أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاكر خصباك - مسرحية-القضية-















المزيد.....



مسرحية-القضية-


شاكر خصباك

الحوار المتمدن-العدد: 2505 - 2008 / 12 / 24 - 08:51
المحور: الادب والفن
    


شاكر خصباك
القضية
مسرحية في ثلاثة فصول

الطبعة الأولى 1992

الفصل الأول

(صالة متوسطة السعة ذات أثاث بسيط . في ركن من الصالة سلّم يؤدي إلى الغرف العليا0 وفية تنتقل في أرجاء الصالة مشغولة في تنظيم أثاثها . صادق جالس على مقعد طويل وهو عاكف على القراءة وتدوين الملاحظات وقد تناثرت الكتب والأوراق على مقعده .
لحن الأمل يرافق المسرحية طوال فصولها ويتخذ أشكالا متعددة حسب المواقف) .
وفية : إنهم تأخروا عن الموعد .
صادق : ( وهو عاطف على عمله ) ما زال الوقت مبكراً يا وفية ( بلهجة خاصة) ومشاغل ابو نضال كثرت كما تعلمين !
وفية : لكن المفروض أن يصلوا حوالي السادسة كما أخبرتني نعيمة ( مفكرة ) كتب الله عليّّ أن أعيش بعيدة عن أختي وكلما اشتقت إليها وأردت زيارتها ضاع كل وقتي في الطريق .. هذا غير العذاب الذي ألاقيه في الفوز بمقعد في " الباص " .
صادق : ( وهو منشغل بعمله ) الحمد لله الذي أقعدني في البيت وكفاني هذه المشقة .
وفية : لا يا صادق ، لا . لا تقل هذا . خير ألف مرّة عندي أن تقاسي عذاب "الباص" ولا هذا الحبس في البيت وهذه العطالة .
صادق : وهل يمكن أن يكون شخص مثلي عاطلاً يا وفية ؟!
وفية : ألم يغلق المسخوط جريدتك ويعطلك عن عملك ؟
صادق : وهل الجريدة هي كل عملي ؟! ألا ترين أنني أهيئ ديواني الجديد للنشر وأنني مشغول بتأليف كتاب عن تاريخ الصحافة في بلادنا ؟
وفية : وما فائدة ذلك ؟! أنت تعلم أنك غير قادر على نشر كتاباتك ما دام المسخوط في الحكم .
صادق : وهل سيقي مسخوطك في الحكم إلى الأبد ؟
وفية : ومن سيزيحه عن صدورنا يا صادق ؟!
صادق : سيزاح كما أزيح من كان على شاكلته من قبل يا وفية .
وفية : ( وهي تهز رأسها ) بعد أن يكون الناس شبعوا تعاسة ومكابدة ! وحتى إذا ما أزيح فسيحل محله مسخوط آخر . هذا حالنا منذ وعيت على الدنيا .. من مسخوط إلى مسخوط ، وكأن الله كتب علينا حكم المساخيط !
صادق : لا يمكن أن يدوم حكم الطغاة إلى الأبد فذلك ضد منطق التاريخ فلا تيأسي يا وفية . وسترين أن طاغيتنا سيسقط كما سقط طغاة من قبله .
وفية : هذا ما تقولونه أنتم الشعراء و الكتّاب يا صادق ، ولكننا تعّودنا أن نرى حكم الطغاة يدوم إلى أن يتذكرهم الله0
صادق : ( وهو يضحك ) ليرميهم في جهنم وبئس المصير0
( يظهر نور من السلم المؤدي إلى الغرف العليا)
نور : ( مخاطباً أباه) لم أعثر على الكتاب بين كتبي يا أبي إذا شئت فتشت لك عنه في مكتبتك
صادق : لا تتعب نفسك يا نور 0 لست بحاجة إليه الآن . ربما وجدته فيما بعد .
نور : ( وهو يتلفت حواليه ملاحظا انشغال أمّه) هل سيزورنا أحد يا أمي ؟
وفية : ستحضر خالتك ونضال و أبو نضال يا نور .
نور : هل سنتشرف الليلة بزيارة المرتد ؟
وفية : ( برفق) ألا تكف عن وصف زوج خالتك بذلك يا نور ؟
نور : وبماذا يمكن أن يوصف شخص مثله ؟!
وفية : ( وهي تبتسم) على الأقل هو زوج خالتك التي لها معزّةّ خاصة في نفسك يا نور .
نور : أنا لا أسمّي الأعور كريم العين يا أمي ولا الأعمى بصيراً .
صادق : أمك تقصد مراعاة المثل القائل ( لأجل عين تكرم ألف عين ) يا نور .
نور : أنا لا أؤمن بهذه الأمثلة البالية يا سيادة الوالد . ماذا يمكن أن يسمى الشخص الذي يتنكر لمبادئه ويتعاون مع النظام الدكتاتوري المجرم ؟
وفية : ولكنك تعلم الظروف الصعبة يا نور وتدري بالضغوط التي تعرض لها .
نور : غيره دفع حياته ثمناً للضغوط ولم يستسلم ، وكان على مناضل مثله أن يفعل كما فعل الآخرون .
وفية : أرجوك أن ترفق به يا نور فهو زوج خالتك ولا تجر عليه في الكلام .
نور : ( في غلظة) وإذا كان زوج خالتي ، هل يلزمني ذلك بقبول سلوكه ؟! كل من يقبل سلوكه يصير انهزاميا مثله .
وفية : لكنه زوج خالتك يا نور ..
نور : ( مقاطعا في خشونة) رجاء يا أمي .. كفى كلاماً في هذا الموضوع . إن أي أعذار لا يمكن أن تبرر له سلوكه الانهزامي . إنني رأيت بعض رفاقي في المعتقل يموتون تحت التعذيب وهم صامدون . فلا تدافعي عنه مرة أخرى .
وفية : أنا أتأسف يا ولدي .. أعذرني .
نور : لا أريد أسفك ، ولكن ارحميني من تعليقاتك الانهزامية .
( يخرج نور غاضباً عن طريق السلّم)
وفية : أرأيت يا صادق ؟ أرأيت ؟! وأنت تقول إنه بخير .
صادق : نور بخير يا وفية ولكنك أنت المخطئة . حذرتك مراراً ألا تجادليه في هذا الأمر .
وفية : هو ليس بخير يا صادق 0 وأنت تعلم أن هذه ليست أخلاقه 0 كان كلامه كالعسل المصفى . همومه وأحزانه أفسدت حياته وطبعة .
صادق : وكيف تتوقعين منه أن ينسى ما شهد من أهوال ويعود كما كان يا وفية؟
وفية : أليس المفروض أن يسترد طبعه بعد أن مضت كل هذه الشهور على خروجه من " المهجوم " ؟!
صادق : إنه بحاجة إلى مزيد من الوقت يا وفية . الزمن كفيل بعلاج جراحة .
وفية : ( وقد غام وجهها بالأسى) مسكين أنت يا ولدي نور .. ما أشد أحزانك وهمومك !
( تظهر سامية عن طريق السلم)
سامية : ماما .. رائحة الكيكة ملأت غرفتي ، كيف لم تنتبهي إليها ؟
وفية : ( ساهمة ) شغلت عنها ونسيتها يا سامية . اذهبي إلى المطبخ وأطفئي الفرن .
سامية : ربما احترقت الآن ( تخرج) .
وفية : ( وهي غائمة الوجه) سأظل أتعذب لحال نور يا صادق ولن يهدأ بالي ما لم يسترد طبعه ويعود كما كان .
صادق : لا تقلقي يا وفية . سيعود نور الذي تعرفينه .. كل ما يحتاج إليه هو الوقت .
( تظهر سامية ثانية)
سامية : لحقتها قبل أن تحترق .. كيف تركتها كل هذا الوقت يا ماما ؟
وفية : ( تبدو ساهمة شاردة)
سامية : ( وهي تتأمل أمها بنظرات فاحصة) مالك يا ماما ؟! ( تهز رأسها ) إنه نور طبعاً .
وفية : ماله نور ؟
سامية : إنه يوزع نوباته العدوانية على الجميع .. رأيته قبل قليل وهو يصعد غاضباً .
وفية : لا تتحدثي عن أخيك هكذا يا سامية .
سامية : ولكنها الحقيقة يا ماما .. إنه صار عدوانياً جداً . He is so Aggressive . ( ملتفتة إلى أبيها الذي يبدو منشغلاً عنها) من فضلك يا بابا .. احمني من عدوانه .. إنه يشاكسني طوال الوقت ويريد أن يغرض آراءه السياسية عليّ .
صادق : ( وهو عاكف على عمله) عليك أن تتجنبي الجدل معه في السياسة حتى لا يشاكسك يا سامية .
سامية : ومتى كنت راغبة في الجدل معه ؟! إنه هو الذي يفرض عليّ الجدل . هو الذي يحتك بي مع أنني أتجنبه دائماً .
وفية : لا تعارضيه فيما يقول يا سامية ولا تتجادلي معه في السياسة .
سامية : ( وهي تضحك بسخرية) أنا أتجادل معه في السياسة ؟! أنا لا أكره شيئاً في الدنيا بقدر ما أكره السياسة . لكنني لست مستعدة أن أقبل آراءه التي يريد أن يفرضها عليّ . ولماذا أقبلها ؟! هل هو أكثر ثقافة مني ؟! إنه حتى لم يكمل دراسته الجامعية بعد .
صادق : ومن قال إن الثقافة مقصورة على من يتخرج من الجامعة يا سامية ؟
سامية : مهما يكن فهو ليس أكثر ثقافة مني . فلماذا يتوّجب عليّ أن أقبل آراءه؟!
صادق : ( وهو يجمع كتبه وأوراقه ويتهيأ لمغادرة المكان ) سأذهب لأغيّر ملابسي قبل مجيء الضيوف0
( يخرج صادق)
وفية : أنت تحيّرينني يا سامية00 فبدلاً من أن تعطفي على أخيك وهو في هذه المحنة تخلقين المشاكسات معه . أأنت والزمن عليه ؟
سامية : كل من يعمل في السياسة عليه أن يتحمل مسؤولية عمله.
وفية : أرجوك أن تراعيه وتتجنبي أذّيته يا سامية . يكفيه ما يقاسيه من هموم وأحزان .
سامية : ومن الذي يقاسي من الهموم ؟! هو أم أنا ؟! ماذا لديه من هموم ؟! يأكل ويشرب وينام . لا شغل ولا مشغلة . كل ما هنالك أنه يريد أن يتحكم فينا ويفرض آراءه السخيفة علينا . إنه صار عدوانياً جداً منذ خرج من المعتقل He is so Aggressive .
وفية : ( وهي تهز رأسها بألم) لا يا سامية ، لا . أحزانه وهمومه هي التي غيّرت طباعه . ( بعد لحظة) يكفيه أنه حرم من دراسته وأصبح حبيس البيت .
سامية : وهل حالي أحسن من حاله ؟! ألست أنا أيضاً حبيسة البيت ؟! وحياتي ؟!ما حياتي ؟ ملل في ملل في ملل . من البيت إلى العمل ومن العمل إلى البيت ! وحتى حينما تتوفر لي الحياة السعيدة أحرم منها .
وفية : أنت دائماً تتكلمين وكأنك تحملين هموم الدنيا على رأسك يا سامية (وهي تهم بالخروج) خالتك على وشك الوصول .. سأذهب لأرى الكيكة .
سامية : لو لم ألحقها لاحترقت .
(تخرج وفية . تتنقل سامية في أرجاء الصالة وتعبد ترتيب بعض أثاثها . يظهر نور عن طريق السلم وهو يحمل كتاباً )
نور : أين أبي ؟
سامية : ( دون أن تلتفت إليه) ذهب ليغيّر ملابسه .
نور : ( يتأمل سامية بدهشة ثم ينظر في ساعته متعجباً) أنت هنا !
سامية : ( عابسة) وما العجب في هذا؟!
نور : كيف نسيت موعد برنامج " مختارات من الأغاني الغربية" الذي يذاع الآن ؟! قد يفوتك التثقف عن مطرب جديد!
سامية : من فضلك ، لا داعي لهذا الكلام . . ثم ما أدراك بهذا الموعد ؟! لعلك تستمع أنت أيضاً إلى هذا " البرنامج" وتتفلسف بمثل هذا الكلام .
نور : ألست تخدشين سمعنا كل يوم في مثل هذا الوقت بصراخ أولئك المغنين ، فكيف لا أعرف بالموعد ؟
سامية : أنا حرة أفعل في غرفتي ما أريد 0 ويمكنك أن تقفل باب غرفتك فلا تخدش أسماعك الرقيقة .
نور : وهذا ما أفعله حتى لا أسمع صراخ أولئك المغنين الذين يعيدوننا إلى عهد الغابة بغنائهم وموسيقاهم .
سامية : أنت لست مؤهلاً للحكم على هذا النوع من الغناء والموسيقى ما دمت تجهلها .
نور : يشرفني أن أكون جاهلاً بهذا النوع من الغناء والموسيقى وأترك لأمثالك الاستمتاع بهذه الثقافة الراقية .
سامية : إنها ثقافة راقية رضيت أم لم ترض باعتراف كل الناس المثقفين .
نور : تقصدين اعتراف من هم في مستوى ثقافتك . أما المثقفون الحقيقيون فيعلمون أي نوع من الثقافة تحمل أمثال هذه الأغاني و الموسيقى .
سامية : طبعاً أمثالك من المثقفين الحقيقيين من حملة الشهادات العالية !
نور : يشرفني ألاّ أكون من حملة الشهادات العالية من الأميين أمثالك .
سامية : ( وهي تتأمله بغيظ) You Are go Aggressive .
نور : هذه هي سمة الثقافة الراقية .. التنطعّ بالألفاظ الأعجمية ! هكذا تتصورين أنت وصاحباتك من خريجي قسم اللغة الإنجليزية!
سامية : هل أصبحت هوايتك تنكيد حياتي بعد أن لم يعد لك عمل آخر ؟!
نور : أنا لا أنّكد عليك حياتك بل أحاول أن أفتح عينيك المغلقتين على الثقافة الحقيقية لتكوني مواطنة نافعة .
سامية :( في غيظ شديد ) فاعلم إذن أنني لست راغبة في أن أكون مواطنة نافعة ، وإني أترك لك ولأمثالك تولي مثل هذه المسؤولية . وتذكّر أنني أعلى منك شهادة وأكبر عمراً وأنني أنا التي يجب أن تثقفك لا أنت الذي تثقفني . ( تخرج سامية غاضبة عن طريق السلم . يجلس نور على أحد المقاعد ويتصفح الكتاب الذي بين يديه . يرنّ الجرس الخارجي ثم يسمع صوت وفية وهي ترحّب بالضيوف .
يدخل راشد ونعيمة ونضال ووفية وصادق ويتبادل الجميع التحايا ويتوزعون على المقاعد ) .
وفية : تأخرتم كثيراً يا نعيمة .
راشد : أنا آسف يا أم سامي .. مشاغلي في الجريدة هي المسؤولة عن هذا التأخير.
وفية : (ملتفتة إلى نضال ) مشتاقة إليك يا نضال الوردة . ( تحتضنها وتقبّلها) .
نضال : وأنا أيضاً مشتاقة إليك يا خالتي حبيبتي .
صادق : (مداعباً ) ألم تزرنا نضال قبل أسبوع يا وفية ، فما هذا الشوق ؟!
وفية : لو كان الأمر بيدي لطلبت منها أن تزورنا كل يوم .
نضال : ولو كان بإمكاني يا خالتي لحضرت كل يوم .
نور ): قي سخرية خفيفة) لم يعد لنضال وقت لزيارتنا يا أمي فهي مشغولة بأصحابها في الجامعة.
نضال : ( ترمقه بعتاب ) أنت متأكد أنني لا يشغلني عن زيارتكم شيء ، فلماذا هذا التجني عليّ يا نور ؟! وأنت أدرى ببعد الطريق وصعوبة المواصلات .
وفية : الحق معك يا نضال . (ملتفتة إلى نعيمة) وأنت يا نعيمة00 طالت غيبتك عنا0
نعيمة : معك حق يا وفية . صدقيني 00 اشتقت إليك كثيراً.
راشد : أنا المسؤول عن ذلك أيضاً يا أم سامي0 أردت أن أصحبها في زيارتها لأرى أبو سامي 0 وكنت أتواعد معها كل يوم هذا الأسبوع ثم يحدث طارئ في الجريدة يؤخرني .
صادق : لاشك أن مشاغلك تضاعفت يا راشد بعد أن أخذتم تصدرون الصفحة القانونية مرتين في الأسبوع .
راشد : الحقيقة أنني لم أكن راغباً في ذلك يا صادق لولا إلحاح رئيس التحرير0 وليس ذلك تهرباً من زحمة العمل في الحقيقة فكثرته لا تهمني مادام يشبع هوايتي ولكن مسؤولياته هي التي تضايقني .
نضال : أنت طول عمرك تحب العمل يا بابا .
نور : ( بسخرية مبطنة) وهل عملك الحالي يشبع هوايتك يا عمي ؟!
راشد : الحقيقة يانور أنني لا أمارس هوايتي بنفس الرغبة التي كنت أمارسها بها سابقاً .
نعيمة : لكنها لم تكن نافعة لك قبلاً يا راشد مع أنك كنت تبذل أضعاف ما تبذل فيها الآن من جهد وتعب0 أما اليوم فهي هواية نافعة على الأقل . ( تلتفت إلى وفية) تصوري يا وفية أنهم ضاعفوا راتبه حينما تقّرر إصدار الصفحة القانونية مرتين في الأسبوع .
نور :(في تهكم مبطن) السلطة تسخو لمن يعمل في خدمتها يا خالتي !!.
نعيمة : ليست المسألة مسألة سخاء يا نور و إنما هي تؤدي لكل صاحب حق حقّه .
نور : هل أصبح حال السلطة كذلك يا خالتي ؟! لم يكن ذلك رأيك فيها من قبل .
نعيمة : الحق هو الحقّ ويجب أن يقال يا نور .
صادق : على كل حال الجريدة هي الرابحة مهما دفعت لأبو نضال من مرتب فهو يكتب أفضل من كثير من كتّابها الذين يحملون شهادة الدكتوراه في القانون .
نور : ذلك لأن حملة الدكتوراه في القانون الذين يكتبون في جريدة السلطة أناس منافقون وانتهازيون يا سيادة الوالد ، وهم لا يوظفون علمهم على الوجه الصحيح بل يغالطون ويكتبون الآراء التي ترضي الطاغية وتدعم نظامه وحزبه 0 وأنت تعلم أن طاغيتنا حوّل معظم من يدعون بالمثقفين وذوي المراكز الحساسة في الدولة إلى انتهازيين ومنافقين برشاويه السخية . إنه أفسد أخلاق الناس ومثُُُلهم .
صادق : ( وهو يهز رأسه ) هذا طبيعي فهي ظاهرة ملازمة للحكم الديكتاتوري.
راشد : لا يا نور . ليس الأمر كذلك فبعضهم يعّبر عن الآراء الشخصية التي يدين بها .
نور : هل تعتقد بذلك حقاً يا عمي ؟ أنت مسؤول عن تحرير الصفحة القانونية فهل بإمكانك فعلاً نشر الآراء التي لا ترضى عنها السلطة ؟!
راشد : ( محرجاً) الحقيقة أنني لا أزعم أن في وسعي السماح بنشر كل ما يرد إلى الصفحة من مقالات ، غير أن هناك مجالاً واسعا لتنوع الآراء فيها ، والواقع أن رئيس التحرير لا يتدخل في شؤون الصفحة ومقالاتها لا تعرض عليه .
صادق : لنكن صريحين يا راشد . أنا خبرت أساليب السلطة طويلاً كما تعلم ومرت جريدتي بكل العهود . ففي العهود التي تصادر فيها الحريات كانت "الرقابة" تفرض علينا ضرورة موافقتها على كل سطر ينشر في الجريدة . وفي العهود التي يعترف فيها للشعب ببعض من حقوقه الديمقراطية كان المسؤولون يقولون لنا: " لن تكون هناك رقابة على الصحف . ستكونون أنتم رقباء على أنفسكم " . لكنهم سرعان ما يصادرون الجريدة التي تنشر مقالات تتعارض وسياستهم . فما بالك بهذا العهد الذي حجبت فيه حقوق الشعب وحرياته الأساسية وزُيفت فيه جميع مؤسساته السلطوية ؟!
راشد : ها أنت ذا قلتها بلسانك يا صادق . لا يمكن أن يكون هناك توافق بين السلطة وحرية الكلمة في بلدنا و بلدان العالم الثالث عموماً 0 ونحن هنا في بلدنا في صدام مستمر مع السلطة منذ تكونت دولتنا في أوائل العشرينات حتى اليوم 0ومثلك ومثلي ممن يرتبطون بمصير شعبهم في معاناة مستمرة0 لكنني يجب أن أقر أيضاً بأن السياسة الرسمية تعترف بحرية الصحافة وبالتالي لا يستطيع رئيس التحرير أن يفرض علينا أوامر بهذا الشأن .
نور : ( وهو يطلق ضحكة ساخرة) الطاغوت يؤمن بحرية الصحافة ! يا للزيف ! إنه صادر جميع حريات الشعب وحوّل البلد إلى سجن كبير .
صادق : ( مبتسما) هل تريد أن تقنعنا يا راشد أنك تؤيّد السياسة التي تعتمد مقولة " أكذب ثم أكذب ثم أكذب حتى يصدقك الناس" ؟! فأنت تعلم أن التصريحات الرسمية شيء وما يجري عملياً شيء أخر . وإلاّ لو أخذنا بنظر الاعتبار التصريحات الرسمية لكنّا في طليعة الدول الديمقراطية . ولاشك أنك تتفق معي على أن ما تدّعيه السلطة من ديمقراطية ما هي سوى ديمقراطية مزّيفة تعتمد أسلوب القهر والإرهاب وهي لا تلتزم بأبسط حقوق الإنسان 0 فأين هي من الديمقراطية السليمة التي ننشدها ؟! ولماذا نذهب بعيداً ؟! لعل أكبر دليل على زيف دعوى السلطة بحرية الصحافة أن جريدتي وأنا الصحفي القديم مغلقة وأنني لا أمارس عملي الصحفي .
راشد : ( بلهجة مترددة) أنت لا تمارس عملك الصحفي برغبتك يا صادق . ولو شئت لكان المجال مفتوحاً أمامك .
نور : ما معنى هذا الكلام يا عمي ؟! الوالد لا يمارس عمله الصحفي برغبته ؟! وهل مجال العمل في الصحافة متوفّر لصادق الماجد تحت حكم الطاغية؟
صادق : ( وهو يضحك ضحكته المترفعة) طبعاً متوفر إذا شاركت في عملية تضليل الناس وروجّت لعبادة الفرد .
راشد : ( متردداً) أقصد أنك فضّلت العزلة يا صادق ولم تحاول العمل في غير جريدتك . ومثل هذا الموقف السلبي يحجب الشخص عن دائرة الضوء ويحرمه بالتالي من المساهمة في خدمة المصلحة العامة .
صادق : وهل أستطيع أن أساهم في خدمة المصلحة العامة في ظل هذا النظام الفاسد الذي يسّيره فرد واحد حسب أهوائه ومصالحه وأفكاره يا راشد؟! .
راشد : ومتى كانت بلادنا لا يتحكم في أمورها فرد أو أفراد معينون منذ عهد ما يسمى بالحكم الوطني حتى اليوم ؟ ولكنني أقول إنه بشيء من المرونة يمكن أن نحقق بعض المكاسب للشعب .
نور : ما هذه الأقوال الغريبة يا عمي ؟ ! كيف يمكن أن تتوقع من صادق الماجد أن يتعاون مع النظام الديكتاتوري المجرم لتحقيق بعض المكاسب ؟ إذا كان مثله يتخلى عن صموده فعلى الدنيا السلام ! قد يفعل هذا غيره ، أما هو فلن يتعاون مع السلطة المجرمة مهما قست الظروف ومهما تكن الأحوال .
راشد : ( بلهجة محرجة) المسألة ليست مسألة تعاون مع السلطة يا نور بل خدمة المصلحة العامة بطرق مقبولة للسلطة .
نعيمة : ما أشد مبالغاتك يا نور !
وفية :( وهي تضحك ضحكة لطيفة) مالنا وهذا الحديث ؟ ! أنتم شغلتمونا عن تقديم الشاي ( وهي تنهض) هل تساعدينني في إحضار الشاي يا نضال ؟
نضال : ( وهي تنهض) بكل سرور يا خالتي .
نعيمة : ولكن أين سامية ؟ ألست هي في البيت ؟ منذ مدة لم أرها .
وفية : هي في البيت يا نعيمة ولكنها تلازم غرفتها كالعادة ( وهي تضحك ) فهي لا تستطيع مفارقة " الراديو" .
نضال : اجلسي يا خالتي وسأذهب أنا إليها ونحضر الشاي معاً .
وفية : ( وهي تعود إلى الجلوس) مشكورة يا نضال الوردة . ( تخرج نضال عن طريق السلّم ) .
نعيمة : أنا مشتاقة لرؤية سامية وسامي فقليلاً ما أرى سامية عند حضوري . أما سامي فلم أره منذ زمن . لم أره منذ العيد الماضي .
وفية : نحن أيضاً لا نرى سامي إلا قليلاً يا نعيمة . فحالما يتناول غداءه يدخل غرفته لينام . ثم يخرج مساء ولا يعود إلاّ حوالي منتصف الليل .
( يسمع صوت الباب الخارجي وهو يفتح ويغلق ثم يدخل سامي . يتبادل التحايا بحرارة مع راشد ونعيمة . في نفس الوقت تظهر سامية ونضال عن طريق السلم وبعد تبادل التحايا تنصرفان إلى المطبخ ) .
راشد : ( مخاطباً سامي) ابن الحلال بذكره يا سامي . كنّا الآن بذكرك . كانت خالتك تقول إننا لا نراك إلاّ في الأعياد .
وفية : نيّتك صافية يا نعيمة . حضر اليوم سامي مبكراً على غير عادته حتى تريه .
سامي : القلوب عند بعضها يا أمي . أنا أيضاً كنت مشتاقاً لرؤية خالتي . منذ أشهر لم أرها . ولم أرَ عمّي راشد . أنا مقصر جداً .
نعيمة : بالطبع أنت مقصّر . لم نرك منذ العيد الماضي .
سامي : أنا معترف بتقصيري يا خالتي . لكنك تعلمين أنني لا أمتلك سيارة وبيتكم بعيد .
نعيمة : وهل هذا عذر مقبول ؟
راشد : سامي معه حق يا نعيمة . صار من الصعب على الشخص أن يفي بالتزاماته بدون سيّارة ، وأزمة المواصلات تتعقّد يوماً بعد يوم .
سامي : ركوب " الباص" معناه احتمال العذاب ، وأنا أجد نفسي مضطراً إلى إنفاق نصف راتبي على " التكسيات" .
نور : الله يساعد الفقراء من أبناء الشعب الذين لا يجدون ثمن لقمة العيش .
سامي : ( يخاطب نور في خشونة) وما دخل ذلك بكلامنا عن المواصلات ؟! أمن الضروري أن تنطّ آراؤك السفسطائية في كل مناسبة ؟
نور : ولماذا يضايقك الكلام عن الفقراء ؟! هل نحن من طبقة الأغنياء حتى يثير ذكر الفقراء اشمئزازك ؟
سامي : شكراً للآراء السفسطائية التي جعلتنا من طبقة الفقراء . ( تدخل نضال وسامية وهما تحملان عدة الشاي . تنشغلان في توزيع الكيك والشاي على الحاضرين ) .
راشد : ( مستأنفاً الحديث) صارت أزمة المواصلات في المدن الكبرى أزمة عالمية بسبب زيادة السكان والازدحام الشديد في المدن .
نور : لكن الحكومات التي ترعى شعوبها تحاول حلّها حلاً جذرياً يخفّف من معاناة الناس يا عمي . أما هنا فالله يساعد الفقراء .
راشد : ( مبتسماً) ولماذا الفقراء فقط يا نور ؟! الكلّ يعانون من أزمة المواصلات.
نور : الأغنياء يمتلكون السيارات يا عمي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
راشد : الحقيقة أن الحكومة تفّكر جدّياً في حلّ أزمة المواصلات . وقبل أسابيع عقدت صفقة مع شركة أجنبية لشراء عدد كبير من " الباصات" .
نضال : ألم تقل لنا يا بابا أن رئيس التحرير أخبرك بأن تلك الصفقة كانت استجابة للمقالات التي كتبتها حول هذه الأزمة ؟!
راشد : الحقيقة أن هذه الأزمة كانت تقلق المسؤولين لكن رئيس التحرير ذكر لي أن مقالاتي كان لها أثر في التعجيل بحلّها .
سامي : أنت إذن ستكون صاحب الفضل الأكبر في حلّها يا عمي .
نور : وأخيراً أصبح لنا ضلع في السلطة ! أبشروا أيها المستضعفون !
سامية : ( ملتفتة إلى نعيمة) ما دام الحديث سيدور حول السياسة فاسمحي لي يا خالتي أن أعود إلى غرفتي .
سامي : لا تذهبي يا سامية . سنتحدث في أمور أخرى . ( ملتفتاً إلى راشد) كنت أريد أن أسألك يا عمي إن كنت تعرف نعمان نعمة الله .
راشد : ومن لا يعرف نعمان نعمة الله ؟! أقصد من لم يسمع بنعمان نعمة الله ؟ إنه يُعَد اليوم من أكبر مقاولي البلد . ولكن لماذا تسأل عنه ؟ إن كان لك حاجة عنده فمن الممكن تسهيلها فرئيس التحرير على صلة قويّة به .
سامي : ليس لدّي حاجة عنده يا عمي بل هو لديه حاجة عندنا .
راشد : ( في عجب ) وكيف يمكن أن يحتاجك شخص مثل نعمان نعمة الله يا سامي ؟
سامي : أنا لم أقل إنه يحتاجني يا عمي بل قلت إن له حاجة عندنا .
صادق : ليس لأمثال هؤلاء الأشخاص حاجة عندنا وليس لدينا حاجة عندهم . ولا أهمية لهم بالنسبة لنا .
راشد : أصبح لأمثال نعمان الله أهمية رضينا أم لم نرض يا صادق فهم مسؤولن عن مشاريع الإعمار في البلد .
نور : وهل يعني ذلك أنهم اكتسبوا أهمية حقيقية ؟! هل يصحّ أن يسمى اللص بغير هذا الاسم ؟!
سامية : ( في استياء) ولماذا لصّ ؟ لو كان لصاً لكان في السجن .
نور : وهل يوضع جميع اللصوص عندنا في السجن ؟! لا يسجن عندنا سوى اللصوص الصغار .
راشد : ( وهو يضحك) أنت تبالغ في أحكامك دائماً يا نور0 وإنك لتذكرّني بشبابي . وأنت معذور على أية حال فكل الشبان المتحمسين يمّرون بهذه المرحلة وتكون أحكامهم حديّة لا تعرف الوسط .
نور : ( بسخرية لاذعة) هل أصبحت تدعو إلى الاعتدال يا عمي ؟!
سامي : مهما يكن الرأي في نعمان نعمة الله فهو شخص شاطر فلم يكن قبل خمس سنوات يملك شيئاً وهو اليوم مليونير .
نور : وهذا يؤكد بأنه لصّ . فكيف تهيأ له أن يجمع ثروة عظيمة في هذا الزمن القصير ؟!
صادق : هذا أمر ليس غريباً على هذا العهد الذي ترك لزبانيته الحبل على الغارب ليستغّلوا نفوذهم كما يشاؤون ويستأثروا بخيرات البلاد حتى أصبحوا وكأنهم يعيشون في حلم !
راشد : حقاً.. صعدت فئة قليلة إلى قمّة الغنى بينما تقلصت الطبقة الوسطى وتحوّل الغالبية إلى فقراء وجياع وعاطلين !
نور : ( بلهجة ساخرة) عهد الطاغوت حافل بالمكاسب يا عميّ .
نعيمة : ( محاولة تغيير الحديث) لكنك لم تقل لنا يا سامي ما هي حاجة نعمان نعمة الله عندك .
سامي : اتصل بي يا خالتي شخص من قبله مبدياً رغبته في مصاهرتنا .
نور : ( يطلق ضحكة صاخبة) نعمان نعمة الله يصاهر صادق الماجد ! هذا حقاً علائم الساعة !
نعيمة : ولماذا علائم الساعة يا نور ؟!
نور : هل يتصور هذا اللصّ أن ثروته يمكن أن تزكّيه لدى صادق الماجد ؟!
سامية : ( باستياء) ولماذا لصّ ؟! هل سرقك ؟
نور : لا00 لم يسرقني لكنه سرق الشعب .
راشد : الحقيقة أنني مندهش كيف يخطر لنعمان نعمة الله أن يصاهر صادق الماجد .
وفية : ولماذا تندهش يا أبو نضال ؟! صادق الماجد يشرّف أكبر رأس فيهم.
نضال : طبعاً يا خالتي . ظفر صادق الماجد بألف منهم .
صادق : ( مبتسماً) شكراً يا ابنتي .
راشد : بلا شك يا أم سامي .. وأنا أعجب كيف يتصور شخص مثل نعمان نعمة الله أن ثروته تجعله مقبولاً لدى صادق الماجد .
نعيمة : وما الداعي إلى مثل هذا الكلام الذي يضيعّ مثل هذه الفرصة على سامية ؟! كل هذه الثروة ثم نشكّك في صلاحيته !
سامية : ( بتأثرّ) قولي لهم يا خالتي .. الجميع متحّيزون ضدّ نعمان نعمة الله ولا أفهم لماذا .. It is not Fair.
نضال : ماما حبيبتي ، متى كانت الثروة كل شيء في نظرك ؟
نعيمة : للأسف أنني أدركت هذه الحقيقة متأخرة يا نضال .. كنت مخدّرة بالأفكار المثالية
نور : ( وهو يهزّ رأسه في خيبة) أسفاً عليك يا خالتي ! أسفاً عليك ! لكأنك تريدين أن تعوّضي بهذه الأقوال عمّا فاتك من خذلان في الماضي ! كم كنت صامدة وكم صرت انهزامية !
نعيمة : بل قل كم صرت واقعية يا نور .
وفية : ( وهي تضحك ) لا تنسي أنك كنت تتصدرين المظاهرات ضد الحكومة وأنت طالبة في الجامعة يا نعيمة .
نضال : ( بفخر) وكانت ماما حينما يطفح بها الكيل أثناء وجود بابا في السجن تدخل غرفتها وتقفل عليها بابها ، ولكنها لم تنطق أمامي مرة بعبارة شكوى واحدة ولم أرها تبكي يوماً . وكانت تردّد على سمعي دوماً : نحن الأعلون يا نضال وهم تحت أحذيتنا .
نعيمة : ( وهي تهزّ رأسها بقوّة) كنت مخدّرة بالأفكار المثالية التي ضيّعت علينا حياتنا .
سامي : مالنا وهذا الكلام يا خالتي ؟! لماذا تقلّبين دفاتر الماضي وتهيئين الفرصة لنور ليلقي علينا محاضراته السفسطائية ؟
نعيمة : صدقت يا سامي . . مالنا وهذا الكلام ؟! فليقل نور عنى ما يقول ولنهتم بموضوع سامية وهذا الحظ الذي طرق بابها . ( ملتفتة إلى وفية) يجب ألا تضيعوا على سامية مثل هذه الفرصة يا وفية .
وفية : الأمر بيد أبو سامي يا نعيمه فهو ولي أمرها وهو أدرى بمصلحتها .
نور : ( في حدّة) أرجوك يا خالتي .. لا تتدخلي في هذه المسألة .
سامية : ولماذا لا تتدخل ؟! أليست هي بمقام أمّي ؟!
نعيمة : ما عاد نور يرعى لي حرمة يا سامية وكأنني لم أكن في يوم من الأيام خالته العزيزة .. كم تغيرت يا نور !
وفية : ( وهي تضحك) ولكنك مازلت خالته المحبوبة يا نعيمة .
نور : لست أنا وحدي الذي تغّير يا خالتي !
سامي : ( مخاطباً نور) ولماذا تعتبر نفسك ذا حقّ في التدخل في هذه المسألة بينما لا يحقّ لخالتنا التدخل فيها ؟ هل أنت ولي أمر ساميَة ؟!
راشد : ( وهو يبتسم) أنتم تتناقشون في المسألة ووليّ أمرها ساكت . ( ملتفتاً إلى صادق ) ما قولك يا صادق ؟
صادق : لا موجب للنقاش في هذه المسألة فليس نعمان نعمة الله الشخص المناسب لسامية .
نعيمة : ولكن ماذا يعيب نعمان نعمة الله يا أبا سامي ؟
صادق : تذكريّ يا أم نضال أن لنا مثلنا التي لا تبيح لنا مصاهرة زبانية النظام. ثم أن أمثال هؤلاء الأشخاص بلا قيم خلقية . فكيف يمكن الوثوق بهم ؟
نعيمة : لكن مثُلك محفوظة يا أبو سامي فهم الذين يتقربون إليك0 وهذا دليل على أنهم يحترمونك ويقدّرونك .
صادق : لا تصدّقي ذلك يا أم نضال . إنهم لا يحترموننا حتى لو تقّربنا نحن منهم بل إنهم ليزدادون احتقاراً لنا إذا ما تعاونّا معهم لاعتقادهم أننا نفعل ذلك من موقف الضعف .
نعيمة : اسمح لي أن أقول إن ذلك ليس صحيحاً يا أبو سامي . فمنذ عمل راشد في الجريدة وهو لم يشك يوماً من معاملة رئيس التحرير .
نضال : لا تنسي يا ماما أن بابا يبدي دائما تذمرّه مما يحدث له من مضايقات في العمل في الجريدة .
راشد : ( بلهجة فاترة ) لكن رئيس التحرير ليس هو المسؤول عن تلك المضايقات يا نضال .
صادق : على كل حال لا يمكن أن يكون زبانية النظام صادقين في تعاملهم معنا فهم ليسوا سوى خدم للطاغية ، وهو لا يحبنا 0 وعلى كل حال فهو لا يحب أو يحترم أحداً .
راشد : ( في تردد ) ربما كان في هذا القول شيء من المبالغة يا صادق .
صادق : ( وهو يهز رأسه ) لا أظن . فنحن نعلم أن هذا هو حال الطغاة منذ أن وجدوا ، فهم يرون أنفسهم مخلوقات فوق البشر 0 وطاغيتنا ليس بدعاً بين الطغاة .
راشد : لكن رئيس التحرير ذكر لي يا صادق أكثر من مرة أنه سمع منه شخصياً إشادة بك وبشعرك .
صادق : ( وهو يضحك ضحكته المترفعة ) ولذلك أغلق جريدتي وحرّم عليّ الكتابة !
نور : (مقهقهاً ) الطاغوت معجب بشعر صادق الماجد ! يا للزيف !
وفية : ( بتيه) الجميع معجبون بأشعار أبيك يا نور . هل نسيت ذلك ؟! وهو ليس سوى فرد من الناس .
راشد : ( بلهجته المترددة ) وفي الحقيقة لن تكون الكتابة محرّمة عليك إذا شئت يا صادق. وإني مكلّف من قبل رئيس التحرير أن أعرض عليك تولّي الإشراف على الصفحة الأدبية لقاء راتب تحدّده أنت .
نور : ها قد تكشّف ما وراء الكلام عن المواقف السلبية يا عمي ! لم يكن ذلك إذن سوى تمهيد لدعوة صادق الماجد للعمل في جريدة السلطة .
صادق : ( وهو يضحك ضحكته المترفعة ) وكأن من الممكن ان أعمل يوماً في جريدة النظام !
سامي : ( في حماسة ) لم أكن أتصور أن يبلغ تقدير السلطة لأبي إلى هذا الحد! يحدّد راتبه بنفسه !
نعيمة : ( ملتفتة إلى وفية ) قولي لأبو سامي أن يطلب ألف دينار في الشهر يا وفية .
سامية : سنكون أغنياء يا ماما ! أخيراً سنكون أغنياء !
نور : لن يفلح الطاغوت في شراء صادق الماجد حتى لو دفع له ألوف الدنانير في الشهر .
صادق : ما شاء الله ! ليس في الإمكان أحسن مما سيكون ! كل ما هنالك أنني كنت أنتظر منهم عرضاً مغرياً لأمدّ لهم يدي وأتعاون مع النظام !
راشد : ليس الأمر كما تتصوره يا صادق . أنت ستكون مشرفاً على الصفحة الأدبية فحسب . ورئيس التحرير أكّد لي أنك ستكون حرّ التصرف بها ولن يتدخل في شؤونها أحد .
صادق : أي أنهم يريدون شراء اسمي بشكل من الأشكال .
راشد : أنا أعتقد أن المسؤولين يرغبون في الانتفاع بخبرتك في رفع مستوى الصفحة الأدبية يا صادق وليس كما تتوهّم0، وفي رأيي أنك ستنفع البلد لو قبلت هذا المنصب . فمن أجدر منك أن يقوّم حال الأدب ؟! أما اعتزالك وسجنك في البيت فلا جدوى وراءه.
سامي : ( في حماسة ) بالتأكيد . هم يريدون الانتفاع بخبرة أبي وهي خبرة لا تقدر بثمن . فمن أجدر منه بتقويم حال الأدب في بلادنا ؟!
نور : ( يحك في استهزاء ) هكذا الانتهازية وإلاّ فلا . أصبحت الانتهازية شعار الجميع 0 ( مخاطباً سامي بسخرية ) قل لي يا سامي : متى كنت مهتماً بحال الأدب؟!
سامي : ( غاضباً ) احترم نفسك يا نور .
صادق : هذه اللعبة مكشوفة يا راشد . فدكتاتورنا يحاول شرائي بعد أن يئس من ركوعي استجابة للحصار الذي فرضه عليّ . وهو يحسب أنه يستطيع شراء كل إنسان . وتلك هي سياسة الطغاة : العصا أو صرّة النقود .
نور : فعلاً . إنه يحاول شراءك يا سيادة الوالد . إنه يحاول شراء الرموز الوطنية لتتهاوى واحداً بعد الآخر فيخلو له الجوّ . إنه يهدف إلى إضعاف معنويات الشعب عن طريق القضاء على رموزه الوطنية .
سامي : ( مخاطباً نور في هزء ) وهل تحسبون أن الرموز الوطنية قادرة على إسقاط هذا النظام الجبّار ؟! أنتم إذن تضحكون على أنفسكم .
نور : هذه أفكار الانهزاميين التي يغذّيها كلاب الطاغية ليزرعوا اليأس في القلوب 0 لكن النصر النهائي سيكون للشعب الصامد رغم أنوفهم .
نعيمة : شبعنا من هذه الأفكار المثالية التي قصمت ظهورنا ، وحياتنا شارفت على نهايتها ولم نر الشعب ينتصر .
راشد : ( بلهجة مترددة ) لابد لي أن أصارحك يا صادق أنني لست مرتاحاً للهجة التي طلب بها مني أن أنصحك ألاّ تستعجل في الرّد إذا كان سلبّياً، ويبدو أنه لم يكن يتكلم بلسانه وأن العرض لكم يكن صادراً منه شخصياً.
صادق : ( وهو يضحك ضحكته المترفعة ) وكأن كل ما يحتاج إليه صادق الماجد هو هذا التهديد المبّطن لكي يركع !
سامي : ( بفزع ) يا لطيف ! نحن مقبلون إذن على كوارث !
نور : ( يهب واقفاً فجأة ويصرخ ثائراً ) هذه مؤامرة حقيرة لجرّ صادق الماجد إلى مستنقع الخيانة وأنت يا راشد القادري أداة لتنفيذها . ولكن هيهات أن تنجح هذه المؤامرة حتى لو أغري صادق الماجد بكنوز سليمان .. ذهب وقل لخدم الطاغوت أن صادق الماجد ليس للشراء . اذهب وقل لهم ان هامة صادق الماجد ستظل تطاول السماء حتى لو أغري بكنوز العالم كلّها.
وليعلم الجميع أن الشعب سيظل متمسكاً برموزه الوطنية إلى النهاية0 وسيظل يقاوم حكم الطاغية حتى يتحقق له النصر .. ولن يفقد الأمل .. لن يفقد الأمل أيها المتخاذلون .
( في أثناء ثورة نور تبدأ الستارة بالهبوط ببطء . يستمر صراخ نور دقائق بعد هبوط الستارة وينطلق لحن الأمل غاضباً هادراً ) .

- ستار -



الفصل الثاني
(نفس المكان . بعد أيام ... عصراً )
سامي :أنت ضعيفة تجاه أبي وخاضعة لرغباته يا أمي . كنت كذلك دائماً منذ وعيت عليك ولابد لك أن تتغيرّي . فليس من المنطق أن تتحطم حياتنا بسبب مواقف أبي المتشددة وأنت ساكتة تتفرجين .
وفية : (بتأثر) لماذا تحرّضني هكذا على أبيك يا سامي ؟ هل هذا مقبول منك ؟!
سامي : افهميني جيّداً يا أمّي ولا تفسري قولي السّئ . هل يمكن لمثلي أن يحّرض أمّه على أبيه ؟
وفية : إذن ما قصدك من القول بأنني كنت دائماً خاضعة لرغبات أبيك ؟! هل رغبات أبيك هي رغبات شخصية أم مواقف شريفة ترفع الرأس ؟! وأنا فخورة أنني لم أعارضه فيها يوماً . من من الناس الشرفاء في البلد لا يحترم أباك ويجّله على مواقفه ؟
سامية :ماما .. نحن نعرف ذلك , لكن هذه المواقف هي التي جعلتنا نعيش عيشة الفقراء .
وفية :لماذا فقراء ؟! صحيح أننا لا نعيش عيشة رفاه لكننا مستورون . نحن عشنا طول عمرنا شرفاء .
سامي :وهل قلنا إننا لا نريد أن نعيش شرفاء ؟! كل ما نريده هو أن نعيش مثل بقية الناس الذين من مستوانا . ولن يتّم لنا ذلك ما لم يتنازل أبي عن مواقفه المتشدّدة . ونحن نطلب منك أن تستخدمي نفوذك عنده لينزل من برجه العاجي ويصير شخصا عملياً ويقبل العرض . أصبح موقفه يهدّد حياتنا بالكوارث يا أمي . ونحن متأكدون من مكانتك العظيمة في نفسه التي لا تعدلها مكانة أحد , وهو لا يمكن أن يرّد لك طلباً .(وهو يبتسم مداعباً) وإلاّ فهل نسيت القصائد التي قالها فيك والتي تعدّ من أحلى قصائد الحب؟!
وفية : (في حياء) تلك كانت قصائد نظمها في شبابه وهو لم يعد ينظم قصائد غزل من زمن بعيد .
سامية :يا ليته ظل شاعراً غزلياً بدلاً من كتابة شعر سياسي ممل .
وفية :كيف تقولين عن شعر أبيك مثل هذا القول يا سامية ؟ كل الناس يحبون شعر أبيك ..(بفخر) ألم يلقبونه بشاعر الشعب ؟
سامي :طبعاً يا أمي . كيف تتصورين أننا لا نعتّز بشعر أبينا ؟ لكن ذلك لا يقتضيه أن يظل معادياً للسلطة طول حياته وأن يدفع وندفع معه ثمن هذا اللقب .
وفية :وماذا تريد منه أن يفعل يا سامي ؟ أما يكفيه أنه بلا عمل وأنه حبيس البيت ؟!
سامي : لكن موقفه المتشدد من النظام معروف يا أمّي وشعره يعبّر عن هذا الموقف أوضح تعبير .
وفية :فهل تريد منه أن يؤيد الباطل ويتنكر للحقّ ويكفّ عن كتابة شعر عن الظلمة والناس المساكين حتى يرضى عنه المساخيط ؟!
سامية : وما فائدة شعره هذا يا ماما ؟! طول عمره يكتب قصائد في هذه المواضيع بلا فائدة . ولو أنه انصرف إلي كتابة الشعر العاطفي لصار من أعظم الشعراء الغزليين ولبيعت دواوينه بالآلاف ولكسبنا كثيراً ولما كان حالنا على ما هو عليه .
وفية :وما العيب في حالنا ؟!
سامية :ماما .. أنا لم ألبس يوماً كما تلبس صديقاتي في الجامعة مع أن آباءهن تجار و حرفيون من بسطاء الناس . كنت دائماً أتحسر على فستان غال .
وفية :(في تأثر) مشكورة يا سامية ! هل قصَر أبوك يوماً معك ؟!
سامي : أمّي .. لا أحد منّا يتحدث عن تقصير أبي .. لا أحد منّا ينكر عظمة أبي . لكننا نريد أن نتمتع بالحياة كما يتمتع بها غيرنا . وموقف أبي من النظام يشكّل حجر عثرة في سبيل نجاحنا . ولو كان في هذا الموقف فائدة لهان الأمر . لكننا نضحّي بلا جدوى . من نحن يا أمّي حتى نتمكن من مقاومة هذا النظام الجبّار ؟! من يقدر على جبروته يا أمي ؟! كيف يتصور أبي أنه وأمثاله يستطيعون أن يسقطوا بقصائدهم ومقالاتهم هذا النظام الجبّار الذي يدعمه جيش عرمرم من أجهزة القمع السرية والعلنية ؟! نحن مغلوبون على أمرنا يا أمّي تجاه هذا الجبروت . ولقد أدرك الجميع أنه لا فائدة من معارضة النظام وآمنوا بهذه الحقيقة إلا أبي ونفر قليل من أمثاله . وأنت تعلمين أن معظم أصدقائه خضعوا للواقع , بل إنهم انقطعوا عن زيارته حتى لا يحسبوا عليه . أبي وحده ظل يعيش في برجه العاجي . لابد له أن يكون عملياً يا أمي وينزل إلى الأرض ويرى الناس من حوله كيف يعيشون0 الجميع صاروا يركضون وراء مصالحهم إلا نحن . لابد له أن يعترف بالأمر الواقع يا أمّي ويوافق على العرض وإلاّ سحقنا وتحطمت حياتنا . وعليك أن تقنعيه بذلك .
وفيّة : (باستنكار) أنا أقنعه بذلك ؟
سامي : طبعاً يا أمّي أنت . فمن يستطيع أن يفعل ذلك غيرك ؟! هذا إذا كنت راغبة في إنقاذنا مما سنتعرض له من كوارث في حالة رفضه .
سامية : وأولى تلك الكوارث يا ماما ستنصب على رأسي فيغيّر نعمان نعمة الله رغبته في الزواج مني ويطير من يدي .
سامي : هذا أمر محتمل فلا يمكنه أن يظلّ متمسكاً بك ويغضب أقرباءه من أركان السلطة حتى لو كان أحبّك من أول نظرة كما تدّعين .
سامية : (في زهو) أنا لا أدّعي ذلك . فهذا ما حدث . فالكثيرات من زميلاتي في العمل جميلات لكنه اختارني من بينهن جميعاً . ولعلمك يا سامي إنه لم يكن الوحيد من المقاولين الذي رغب في خطبتي , لكن البعض منهم لم يعجبني و البعض الآخر غيّر رأيه حينما علم أنني ابنة صادق الماجد .
سامي :(مبتسماً) الحق معهم إن هربوا منك , فلماذا يعاودون النظام من أجلك؟!
وفيّة :(في استعلاء) صادق الماجد يشرّفهم ويشرّف آباءهم . من قال إن صادق الماجد يقبل بمصاهرة أمثال أولئك الناس ؟
سامي :ولكن لابد لنا أن نعترف يا أمّي أن نعمان نعمة الله عريس ممتاز بالنسبة لأية فتاة.
سامية : أخبرتني قريبته فليحة أن بيته الجديد قصر خياليّ 00 قصر من قصور ألف ليلة وليلة .. تصوروا أن أعيش في مثل هذا القصر !
وفيةّ : لو رغب أبوك العيش في مثل هذا القصر لتحقّقت رغبته من زمن بعيد .. قبل أن يتمتع بالثروة والغنى كل من هبّ ودبّ في هذا الزمن .
سامية : وهذا من سوء حظّنا يا ماما .. وإذا كان بابا حرمنا من مثل هذه الفرصة فأنا لا أنوي أن أحرم نفسي منها ، ولا يحق لبابا أن يحرمني من هذه الفرصة ويدمّر حياتي . ولماذا أدفع ثمن مواقف بابا ؟! أليس من حقي أن أعيش سعيدة فلماذا تقف آراء بابا في سبيل سعادتي ؟!
وفيّة : (بتأثر) مشكورة يا سامية ! أهكذا تتحدثين عن أبيك ؟!( يسمع رنين الجرس الخارجي ) أذهبي وانظري من في الباب .
( تخرج سامية وتُسمع أصوات في الخارج . تدخل نعيمة ونضال برفقة سامية . يتبادل الجميع التحايا ) .
وفيّة : ( متهللة الوجه ) ما هذه المفاجأة السّارة يا نعيمة ! ( ملتفتة إلى نضال) أهلاً بك يا نضال الوردة . ( تحتضن نضال وتقبّلها) .
نضال : أهلاً بك يا خالتي حبيبتي .
نعيمة : هل نور في البيت ؟!
وفيّة : خر ج هو وأبوه يتنزهان .
نعيمة : ( وهي تهز رأسها بارتياح ) الحمد لله فأعصابي لا تتحمل ثورة أخرى من ثوراته .
وفيّة : أنا أتأسف لك يا نعيمة وأتأسف لأبو نضال " لكنك تعلمين أن نور لا يقصد الإهانة وأرجوك ألاّ تزعلي منه.
نضال : كلنا نعرف انه لا يقصد الإهانة يا خالتي ، ليس من طبع نور أن يؤذي أحداً .
سامية : لكنه صار عدوانياً جداً .. He is so Aggressive
نعيمة : ( وهي تهز رأسها ) أنا لم أره بمثل تلك الحالة أبداً .
وفية : لكنك تعلمين كم يحبّك يا نعيمة .
نعيمة : بالطبع . كيف أنسى وقفته معي في الأيام السود ؟! لكن أخلاقه تغّيرت منذ خرج من المعتقل يا وفية .
سامي : ( وهو يضحك ) أصبح وليّ أمرنا جميعاً يا خالتي وصار لزاماً علينا أن نفكّر حسب أوامره .
وفيّة : ( بلهجة أليمة ) أرجوك أن تعذريه يا نعيمة فهو محزون .. محزون جداً .
نعيمة : إنه يبالغ يا وفية ، وهو الذي يفرض على نفسه هذا الحزن .. يجب عليه أن يكون واقعياً .
سامي : ( بلهجة خاصة ) ليس هو وحده الذي يتوجب عليه ان يكون واقعياً يا خالتي .
نعيمة : صدقت يا سامي .. أبوك أول من يجب عليه أن يكون واقعياً .. يكفيه مثاليّات . (ملتفتة إلى وفية ) وعليك أنت يا وفية أن تجعليه واقعياً .
سامي : هذا ما كنّا نقوله لها قبل حضورك يا خالتي .
وفيّة : وكيف أجعله واقعّياً وهو عاش طول عمره ملتزماً بالأخلاق المثالية ؟! إنه لو ترك أخلاقه هذه لما عاد صادق الماجد . أليس المفروض أن يكون أمثاله هم حماة الأخلاق المثالية ؟!
نعيمة : كفانا تضحية في سبيل أخلاقنا المثالية يا وفية .
سامي : نحن نواجه كارثة حقيقية بسبب هذه الأخلاق المثالية يا أمّي .
نعيمة : بالطبع فأبو نضال أحد لي أن تهديد السلطة جدي وخطير . ومن غير المعقول ان يرفض ابو سامي العرض بهذه البساطة ، ويجب ان تفعلي شيئاً يا وفية .
وفية : وماذا بيدي أن أفعل يا نعيمة ؟ أنت تعلمين أنني لم أتدخل في حياته الشخصية يوماً .
سامي : ولكن هذه القضية ليست من حياته الشخصية يا أمي .. إنها قضية حياة أو موت بالنسبة لنا جميعاً .
نعيمة : بالطبع يا وفية .. القضية خطيرة وتهمكّم جميعاً ، فالتهديد حقيقي كما فهمت من راشد .
سامي : ولذلك طلبت من خالتي يا أمي أن تحضر وتشترك في حلّها معنا قبل ان نتعرض للكوارث .
نعيمة : يجب عليك ان تتدخلي لإنقاذ العائلة من الأخطار وان تقنعي أبو سامي بالموافقة على العرض يا وفية .
سامي : ونحن واثقون إنها قادرة على ذلك لو شاءت يا خالتي .
وفيّة : (بلهجة استنكار ) أبو سامي يوافق على العرض !!
سامي : ولماذا لا يوافق على العرض يا أمي ما داموا هم الذين سعوا إليه ولم يسع هو إليهم ؟! لماذا لا نستفيد من هذه الفرصة بدلاً من التعرض للكوارث ؟
نعيمة : من واجبه أن يضحّي في سبيل عائلته يا وفية حتى لو كان ذلك مخالفاً لرغبته وآرائه . ليس هو وحده المسؤول عن إصلاح الأوضاع .
نضال : لا تنسي يا ماما أن عمو صادق ليس ملك عائلته فقط . إنه ملك الناس جميعاً فهو شاعر الشعب .
وفيّة : لا عاب فمك يا نضال الوردة !
سامية : ( في امتعاض ) ولماذا يجب أن تتدمرّ حياتنا في سبيل الناس يا نضال؟ لماذا ؟
وفية : ( في اعتزاز) أبوكم طول عمره يهتم بمصلحة الناس منذ عرفته وعرفني.
نعيمة : ولماذا يجب أن نظل نهتم بمصلحة الناس طول عمرنا على حساب مصلحتنا يا وفية ؟!
سامي : ( وهو يضحك ) لا تلومي أمي يا خالتي فهي من تلامذة أبي .. إنها لا تزال مخدّرة .
وفيّة : أنا لست مخدّرة ولا أقول سوى الحقيقة .
سامي : أية حقيقة هذه يا أميّ ؟! هل الحقيقة أن نبقى في آخر القافلة بينما يتسابق الناس على انتهاب المكاسب ؟!
نعيمة : صدقت يا سامي . غيرنا شيّد القصور وأثثها بأحسن الأثاث واقتنى المجوهرات واشترى أغلى السيارات ونحن متمسكون بمثاليتنا وفقرنا.
سامية : صحيح يا خالتي . أنظري إلى أثاثنا . إنني لأخجل أن تزورني صديقاتي في بيتنا وأنا أرى الأثاث الفاخر الحديث الذي تمتليء به بيوتهن .
وفيّة : ليست الثروة والمال كل شيء في الحياة ، وأثاث بيتنا هذا يفوق عندي أثاث القصور .
نعيمة : هذا ما كنّا نضلّل به أنفسنا يا وفية ونحن شابات غريرات . وهكذا تزوجنا من أزواج فقراء .. واحد محامي يدافع عن المعتقلين السياسيين والآخر شاعر يطالب بحقوق الشعب . والأثنان على الحديدة . ولم نجن من ذلك سوى حياة الضنك والمتاعب .
وفيّة : ولكن هل نسيت يا نعيمة كم كنّا نستمتع بحضور جلسات المحاكم التي كان يدافع فيها أبو نضال عن المعتقلين السياسيين ، وكم كنا نسعد بالندوات الشعرية الوطنية التي كان يقيمها صادق ؟!
نعيمة : ( وهي تهز رأسها ) هذا كلام نداري به سذاجتنا يا وفية .
نضال : لماذا تقولين مثل هذه الأقوال يا ماما ؟! ألم يكن نضال بابا ضد حكم الاستبداد موضع اعتزازك ؟! ألا تملؤنا فخراً محبة الناس لعمي صادق وتغنيهم بأشعاره الوطنية ؟!
وفيّة : لا عاب فمك يا نضال الوردة .
سامية : وماذا استفدنا من تغني الناس بشعر بابا يا نضال سوى الجلوس على بساط الفقر ؟!
سامي : لا أحد ينكر اعتزاز الناس بنضال أبي وأبيك يا نضال ، ولكن علينا أن نكون عمليين وأن نرعى مصلحتنا أيضاً . نحن لسنا مسؤولين أن نضحي طول عمرنا من أجل الآخرين .
نعيمة : بالطبع . وكفانا ما عانينا من متاعب في حياتنا . نحن لسنا مسؤولين عن إصلاح الكون . ( وهي تلتفت إلى وفية ) والفرصة أتتكم يا وفية لترعوا مصلحتكم ومن غير المعقول أن تضيعوها .
سامي : أنا آسف أن أقول يا أمي إنه إذا كان أبي عازماً على إضاعة مثل هذه الفرصة فمعنى ذلك أنه لا يهتم بمصلحتنا .
وفيّة : ( بتأثر ) مشكور يا سامي ! متى قصّر أبوكم تجاهكم ؟!
نعيمة : لا تزعلي من الحقّ يا وفية . تمسك أبو سامي بمواقفه في مثل هذا الظرف يعني أنه لا يهتم بمصلحة عائلته . وتأييدك له في ذلك يعني أنك لا تهتمين بمصلحة أبنائك.
وفيّة : ( في تأثر شديد ) أنا لا أهتم بمصلحة أبنائي ؟! إنني نذرت حياتي لخدمتهم . ( تنظر إلى سامي وسامية ) متى كنت مقصرّة تجاهكم ؟!
سامي : كنت دائما أمّاً مثالية . نحن نعترف بذلك يا أمي .
سامية : ( تنهض وتقبل أمها ) أنت أحسن أم في الدنيا يا ماما .
نعيمة : لا تزعلي من الحقّ يا وفية . إذا لم تحاولي مساعدتهم في هذه القضية فمعنى ذلك انك مقصرة فعلاً وأنك تعرضينهم للمخاطر .
سامي : بالفعل يا أمّي . القضية خطيرة جداً ولا بد من أخذ تهديداتهم بنظر الاعتبار .
وفية : ومتى اهتم أبوك للتهديدات ؟! وهل يمكن لمثله أن يخشى التهديد فيتعاون مع الباطل ؟!
نعيمة : ( في شيء من الاستياء ) أنت يا وفية مصرّة على أن تظلّي مثالية ولم تعلّمك الحياة .. يجب علينا أن نتعظّ بالتجارب ونأخذ منها دروساً يا وفية .
نضال : ماما حبيبتي .. لماذا تريدين أن تتكرر مأساة أبي مع عمي صادق ؟!
نعيمة : ( في حدة ) ولماذا مأساة أبيك ؟ ما الذي جرى لأبيك ؟ حاله الآن على أحسن ما يرام بعد أن تخّلص من مثالياته .
نضال : ولكنك تعلمين أن أبي يتعذب يا ماما .. إنه يبدو كالتائه .
نعيمة : هذا ما يصّوره لك خيالك .
نضال : إذن لماذا يظل يتجول في بعض الليالي من غرفة إلى غرفة كالروح الهائمة حتى مطلع الفجر ؟!
نعيمة : ( في استياء ) أسكتي وكفاك هذراً !
سامية : ( تخاطب أمُها بلهجة ساخرة ) خبّريني يا ماما .. هل موافقة بابا على زواجي من نعمان نعمة الله تعاوناً مع الباطل أيضاً ؟!
نعيمة : لا تفرّطي بهذه الفرصة يا سامية .. إنها فرصة من ذهب .
سامية : ( وهي تنظر إلى أمّها في زعل ) قولي ذلك لماما يا خالتي .. إنها لا تريد أن تساعدني .
نعيمة : لا يا وفية ، لا . يجب الأ تضّيعوا على سامية مثل هذه الفرصة .
وفية : ( في حيرة ) وكيف يمكن لأبو سامي أن يفّرط بسمعته ويوافق على مصاهرة شخص كنعمان نعمة الله يا نعيمة ؟
نعيمة : لا يا وفية 00 لا 0 حجّة أبو سامي في ذلك غير مقبولة أبداً .
سامية : ( بحدّة ) وما دخل زواجي بالسياسة يا ماما ؟ لماذا يجب أن تضيّع السياسة مستقبلي ؟
سامي : أبي متشدّد تجاه نعمان نعمة الله أكثر من اللازم يا أمّي .
نعيمة : لو طبقنا مقاييس أبو سامي على الناس اليوم يا وفية لقاطعناهم جميعاً.
سامية : وأظل أنا عانساً طول عمري !
وفية : ماذا جرى للدنيا يا سامية ؟! هل دخلت في العمرين حتى تخشي ان تكوني عانساً ؟
سامية : لكنني لن أتزوج إلاّ رجلاً غنياً يا ماما وكفاني فقراً ، وهذه فرصتي. فلماذا تريدون ان تضيّعوا هذه الفرصة علي لأسباب سخيفة وتدمروا مستقبلي ؟! أي فتاة قد تقدم على الانتحار لو ضاعت منها مثل هذه الفرصة ! it is not fair
نضال : ( وهي تضحك ) وهل يستحق نعمان نعمة الله ان تنتحر فتاة من أجله؟!
نعيمة : لكن من يرفضه كمن يكسح نعمة تطرق بابه !
سامي : طبعاً يا خالتي فهو ميلونير حقيقي .
( يسمع صوت الباب الخارجي وهو يفتح ويغلق )
وفيّة : عاد أبو سامي ونور من نزهتهما .
نعيمة : ( في قلق ) إن شاء الله خير0 .
( يدخل صادق الماجد ويلقي التحية) .
صادق : مرحباً أم نضال .. ( في تساؤل قلق ) أبو نضال بخير ؟!
نعيمة : هو بخير يا أبو سامي .
( يجلس صادق بجوار وفية . يتجنبه الجميع بأنظارهم المرتبكة)
وفيّة : ( بعد لحظة ) وأين نور يا صادق ؟
صادق : ذهب لزيارة صديقه فؤاد .
وفيّة : حسناً فعل .. مسكين أنت يا ولدي نور ! إنه يقضي وقته في البيت كالسجين !
صادق : ولماذا كالسجين يا وفية ؟! إنه مشغول طول الوقت بالقراءة . وهو يستمتع بذلك .
وفيّة : وكيف لا يكون كالسجين بعد أن حرم من الجامعة ؟!
صادق : لكنه يستغل وقته أحسن استغلال وهو مرتاح لذلك .
سامي : طبعاً فلديه الآن متّسع من الوقت ليقرأ كل الكتابات السفسطائية ، وكان الله في عوننا !
صادق : أليس ذلك أفضل من أن لا يقرأ شيئاً كما يفعل البعض ؟ على الأقل هو يستغل بقاءه في البيت في القراءة والتثقيف بدلاً من إضاعة الوقت في المقاهي .
سامي : وماذا استفاد أولئك الذين تقّفوا أنفسهم بطرقته يا أبي سوى وجع الدماغ ؟!
صادق : على الأقل إنهم يقومون بشيء نافع .
نعيمة : اسمح لي أن أقول يا أبو سامي إننا كنا نخدع أنفسنا بمثل هذا الكلام وأن حياتنا ذهبت هدراً ونحن متمسكون بمثلنا .
صادق : لا يا أم نضال 00 لا 0 صحيح أن حياة أمثال هؤلاء الناس كانت قاسية ولكن ذلك لا يعني أن حياتهم ذهبت هدراً 0 فهم أدّوا واجبهم تجاه ضمائرهم . وينبغي ألا تسلمنا الظروف الصعبة ألى مثل هذا الكلام . أصحاب المثل لا يقولون ذلك .
نعيمة : هذه هي الحقيقة يا أبو سامي . لم نجن من مثُلُنا سوى المتاعب طوال حياتنا . وصار من واجبنا أن نكون واقعيين .
صادق : نحن واقعيون فعلاً يا أم نضال . ولو لم نكن واقعيين ما اتخذنا هذه المواقف .
نعيمة : (بلهجة مترددة) فاسمح لي أن أسالك يا أبو سامي إذن ؛ هل من الواقعية أن ترفض العرض الذي أخبرك به راشد ؟
صادق : (بلهجته المترفعة) إنني أوضحت موقفي من هذه القضية يا أم نضال . فمن الطبيعي أن أرفض العرض وإلاّ صرت مؤيداً للنظام .
نعيمة : ولكنك لن تكون مضطرا لتأييد النظام يا أبو سامي . ألم يؤكد رئيس التحرير لراشد أنك ستكون حراً في التصرف بشؤون الصفحة الأدبية تنشر فيها ما تشاء ؟!
صادق : وهل تصدقين ذلك يا أم نضال ؟! هل تصدّقين حقاً هذا الوعد ؟! هل تتصوري أن راشد حرّ التصرف في الصفحة القانونية ؟! أفلا ترين أن المقالات التي ينشرها فيها تخالف معتقداته ؟!
نعيمة : هذه مبالغة منك يا أبو سامي . كل ما في الأمر أنه غيّر بعض الآراء التي كان يتبنّاها في السابق . وقد يغيّر الإنسان آراءه إذا وجد أنها غير صحيحة . وليس من حقّ أحد أن يحاسبه على ذلك .
سامي : (ضاحكاً) الحق أن أبي ديمقراطيّ يا خالتي ولا يحاسب أحداً على آرائه .
صادق : أنت تعلمين أنه ليس من طبعي أن أحاسب أحداً على آرائه يا أم نضال , وكل غرضي أن أوضّح لك ما يحدث لي لو عملت في جريدة السلطة . أنا واثق أنني سأجد نفسي مضطرا إلي تغيير آرائي إذا ما توليت الإشراف على الصفحة الأدبية .
نعيمة : هذا مجرد افتراض منك يا أبا سامي , وهو افتراض قد يكلفكم غالياً وقد يعرّض عائلتك للخطر , وهي تضحية فادحة .
وفية : ( باسمة) لا تخّوفينا هكذا يا نعيمة .
صادق : حياتنا كلّها تضحيات يا أم نضال وليست التضحية جديدة علينا , وأنت تعرفين ذلك جيداً .
نعيمة : ولكن هل كتب علينا أن نظل نضحي طول عمرنا يا أبا سامي ؟ هذا ليس عدلاً .
صادق : وأين العدل على هذه الأرض يا أم سامي ؟! ألم يكن هدفنا منذ البداية النضال في سبيل العدل ؟!
نعيمة : (بلهجة مترددة) فاسمح لي أن أسالك يا أبو سامي ؛ هل من العدل أن ترفض خطبة نعمان نعمة الله وتضيع مثل هذه الفرصة على سامية لأسباب غير مقنعه ؟!
صادق : (في امتعاض) أظنني أوضحت موقفي يا أم نضال في هذه المسألة أيضاً ولا مبّرر لإعادة الكلام فيها .
وفيّة : (ضاحكة) الذي خلق نعمان نعمة الله خلق غيره يا نعيمة .
نعيمة : (وكأنها تخاطب نفسها) مثالّيتنا ضّيعت علينا الفرص طوال حياتنا وستضّيع هذه الفرصة الذهبية على سامية .
صادق : ومن قال إن الزواج من شخص كنعمان نعمه الله فرصة ذهبية يا أم نضال ؟!
سامية : من فضلك يا بابا ... اسمح لي أن أتدخل في النقاش وأبدي رأيي في هذه المسألة التي يتوقف عليها مصيري . فمثل هذه الفرصة تعتبر ذهبية بالنسبة لأية فتاة . وكل زميلاتي في العمل يحسدنني عليها .
سامي : (وهو يضحك) ومن من الفتيات لا تتمنى أن يتزوجها مليونير ؟!
وفية : وإذا كان مليونيراً .. من قال إنه سيكون زوجاً صالحاً ؟!
صادق : مليونير أو غير مليونير فهو ليس الشخص المناسب لسامية .
نعيمة : هذا شيء مؤسف فربما لن تتكرر مثل هذه الفرص لسامية .
وفّية : الزواج قسمة ونصيب يا نعيمة .
سامية : (بصوت فيه رنة بكاء) هذا معناه تدمير لحياتي lt is not Fair
(تغادر سامية الصالة غاضبة)
نعيمة : مسكينة سامية ! ويا لسوء حظها إذا ضاعت عليها هذه الفرصة .
صادق : أعتقد أننا حريصون على مستقبلها يا أم نضال وأدرى بمصلحتها ولا داعي لأن يملأ الآخرون رأسها بالأوهام .
نعيمة : ( في تأثر ) والله أنتم أحرار فيما تفعلون .
(يسود التوتّر الجوّ ويبدو التأثر واضحاً على وجه نعيمة .
( لحظة صمت ) .
نضال : ( تلتفت إلى أمّها ) ماما .. ألا تستأذن في الذهاب فورائي واجبات وطريقنا طويل ؟!
وفيّة : ( في شيء من الارتباك ) لكن الوقت ما زال مبكراً يا نضال ، فلم العجلة ؟
نعيمة : ( وهي تتهيأ للنهوض ) نضال محّقة يا وفية .. يجب أن نذهب فطريقنا طويل .
سامي : ( وهو يهب واقفاً ) سأحضر لكما تاكسي .
نعيمة : لا داعي لذلك يا سامي .. محطة " الباص" قريبة .. مع السلامة يا أبو سامي.
نضال : مع السلامة يا عمي .
صادق : مع السلامة .. تحياتي لأبي نضال .
( تخرج نعيمة ونضال يصاحبهما وفية وسامي ، ثم تعود وفيه وسامي بعد دقائق ) .
وفيّة : ( بلهجة حزينة ) أرجو ألاّ تكون نعيمة زعلت منّا.
سامي : ( وهو يضحك ) وكيف لا تزعل ؟!
صادق : ( بلهجة فاترة ) ولماذا تزعل ؟
سامي : ( وهو يضحك ) قبل أيام مزّق نور عمي راشد شّر ممزّق واليوم رزلّتها يا أبي بنزاكة كما يقولون .
صادق : أعتقد أنه ليس من حقّها أن تتدخل فيما لا يعنيها .
وفيّة : كيف لا تعنيها هذه المسألة يا صادق ؟! أليست هي حريصة على مصلحة سامية ؟!
صادق : ولكنها ليست أحرص منّا .
سامي : ( بلهجة مترددة ) لو سمحت لي يا أبي أن أقول إن هذه المسألة تستحق منك اهتماما أكثر .
صادق : وماذا تقصد بهذا القول ؟
سامي : أقصد أنها تستحق منك إعادة النظر في قرارك .
صادق : وهل ترى أنت أيضاً أن من مصلحتنا أن ندوس على مثـُلنُا ونصاهر نعمان نعمة الله لئلا تضيع منّا ملايينه ؟
سامي : أنا لا أفكر بملايينه يا أبي ، لكنني أفكّر بشيء آخر أكثر خطورة.
صادق : ليس هناك شيء أكثر خطورة من أن يصاهر أمثالنا شخصاً من زبانية هذا النظام .
سامي : (بلهجة مترددة ) أنت تضطرني يا أبي إلى أن أصارحكم بما قاله لي رسول نعمان نعمة الله وكنت أفضّل ألا أقلقكم بما نقله لي من تهديد .
وفيّة : ( وقد بدا الخوف على وجهها ) وماذا قال لك يا سامي ؟!
سامي : ( متردداً ) قال لي رسوله إن نعمان مصمّم ألاّ تكون سامية لغيره بأي شكل من الأشكال .
صادق : كلام فارغ لا يصدر إلاّ من عديمي الخلق أمثاله .
وفيّة : وهل بنات الناس ملك لهم يختارون منهن ما يشاؤون ؟
صادق : هذا منطق المجرمين أمثاله ، لكن تهديداته الفارغة لن تخيفنا .
سامي : أبي .. أنت تعلم أن أمثاله قادرون اليوم على أن يفعلوا أي شيء دون أن يطالهم القانون .
صادق : صحيح أن زبانية هذا النظام يعتبرون البلد ومن فيه ملك أيمانهم وقد جعلوا منه ضيعة يتصرفون بأناسها وثرواتها كما يحلو لهم0 وصحيح أنهم تسلّطوا على الناس وملؤوا الدنيا شراً وفساداً لكننا مع ذلك لسنا في غابة!
سامي : أبي .. لو سمحت لي أن أقول إنك عزلت نفسك عن الحياة من حولك وعشت في برج عاجّي .. وأنا الذي أعايش الناس صباحاً ومساء أصبحت أعرف أكثر مما تعرف عن حقيقة الأوضاع . لا بد لنا أن نعترف أن الدنيا صارت دنياهم وأن مصائرنا بأيديهم يا أبي .
صادق : ( بترفع ) وهل يعني ذلك أن نسلم قيادنا لهم حتى في أخصّ خصوصياتنا ؟
سامي : أبي .. لابد لنا أن نعترف أنهم أقوى منّا .. ولا بد لنا أن نكون عمليين ونسايرهم إذا أردنا أن نعيش وإلا تحطمنا.
صادق : ها أنت ذا ترى أننا لا نسايرهم ، فهل تحطمنا في رأيك ؟!
سامي : طبعاً يا أبي .. هل حياتنا هذه حياة ؟! أنت قعيد البيت وقد أغلقت جريدتك ، ونور فُصل من الجامعة ، وأنا .. ما أنا ؟ أنا موظف مهمل لا أمل له بالتقدم .
صادق : وماذا ينقصك ؟! أنت تبدو مستمتعاً بحياتك لا تحمل همّاً لمسؤولية.
سامي : كيف لا ينقصني شيء ؟! أليست لي طموحاتي ؟! بعض زملائي ممن تخرج معي من الجامعة صاروا مدراء أقسام لمجرد كونهم محسوبين على النظام وأنا ما أزال أراوح في مكاني منذ أربع سنوات .. وتهيأ للبعض منهم عن طريق مراكزهم التعرّف بالمقاولين الكبار والحصول على فرص عمل ممتازة فتحت أبواب المستقبل لهم على مصاريعها فحققوا نجاحاً عظيماً .
صادق : وهل تعتبر ذلك نجاحا ؟! أمثال أولئك الناس لم يحققوا نجاحهم إلاّ بطرق غير مشروعة وهو نجاح ملعون .
وفيّة : أنت مهندس يا سامي ولا خوف على مستقبلك ، لكن المسكين هو أخوك نور الذي هو بلا شهادة ولا مستقبل ( وهي تهز رأسها ) مسكين أنت يا ولدي نور .
سامي : وأيّ مستقبل أمامي وأنا بهذا الوضع يا أمّي ؟! ما دمنا غير محسوبين من مؤيدي النظام فلا مجال أمامي للتقدم . هذه حقيقة لاشك فيها .
صادق : على كل حال أنت حرّ في تصرفاتك يا سامي ما دامت تطمح إلى تحقيق النجاح في ظل هذا النظام .
سامي : وهل لديّ خيار يا أبي ؟ كيف أكون حراً وأنا ابن صادق الماجد الذي يرفع راية العصيان في وجه النظام ؟ وأنت تعلم يا أبي أن قصائدك المليئة بالغمز واللمز في النظام بتناقلها الناس سراً وعلانية .
صادق : اطمئن فلم يعد للشعر سلطان .
وفيّة : لماذا تقول هذا الكلام يا صادق ؟ أنت تدري أن قصائدك لها فعل السحر في نفوس الناس دائماً , ولن أنسى مهما تقدمّ بي العمر ما كانت تثيره قصائدك في نفسي من حماس حينما كنت أحضر ندواتك الشعرية أيام الشباب .
صادق : (مبتسماً) ذلك لأنك كنت مولعة بالشعر يومذاك يا وفية ولم تعودي الآن كذلك .
وفيّة : وهل تركت لي مشاغل العمل والبيت والأولاد وقتاً للشعر يا صادق !!
سامي : أصبحت حياتنا صعبة يا أبي وصار مصيرنا في خطر , وإن التهديد المبّطن الذي أشار إليه عمي راشد هو تهديد جدّي لاشك فيه 0 وهو بلا ريب سيحمل إلينا الكوارث إن لم يؤخذ بنظر الاعتبار .
صادق : ( بلهجة مترفعة) وكيف يؤخذ بنظر الاعتبار في رأيك ؟!
سامي : أنت الآن بيدك مصيرنا ومستقبلنا يا أبي . ولو هادنتهم لكفيتنا شرّ ما يتهددنا من كوارث . والفرصة تهيأت لك لأن تفعل ذلك . فهم الذين سعوا إليك ولم تسع أنت إليهم .
صادق : (بلهجته المترفعة) وما المطلوب مني يا سيد سامي ؟!
سامي : (بلهجة مترددة) بالإمكان أن يكون موقفك من العرض الذي حمله لك عمي راشد إيجابياً . ولن يكلّفك الأمر شيئاً .
صادق : تعني أن أحني رأسي للدكتاتورية وأتعاون مع النظام الفاسد ؟!
سامي : ليس الأمر كذلك يا أبي0 فكل ما هنالك أنك ستمارس عملك في مجال الأدب ولا علاقة للأمر بالسياسة , فتنقذنا بذلك مما يتهددنا من كوارث .
صادق : وبذلك تنفتح أمامك فرص النجاح ؟!
سامي : طبعاً يا أبي . فأنت تعلم طبيعة النظام الذي يتحكم في حياتنا ومصيرنا وكل من يعاديه أو حتى لا يؤيده لا أمل له في حياة موفّقة . فأنا أكذب عليك لو قلت بأن موقفك لا يضّرني بل ويقف حجر عثرة في سبيل نجاحي في الحياة . إنني أتحرك في طريق مسدود يا أبي .
صادق : فأنت تريد أن تنجح على حساب مبادئي ومُثُلي ؟!
سامي : بالعكس يا أبي , فأنا فاشل الآن بسبب مبادئك ومُثُلك .
وفية : لماذا تقول ذلك يا سامي ؟ كيف يكون مهندس مثلك فاشلاً ؟!
سامي : تلك هي الحقيقة يا أمي ولابد لي أن أعترف بها .
صادق : (بعد لحظة صمت) اسمع يا سامي . أنت تعلم أنني لم أتدخل في حياتك يوماً فأفرض عليك رأياً أو سلوكاً معيناً . وبالتالي فمن حقّي أيضاً أن أطلب منك ألا تتدخل في صميم خصوصياتي .
سامي : لو سمحت لي يا أبي أن أقول إن موقفك من النظام ما عاد من خصوصياتك وحدك بل يهمنّا جميعاً , وهو يهدد حياتنا بالكوارث .
صادق : ( بلهجة حازمة ) اسمع يا سامي0 إنني عشت طوال حياتي حرّ الرأي ولم أحن رأسي للسلطة المستبدة يوماً خوفاً مما قد يلحقني أو يلحق عائلتي من كوارث . ولست أنوي أن أفعل غير ما فعلت . وعلى كل حال أنت لست مضطرا لأن تربط نفسك بي وتتعرض للكوارث . أنت حرّ في حياتك تتصرف بها كما تشاء .
وفيّة : سامي لا يقصد ذلك يا صادق , فلا تنزعج هكذا .
سامي : بل أقصد ذلك يا أمي . فأنا أيضاً لم أعد مستعداً لان أحطم حياتي في سبيل أوهام مثالية . ومادام هذا موقف أبي تجاه النظام فمن حقّي أنا أيضا أن أفكر بمستقبلي . وأني فكرت في ذلك فعلاً وتوصلت إلى قرار وهو الهجرة إلى الخارج . سأهاجر ألي كندا أو أمريكا أو أستراليا فلعل فرص النجاح تفتح أمامي هناك حيث لا تلاحقني لعنة اسم أبي .
صادق : (بتهكم) بإمكانك أن تغّير اسم أبيك مادام الأمر كذلك ولا داعي ألي الفرار إلي مكان بعيد !
وفيّة : (في فزع) كيف تخطر لك مثل هذه الفكرة يا سامي ؟! كيف يخطر لك أن تهجر وطنك ؟! هل شقينا في تربيتك لتهجر وطنك وتعيش في بلاد أخرى ؟!
سامي : لم يعد وطني يا أمّي مادامت لا تتوفر لي فيه فرص النجاح , وأنا لا خيار لي في ذلك .
صادق : إذا كان هذا رأيك في الحياة الناجحة يا سامي فأنا أوّل من يبارك لك رغبتك في الهجرة . فالوطن لا يحتاج إلى أبناء من هذا النوع .
وفيّة : كيف تقول هذا القول يا صادق ؟! كيف تشجّعه على مثل هذه الفكرة المخيفة ؟ كيف تشجعه على هجر أهله ووطنه ؟!
سامي : (ينظر ألي أمه) يظهر أن أبي لا يهمّه فعلاً بقائي معكم ولا يكترث لمصيري . ومادام الأمر كذلك فسأريحه من وجودي في هذا البيت .
وفيّة : أرجوك يا سامي .. لا تزعل من أبيك .
(يهب سامي واقفاً ويلقي حواليه نظرة امتعاض ثم يخرج مسرعاً).
وفيّة : لماذا كلمته هكذا يا صادق ؟! ليس من عادتك أن تكلّمه بهذه الخشونة .
صادق : أما سمعته كيف يتحدث ؟ يريد أن يفرض سلوكه الانتهازي عليّ في أواخر عمري !
وفيّة : ولكنك تعلم أنه لا يقصد ضرراً يا صادق . ومن حقّه أن يقلق على أخته وعلى مستقبله .. (مترددة) أصارحك يا صادق أنني أصبحت قلقة مثله بعد أن سمعت ذلك التهديد .
صادق : تلك تهديدات فارغة ولا يمكن أن ترهبنا .
وفية : ولماذا فارغة يا صادق ؟! ألم نسمع بمثل هذه القصص ؟! ألم يتلقّ أبو نضال مثل هذا التهديد الذي جعله يتخلّى عن كل شئ ؟!
صادق : لو تخلى كل إنسان عن مبادئه ومثلُه تجاه التهديدات لما وقف شخص بوجه الأنظمة المستبدة الفاسدة يا وفية .
وفية : (بلهجة أليمة وكأنها تخاطب نفسها) ولكننا تعبنا يا صادق . فهل كتب علينا أن نقاسى المتاعب طول حياتنا ؟! ما ذنبنا ؟! وأرى أن عائلتنا صارت تتهددها كوارث لا قبل لنا بتحملها . ماذا لو نفّذ نعمان نعمة الله تهديده ولوّث حياة ابنتنا ؟! ماذا لو نفّذ سامي تهديده وهاجر ؟ ماذا لو اعتقلوا نور من جديد ؟!
صادق : أنت تعلمين يا وفية أننا امتحنا بمحن كثيرة من قبل فلم تفّت في عضدنا واستطعنا تجاوزها , وليس من المقبول أن تهزمنا هذه التهديدات آخر عمرنا وتجعلنا نتخلّى عن مثُلُنا ومبادئنا .
وفية : ولكنها لم تعد مجرد تهديدات يا صادق , وليس من الإنصاف أن نظل متشبثين بمثلنا ونرى عائلتنا تضيع أمام عيوننا .
صادق : لا تهّولي الأمر يا وفية ولا ترتعبي تجاه تهديدات حقيرة .
وفية : ولكن أما يكفينا تضحيات في سبيل المثل والمبادئ يا صادق ؟! لسنا مسؤولين وحدنا عن إصلاح الكون .. نحن تعبنا . أنت ضحيت بما فيه الكفاية 0 هل حياتك هذه حياة ؟! ما قيمة حياتك بدون شعر وكتابة ؟! وأنت محروم الآن من نشر شعرك وكتاباتك .. حالك هي حال السجين ، وإنه لأمر يقّطع نياط قلبي . وحال نور يؤرقني ويسلب من عيني النوم . وهذا هو حال سامي كما ذكره . كيف سيكونّ أسرة وهو في هذا الوضع ؟! إنه اقترب من الثلاثين . متى سيتزوج وأرى أولاده ؟ وربما نفّذ تهديده وهاجر إلى بلاد بعيدة فلا أراه أبداً . وابنتنا لا يحقّ لنا أن نحرمها من فرصتها. لا يحقّ لنا أن نكون حجر عثرة أمام مستقبلها . وإني أخشى أن تتصرف تصرفاً يائساً وتؤذي نفسها فنندم حين لا ينفع الندم . آن لنا أن نراعي مصالح أبنائنا يا صادق . يكفينا تضحية . ومن الخير لنا أن نعيش كبقية الناس .
صادق : ( وهو يتأملها مذهولاً ) هل يمكن أن تصدر عنك مثل هذه الدعوة يا وفية؟ هل يمكن ذلك ؟! أكاد لا أصدق سمعي .. أنت آخر إنسان كنت أتوقع منه أن ييأس يوماً ويدعو إلى نبذ المثـُل والمبادئ . ما قيمة حياتنا بدون مثل ومبادئ يا وفية ؟
وفية : ( بلهجة مرتبكة وهي تتجنب النظر إليه ) ولماذا نظل وحدنا من دون الآخرين متمسكين بمثلنا ونعّرض عائلتنا للخطر يا صادق ؟! كل أصدقائك غيّروا آراءهم ، فهل نحن أحسن منهم ؟! لماذا يتحتم علينا يا صادق من دونهم جميعاً أن نظل متمسكين بمواقفنا المتشددة ؟!
صادق : هذا هو مصدر الخطر على قضيتنا يا وفيّة ، وهذا هو ما يبتغيه الطغاة.. أن تسري عدوى التخاذل واللامبالاة إلى الجميع فيصيبهم اليأس ويتخلون عن صمودهم .
وفيّة :(بلهجتها المترددة وهي تتجنب النظر إليه ) وهل مصير المسخوط متوقف على صمودنا يا صادق ؟! طول عمرنا ونحن صامدون دون أن يؤثر ذلك في واقعنا شيئاً.
صادق : بل يؤثر فعلاً يا وفية ، فالطغاة يريدون من الجميع أن يركعوا خشية من أن يكون لأي واحد منهم تأثير على الناس. وإلا فلماذا يرغب دكتاتورنا أن أعمل في جريدة النظام ؟ هل يهمه حقيقة مصير الأدب في البلاد؟ إنه يعلم أني قابع في بيتي لا حول لي ولا طول0 لكنه يدرك أيضا أن صمتي يمثل لدى الناس احتجاجا على نظامه0 أما إذا عملت في جريدة النظام فذلك يعني ضمناً أنني لم أعد معارضاً لنظامه حتى لو لم اكتب شيئاً صريحاً في تأييد النظام . وإذا لم أتمسّك أنا بموقفي ويتمسك من هم مثلي بمواقفهم . فمن الذي سيدافع عن الناس المستضعفين ويطالب بحقوقهم ؟ وكيف ستظل شعلة المقاومة متقدة في قلوب الشرفاء ؟! ونحن نعلم أن التخاذل والجبن واللامبالاة هي التي تجعل الحكام طغاة يا وفية . وهي التي تشجع الأنظمة الشمولية .
وفية : لكننا لم نعد قادرين على هذه التضحيات يا صادق . إننا تعبنا . فهل يتوجب علينا أن نضحّي بعائلتنا ؟! ما ذنبنا ؟!
صادق :هذا هو قدرنا يا وفية0 ولا بد من وجود المضحين وإلاّ ما ارتقت المجتمعات البشرية وما ترسخت المثل والمبادئ النبيلة0
وفية : ( وهي تهز رأسها بشدة ) لا يا صادق 00 لا 0 لم نعد قادرين على هذه التضحيات . إننا ضحينا بما فيه الكفاية . وإن عائلتنا يتهددها خطر حقيقي 0 وأنت نفسك معرّض للخطر . ماذا يمكن أن يفعلوا بك لو رفضت العرض ؟! وربما ألقوا بك في السجن.
صادق : وهل أنا أفضل من الآلاف الذين زّجهم الطاغية في السجن او شردّهم خارج البلاد أو سلبهم حياتهم ؟! أليس من الطبيعي أن أدفع ثمناً لموقفي؟!
وفيّة : لا يا صادق 00 لا 0 يكفينا ما دفعنا من ثمن ، وأنت لم تعد ف سنّ يعينك على دخول السجن ، ومن يدري ؟! ربما أخذوا نور إلى المهجوم مرة أخرى وقد لا يخرج منه هذه المرّة حياً ، ربما شردوا سامي وحرموه من وظيفته ، بل ربما اعتدوا على ابنتنا ، ألم يهدّدوا أبو نضال بذلك ؟! وأنا ؟! ماذا سيكون مصيري حينئذ ؟! سأجن بلا شك 0 لا 00 لا يا صادق 0 لم نعد قادرين على هذه التضحيات . ( ملتفتة إلى صادق ومسمّرة أنظارها على وجهه) وأرجوك يا صادق أن توافق على العرض رأفة بحالنا .. رأفة بأبنائنا . وأنت تعلم ان المسخوط باق في الحكم ولن يزحزحه أحد عن صدورنا.
صادق : (وهو يتأملها بانزعاج شديد ) وهل ترضين لي يا وفيّة وأنا الإنسان النظيف أن أتعاون مع النظام الفاسد ؟! هل ترضين لي أن أضحي بمُثـُلي ومبادئي في الدفاع عن الحريات وعن العدالة الاجتماعية وان أحني رأسي للديكتاتورية والطغيان آخر عمري ؟! أفلا تدركين أن قبولي العرض يعني نهايتي كشاعر وكاتب , بل كانسان شريف صاحب مُثُل ومبادئ ؟! ألا تدركين أن ذلك يعني التضحية بكل ما كافحت من أجله طوال حياتي ؟!
وفية : (وهي تثبت عينيها بقّوة على وجهه) وهل هذه التضحية أعظم من خسارة عائلتنا يا صادق ؟!
صادق : (وهو يتأملها بنظرات ضائعة) أنت لا تدركين ما تقولين يا وفية .. أنت لا تدركين ما تقولين حتماً ..(وهو يحدث نفسه بفزع) ماذا سيقول الناس عني لو فعلت ذلك؟ ماذا سيقول أولئك الذين اتخذوني مثلاً في الصمود وبددوا حياتهم في المعتقلات و السجون والمنافي ؟! ماذا سيقول أولئك الذين يتغنون بشعري الوطني؟ ماذا سيقول أولئك الشرفاء الصامدون من الشباب الذين يفنون أجمل سني عمرهم في أدغال الأهوار وفي كهوف الجبال يناضلون ضد الحكم الدكتاتوري المتعسف؟
وفية : ليقل الناس ما يقولون . لم يعد يهمني كلامهم . كنا دائماً نفكر بمصلحة الآخرين وعلينا الآن أن نفكر بمصلحة ابنائنا0كفانا تضحية0 مصلحة عائلتنا فوق كل شيء .
صادق : (بلهجة مرتعبة وهو يهز رأسه بشدة) لا يا وفية , لا 0 ليس في طاقتي أن أخيب ظنّ الناس فيّ . كيف سأواجههم ؟ إنك تذبحينني 0سأموت وأنا حيّ0
وفية : (بلهجة مرّة فيها سخرية) أنت إذن تدافع عن مجدك الشخصي يا صادق الماجد ولست تدافع عن أحد .
صادق : (بلهجة جريحة) أهذه هي آخرة الأمر يا وفية ؟
وفية : (وصوتها يزداد حدة) نعم . عليك أن تعترف بذلك يا صادق الماجد ولا تغالط نفسك 0 أنت تدافع عن مجدك الشخصي دون أن يهمك مصيري ومصير أبنائك . دون أن تهمك سعادتي وسعادة أولادنا . إنني عشت معك في كل الظروف الصعبة دون أن أشكو يوماً . لكن الأمر بات يتعلق بمصير أبنائي وما يتهددهم من أخطار . ولست مستعدة أن أفرط بهم مهما يكلّف ذلك من ثمن غال . مهما يكن الثمن غالياً يا صادق .
صادق : (وقد تعلقت عيناه بوجهها مصعوقاُ) أنا لا أصدق ما أسمع ! أيمكن أن تصدر عنك مثل هذه الأقوال يا وفية ؟ أيمكن ذلك ؟! لاشك أنك في غير وعيك .. أفقدك القلق وعيك يا وفية !
وفية : بل أنا في كامل وعيي يا صادق .. ومن واجبي أن أحمي عائلتي وأصونها مما يتهددها من كوارث .. وأرجوك أن توافق على العرض يا صادق .. أرجوك .. ما نفع المُثل لنا إذا ضيعّت عائلتنا ؟!
(يرين على المكان صمت مطبق , يحني صادق رأسه ويطوقه بيديه وكأنه يرزح تحت ثقل عظيم . يظل كذلك لدقائق )
صادق : (يرفع رأسه أخيرا ويثبّت أنظاره على وجه وفية) ليس صادق الماجد الذي يتخلى عن مثُلُه ومبادئه يا وفية حتى لو تعّرض لأقسى المحن .. لا , ليس صادق الماجد الذي يفعل ذلك . سيظل رأسه مرفوعاً مهما واجه من محن .
وفيّة : (بصوت متهدج حاّد) الآن أدركت قيمتي الحقيقية عندك يا صادق الماجد 0 الآن أدركت قيمة عائلتك تجاه مجدك الشخصي , (وهي تتأهب لمغادرة المكان ) ستجدني في بيت أختي لو راجعت نفسك وقررت أن تضحي بمجدك الشخصي في سبيل الحفاظ على عائلتك يا صادق الماجد !
(تخرج وفية في غضب 0يلبث صادق دقائق جامداً في جلسته وقد غرق في الذهول وأنظاره زائغة في الفضاء , ينساب لحن الأمل خافتاً منكسراً حزيناً ) .
صادق : (وهو يهز رأسه هزات ذاهلة وعلى شفتيه بسمة مرّة) هذه هي آخرة الأمر ! لم أقنع بصحة موقفي حتى أقرب الناس إليّ .. حتى أفراد عائلتي ! (يهزّ رأسه في خيبة أمل بالغة في حين تهبط الستارة ببطء ) .




















الفصل الثالث
(بعد مضيّ عدة أسابيع .
نفس المنظر السابق غير أن المكان يبدو وكأنه أُعدّ لمناسبة خاصة .
الوقت عصراً .
وفيّة تتحرك باهتمام مشغولة بتنظيم المكان وترتيبه بينما يجلس صادق في كامل ملابسه وهو كاسف الوجه شارد الذهن ) 0
وفيّة : كل شئ أصبح معداً لاستقبالهم و الفضل في ذلك يعود لنعيمة ونضال .. (بقلق) لكن سامي تأخر .. المفروض أن يكون وصل الآن . لا أدري ما الذي أخّره .. ربما تأخر بسبب ازدحام الشوارع .(تتوقف عن عملها وتلتفت إلى صادق) قال أبو نضال إنه سيتصل بنا في حوالي السادسة ويخبرنا بموعد حضورهم ..(يظل صادق في شروده) كان على سامي أن يذهب مبكراً لجلب الحلويات .. لم يكن هناك موجب لتأخره .. هكذا سامي ينجز العمل في آخر لحظة .(يرن جرس التلفون فتهرع إليه) ألو .. أبو نضال ؟ مساء الخير . . كّنا في انتظار مخابراتك .. أنتم مجتمعون في مكتب الجريدة ؟ نحن مستعدون متى حضرتم .. نحن في انتظاركم .. مع السلامة .(تضع السّماعة وقد أضاء وجهها . تخاطب صادق الغارق في شروده ) كما توقعت يا صادق . إنهم جاهزون للحضور . سيصلون خلال نصف ساعة . (تقف وسط الغرفة وترنو إلى صادق صامتة ثم تتساءل بقلق) أما زلت منزعجاً من الخطبة يا صادق ؟! أنت تعلم أن كل ما يهمنّا هو سعادة أبنائنا .. وسعادة سامية هي كل أمنيتي ,0وأنا أراها سعيدة للغاية بهذه الخطبة . أفلا تراها كيف تبدو يا صادق ؟! أنها لا تكاد تمشي على الأرض .. إنها تطير طيراناً! ألا يسرك ذلك يا صادق ؟!
صادق :( يهز رأسه واجما) فعلاً 00 فعلاً 0
وفيّة : (ترنو أليه في امتنان) أنا سعيدة بموافقتك على زواجها يا صادق . وأنا أشكرك على ذلك وأشكرك على موافقتك على العرض وأقدّر تضحيتك من أجل عائلتنا . كنت كريماً معي رغم ما فعلته معك . وأنا أتاسف لما فعلته .. وما فعلته هو لصالح عائلتي .
صادق : (دون أن ينظر إليها) فعلا00فعلا0
وفيّة : كان ما فعلته صعباً علي يا صادق .. صعباً للغاية 0 ولم يكن بيدي حيلة . كان من واجبي أن أفعل ما فعلت .
صادق : (وهو يهز رأسه شارداً) فعلاً . فعلاً.
وفيّة : (وهي تضحك برقّة) لكنني مسرورة إذ أدركت قيمتي عندك يا صادق . صدق سامي حينما قال لي أن قيمتي عندك كبيرة جداً وأنك لا ترفض لي طلباً .
صادق : (وهو يهز رأسه شارداً) فعلاً . فعلاً .
وفيّة : (وهي تبتسم ابتسامتها الرقيقة التي تضيء وجهها) أعني أنني شخصياً لم أختبر ذلك مرّة . فلم أعارضك يوماً في شئ أو أطلب منك أن تفعل شيئاً من أجلي .. هذه هي المرة الأولي التي أفعل فيها ذلك , وأنت أثبت لي أن قيمتي كبيرة عندك يا صادق . (وهي تضحك) وأن ظلت معانداً أسابيع (وهي تنظر إليه في دعابة ) ويظهر أنك نفسك لم تكن تعرف مقدار معزّتي عندك .
صادق :(وهو يهز رأسه ساهماً) فعلاً 00 فعلاً .
وفيّة : (وهي تبتسم في حياء) وهل أدهشك ذلك يا صادق ؟ (بعد لحظة) أنا لم يدهشني . (وهي تبتسم ) أنسيت قصائد الغزل التي كنت تكتبها فيّ ؟!
صادق : (ساهماً) فعلاً .. فعلاً .
وفيّة : (بعد لحظة صمت) الحمد لله أن جميع محبينا فرحوا لنا بنصيب سامية . وأما قضية عملك في الجريدة فلا داعي للقلق والانزعاج منها بعد أن وعد رئيس التحرير بألاّ تتدخل في شؤون الصفحة الأدبية .
صادق : (ساهماً) فعلاً . فعلاً .
وفيّة : (بعد لحظة وقد غام وجهها بالأسى ) ما يقلقني هو موقف نور من عملك في الجريدة يا صادق . إذا كانت خطبة نعمان لأخته أثارت في نفسه كل هذا الغضب , فما بالك بهذه القضية ؟! (وكأنها تحدث نفسها) لساني كلّ من التوسل إليه لإقناعه بالموافقة على خطبة نعمان لأخته . وفي النهاية ردّ علىّ قائلاً بالحرف الواحد (منذ اليوم لا أعتبر أن لدي أختاً اسمها سامية) . (بعد لحظة) وقد خرج منذ الصباح المبكر ولاشك انه هام على وجهه . ( في قلق ) أرجو أن يكون ذهب إلى صديقه فؤاد فهو الوحيد الذي يرتاح إليه . ( تفكّر وقد تعكر وجهها ) أنا قلقه عليه يا صادق .. صار نور غصّة في حلوقنا .
صادق : ( يهزّ رأسه ذاهلاً ) فعلاً .. فعلاً ..
( يرين على المكان صمت حزين . تطل نعيمة من الباب )
نعيمة :ألم يخابر راشد يا وفية؟
وفية : نعم يا نعيمة . خابر قبل قليل وقال إنهم سيحضرون خلال نصف ساعة (بعد لحظة ) هل كل شيء جاهز يا نعيمة ؟!
نعيمة : كل شيء جاهز يا وفية .. ونحن في انتظار سامي .
وفيّة : (بقلق ) تأخر سامي يا نعيمة .
نعيمة : لا تتشوشي .. سيصل قبلهم .
( يسمع صوت الباب الخارجي وهو يفتح ويغلق ثم يسمع صوت سامي وهو يتحدث . يدخل سامي بعد لحظات ) .
وفيّة : ( بلهفة ) تأخرت يا سامي .
سامي : أخّروني ف المحل فلم تكن صينية الحلويات جاهزة .. والشوارع كانت مزدحمة فوق العادة اليوم . لم أحصل على تاكسي إلاّ بطلوع الروح . هل خابر عمي راشد؟
وفيّة : نعم ، خابر قبل قليل وقال إنهم سيحضرون خلال نصف ساعة .
سامي : ( بعد لحظة وهو يضحك ) الشيء الذي لم أكن أتوقعه أن يكون عمي راشد من بين الخطّابة ! المفروض أن يكون بين أهل العروس ( متجهاً إلى أبيه ) أليس كذلك يا أبي ؟
صادق : ( ينظر إليه شارداً ويهزّ رأسه ) فعلاً .. فعلاً .
نعيمة : أنا نفسي قلت له ذلك . لكن رئيس التحرير هو الذي رجاه أن يكون معهم ( بعد لحظة ) يقول أبو نضال أن رئيس التحرير مهتم جداً بهذه الخطبة .
سامي : طبعاً فهو يعتبرها وسيلة للتقرّب من نعمان نعمة الله ، فنعمان نعمة الله شخصية كبيرة جداً يا خالتي .
نعيمة : ( وهي تضيف بلهجة حازمة ) ومع ذلك أحب أن أقول لكم أن ذلك لا يعني أن نبصم له على بياض . يجب أن نهتم بموضوع المهر وخصوصاً المهر الغائب . يجب أن نشترط مبلغاً كبيراً . وأنا أقترح أن يكون المهر الغائب خمسين ألف دينار .
سامي : ( وهو يصفر ) خمسين ألف دينار ! هذا مبلغ يكفي للدخول إلى مقاولة أرباحها ألوف الدنانير !
وفيّة : صحيح يا نعيمة . ألا ترين أنه مبلغ أكبر من اللازم ؟! ( ملتفتة إلى صادق ) ما رأيك أنت يا صادق !!
صادق : ( ينتبه من شروده ) ها ؟!
وفيّة : أقول إن خمسين إلف دينار للمهر الغائب مبلغ كبير .. أكثر من اللازم.
صادق : ( وهو يهزّ رأسه ) فعلاً .. فعلاً .
سامي : (وهو يضحك ) ومتى كان أبي يهتم بهذه الشكليّات ؟!
نعيمة : كل الناس اليوم يضمنون مستقبل بناتهم باشتراط مبلغ كبير للمهر الغائب .
وفيّة : وهل تتصورين يا نعيمة أن المهر الغائب ضمان للزوجة ؟! ما الفائدة من الإبقاء على الزوجة تهرّباً من المهر الغائب ؟! قد يحيل زوجها حياتها إلى جحيم ويجعلها هي التي تتمنى الطلاق . ( وهي تضحك ) تذكّري يا نعيمة أننا لم نطلب عند زواجنا سوى مبلغ رمزي للمهر لغائب ، وكنّا نرفض هذه الفكرة أصلاً .
سامي : لو اشترط جميع الناس مهوراً عالية يا خالتي لما أمكن لأمثالي أن يتزوجوا ولازدحم المجتمع بالعزاب والعانسات ! فكم من السنين نحتاج إلى جمع مثل هذا المبلغ ؟!
نعيمة : أنت شيء ونعمان نعمة الله شيء آخر يا سامي . ما فائدة ثروات أمثال هؤلاء الناس إن لم يدفعوا مهوراً عاليةً ؟!
وفيّة : كل ما يهمني أن تكون ابنتي سعيدة . نحن لا نريد منه مالاً .
نعيمة : لا تستسلمي لأفكارك المثالية يا وفية 0 يجب الاهتمام بالمهر الغائب وكذلك بالمهر الحاضر أيضاً . وأنا أرى ألاّ يقل المهر الحاضر عن ثلاثين إلف دينار .
وفيّة : وما فائدة طلب مبلغ كبير كهذا للمهر الحاضر يا نعيمة مادام سيسكنها في قصر؟ إننا لن نقبض فلساً واحداً فنحن لا نتاجر بابنتنا . ( ملتفتة إلى صادق) أفلا ترى ذلك يا صادق ؟!
صادق : ( منتبهاً من شروده ) فعلاً .. فعلاً .
نعيمة : لكن بنات العائلات ما عدن بالرخص الذي عهدناه في زمننا يا وفية. والمهر الحاضر لا يعني استلام النقود بل من اجل إثبات الوجود.
وفيّة : وهل يحتاج صادق الماجد إلى إثبات وجوده ؟! ( وهي تضحك ) تذكري يا نعيمة أن مهرك ومهري لم يزد عن ثلاثمائة دينار.
نعيمة : ولذلك اشترينا أثاثنا من سوق الميدان !
وفيّة : وما عيب أثاثنا يا نعيمة ؟! أنا مازلت أحبّ الأثاث الذي اشتريته أيام عرسي .
سامي : ما لنا وتقليب دفاتر الماضي يا أمّي ؟! نحن أبناء الحاضر . كل شيء تغير .
( يسمع قرع الجرس الخارجي فيثور الاهتمام بين الموجودين ) .
نعيمة : ( في اهتمام وهو يهّم بالخروج ) سأفتح لهم . ( يخرج الجميع عدا صادق. تمضي دقائق ثم يدخل راشد ونعمان نعمة الله وكريم السالم وبصحبتهم سامي . يستقبل صادق الضيوف ببرود واضح . يتوزع الضيوف على المقاعد ) .
كريم : ( في شيء من الاعتداد ) هذه مناسبة طيبة لإعادة التعارف بيننا يا أستاذ صادق . فقد سبق لنا أن تعارفنا منذ أكثر من عشر سنوات . هل تتذكر ذلك ؟!
صادق : ( وقد بدا على وجهه السهوم ) فعلاً .. فعلاً .
كريم : لقد تعارفنا في مكتب جابر الهاني صاحب جريدة " اليقين ".. ( بعد لحظة وهو يضحك ) ولكنك معذور إن لم تتذكرني إذ كنت يومذاك في بداية حياتي الصحفية وكنت أنت صحفياً معروفاً .
راشد : ( وهو يبتسم ) شهرة الأستاذ صادق ذاعت بين الناس من زمن بعيد كشاعر يا أستاذ كريم قبل أن يصبح صحفّياً معروفاً . فمن من الناس في بلدنا لم يقرأ شعر الأستاذ صادق الماجد ؟!
صادق : ( يهز رأسه وابتسامته الكاسفة لا تفارق وجهه)
راشد : ( ملتفتاً إلى نعمان في دعابة ) ولكن لعلني مبالغ في قولي فلا أظن أن المقاولين مثلاً لديهم وقت لقراءة الشعر .
نعمان : ( بلهجة متعالية ) بالضبط . نحن المقاولين مشغولون ولا وقت لدينا لقراءة الشعر .
كريم : قولك صحيح يا أخي الأستاذ نعمان فوقت المقاولين يساوي ذهباً وليس كوقتنا نحن الكتّاب والصحفيين الذي هو من تراب .
راشد : أنا لا أتفق معك يا أستاذ كريم فلا يمكن ان يكون وقتنا من تراب ، فنحن الذين نعنى بمشاكل الناس ونتحدث بلسانهم وقد يعادل كلامنا ذهباً أحياناً .
كريم : ( اعتداد) قولك صحيح يا أستاذ راشد وجريدتنا أكبر برهان على ذلك . فهي اللسان المعبّر عن مشكلات المواطنين وأمانيهم وطموحاتهم . ويعود الفضل في ذلك بالطبع إلى كونها تضّم خيرة كتّاب وصحفيي البلاد . ( متوجهاً بالخطاب إلى صادق ) وبهذه المناسبة أرحّب بك يا أستاذ صادق عضواً عاملاً في جريدتنا . ( وهو يبحث في جيوبه ثم يستخرج ظرفاً ويقدّمه إلى صادق ) وهذا هو كتاب الموافقة الرسمية على تعيينك مشرفاً على الصفحة الأدبية .
صادق : ( يستلم الظرف وعلى شفتيه بسمة كاسفة )00
كريم : ( مواصلاً الكلام في شيء من التعالي ) وقد ارتأينا أن يكون راتبك الشهري خمسمائة دينار . وأظنه مكافأة مجزية .
صادق : ( يهز رأسه وعلى شفتيه بسمته الكاسفة) 00.
سامي : ( وهو يضحك مسروراً ) أي انه خمسة أضعاف راتبي تقريباً .
نعمان : ( مخاطباً سامي في تعالٍ) وكم راتبك يا أخ سامي ؟
سامي : حوالي مائة دينار يا أستاذ نعمان .
نعمان : ومتى تخرجت من الكلية ؟
سامي : قبل أربع سنوات ، كنت تسبقني يا أستاذ نعمان بثلاثة صفوف . وكنت أعرفك إذ كنت من أشهر رياضيي الكلية .
نعمان : ( وهو يضحك ) تلك هي رواتب الحكومة يا أستاذ نعمان ولا حيلة لنا فيها.
نعمان : ولماذا لا تعمل في مكتب هندسي أهليّ ؟
سامي : أصارحك يا أستاذ نعمان أنني لم أجد عملاً يناسبني في المكاتب الأهلية.
نعمان : ( بلهجته المتعالية ) إذا أحببت يمكنك العمل في مكتبنا .
سامي : حقاً ؟! يسرني ذلك ويسعدني يا أستاذ نعمان .
كريم : لا أظنك تجد يا أخ سامي مقاولاً أفضل من الأستاذ نعمان للعمل معه. فهو من أحسن المقاولين ومن أكفأ المهندسين .
سامي : ( بحماس ) هذا أمر معروف للجميع .
نعمان : ( في زهو ) شكراً .
( يسمع طرق خفيف في الباب فينهض إليها سامي ثم يعود وهو يدفع عربة محملّة بصنوف من الحلويات والشراب . يقوم بتوزيع الصحون على الحاضرين . ينشغل الجميع في تناول أطباقهم ) .
كريم : ( يتنحنح وكأنه مقبل على إلقاء خطبة ) يسعدني يا أستاذ صادق أن أنوب عن أخي الأستاذ نعمان بالتقدم لطلب يد كريمتكم سامية . وأنا لست بحاجة لأن أعرّفكم بشخصية الأستاذ نعمان وبأسرته الكريمة التي هي من أعرق الأسر والتي تتشرف أي أسرة بالإصهار إليها . والأستاذ نعمان غنّي عن التعريف فهو يعد اليوم من أكفأ المهندسين والمقاولين . وقد حقق نجاحه في فترة قياسية فغدا من اشهر المقاولين في البلد .
سامي : إنه أشهر مقاول في البلد بالفعل يا أستاذ كريم0 ومن دواعي سرورنا أن تتّم بيننا هذه المصاهرة .
نعمان : ( في تعال ) شكراً .
كريم : فلنقرأ الفاتحة إذن على بركة الله . ( يرفع الجميع أكفّهم ويتمتمون بالفاتحة 0 تسمع الزغاريد خارج الصالة ) .
كريم : ( ينهض ويعانق نعمان ) ألف مبروك يا أخي الأستاذ نعمان .
نعمان : شكراً يا أخ كريم .
راشد : ( ينهض ويصافح نعمان ) بالرفاه والبنين يا أستاذ نعمان .
نعمان : شكراً يا أخ راشد . ( يتقدم نعمان من صادق ويصافحه وهو يقول "شكراً يا عم صادق "فيصافحه صادق وعلى وجهه بسمة كاسفة ) .
سامي : ( يتجه نحو نعمان ويعانقه ويصافحه بحرارة ) تهنئتي القلبية يا أستاذ نعمان وبالسعادة الدائمة .
نعمان : شكراً يا أخ سامي . سأكون في انتظارك في مكتبنا .
سامي : شكراً جزيلاً . ( وهو يضحك) على كل حال سيكون اتصالنا دائمياً منذ اليوم .
نعمان : بالضبط .. بالضبط .
( فترة صمت )
كريم : ( وهو يتهيأ للنهوض ) نستأذن .. ونحن في انتظاركم يا أستاذ صادق وقد هيّأنا مكتبكم .
صادق : ( يهز رأسه والبسمة الكاسفة لا تفارق وجهه ) 00
(يخرج الجميع في توديع الضيوف ثم يعود صادق وراشد وسامي بعد قليل. يبدو السرور المفرط على وجه سامي بينما يلوح الكدر واضحاً على وجه صادق . تطل نعيمة من شقّ الباب ) .
سامي : تفضّلوا يا خالتي . ( يسمح صوت نعيمة وهي تنادي الأخريات ، ثم تدخل نعيمة وفي أعقابها وفية وسامية ونضال ) .
سامي : تهانينا يا سامية .
راشد : مبروك يا سامية .
سامية : ( في فرح ممزوج بالحياء ) شكراً يا عمي .. إن شاء الله يوم نضال.
نضال : ( ضاحكة ) مبروك عليك يا سامية ، أما نضال فيومها بعيد
(يتناثر الجميع على المقاعد . يتبادلون أطباق الحلوى وقد شاعر جوّ من السرور ) .
نعيمة : هل كل شيء على ما يرام يا سامي ؟
سامي : على أحسن ما يرام يا خالتي.
وفيّة : ( في سرور واضح وهي تسترق النظر إلى صادق ) شكراً لله.
سامي : وبشرى أخرى يا أمي . عرض عليّ نعمان العمل في مكتبه .
سامية : صحيح يا سامي ؟
نعيمة : أتتك الفرصة التي كنت تنتظرها يا سامي .
سامي : بالتأكيد يا خالتي . وسترين كيف سأكسب ثقته سريعاً وأكون ساعده الأيمن في أعماله في اقصر وقت ممكن . ( وهو حالم ) من يدري ؟! ربما أصبحت شريكه في يوم من الأيام ! .. مكتب نعمان نعمة الله وسامي الماجد للهندسة والمقاولات !
نعيمة : ( منطلقة الوجه ) غير معقول ! كل هذه البشائر في يوم واحد ( تلتفت إلى وفية ) أنت تستأهلين كل خير يا وفية .
وفيّة : ( وهي تسترق النظر إلى صادق الذي يبدو متهجماً شارد الفكر ) أشكرك يا نعيمة . أهم شيء عندي أن يكون صادق راضيا .
نعيمة : وكيف لا يكون راضياً ؟! كفاكم ما قاسيتم من متاعب . ( تلتفت إلى صادق ) ألست راضياً بما تحقّق لكم من سعد يا أبو سامي ؟!
صادق : ( منتبهاً من شروده ) ها ؟!
راشد : ( بلهجة حزينة ) يحتاج أبو سامي إلى بعض الوقت ليتكيّف للظروف الجديدة يا نعيمة فلا تستعجليه .
وفيّة :( باسمة ) صحيح يا صادق ، ألست مسروراً لما تحقّق لأسرتنا من سعد؟!
صادق : ( وهو يثبت أنظاره على وجه وفية ويطيل التحديق فيه) ونور؟! هل نسيت نور ؟
وفيّة : ( وقد غام وجهها بالأسى وبدا عليه القلق ) وكيف أنساه ؟! مسكين أنت يا ولدي نور !
نعيمة : ولماذا القلق ؟! سيظل غاضباً لأيام ثم يقبل بالأمر الواقع وينسى كل شيء.
نضال : مستحيل يا ماما .. مستحيل !
وفيّة : مسكين أنت يا ولدي نور .. ستزيد أحزانك وهمومك !
نعيمة : يجب على نور أن يكون واقعياً ويتغّير هو أيضاً .
( يسمع صوت الباب الخارجي وهو يفتح ويغلق ثم يظهر نور بعد قليل . يحيىّ الحاضرين ببرود ويتجّه نحو السلم ) .
وفيّة : أين كنت يا نور ؟ هل كنت عند صديقك فؤاد ؟!
نور : ( بخشونة ) لا يهّم أين كنت . المهّم أنني كنت بعيداً عن هذا المكان الملوث .
نضال : اجلس معنا قليلاً يا نور .
نور : ( وهو يجلس متردداً على مقعد في طرف الصالة ويوّجه الخطاب إلى أمّه ) هل انتهى احتفالكم بذبح الكرامة ؟
سامي : أنظروا إلى هذه الصفاقة العجيبة !
نعيمة : لا يصّح يا نور أن تخاطبنا بمثل هذا الكلام . هل من الأمور التي يفخر بها الإنسان أن يخاطب أفراد عائلته بهذه اللهجة ؟
نور : وهل من الأمور التي يفخر بها الإنسان يا خالتي أن يضّم إلى أفراد عائلته فرداً من بطانة النظام المجرم ؟! هل يصّح أن يصاهر الناس الشرفاء أناساً غير شرفاء ؟!
نعيمة : إذا كنت ترى أنت ذلك فلا يحقّ لك أن تفرض رأيك على الجميع .
سامية : إنه لا يتمنى لي أن أتزوج شخصاً غنياً ناجحاً يا خالتي . يريدني أن أبقى فقيرة طول عمري .
وفيّة : لا تتكلمي هكذا عن أخيك يا سامية .
نور : بقاؤك فقيرة خير من زواجك من غنّي فاسد مثل نعمان نعمة الله .
سامي : إنه يتمنى الفشل للجميع يا سامية .. أمنيته وأمثاله ان يخلقوا مجتمعاً من الفاشلين .
نور : ضحايا هذا النظام المجرم من الفاشلين خير ألف مرة من كلابه الناجحين.
نعيمة : ولكن ليس من حقّك يا نور أن تفرض رأيك على الآخرين خصوصاً على من هو أكبر منك سناً وأكثر خبرة في الحياة .
وفيّة : نور لا يقصد ذلك يا نعيمة .
نور : ( مقاطعاً ) ليس الأكبر عمراً هو الأكثر فهماً دائماً يا خالتي ، وليس أصحاب التجارب الطويلة هم الأشد صدقاً بالضرورة . ونحن نعرف الكثيرين من ذوي التجارب الطويلة ممن تنكروا لمعتقداتهم ومبادئهم وصاروا من خدم الطاغية .
راشد : ( بلهجة حزينة ) لا تكن قاسياً على أمثال هؤلاء الأشخاص يا نور فقد تكون الظروف أقوى منهم 0 ولعل تجاربك تعلّمك يوماً أن لهم بعض العذر .
نور : أرجو ألاّ توصلني تجاربي يوماً إلى مثل هذا الاستنتاج وآمل ألا أرى مثل هذا اليوم .
وفيّة : مالنا والسياسة ؟! خلّونا نفرح وننسى السياسة . ( وهي تقدم لنور طبقاً من الحلوى) كل من هذه الحلوى يا نور .
نور : ( يلتفت إلى أمّه باستنكار ) أنا آكل من هذه الحلوى ؟
نضال : ( ضاحكة ) ستفوتك هذه الحلوى التي تحبها يا نور .
نور : أنا آكل من هذه الحلوى التي قُدمت للاحتفال بذبح الكرامة ؟ أنا أشارك بمثل هذه الجريمة ؟
سامي : أنظروا إلى هذه الصفاقة التي ليس لها مثيل ! إنه يهيننا جميعاً .. حتى أبي ! ( يلتفت إلى أبيه ) هل ترضى له هذا يا أبي ؟
صادق : ( ينظر إلى سامي ساهماً شارد الفكر وكأن الخطاب لا يعنيه) ..
نور : لا يمكن لأحد ان يهين صادق الماجد ! وأنت تعلم أن الكلام ليس موجهاً إليه . الوالد لا علاقة له بهذه الجريمة .
نعيمة : ما معنى كلامك هذا يا نور ؟! أليس أبوك هو رأس العائلة الذي لا يمكن أن يتّم أمر إلا بموافقته ؟ أفلا تراه حاضراً بيننا ؟!
وفيّة : وهل يمكن أن يتّم شيء بدون موافقة أبو سامي ؟!
نور : أنتم الذين حاصرتموه .. أنتم الذين دبّرتم هذه الجريمة .
سامي : كفاك وقاحة يا نور واحرص على ألفاظك .
نور : الحقيقة هي الحقيقة مهما تكن مرّة ، وما تّم اليوم هو جريمة وليس لها اسم آخر . نعمان نعمة الله يصاهر صادق الماجد !
نعيمة : هذا غير معقول . أنت جاوزت كل حدّ يا نور ! كيف تسمح لنفسك بإهانتنا جميعاً ؟
وفيّة : ( متلعثمة ) نور لا يقصد الإهانة يا نعيمة .
نور : ( مقاطعاً بغلظة ) أنا لا أحتاج إلى من يدافع عني يا أمي .. وأنا لا أسمّي الأعور كريم العين ولا الأعمى بصيراً .
سامي : (بسخرية لاذعة ) وهل تتصور أنك صرت قيمّاً علينا لمجرد أنك دخلت المعتقل وأن من حقّك أن تتكلم كما تشاء ؟!
وفيّة : أرجوك يا سامي .. لا تكلم أخاك هكذا .
سامي : ( في حدةّ ) ولماذا لا أكلمه هكذا ؟! يجب أن يعي أقواله ويلتزم حدوده.
نور : أنا أعي ما أقول جيداً وألتزم حدودي .
سامي : إذن يجب عليك أن تفهم أننا لن نسمح لك بعد الآن بتسييرنا على هواك. حتى أبونا لم يعد لك تأثير عليه . ومنذ الغد سيلتحق بعمله في الجريدة رغم أنفك .
( يسقط قول سامي المفاجئ على الحاضرين كالصاعقة فيخيّم عليهم الوجوم ويشيع في الجوّ توتر شديد . يشحب وجه نور شحوباً شديداً لكنه يبدو متماسكاً ) .
نور : ( بصوت جامد مرتجف قليلاً ) هذه كذبة قذرة .. ولا حدود للقذارة إذا تلطخ بها الإنسان .
سامي : اضبط لسانك واعرف كيف تتكلم . ولولا وجود أبي لعرفت كيف أؤدبك.
وفيّة : ( بصوت فيه رنّة بكاء ) هل كتُب علينا ان نحزن في أفراحنا ؟ لماذا يا إلهي ، لماذا ؟
نور : ( يخاطب أباه بصوته المرتعش العميق ) قل له يا أبي انه مفتر كذّاب..
نضال : ( بلهجة متوسلة وهي تنهض ) تعال معي يا نور .
نور : ( يشيح بوجهه عنها فتعود إلى الجلوس . يخاطب أباه بصوته المتهدج العميق ) قل له يا أبي إنه كذّاب ملعون .
وفيّة : ( والدموع في عينيها ) أرجوك يا نور .. لا تتحدث هكذا .
صادق : ( يطرق وهو شاحب الوجه ) ..
نور : ( وهو يضغط على الحروف وقد بدأ يفقد السيطرة على أعصابه ) قل له يا أبي إنه يدبّر مؤامرة حقيرة .
صادق : ( يلبث مطرقاً وقد اشتد شحوبه ) ...
نور : ( يبدو عليه الانهيار ويتماسك بصعوبة . يتمتم في ذهول وكأنه يحدث نفسه ) الأمر حقيقة وليس كذبة إذن ( يهّز رأسه بقّوة وكأنه يطرد عنه كابوساً ) لا . لا يمكن أن يكون ذلك صحيحاً . هذا مستحيل . أنا أحلم . إنه كابوس من كوابيسي المزعجة . ( يرتعش جسده بشدة ويحني رأسه برهة وكأنه ينوء تحت ثقل عظيم . يرفع رأسه ثانية ويرنو إلى أبيه في خيبة أمل بالغة ) إذن أنت خنت الشعب حقيقة يا أبي ! ( يصفق كفاً بكفّ في يأس شديد ) إذن سقط رمز آخر من رموز الشعب .. كيف سيتمسك الشعب بصموده تجاه نظام الطاغية ؟! رموزه تتساقط واحداً بعد الآخر . ( وهو يهزّ رأسه بأسف بالغ ) أي دنيا مزّيفة هذه ؟! نجح الطاغوت في مسعاه ! كل إنسان للشراء .. حتى صادق الماجد للشراء ! أفلح الطاغوت في أن يزيّف كل شيء في حياتنا ! أيّ حياة هذه التي سنقضيها تحت حكمه ؟!
سامي : ( في هياج ) أنظروا إليه كيف يهين أبي ! لولاكم لكسّرت رأسه .
وفيّة : ( والدموع في عينيها ) نور .. نور ..
نور : ( مستمراً بلهجته القاسية وهو يحدج أباه بنظرات وحشية) أخيراً سقط رمز آخر من رموز الصمود والإباء .. ( بسخرية أليمة ) شاعر الشعب ! المعبّر عن صموده وشموخه ! ( وهو يهزّ رأسه هزاّت قوّية) يا لضيعة الأمل ! يا لخيبة الأمل ! ( يصفق بيداً بيد في يأس شديد ) يا لبؤسك أيها الشعب ويالضيعة التضحيات التي تقدّمها ( يخزر أباه بنظراته الوحشية ) لقد مات يا أبي أحد رفاقي في المعتقل من التعذيب وهو يرفض أن يشتمك .. يرفض أن يشتم رمزاً مبجلاً من رموز الشعب . ( يلطم وجهه ويشدّ شعره ويولول ) يا لفجيعة الشعب برموزه ! يا لفجيعة الشعب برجاله ! كيف يمكنك أيها الشعب البائس أن تتمسك بصمودك وأنت ترى رموزك تتهاوى واحداً بعد الآخر ؟! ( يهب واقفاً ويدور في الصالة كالتائه وهو يولول صارخاً ) يا لضيعة الأمل ! يا لخيبة الأمل !
( يندفع نور فجأة نحو السلّم ويرتقي الدرجات راكضاً ويختفي في الغرفة العليا . وتُسمع لدقائق ولولته " يا لضيعة الأمل ! يا لخيبة الأمل" ثم تنقطع الولولة ويسود السكون . يبدو الجميع مسمّرين في مقاعدهم كالمأخوذين ) .
وفية : ( وهي تجهش بالبكاء ) مسكين أنت يا ولدي نور !
صادق : ( وهو يهز رأسه واجماً ) ابك فجيعتك يا نور ! ابك فجيعتنا !
نعيمة : لماذا تكبّرين الأمر يا وفية ؟! ما هي سوى نوبة غضب وتزول .
سامي : ( في ثورة ) وهل نظل تحت حكمه ؟! هل يظل يحكمنا بنوبات غضبه؟! كأنه الوحيد الذي دخل المعتقل ! ماذا يقول عمي راشد إذن؟
راشد : ( وقد بدا عليه التأثر الشديد ) لا تلوموا نور .. الحق كل الحق معه.. نور رمز الشجاعة والصمود .. نور ابن الشعب الشجاع .. ليس من حقّ أحد أن يلومه .
سامية : ولكن ليس من حقّه أن يدمّر حياتنا يا عمي It is not fair. . ( يسمع صوت سقوط شيء على الأرض صادر من الغرفة العليا فينتبه الجميع وتهب نضال واقفة ) .
نضال : ( في قلق ) سأذهب لأرى نور .
وفيّة : ( وهي تحاول نهنهة دموعها ) اذهبي إليه يا ابنتي وخففّي عنه .. مسكين أنت يا ولدي نور !
( ترتقي نضال السلم عجلة وما أن تتوارى في الغرفة حتى تنطلق منها صرخة جزع فاجعة) .
نضال : ( تولول صارخة ) نور حبيبي .. ماذا فعلت بنفسك ؟! ماذا فعلت بنفسك يا نور ؟! ويلي عليك يا نور 00 ويلي عليّ .
وفيّة :(تهب معولة ) ولدي .. ولدي نور ! ( يتدافع الجميع في اضطراب نحو الغرفة العليا ثم يعلو نواحهم وولولتهم . يتضاءل النور تدريجاً حتى يسود الظلام . ثم ينبلج نور أزرق شفّاف يرافقه لحن الأمل الحزين . يعلو اللحن رويداً رويداً بينما تهبط الستارة ببطء) .
- ستار الختام -




















#شاكر_خصباك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اوراق رئيس
- مسرحية -الدكتاتور-
- الهوية
- الاصدقاء الثلاثة
- عهد جديد....مجموعة قصصية
- السؤال؟!!
- الشيء مسرحية من ثلاث فصول
- تساؤلات وخواطر فلسفية
- حكايات من بلدتنا
- دكتور القرية
- بداية النهاية
- حياة قاسية
- صراع


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاكر خصباك - مسرحية-القضية-