنياء ورددتها على الفقراء ". وإنه لينفق هذه الأموال في وجوه الخير.
وكان أبي يقول لي في أحيان أخرى: إنني أعطيه من أموال الزكاة المفروضة عليّ يا سليم،وهو الذي سيشفع لي يوم القيامة.
وهكذا يتبين لكم يا سيادة القاضي أن أخي عادل لم يكن يهدف بسلوكه إلى نشر الفرقة بين الناس بل إلى تلقينهم مبادئ العدالة الاجتماعية حسب مفهومه وإلى إشاعة الوئام والمحبة بينهم والقضاء على الكراهية التي تنجم في رأيه عن اللاعدالة والظلم والإجحاف.
وأنا كما قلت يا سيادة القاضي لست متفقاً معه في أفكاره ولا في طريقة تطبيقها فليس هو المسؤول عن إصلاح أمور الناس، وهناك ربّ مسؤول عن عباده وهناك حكومة مسؤولة عن رعيتها.
وخلاصة شهادتي يا سيدي القاضي أن أخي عادل أبعد الناس عن الإضرار ببلدته وأبنائها،وهذه شهادتي وشكراً لكم.
القاضي – شكراً لك .. تفضل.
(يعود سليم إلى مقعده في الصالة)
القاضي – نكتفي بشهادات الادعاء والدفاع (ملتفتاً إلى المتهم) هل لديك دفاع تحب أن تلقيه يا عادل؟
المتهم – كلا يا سيادة القاضي.
القاضي – يؤجل النطق بالحكم إلى العاشر من الشهر القادم. تُرفع الجلسة.
(يغادر القاضي والآخرون المسرح بينما تتعالى هتافات في الصالة "يعيش الواعض نصير الفقراء والمظلومين.. الخزي والعار لأعدائه"0 تُطفأ الأنوار في المسرح وتهبط الستارة ببطء).

- ستار الختام -





#شاكر_خصباك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التركة
- خواطر فتاة عاقلة
- العنكبوت
- الخاطئة
- رسائل حميمة
- انطوان تشيخوف -دراسة نقدية-
- الرجل الذى فقد النطق
- امرأة ضائعة
- صراع -مجموعة قصصية-
- بيت الزوجية -مسرحية-
- ذكريات ادبية
- القهقهة ومسرحيات اخرى
- الطائر
- كتابات مبكرة
- مسرحية -الغرباء-
- عالم مليكة
- البهلوان ومسرحيات اخرى
- هيلة
- مسرحية-القضية-
- اوراق رئيس


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاكر خصباك - الواعظ