أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاكر خصباك - الرجل الذى فقد النطق















المزيد.....



الرجل الذى فقد النطق


شاكر خصباك

الحوار المتمدن-العدد: 2531 - 2009 / 1 / 19 - 08:56
المحور: الادب والفن
    



ومسرحيات أخرى


الرجل الذي فقد النطق
2003
" الأنوار مضاءة في الصالة والستارة مسدلة.
يدخل من الجهة اليسرى من المسرح المخرج عابد الهادي والمؤلف ابراهيم الراضي. وتدخل من الجهة اليمنى الناقدة نهى الصالحي. يقف الثلاثة في مقدمة المسرح تتوسطهم نهى الصالحي".
عابد الهادي – مساء الخير. أنا مخرج المسرحية عابد الهادي. وزميلي هو الممثل والمؤلف المسرحي إبراهيم الراضي. أما زميلتنا فهي الناقدة نهى الصالحي، وهي تمثل على المسرح لأول مرة. وقد أقنعتها بقبول هذا الدور بعد أن اكتشفت أنها ممثلة موهوبة. وستثبت هذه المسرحية موهبتها كممثلة.
نهى الصالحي – (في تهكم خفيف) وكيف ستثبت هذه المسرحية موهبتي كممثلة وهي مسرحية فاشلة؟! ولولا الأجر الذي دفعته لي يا أستاذ عابد ما وافقت على الاشتراك فيها.
إبراهيم الراضي – (في احتجاج) أرجوك .. لا داعي لهذا التجريح يا أستاذة نهى. يمكنك أن تعلني حكمك على المسرحية فيما بعد على صفحات المجلات والجرائد.
عابد الهادي – (يلتفت إلى إبراهيم) على كل حال يمكنك يا أستاذ إبراهيم تقديم مسرحيتك للجمهور الكريم وتوضيح مزاياها.
إبراهيم الراضي – من دواعي سروري واعتزازي أيها المشاهدون الكرام أن أكون مؤلف هذه المسرحية. وأرجو ألاّ يؤثر فيكم كلام الزميلة الناقدة عنها. (وهو يضحك ضحكة مصطنعة). وهناك قول شائع بيننا نحن أهل الفن أن الناقد مبدع فاشل.
نهى الصالحي – (في غضب) بل أمثالك من الكُتاب هم الفاشلون
يا أستاذ إبراهيم.
عابد الهادي – أرجوكما أيها الزميلان .. لا داعي لمثل هذه المهاترة. المفروض أنكما زميلان في المسرحية وأنكما متضامنان من أجل إنجاحها. فكيف ستنجح المسرحية وأنتما على مثل هذا الخلاف؟! ثم أن النقاش قد يطول ويحتدم بينكما فلا يبقى مجال لمشاهدة المسرحية.
(أصوات في الصالة: " نريد المسرحية " نريد المسرحية ").
عابد الهادي – إذن سأقدم لكم الآن أيها الجمهور الكريم أبطالها الثلاثة. فأنا سأقوم بدور الطبيب النفسي. وزميلي إبراهيم سيقوم بدور الرجل الذي فقد النطق. وزميلتنا نهى ستقوم بدور زوجة الرجل الذي فقد النطق.
(تصفيق في الصالة. ترتفع الستارة فتظهر غرفة واسعة تشتمل على مكتب وكنبة فحص وكرسي. يتجه عابد الهادي إلى المكتب ويجلس وراءه، ويتمدد إبراهيم الراضي على كنبة الفحص وتجلس نهى الصالحي على الكرسي بجوار المكتب).
عابد الهادي – (متجهاً إلى نهى) ما المشكلة يا مدام؟
نهى الصالحي – (تقرأ في أوراقها) المشكلة يا دكتور أن زوجي فقد النطق منذ شهور. وفحصه أطباء عديدون وأجمعوا على أنه لا يشكو علّة مرضية معينة.
عابد الهادي – (وهو يتنحنح) هذا أمر غريب.. إذا لم يكن يشكو علّة مرضية.. فكيف فقد النطق إذن؟
نهى الصالحي – (تقرأ في أوراقها) قال الأطباء إنه ربما أصيب بصدمة نفسية هي التي أفقدته النطق. لذلك نصحوني بعرضه على طبيب نفسي.
عابد الهادي – (وهو يتنحنح ويهز رأسه) صدمة نفسية.. هذا أمر محتمل خصوصاً وأن الحياة من حولنا تصيبنا كل يوم بعشرات الصدمات النفسية.. وما اسم زوجك يا مدام؟
نهى الصالحي – (تقرأ في أوراقها) فصيح الحكيم.
عابد الهادي – طبعا .. طبعا .. (يتجه إلى ابراهيم) تشرفنا يا أستاذ فصيح .. تشرفنا. (يتجه إلى نهى) ولكن كيف لرجل فصيح مثله أن يفقد النطق إذا لم يكن يشكو مرضا ما؟!
نهى الصالحي – (تقرأ في أوراقها) هذا ما أجمع عليه الأطباء يا دكتور.
عابد الهادي – (مفكرا) فاسمحي لي إذن يا مدام أن أسألك.. طبعا من أجل الفحص الطبّي.. هل تخاصمتما خصاما قويا قبل أن يفقد النطق؟
نهى الصالحي – (تقرأ في أوراقها) لا يا دكتور. نحن لم نتخاصم أبدا في حياتنا. نحن نعيش كالسمن على العسل منذ أكثر من عشرين عاما. لم يحدث خلاف بيننا طوال حياتنا الزوجية.
عابد الهادي – عظيم.. عظيم. (وهو يتنحنح) ولكن هذا أمر غريب حقا يا مدام. فلا يعقل أن يعيش زوجان هذه السنين الطوال من دون أن يتخاصما.
نهى الصالحي – (ترفع عينيها عن أوراقها) لا تناقشني في هذا الكلام السخيف يا أستاذ عابد.. ناقش المؤلف. وأنا مثلك أعتقد أن هذا أمر مستحيل.
إبراهيم الراضي – (يطلق دمدمة احتجاج).
عابد الهادي – لا بأس .. لا بأس. على كل حال لنفترض أنكما لم تتخاصما طوال سنين زواجكما. هل تخاصم إذن مع أيّ واحد من زملائه في العمل؟
نهى الصالحي – (تقرأ في أوراقها) لا يمكن أن يحدث ذلك أبدا
يا دكتور. فزوجي رجل مسالم إلى أقصى الحدود. وهو من النوع الذي يسير مع الحائط كما يقول المثل. ولا يمكن أن يتدخل في شؤون أحد من زملائه. وهو يرى أنه ليس من واجبه أن يصحح ما يرتكبه الآخرون من أخطاء أو تجاوزات. ولا يهمه الحق أو الباطل.
عابد الهادي – (وهو يهز رأسه) هكذا إذن!!
نهى الصالحي – (تظل صامتة لحظات وهي تنظر في أوراقها وكأنها تستعيد قراءة ما قالته. ثم ترفع رأسها وتسمر عينيها على وجه عابد) ولكن ما معنى هذا الكلام السخيف يا أستاذ عابد؟!. وماذا يقصد به المؤلف؟! هل يريد أن يقنع الجمهور بأن الشخص الذي لا يدافع عن الحق ولا يسهم في إصلاح الخطأ هو الإنسان المفضل في المجتمع؟!
إبراهيم الراضي – (يطلق دمدمة احتجاج).
عابد الهادي –(وهو يتنحنح) دعينا نلتزم بالنصّ يا أستاذة نهى.. إذن زوجك لم يتخاصم مع رئيسه أو زملائه في العمل. (مفكرا) فإذن أي شيء سبّب له هذه الصدمة؟! (يبدو على وجهه التفكير للحظات ثم يلتفت إلى نهى متسائلا) إذن ربما كان ما يشهده من معاناة الناس المسحوقين حواليه هو الذي سبّب له الصدمة؟
نهى الصالحي – (وهي تقرأ في أوراقها) أبداً.. أبداً يا دكتور. إن مثل هذا الأمر لم يعنه يوماً. فهو يعتقد أن لكلّ إنسان حظّه في الحياة ولكل امرئ ما اجتهد. وهو يعتقد أيضا أن الأمور تجري في مجتمعنا على خير ما يرام.
عابد الهادي – (وهو يهز رأسه ويتنحنح) هكذا.. هكذا إذن!!
نهى الصالحي – (ترفع عينيها عن أوراقها) ولكن كيف يمكن لإنسان حيّ الضمير ألاّ تلفت نظره هذه اللاعدالة في مجتمعنا يا أستاذ عابد؟! أناس يعيشون أفضل أنواع الحياة وتحت يمينهم كل ما يشتهون، وآخرون محرومون يجاهدون ليضمنوا لأنفسهم أبسط متطلبات الحياة؟ لاشك أن مثل هذا الإنسان فاقد للضمير والإحساس. ولا يمكن أن نشجع في كتاباتنا أمثال هذه النماذج من الشخصيات.
إبراهيم الراضي – (يطلق دمدمة احتجاج).
عابد الهادي – (وهو يتنحنح) دعينا نلتزم بالنصّ يا أستاذة نهى.
نهى الصالحي – ما أسخفه من نصّ!
عابد الهادي – حسناً. لنر إذن ما الذي سبّب له هذه الصدمة التي أفقدته النطق. (يفكر قليلاً ثم يرفع رأسه في انتصار) لابد أن الأمر يتعلق إذن بممارسات السلطة المتعسفة ومصادرتها لحقوق المواطنين. فهو إذن سياسي نزيه. وهذا أمر عظيم في هذه الأيام التي يندر فيها السياسيون النزيهون.
نهى الصالحي – (تقرأ في أوراقها) أبداً.. أبداً يا دكتور. فهو لم يهتم بالسياسة يوما. وهو يعتقد أن على الشخص أن ينأى بنفسه عن السياسة وعن محاسبة السلطة ليعيش في سلام واطمئنان.
عابد الهادي – (وهو يهز رأسه) هكذا.. هكذا إذن!!
نهى الصالحي – (ترفع عينيها عن أوراقها) ما هذه السخافات؟ أنا لم أعد قادرة على قراءة مثل هذه السخافات يا أستاذ عابد.
عابد الهادي – أية سخافات؟!
نهي الصالحي – أمن المعقول أن يشجع كتّابنا تواجد أمثال هذه النماذج في مجتمعنا؟ إن أمثال هؤلاء الكتّاب هم الذين يشجعون السلطة على استبدادها. وبعبارة أدق فإن أمثال هؤلاء الكتاب يساندون السلطة المستبدة بصورة غير مباشرة.
إبراهيم الراضي – (يطلق دمدمة احتجاج).
مشاهد – اسمح لي يا أستاذ عابد أن أسأل: هل هذه المسرحية سياسية؟! إذا كان الأمر كذلك فنحن في غنى عن متاعب السلطة.
عابد الهادي – أبدا. إنها مسرحية اجتماعية تدور حول حياة الناس اليومية.
المشاهد نفسه - إذن ما معنى هذا الكلام الذي سمعناه الآن؟
مشاهد آخر – كيف تستطيع أن تفصل السياسة عن الحياة اليومية للناس يا أخ؟ أفلا ترى أن معاناة الناس ناجمة عن فساد السلطة؟
عابد الهادي – من فضلكم يا إخوان.. دعونا نواصل المسرحية.
نهى الصالحي – (وهي ترفع عينيها عن أوراقها) بأي حق أيها الزميل تحول دون تعليقات الجمهور على النصّ المسرحي؟ أليس من حق المشاهدين أن يبدو آراءهم في النصّ الذي يشاهدونه؟
عابد الهادي – لكننا لا نريد أن نحوّل مسرحيتنا إلى ندوة سياسية يا أستاذة نهى. وأرجوك أنت أيضا أن تلتزمي بنصّ المسرحية ولا تقاطعيه باستمرار. أنس أنك ناقدة فأنت الآن ممثلة.
نهى الصالحي – (في استنكار) وكيف يمكنني أن أنسى ذلك؟!. كيف يمكنني أن أنسى أنني ناقدة ومن واجبي أن أبدي رأيي فيما أقرأه من نصّ مسرحي؟ أتعتقد أن المبلغ الذي دفعته لي لقاء اشتراكي في المسرحية سيجعلني أغضّ النظر عن مثل هذه السخافات؟!
إبراهيم الراضي –(يطلق دمدمة احتجاج).
عابد الهادي – لكنك الآن ممثلة يا أستاذة نهى ولست ناقدة. وما دمت وافقت على الاشتراك في المسرحية فعليك الالتزام بنصّها. أفلا ترين كيف التزم زميلنا المؤلف بالصمت لأن دوره يتطلب منه ذلك بالرغم من كل ما يسمعه منك من تجريح؟
نهى الصالحي – (في احتجاج غاضب) فهي رشوة إذن. أنتما تريدان أن تشتريا سكوتي. أنا لا أستطيع إذن الاستمرار في دوري والسكوت عن مثل هذه السخافات. أيّ كاتب مسرحي عاقل يقدّم أبطال مسرحيته للجمهور على هذا النحو؟ أناس سلبيون لا علاقة لهم بما يدور في مجتمعهم من مشاكل. كيف يمكن إصلاح النظام الاجتماعي والسياسي في البلد إذا كان أفراده بمثل هذه السلبية؟!
إبراهيم الراضي – (يهب قاعدا) يا ناس.. ما عاد بقدرتي أن أبقى صامتا. سينفجر رأسي. (متجهاً إلى عابد) أنا أسف يا أستاذ عابد ولكن لم يعد باستطاعتي السكوت وأنا استمع إلى تعليقات هذه الناقدة السمجة. (ملتفتا إلى نهى) كيف يمكنك الإدعاء بأنك ناقدة بارعة يا أستاذة نهى وأنت تعلقين مثل هذه التعليقات الساذجة على نصّي المسرحي؟!
نهى الصالح – (إلى إبراهيم) أنا ناقدة بارعة رضيت أ م لم ترض يا أستاذ إبراهيم وبشهادة كل المعنيين بالأدب المسرحي.
إبراهيم الراضي – أفليس المفروض بالناقد إذن أن يقرأ ما بين السطور ويحلّل ويعلل لا أن يأخذ النصّ على بساطته؟!
نهى الصالح – (في سخرية) وهل تتصور أن نصّك المسرحي الساذج هذا يا أستاذ إبراهيم معقد وفي حاجة إلى تفكير عميق لفهمه؟!
إبراهيم الراضي – بالطبع، وإلا ما أخطأت في تفسيره هذه الأخطاء الفادحة.
عابد الهادي – يجب أن ألفت نظركما أيها الزميلان أنكما تمثلان في مسرحية وأنكما لستما في مناظرة أدبية.
إبراهيم الراضي – (ملتفتا إلى عابد بنفاد صبر) يا أخي أهلكتنا باستعجالك في تمثيل المسرحية وكأن هذا الأمر أهم من إيضاح قيمة المسرحية وأهدافها ومضامينها. وطبعاً هذه الانتقادات الجارحة للنصّ المسرحي لا تهمك لأنك لست مؤلفها.
عابد الهادي – هذا أمر طبيعي يا أستاذ إبراهيم. فمسئوليتي كمخرج للمسرحية تنحصر في كسب رضا الجمهور عنها. ولا تهمني الجوانب الفكرية فيها وما تثيره من خلافات. والجمهور لم يحضر إلى هنا ليستمع إلى نقاش فنيّ محض بين مؤلف مسرحي وناقدة مسرحية بل ليستمتع بمشاهدة مسرحية.
إبراهيم الراضي – على كل حال لابد لي أن ألفت نظر الأستاذة الناقدة إلى الوجه الآخر للمسرحية إن لم تكن قد فهمته حقاً. (متوجهاً إلى نهى) وأنا أعجب يا أستاذة نهى كيف لم تدركي سخريتي من أمثال هؤلاء الأشخاص السلبيين. فلا يمكن طبعاً احترام أمثال هؤلاء الأشخاص الذين يعيشون بمعزل عن المجتمع وهمومه.
نهى الصالحى - (في شئ من التهكم) وما ذنب الجمهور ليقدح فكره ويفتش عن المعاني الخفية التي قصدتها يا أستاذ إبراهيم؟! ارحموا الجمهور وتحدثوا إليه بوضوح. قتلتمونا بالرموز والتهويمات التي لا يفهمها سواكم أيها المؤلفون.
إبراهيم الراضي ـ ليس المفروض بالجمهور أيتها الناقدة المحترمة أن يكون كآلة التسجيل تسجل ما يُلقى عليها من كلام فقط.
عابد الهادي – (بنفاد صبر) أيها الزميلان.. رجاء.. لا تنسيا نفسيكما. أنتما الآن ممثلان في مسرحية ولستما كاتب مسرحية وناقدة. والجمهور الآن متشوق ليعرف مجريات المسرحية فدعونا نعود إلى النصّ. (مسمراً عينيه على وجه إبراهيم) ها أنت ذا قد استعدت النطق يا أستاذ فصيح. ويمكن أن أعدّ نفسي طبيبا بارعا فأنا الذي نجح في إعادة النطق إليك.
إبراهيم الراضي – ليس تماماً أيها الطبيب البارع فسأفقده ثانية.
عابد الهادي – (في حيرة) ماذا تعني يا أستاذ فصيح؟! أتعني أنك ستعود إلى صمتك؟!
إبراهيم الراضي – بالطبع يا دكتور.
عابد الهادي – (في عجب) ولماذا؟!
إبراهيم الراضي – لأن دواعي صمتي لم تنتف أصلا.
عابد الهادي – فهل تتفضل وتخبرني ما هي دواعي صمتك إذن؟!
إبراهيم الراضي – دواعي صمتي هي ما أسمعه من أكاذيب ونفاق حيثما التفت حوالي.
عابد الهادي – هذه مبالغة منك يا أستاذ فصيح. فليس من المعقول أن كل من يحيط بك من أناس هم كذابون ومنافقون . ويمكنني القول بأن القلّة من الناس هم الكذابون والمنافقون .
إبراهيم الراضي – اسمح لي إذن أن أقول لك أيها الدكتور البارع أنك مخطئ جدا بهذا الاعتقاد. فالقلّة القليلة من الناس هم الذين لا يكذبون ولا ينافقون ويقولون ما يفكرون به فعلا.
عابد الهادي – لا.. لا. يا أستاذ فصيح. أنت مبالغ جدا في هذا الحكم على الناس. ثم ما الذي يخوّلك أن تحكم عليهم مثل هذا الحكم القاسي؟! هل أنت قارئ للغيب؟
إبراهيم الراضي – (يسمر عينيه على وجه عابد) هذه هي مشكلتي يا دكتور.
عابد الهادي – (في حيرة) ماذا تقصد يا أستاذ فصيح؟ أنا لا أفهمك.
إبراهيم الراضي – ولا أنا أيضا أفهم نفسي يا دكتور.
عابد الهادي – (في دهشة) أتعني أنك تستطيع فعلا أن تقرأ أفكار الآخرين يا أستاذ فصيح؟
ابراهيم الراضي – نعم يا دكتور.
عابد الهادي – (وهو يتنحنح) هذا أمر غريب.. غريب حقا. صحيح أننا نعترف في علم النفس بقراءة الأفكار ولكن ليس بهذه الطريقة. (بعد لحظة) ومتى اكتشفت أنك تتمتع بمثل هذه الموهبة يا أستاذ فصيح؟!
إبراهيم الراضي – إنها ليست موهبة بل لعنة يا دكتور (مفكراً) ولعل الأمر بدأ هكذا. فأنا بطبعي لست ميالاً إلى النفاق والكذب. لذلك كان من الصعب عليّ قبول نفاق الآخرين و كذبهم. وطبعا كنت أعترض على ما كان يبدو لي قولاً منافياً للحقيقة أو المنطق. فانفض عنّي الكثيرون من أصدقائي ومعارفي وصاروا يتهربون من لقائي والتحدث معي. وكان ذلك أمراً مزعجاً جداً لي. ففكرت أن أغيّر طريقتي وألاّ أعترض على أي كلام يقال لي. وكان ذلك مدعاة لشرود ذهني عن المتحدث. فكنت أردّ على كلامه أحياناً بعبارة غير مناسبة. ولكي أتجنب هذا الإحراج أخذت أركّز عيني على وجه المتحدث لئلا يفلت انتباهي. وإذا بي اكتشف مقدرة غريبة لديّ وهي قراءة ما يدور في ذهن المتحدث حتى وإن لم يكن الحديث موجهاً إليّ. وتبينّ لي أن المتحدثين لم يكونوا يقولون دائما ما يدور في رؤوسهم من أفكار بل كانوا أحيانا كثيرة يكذبون على بعضهم بعضا. وراعني أن أرى الجميع يفعلون ذلك.. زملاء العمل، والأصدقاء، والناس العاديون، بل وحتى أفراد الأسرة الواحدة. ووجدتني بين خيارين، إما أن أفضح المتحدث فأعيش في عزلة عن الجميع، أو أن أتظاهر بأنني فقدت النطق فأحافظ على صلاتي الاجتماعية. واخترت الخيار الثاني.
عابد الهادي – (يتأمل إبراهيم للحظات) أتعني أنك لم تكن فاقداً للنطق أثناء كل هذه الشهور يا أستاذ فصيح؟!
إبراهيم الراضي – طبعا لا.
نهى الصالحي – (وهي تقرأ في أوراقها في غضب) فإذن كنت تخدعني طوال هذه الشهور يا فصيح وتمتنع عن الرد على كلامي متظاهراً بأنك فقدت النطق.
إبراهيم الراضي – (مركزاً عينيه على وجه نهى) أفلا تعتقدين أنه كان من الأفضل لك ألاّ أردّ على كلامك دائما يا زوجتي العزيزة؟
نهى الصالحي – (وهي تقرأ في أوراقها بلهجة مترددة) ولماذا أفضل لي؟!
إبراهيم الراضي – لأنك كنت في كثير من الأحيان تفكرين في غير ما تقولينه.
نهى الصالحي – (وهي تقرأ في أوراقها بشيء من الاضطراب)
لا تسخر منى بمثل هذا الكلام يا فصيح.
إبراهيم الراضي – (وهو يركز عينيه على وجه نهى) أتحبين أن أثبت لك صحة قولي؟!
نهى الصالحي – (وهي تقرأ في أوراقها) ما علينا.. أنت خدعتني طوال هذه المدة وحملتني متاعب ومعاناة. وأنا لن أغفر لك ذلك. لن أغفر لك ذلك أبدا يا فصيح.
إبراهيم الراضي – على الأقل تجنبت المشاحنات التي قد تثور بيننا وأنا أسمع تعليقاتك العجيبة وكلماتك الجارحة. ولا تنسى أنك كذبت حين قلت للدكتور قبل دقائق أنه لم يحدث خصام بيننا طوال زواجنا.
نهى الصالحي – (وهي تقرأ في أوراقها بلهجة متحدية) وماذا كنت تتوقع مني؟ هل كنت تتوقع مني أن أفضح أنفسنا؟
إبراهيم الراضي – المهم أنك كذبت على الدكتور يا زوجتي العزيزة. وما هذه الكذبة سوى مثال واحد من عشرات الكذبات التي كنت تمارسينها معي. وكنت أقرأ الأفكار التي تدور في رأسك وأنت تتحدثين معي فأجدها أحيانا مغايرة تماما لما تقولينه لي.
نهى الصالحي – (وهي تقرأ في أوراقها بلهجة مضطربة) هذا هراء.. هذا أمر غير معقول. أنت تخدعني بما تقوله كما خدعتني حين تظاهرت بفقدان النطق.
إبراهيم الراضي – (في تحدّ) أتحبين أن أذكّرك بنماذج مما كنت تفكرين به وأنت تتحدثين معي وتقولين خلافه؟
نهى الصالحي – (وهي تقرأ في أوراقها بشيء من الاضطراب) ماذا تقصد؟! أتريد أن تفضحني؟
إبراهيم الراضي – أنت التي تريد أن تفضح نفسها.
نهى الصالحي – (وهي تقرأ في أوراقها باضطراب) هذا أمر غير معقول.. لابد أنك كنت تمارس السحر عليّ!.
إبراهيم الراضي – لا سحر ولا هم يحزنون.
عابد الهادي – (وهو ينقل أنظاره بين إبراهيم ونهى في انزعاج) اسمحا لي أن أذكّركما بأنكما في عيادة دكتور محترم.. دكتور من أشهر دكاترة علم النفس في البلد. فلا داعي للمهاترات المصطنعة بينكما. وشخص مثلي لا يمكن أن تنطلي عليه الخدع. فهل حضرتما إلى هنا وأنتما تنويان السخرية بي؟!
إبراهيم الراضي – ماذا تقصد بكلامك هذا يا دكتور؟
عابد الهادي – أظن أن كلامي واضح يا أستاذ فصيح. فلا يمكن أن تنطلي مثل هذه الخدعة الساذجة على دكتور مثلي.
إبراهيم الراضي – (في دهشة) أي خدعة تعني يا دكتور؟
عابد الهادي – كفى.. كفى يا أستاذ فصيح. انتهت اللعبة. وأحب أن أذكّرك بأن عيادتي ليست مكانا مناسبا لمثل هذه اللعبة التي اتفقت مع السيدة المحترمة زوجتك على لعبها عليّ. فهل قصدتما أن تمتحنا ذكائي.. أم ماذا؟!
نهى الصالحي – (وهي تقرأ في أوراقها في انزعاج) لا يا دكتور.. لا. أرجوك. لا تتهمني بمثل هذه التهمة. وأنا نفسي كنت ضحية خداعه طوال هذه الشهور.
عابد الهادي – (وهو يتفرس في وجه نهى) الأمر إذن ليس خدعة؟
نهى الصالحي – (وهي تقرأ في أوراقها) أؤكد لك أنه ليس خدعة.
عابد الهادي – (وهو يهز رأسه في عجب) هذا أمر محيّر إذن.. محيّر فعلا.. وإن كنت ما أزال أشك فيه. وليس له تفسير في علمنا.
إبراهيم الراضي – أتعني أنك ما تزال في شكّ من أمري يا دكتور؟
عابد الهادي – (في تردد) لا أكتمك أنني ما أزال أشك في هذه الظاهرة التي تدّعيها فليس لها تفسير في علمنا.
إبراهيم الراضي – أتحب أن أبرهن لك عليها يا دكتور؟
عابد الهادي – (في تردد واضح) حسنا. لنقل أن ذلك غير ضروري. ولكن إذا أردت أن تفعل فافعل.
إبراهيم الراضي – إذن فاسمح لي أن أخبرك بأنك كنت طوال الوقت وأنت تتحدث مع زوجتي تفكر في غير الكلام الذي تقوله لها.
عابد الهادي - (في شيء من الحذر والتردد) وبماذا كنت أفكر إذن؟
إبراهيم الراضي – كانت تدور في رأسك أفكار غير محتشمة.فمثلا كنت تفكر بأن..
عابد الهادي – (يهتف مقاطعا في خوف) أرجوك.. أرجوك. أنا أصدقك .. أصدقك وأبصم بالعشرة على ما تقوله.
نهى الصالحي- (وهي ترفع عينيها عن أوراقها وتضحك في سخرية) حقاً إنها لمهزلة. ولا أدري كيف وافقت على الاشتراك في هذه المسرحية المسخرة. لقد تدنىّ أدبنا المسرحي حقا. (متجهة إلى إبراهيم) وأنت يا أستاذ إبراهيم.. كيف ارتضيت لنفسك أن تكتب مثل هذه المسرحية السخيفة؟ إنها بلا شك أسخف ما كتبت وإن لم تعجبني كتاباتك عموما. ففكرة المسرحية قائمة من الأساس على افتراض سخيف وباطل وغير مقبول منطقيا وعلميا.
إبراهيم الراضي – أتعنين أنك أنت أيضا تشكّين في موهبتي يا أستاذة نهى؟
نهى الصالحي – (في شيء من التردد) طبعاً أشكّ .. فلا يمكن أن يتواجد لدى البشر مثل هذه الموهبة كما سّماها الدكتور.
إبراهيم الراضي – أفتحبين إذن أن أبرهن لك عليها؟
نهى الصالحي – (في شموخ) أنا لا يمكن أن تهزني أمثال هذه الأفكار السخيفة يا أستاذ إبراهيم. وأنا لا أؤمن بالخرافات والشعوذة أصلا.
إبراهيم الراضي – ذنبك على جنبك إذن كما يقول المثل. سأخبرك بِمَ كنت تفكرين فيه طوال الوقت الذي كنت تقرئين فيه حوار المسرحية.. كنت تفكرين بمتعة الليلة الغرامية التي استمتعت بها مع زوجك أمس. وكنت طوال الوقت تخططين..
نهى الصالحي- (مقاطعة في انزعاج وغضب) كفى.. كفى. لا داعي لمثل هذا الكلام السخيف.
عابد الهادي – (وهو يهز رأسه في حيرة) إنها لموهبة عجيبة حقا.. موهبة مخيفة.. ويا لها من موهبة خطرة!
إبراهيم الراضي – فإذن أنت تتفق معي يا دكتور على أن أفضل طريقة يمكن أن أواجه بها موهبتي هذه هي التمسك بالصمت.
عابد الهادي – طبعا.. طبعا. لابد لك أن تصمت. وهو إجراء ضروري للغاية. ولحسن الحظ أن مثل هذه الموهبة نادرة بين البشر. ولو كانت موهبة شائعة بينهم لخربت الدنيا. وشكراً لله الذي لم يكشف الحجاب عن البشر ويمكّنهم من قراءة أفكار بعضهم بعضا. فلو حدث ذلك لتفكك المجتمع وانحلت الأسر وانعدمت الصداقات وفسدت العلاقات بين الناس. فمن الواضح أن الكذب هو الأساس في لحمة المجتمع. ولو قرأ كل واحد منا أفكار الآخر.. (وهو يرمي يديه في يأس) ها.. ها.. سيكون في ذلك نهاية الدنيا.
مشاهد – من فضلكم.. من فضلكم. ما هذه المهزلة التي تمثلونها؟! وماذا تقصدون من وراء التشكيك في نوايا الناس تجاه بعضهم بعضا؟ هذا أمر خطير.. خطير للغاية. إنها لمسرحية مخرّبة.
إبراهيم الراضي – لا تبالغ في الاتهامات أيها السيد. فلا تهدف هذه المسرحية إلى هدف سيء. كل ما هناك أنها تعرض ملابسات موهبة خصّ الله بها أحد خلقه.
المشاهد نفسه – من فضلك يا أستاذ.. عيب .. عيب. ماذا تحسبنا؟! أناس سذج جهلاء نصدّق ما تقولونه على تفاهته؟! أيمكن أن تتواجد مثل هذه الموهبة لدى البشر؟! هذا كلام فارغ.
إبراهيم الراضي – معاذ الله أن أنظر إلى جمهور المسرح مثل هذه النظرة أيها السيد. وقد احترمتهم في كل ما كتبته من مسرحيات.
المشاهد نفسه – إذن ما معنى هذا الكلام الفارغ؟!
إبراهيم الراضي – إنه ليس كلاماً فارغا. إنه حقيقة واقعة.
المشاهد نفسه – بل هي كلام فارغ.. وفارغ جداً يا أستاذ.. وعيب عليكم أن تخاطبوا جمهور المسرح بمثل هذه الأباطيل. المفروض أن تقدموا له غذاء روحيا نافعا لا أن تضيعوا وقته بمثل هذه السفاسف.
إبراهيم الراضي – أتعني أنك مصرّ على إنكار موهبتي أيها السيد؟!
المشاهد نفسه – طبعا.
إبراهيم الراضي – امتأكد أنت من ذلك؟ أنا لست مسؤولا عن التبعات إذن.
المشاهد نفسه – خزعبلاتك هذه لا تخوفني يا أستاذ.
(ينهض إبراهيم الراضي ويقف بجوار حافة المسرح. يُسلّط شعاع من النور الساطع على المشاهد المعني).
إبراهيم الراضي – (وهو يركّز أنظاره على وجه المشاهد المعني) أنا آسف أيها الأخ فأنت الذي اضطررتني إلى ما سأقوله. يبدو أنك كنت مشغول الذهن طوال المسرحية بإعداد الحيل وتلفيق الأكاذيب ضد زميلك في العمل محمود القادري لتزيحه عن مركزه وتحتل مكانه. وأنا آسف إذ أقول إن الأفكار التي تدور في رأسك حول هذه القضية هي من أخّس الأفكار.
(ينهض المشاهد مرعوباً ويسرع بمغادرة الصالة).
مشاهد – (في حنق) ما هذه اللعبة الوضيعة التي تمارسونها معنا؟! توزعون الممثلين في الصالة وكأنهم مشاهدون عاديون لتمرّروا خدعتكم علينا ؟ أفتحسبوننا " قشامر" لتجوز علينا هذه الخدعة؟
إبراهيم الراضي – كن على ثقة أيها الأخ أننا لا يمكن أن نفكر بخداع جمهورنا. وما جرى مع الأخ الهارب حقيقة واقعة. وسأبرهن لك على ذلك الآن. (يسلط شعاع النور على المشاهد المعنى) فمن الواضح أنك كنت طوال الوقت مشغول الذهن عن المسرحية بالتفكير في السيدة الجالسة إلى جوارك. ويؤسفني أن أقول أن أفكارك حولها ليست نظيفة ولا لائقة. أتحب أن أوضح قولي أم إن اللبيب من الإشارة يفهم؟! (يسرع المشاهد بمغادرة الصالة في ارتباك).
إبراهيم الراضي – (وهو يدير عينيه في أرجاء الصالة) أما يزال بينكم من يشك في حقيقة موهبتي؟
مشاهد – نعم. أنا ما أزال أشك في حقيقة موهبتك يا أستاذ إبراهيم ولا أصدق ما تقوله.
(يسلط شعاع النور على المشاهد المعني).
إبراهيم الراضي – فليكن إذن. بالطبع الشخص الجالس إلى يمينك هو صديقك مدحت السالم. أتحب أن أخبرك بما يدور في رأسك من أفكار عنه وأنت تستمع إلى تعليقاته حول المسرحية؟
(يهب المشاهد واقفا ويسرع بمغادرة الصالة).
إبراهيم الراضي – (وهو يدير عينيه في أنحاء الصالة وفي نفس الوقت يتنقل شعاع النور على وجوه المشاهدين) أعتقد أنكم في غير حاجة إلى أدلة أخرى على موهبتي أيها المشاهدون الكرام. ومع ذلك سأقدم لكم دليلا آخر لمن لا يزال يراوده الشك في صحة موهبتي. (يتوقف شعاع النور على وجهي زوجين متجاورين). سأقول لكم مثلا ماذا يدور من أفكار في رأس هذا السيد المحترم تجاه زوجته المحترمة وهو يراقب ممثلتنا الجميلة وكيف يقارن بينهما. وصدقوني إنها أفكار لا تشرّف أي رجل محترم.
(ينهض المشاهد مفزوعا ويسحب زوجته من يدها عجلاً ويغادران الصالة.يتنقل شعاع النور بين المشاهدين في الصالة وكلما استقرّ على وجه أحد منهم هبّ فزعاً وغادر الصالة. يحدث هرج ومرج في الصالة).
عابد الهادي – (وهو يغادر مقعده ويقف إلى جوار إبراهيم الراضي) أنت أزعجت جمهورنا أيها الزميل وليس ذلك من أهداف المسرحية. وأنت تعلم أن المسرحية هي أصلاً كوميديا الغرض منها إضحاك المشاهدين وتسليتهم لا إرعابهم. (يخاطب جمهور الصالة) لا تغادروا مقاعدكم أيها المشاهدون الكرام فالمسرحية لا تزال في بدايتها والجزء المضحك فيها لم يبدأ بعد. فهي أصلاً كوميديا أو ما يسمى" فارْس" أي مسرحية هزلية. والمشاهدون الذين هربوا هم فعلا شركاؤنا في المسرحية. وأرجوكم أيها الجمهور العزيز.. أبقوا في مقاعدكم ولا تخذلوا مسرحيتكم.. المسرحية في بدايتها فانتظروا.. ستفاجئكم فيها مشاهد مضحكة وممتعة.. (يستمر المشاهدون في الخروج بعجلة في حين تهبط الستارة ببطء).
- ستار الختام -










ليل ليس له آخر
مسرحية في فصل واحد
2001








"صالة للمعيشة متوسطة الحجم عارية من الأثاث إلاّ من بساط خشن. تتمدد رئيفة وبثينة وسلمى وهالة على البساط. حينما تتحدث أية واحدة منهن يُسلط عليها ضوء ساطع ويظل جسدها ساكنا.
الصالة شبه معتمة.
موسيقى حزينة تقوى وتضعف حسب مقاطع المسرحية ".
(صمت طويل)
رئيفة: أنا حزينة جدا من أجلكن يا بناتي الحبيبات. لماذا تخترن الموت وأنتن في عمر الزهور؟
بثينة: لأن هذا العالم الخسيس لا يستحق أن يعاش من أجله يا ماما.
سلمى: ولأنك اخترت الموت يا ماما ونحن لا نريد أن نعيش من بعدك في هذا الحصار اللعين.
هالة: نحن نحبك يا ماما ولا نريد أن نعيش من بعدك.
رئيفة: لكن حالكن تختلف عن حالي يا حبيباتي.أنا إنسانة مهزومة. أنا هزمت بعد أن قاومت طويلاً. وما كان عليّ أن أنهزم ولكن لم يبق لدي طاقة على المقاومة. أما أنتن فما زلتن في مقتبل حياتكن. وبإمكانكن أن تقاومن حتى تنزاح عن بلدنا غمامة الظلام هذه.
بثينة: وهل تصدقين حقا يا ماما أن غمامة الظلام هذه ستنزاح عنا يوماً؟
سلمى: لماذا تريدين أن تمتد معاناتنا يا ماما؟ أما يكفينا ما تجرعناه من ذل الحصار اللعين وبؤسه؟
هالة: أنا لا أريد أن أعيش من بعدك يا ماما. أنا أحبك كثيراً.
رئيفة: ولكن ليس من حقي أن أحكم عليكن بالموت يا حبيباتي لكوني فقدت الرغبة في الحياة.
بثينة: أنت لا تحكمين علينا بالموت يا ماما.. أنت تحكمين علينا بالخلاص.
سلمى: نعم يا ماما.. سنتخلص أخيراً من هذه الحياة المرة الكريهة.
رئيفة: قلبي يتقطع ألماً عليكن يا حبيباتي وخصوصاً عليك أنت يا هالة.أنت ما زلت في عمر الزهور وحرام أن تموتي.
بثينة: لست أنت التي ينبغي أن تقولي لها مثل هذا القول يا ماما. لست أنت التي ينبغي أن تشجيعها على حب هذه الحياة الحقيرة.
رئيفة: لكنها ما تزال زهرة يانعة يا بثينة. إنها لم ترشف من رحيق الحياة بعد.
سلمى: أي رحيق يا ماما؟ رحيق الذل والحاجة والقهر؟
بثينة: (في تهكم حاد) أم رحيق المخادعين والمنافقين والأذلاء؟
هالة: وهل سيدخلنا الله الجنة يا ماما؟
رئيفة: طبعاً يا حبيبتي فقلوبكن طافحة بالطهارة والنقاء. فمن سيدخل الجنة إن لم تدخلوها أنتن؟!
هالة: وهل سنلتقي ببابا هناك يا ماما؟ ما أعظم شوقي إليه!
بثينة: كلنا مشتاقات لبابا.
رئيفة: كل من عرف بابا يشتاق إليه.. الكل يحبونه.
سلمى: فكيف إذن نسوه ونسوا عائلته يا ماما؟
رئيفة: لا يا سلمى..لا..لازال الكثيرون يذكرونه بإجلال.
بثينة: (بحدة) لا تقولي كلاماً باطلاً يا ماما. كم واحد من معارفه ظل حزيناً عليه؟أنت الوحيدة التي تقرحت أجفانها من البكاء عليه.
سلمى: ماما امرأة قوية يا بثينة وهي لا تعرف البكاء.
بثينة: أسكتي فأنت لا تعرفين الحقيقة.
سلمى: طبعاً.. ماما امرأة قوية والأقوياء لا يبكون مهما عظمت أحزانهم.
بثينة: لماذا لا تحدثينها يا ماما عن الدموع التي ذرفتها على بابا؟لماذا لا تخبرينها أنك كنت كلما خلوت إلى نفسك تتقرح عيناك من البكاء؟
رئيفة: (بأسي عميق) وهل نفع البكاء في تهدئة حزني على بابا يا بثينة؟
سلمى: (في عتب) ماما.. لماذا إذن أخفيت أحزانك عنا؟
رئيفة: وهل كنت تريدينني أن أنغص عليكن بأحزاني زيادة على ما حمّلكن موت بابا من حزن؟
هالة: كنت أحب بابا كثيرا وكان يحبني كثيرا.
رئيفة: كان بابا يحبّكن كلكن حبا عظيما. كان يحب جميع الناس. وقد ضحى بحياته من أجلهم.
سلمى: ولكن ألم نكن نحن أحوج إليه من الغرباء يا ماما؟! أكان يتوجب عليه أن يضحي بحياته من أجلهم؟
بثينة: (في حدة) أسكتي ولا تفتحي فمك بسوء عن بابا.
رئيفة: (برفق) هل هذا وقت الخصام بينكما يا حبيباتي؟ علينا أن نودع الدنيا وقلوبنا خالية من أي مرارة وحقد. هكذا ودّع بابا الحياة.
سلمى: ولكن كيف أمكن لبابا أن يودع الحياة من دون أن يمتلئ قلبه حقداً على المجرمين الذين عذبوه حتى الموت؟ أنا لا أصدق ذلك.
رئيفة: صدقي يا سلمى فبابا رجل عظيم. كان قلبه يسع الدنيا كلها. إنه بقي صامداً إلى أخر لحظة من حياته ولم ييأس ولم يفقد ثقته بالناس. أما أنا فيئست مع أنه أوصاني ألاّ أيأس. قال لي وهو يلفظ أنفاسه: " لا تسمحي لليأس أن يغلبك يا رئيفة. سننتصر على قوى الشر في النهاية". وأنا آسفة إذ أعترف أن اليأس غلبني وعجزت عن الالتزام بوصية بابا.
بثينة: من حقّك أن تيأسي يا ماما فالغلبة للشرّ دائما.
رئيفة: لا .. لا. أنا لست قوية مثل بابا. أنا إنسانة ضعيفة.
سلمى: لا يا ماما. بابا هو الذي وقع في الوهم.
بثينة: (في حدة) قلت لك لا تتحدثي بسوء عن بابا.
رئيفة: (برفق) حبيباتي.. كيف يمكنكما أن تتشاجرا في مثل هذه الساعة؟ دعونا نودع الدنيا في سلام.
(صمت طويل)
هالة: (حالمة) الحياة حلوة.
رئيفة: حبيبتي المسكينة.
بثينة: الحياة قذرة وسخيفة.
سلمى: ليس في كل البلدان يا بثينة. هناك بلدان تكون الحياة فيها نظيفة وبهيجة. أليس كذلك يا ماما؟
رئيفة: لا أدري يا سلمى. أنا لم أعد أدري شيئا.
سلمى: ولكن لابد أن تدري يا ماما فأنت الأستاذة العظيمة.
بثينة: (ساخرة) الدكتورة رئيفة الناهي .. الأستاذة التي ملأت كتبها المكتبات. ومع ذلك لم يعد يسأل عنها أحد.
سلمى: ولم تعد قادرة على أن تطعم نفسها وبناتها.
رئيفة: كم يحزّ في نفسي أن أراكما تموتان وقلباكما طافحان بكل هذه المرارة. ولكن تذكرا أن هناك أساتذة مثلي قد باعا أبواب وشبابيك بيوتهم ليسدّوا رمقهم0
سلمى: لكم صرفت من جهد ووقت في تأليف تلك الكتب يا ماما وحرمت نفسك وحرمتنا معك من متع الحياة. فماذا كانت النتيجة؟ أن نموت كالحشرات.
رئيفة: ما أشد أسفي يا حبيبتي سلمى. أنا مدينة لكن بالاعتذار.
سلمى: ولكن قولي لي يا ماما .. ما جدوى كل ما ألّفته من كتب؟ هل مكّنك ذلك من أن تحلّي مشكلة واحدة من مشكلاتنا؟
بثينة: (ساخرة) وهل تعتقدين حقا يا سلمى أن مشاكلنا يمكن أن يحلّها العلماء في مثل هذا العالم المنحط الذي يتحكّم فيه أناس منحطون؟
سلمى: فلماذا كل هذا التعب إذن؟ لماذا كل هذا الجهد يا ماما؟
رئيفة: ما أعظم أسفي لتقصيري في حقكن يا بناتي الحبيبات.. وأنا أعتذر لكّن.
هالة: أنا أحب ماما ولا يهمني شيء.
سلمى: (برقة) لا داعي لاعتذارك يا ماما فأنت أعظم أمّ في الوجود.
بثينة: (في تهكّم مرّ) ولكن أما كان جديراً بك يا ماما أن تتعلمي درساً من موت بابا وتكّفي عن محاولة تغيير هذا العالم الحقير؟!
رئيفة: ما كان يحق لي أن أيأس يا بثينة. كان لابد لي أن أواصل نضال بابا.
سلمى: (في عتب رقيق) وتضحين براحتك وراحتنا من أجل الغير كما فعل بابا؟!
رئيفة: أنا أقدّر مرارتكن يا بناتي الحبيبات وكم يلوّع ذلك قلبي. ولكن لم يكن بيدي حيلة.
سلمى: ولكنك تعلمين يا ماما أنه لا أحد يستأهل التضحية. واسمحي لي أن أسألك: من الذي تفقدنا في محنتنا بهذا الحصار اللعين من أقربائنا ومعارفنا؟
رئيفة: لا تكوني قاسية عليهم يا سلمى. أنت تعلمين أنهم جميعا يقاسون مرارة هذا الحصار مثلنا. وغالبية الناس لا يتناولون سوى وجبة واحدة في اليوم0
سلمى: لا يا ماما .. ليس الجميع يقاسون من الحصار اللعين ما نقاسي لكنهم لم يفكروا في مساعدتنا.
بثينة: (في حدّة) نحن لا نريد مساعدة من أحد.
رئيفة: لماذا تعذبان نفسيكما بهذه الذكريات المريرة يا بناتي الحبيبات؟ أفلا يجدر بنا أن نستقبل آخرتنا بقلوب خالية من الحقد؟
سلمى: لا يا ماما.. أنا لا أقدر أن أفعل ذلك. كم أتمنى أن يحرق الله بنيرانه أولئك الذين سمّموا حياتنا وأحالوها إلى بؤس وعذاب ويريهم عذابا أشد من عذابنا0
(صمت طويل)
رئيفة: (بصوت خافت) بدأت أشعر بضعف شديد. أظن أن الغاز أثّرّ فيّ.
بثينة: أنا أيضاً بدأت أشعر بتأثير الغاز. النعاس يهوّم على عيوني.
سلمى: وكذلك أنا.
(صمت قصير)
رئيفة: بناتي الحبيبات. مازالت الفرصة أمامكن لتتراجعن عن قراركن. أنتن لم تتذوقن الحياة بعد.
سلمى: ولماذا نتراجع يا ماما؟ ألكي يميتنا حصار الجوع؟!
بثينة: (في تهكم) أي حياة تلك التي تتحدثين عنها يا ماما؟ أفلا ترين أن العالم كله متفق على حصارنا حتى أقرب الناس إلينا؟!
رئيفة: ولكن من يدري؟ لعل الحصار ينتهي يوما.
سلمى: (في عتب) ولماذا تريدين لنا أن نظل نجلد بسوط الحاجة والمذلة يا ماما؟ هل نسيت أنه لم يبق لدينا شيء نبيعه لنقتات به؟
رئيفة: الحق معكن يا حبيباتي. إنه ليل ليس له آخر.
سلمى: نحن تعبنا من هذه الحياة المرّة يا ماما.
هالة: لكن الحياة حلوة يا سلمى.
رئيفة: مسكينة أنتِ يا طفلتي الحبيبة.
(صمت طويل)
" في المقطع التالي تبدو أحاديث كل من رئيفة وبثينة وسلمى وهالة كأنها مونولوج داخلي أو خواطر تعبر رؤوسهن. ومن الممكن عرض هذه الخواطر في شكل حيّ على شاشة في عمق المسرح أو بتمثيل إيمائي - بانتونايم ".
رئيفـة
ما كان أجمل ذلك اليوم الذي التقينا فيه لأول مرة يا منير في قاعة كلية الآداب . إن ذكرى ذلك اليوم محفورة في ذهني حتى هذه اللحظة. والتفت فرأيتك جالسا إلى جواري. وحسبت ذلك مصادفة. فالدعوة لتلك الأمسية الشعرية كانت عامة. وبادلتني الحديث أثناء فترة الاستراحة حول ما ألقي من شعر. وسرعان ما زالت الكلفة بيننا. أخبرتني أنك تعرفني وأنك تتتبع كتاباتي بإعجاب. وقلت إنك مدين ديناً عظيماً لرجل علّمك في المدرسة الثانوية حب الأدب وحب الوطنية وهو أبي. هل أصارحك بأمر لم أقله لك أبداً يا منير؟! إنني أحببتك من أول لقاء. وكنت مستعدة لقبول الزواج منك. وما أسرع ما وافق أبي على خطبتك بل فرح بها فرحاً عظيماً. وقال لي إنك كنت من أحب التلامذة إلى نفسه وأنه قرير العين إذ يودع مستقبلي بين يديك. وقد صحّ كل ما قاله أبي عنك يا منير، بل أثبت أنك أفضل مما صوّرك لي. أنت جعلت أيامي كلها سعادة بقلبك الكبير الذي أغرقني بعواطفه الحارة. وكنت خير أب لبناتنا. لكن قلبك يا منير كان يتسع لحب الناس جميعاً وليس لعائلتك فحسب. وأتحت لي الانصراف إلى دراساتي وكتاباتي. ولم تتذمر يوماً من انهماكي في عملي وإن جاء أحيانا على حساب واجباتي الزوجية والعائلية. وكنت أنت بدورك قد كرست وقتك كله لخدمة المرضى الفقراء. كنت طبيباً مثالياً. لم تتأخر يوماً عن أداء واجبك في النهار أو الليل. فراح يلهج بذكرك العطّر القاصي والداني. ولم يلهك عملك عن النضال ضد حكم الأشرار الذين أخذوا يتحينون الفرص للإيقاع بك. وتطاولت أيام اعتقالك. وكنت ما تكاد تخرج من السجن حتى ترجع إليه. وكم من مرة عدت إلينا وجسدك مثخن بالجراح. لكن السجن لم يفلّ عزيمتك بل زادك إصراراً. ولم يتسرب اليأس إلى قلبك بل ازددت بأساً وصمودا. حتى جاؤا بك إليّ يوماً بعد منتصف الليل وأنت جسد محطم. ويا لهول تلك الليلة يا منير. إنها شهدت نهاية حياتي. لكنني تماسكت امتثالاً لوصيتك. وواصلت نضالي بطريقتي الخاصة. وكنت آمل أن ينقشع هذا الظلام عن بلدنا ويشرق النور الذي كنت تناضل من أجله. لكن السنين طالت وبلدنا تدثره سحابة الظلام هذه يا منير. وأنا آسفة إذ أقول لك إن صمود الناس تآكل لما لاقوه من بطش وقهر وفقر، فغرقوا في مستنقع اللامبالاة. بل إنهم نسوا المبادئ والمثل وصاروا يغنمون لقمتهم حتى بالطرق الحرام. وليتك ترى زملائي الأساتذة، وهم زبدة المجتمع، وقد دمّر نفوسهم الخوف والذل والفقر، فتحوّل الكثيرون منهم إلى انتهازيين أذلاء يتمسحون بأعتاب السلطة الباغية. ضاع نضال الشرفاء من أمثالك هباء يا منير. وبدلاً من أن يقهر هذا النضال السلطة الباغية اشتدت عتوا وبغيا على مرّ السنين. والعالم من حولنا لا يأبه لشعبنا المسكين الذي سحقه الفقر والخوف والقهر. وإن هذا العالم ليساند حكّامنا الطغاة في الخفاء بما يغنمه أفراد بارزون منهم من مكاسب وما تحصل عليه دول مرموقة من رشاوي ثم تفرض على بلادنا حصارا ظالما مدعية أن حصارها سيضعف الحكام. لكن الحكام يشتدون قوة وبأساً. وإن شعبنا المسكين يزداد ذلاً وفقرا وقهرا وتعاسة. وقد هجر الملايين منهم البلد هربا من البطش والتعسف وبحثا عن لقمة العيش في مكان آمن . كل العالم متآمر على شعبنا يا منير بما فيهم أقرب الناس إلينا. وقد خابت آمالنا في عدالة الدول المتحضرة يا منير. إنها لا تهتم إلا بمصالحها ولا يعنيها هدر حقوق الإنسان في بلداننا المسحوقة. وهذا ما تفعله معنا أيضا البلدان الشقيقة. وأنا لم تعد لي طاقة على الصمود يا منير. فالجشع والأثرة والنفاق ساد بلادنا ولم يعد للصدق والتعاضد والتراحم مكان. وأعترف لك أنني هزمت ولا قبل لي بمواصلة نضالك. كل شيء صار حالكاً أمام عيني يا منير. وهذا الليل المدلهم الذي يجثم على بلدنا ليس له آخر. وأنا آسفة إذ أقول لك هذا. وأنا مشتاقة إليك جداً. إن شوقي إليك يكاد يذيبني. ولم يعد في قدرتي تحمل هذا اليأس. أما آن لنا أن نلتقي يا منير؟!
بثينة
هل كنت مغشوشاً يا بابا بهذا العالم؟ كيف لم تدرك بعقلك العظيم أنه عالم حقير ؟! وماذا بقدرة إنسان مثلك أن يغيّر من طبيعته؟ لو أنك تركت هذا العالم الحقير وشأنه ولم تحاول تغييره ما دفعت حياتك ثمناً لمحاولاتك. كنا نحن أحوج إليك وإلى حبّك وحنانك. آه لو كنت تعلم يا بابا كم كنت أحبك! لكنك كنت تعلم بلا شك لأنك كنت تمحضني حبّاً خاصاً. كنت ابنتك المفضلة. لم تكن تغفل يوماً عن تفقد شؤوني حتى لو كنت مشغولا بأعمالك إلى أذنيك. كان لابد لك أن تطلّ عليّ في غرفتي حينما تعود من " عيادتك" لتسألني ماذا فعلت بيومي. وكنت أقص عليك أخباري بالتفصيل الممل. وكنت تصغي إليّ مبتسماً والحب الغامر يطل من عينيك. كنت تبدو لي رمزاً لكل رجال العالم.. أعلى مثل لما يمكن أن يبلغه الرجل من كمال. وأعجزتني يا بابا من أن أنجذب إلى أيّ زميل من زملائي في الجامعة. كانوا يبدون لي دونك بكثير. ولم أشجع أي واحد منهم على الدنو مني، فتصوروا أنني متعجرفة. وأنا لست كذلك. كل ذنبي أنهم لم يرقوا لكمالك. وحده هو الذي نجح في فتح مغاليق قلبي.. عصام.. عصام الحقير. إنه عرف بمكره من أي باب ينفذ إلى قلبي. ففي بداية تعارفنا لم يكن له من حديث سواك. كل أحاديثنا كانت تدور حولك. وكان يبدي دهشة عظيمة لإجماع الناس على الإطراء عليك. وقد هيّأت له فرصة التعرف بك. وحاز على إعجابك ومحبتك بمكره. وكان ذلك أمراً طبيعياً. فأنت بطبعك مستعد لحب الناس. وهكذا أفلح عصام في غزو قلبي. وتمت الخطبة بيننا. ثم تغير كل شيء حين قتلك القذرون. وكنت أتوقع منه أن يهوّن من حزني الذي لم تكن تحدّه حدود. وكان الشخص الوحيد الذي بقدرته أن يفعل ذلك. ولكن ما أبشع ما حدث. لم يسأل عني ولا مرة واحدة وكأنه فص ملح وذاب! وحينما التقيته بعد أسابيع وعاتبته قال لي بصفاقة: " اعذريني يا بثينة. إنهم شددوا الحصار على داركم. والأمور تغيرت الآن. لديّ مستقبلي لأفكر فيه". وكان لقوله هذا وقع الصاعقة عليّ يا بابا. وتراءئ لي في تلك اللحظة أن العالم كله تحول إلى مستنقع آسن. وركضت إلى الحمّام وأفرغت كل ما في جوفي.
لكن عصام لم يكن ظاهرة شاذة يا بابا. اكتشفت أن الناس كلهم مثله. فلم يحزن أحدهم لموتك حزناً حقيقياً. لم يحزن عليك أولئك الناس الذين أحببتهم وأخلصت لهم وأرخصت حياتك من أجلهم. صحيح أن نفراً منهم أبدى أسفه. وصحيح أن عدداً منهم زار بيتنا معزياً. لكن ذلك كان كل شيء. وهكذا مضى موتك الذي كان ينبغي أن يقيم الدنيا ولا يقعدها وكأنه هبّة دخان. لم نسمع بأي واحد من أولئك المحبين احتج على المجرمين القذرين لارتكابهم جريمتهم الشنيعة. والقذرون الذين يتحكمون في حياتنا سادرون في إجرامهم دون أن يطالهم العقاب. وكل العالم يؤازرهم. انه فرض علينا حصاراً حوّل حياتنا إلى جحيم وأحالنا إلى جرذان مذعورة. إنه عالم قذر لئيم يا بابا، والكل مشارك في قذارته. وأعذرني على هذا الكلام الذي لن يرضيك بلا شك. فقد بقيت إلى أخر لحظة من حياتك تعتقد أن هذا العالم يمكن أن يكون نظيفا. لا يا بابا.. إنه عالم لا يتحكم فيه إلاّ القذرون. ولا يتمتع بأطايبه إلاّ ذوي الضمائر الميتة. ومن يمتلك ذرة من الكرامة عليه أن يغادره. لقد جرح هذا العالم قلبي جرحاً لا شفاء له يا بابا. وسأغادره وأنا غير آسفة عليه.
سلمى
أنا تعبت. لم أعد احتمل هذا الفقر. صحيح أننا لم نكن نعيش حياة الأغنياء لكنها كانت حياة هنيئة. أما الآن فصارت حياتنا بائسة. عرفنا قسوة الفقر وذلّه. وما أشد ما أشعر به من ذلّ وخزي حينما يقتحم المشترون بيتنا ليحملوا الأغراض التي نبيعها. بعنا الثلاجة والغسالة والتلفزيون.. وحتى معظم أثاث غرف نومنا. كل ذلك حتى لا تمتد أيدينا إلى أحد. ولم يسأل أي أحد من معارفنا كيف نعيش.. كيف ندبّر أمرنا في هذا الحصّار اللعين. أما أقرباؤنا الميسورو الحال فنسونا. ولم يعودوا يتفقدون أحوالنا. صرنا أناساً منبوذين. وإذا استمر هذا الحصار اللعين فلن نجد ما نسدّ به جوعنا. وأنا سئمت خبز الطحين الأسود.. سئمت الرز الكريه الطعم. سئمت حمل البطاقة التموينية والوقوف في الصف الطويل لتسلم حصتنا التافهة من الطحين والرز والسكر والشاي. لكن بعض زميلات المدرسة المترفات مازلن يحتفظن برفاهيتهن القديمة.. مازلن يتجولن بسياراتهن الفخمة ويرتدين أحدث الموديلات. فأهلهن يعرفون كيف ينتفعون من الحصار اللعين وكيف يتقربون من ذوي الحل والربط. فلماذا ينبغي لنا أن نقاسي من هذا الحصار ولا يقاسي المنافقون؟ والمجرمون الذين يحكموننا وأعوانهم صاروا يتمتعون بأرقى أنواع الحياة.. بينما تحولنا نحن إلى شحاذين. وإلى متى ستظل حياتنا هكذا؟! إلى متى سيدوم هذا الحصار اللعين؟ إلى أن يأتي يوم لا نجد فيه حتى لقمة الطعام؟! ماما مصيبة بقرارها في مغادرة هذه الدنيا الكريهة. فما الذي يدعو الإنسان إلى التشبث بها؟ وأيّ حياة أمامنا بعد أن تموت ماما؟ لا.. لا. لابد لي أن أموت. الموت فيه خلاص من هذه الحياة الكريهة ومن هذا الحصار اللعين. ومن يدري؟ لعلني سأشهد حياة أفضل في الدنيا الآخرة. الوداع ايتها الدنيا الكريهة.. اللعنة عليك. اللعنة على الحصار. مرحباً بالموت. مرحباً بالخلاص.
هالة
أنا أشعر بالنعاس. سأنام حتى أصحو مبكرا لأذهب إلى المدرسة. وعدتنا عبير أن نحتفل بعيد ميلادها في المدرسة غدا. وستحضر لنا كل أنواع الحلويات والكيك والسندويشات. فأبوها غني وهو يقدر أن يشتري لها كل ما تريد. وهي سألت كل واحدة منّا عما تشتهي فذكرت لها ما تشتهيه. أما أنا فلم أطلب شيئاً. شعرت بالخجل من سؤالها. وقلت لها "أنا لا أريد شيء" وإن كنت في الحقيقة مشتاقة إلى " جاتو أبو العسل " الذي لم أذقه منذ أيام كثيرة. ووعدت عبير كل واحدة منا أن تحضر لها طلباتها. وقالت أيضاً إنها ستوزع علينا هدايا. لكنني سأموت قبل أن أحضر الحفلة. وستظل عبير وزميلاتي ينتظرن حضوري. كنت سأتونسّ كثيرا بحضور الحفلة. ووعدت عبير أن تحضر لنا كل أغانينا المحبوبة. وقالت إنها ستجعل من حفلة عيد ميلادها أحسن من حفلة عيد ميلاد سعاد. وكانت حفلة سعاد بسيطة ولم يكن فيها حلويات كثيرة ولا سندويجات كثيرة. لكننا تونّسنا فيها كثيراً. ورقصنا ولعبنا لعبات حلوة. وأكيد ستكون حفلة عبير أحلى من حفلة سعاد. وإني متشوقة لأن اعرف ماذا ستوزع علينا عبير من هدايا. ليتني أحضر الحفلة وأعرف ذلك.
(صمت قصير)
ماما .. ماما. أيمكن أن نؤجل موتنا إلى ما بعد حفلة عبير؟!
(صمت قصير)
(تصرخ هالة في شيء من الفزع) ماما.. لماذا لا تردين عليّ؟ (بفزع أقوى) ماما.. هل مت؟ بثينة.. هل تسمعينني؟ (صمت) هل مت أنتِ أيضاً يا بثينة؟ وأنت يا سلمى.. لماذا لا تتكلمين؟ (بفزع شديد) هل متم جميعا؟ هل متم وتركتموني وحدي؟ (تصرخ برعب) لكنني لا أريد أن أموت.. أريد أن أحضر حفلة عبير. (تزحف بشراسة نحو باب الصالة وتدق عليه بكل قوتها وهي تصرخ بفزع) لا أريد أن أموت.. لا أريد أن أموت.. لا أريد أن أموت..
(يرتفع صوت الموسيقى في نغمات مأساوية حادة في حين تهبط الستارة ببطء)
ستار الختام




تجربة مسرحية
مسرحية في فصل واحد

2003







"يرتفع الستار عن خشبة المسرح وقد رصت فيها المقاعد على الجانبين وهي امتداد لمقاعد الصالة. تمثّل خشبة المسرح ساحة حديقة عامة. وتزيّن جدران المسرح الثلاثة بصور الأشجار والأزهار.
حينما يرتفع الستار تكون المقاعد مشغولة بالحضور وهم يتحدثون مع بعضهم بعضا.
يدخل المسرح مسعود الهاني ويتجه إلى منصة قائمة في عمق المسرح فيسود الصمت".
مسعود الهاني – السلام عليكم. سأقدم لكم نفسي أيها الحضور الكرام. أنا مسعود الهاني مصمّم هذه المسرحية إذا جاز لي أن أسمّيها مسرحية. فهي في الحقيقة أقرب إلى ندوة ثقافية اجتماعية منها إلى المسرحية بقواعدها المعروفة منذ أيام أرسطو. وأحب أن أقول لكم ابتداء أنني من المؤمنين بأن المسرح ينبغي أن يكون في خدمة الشعب. ولكن مهما حاولنا نحن المسرحيين أن نتحدث بلسان الجمهور فلا يمكننا التعبير عن مشاكله وطموحاته وعواطفه تعبيراً دقيقاً. لذلك خطر لي أن أقدّم عملاً مسرحيا يعرض فيه بعض أفراد الجمهور مشاكلهم ومعاناتهم بأنفسهم وبشكل تلقائي. فمهما يكن النصّ المسرحي بارعاً فسيظل يفتقد التلقائية. (يرفع جبار العودي يده) تفضل يا زميل جبار .. تفضل.
جبار العودي – أريد أن أقول يا زميل مسعود إنه ليس جميعنا نحن المخرجين نفضل أن يتحول المسرح إلى منبر للوعظ الاجتماعي أو السياسي. وإلاّ فأين متعة الفنّ الخالص إذن؟!
مسعود الهاني – (وهو يضحك ضحكة مفتعلة) على كل حال نحن مختلفان في هذه القضية كما تعلم يا زميل جبار. ولكن اسمح لي أن أقول إنه ليس هنا مجال النقاش فيها. (ملتفتاً إلى الحضور) وكما تعلمون فقد اتصلت بعدد منكم وعرضت عليهم المشاركة في هذه المسرحية فوافقوا مشكورين. وأحب أن أقول لكم أيها الحضور الكرام أن المجال مفتوح لأي واحد منكم للاشتراك في هذه المسرحية عن طريق مداخلته. ففي أمكان أيّ منكم المداخلة في المشكلة المطروحة شريطة أن يكون النقاش حضارياً وأن يعترف بالرأي والرأي الآخر. وأطمئنكم أن في أمكان أي شخص منكم أن يعرض رأيه بمنتهى الصراحة. (يرفع أحد المشاهدين يده) تفضل.. تفضل أيها الأخ.
مشاهد – اسمح لي يا أخ مسعود أن أسأل: هل من الحكمة أن نعرض مشاكلنا بصراحة وبيننا بعض المسؤولين الكبار الذين قد لا تروق لهم صراحتنا؟
مسعود الهاني – بالعكس أيها الأخ. فقد عرضت فكرتي هذه على المسؤولين فرحبّوا بها وأذنوا لي بتنفيذها. وقد تحمّس لها سيادة مدير الأمن وطلب المشاركة في المسرحية باعتباره أحد أفراد الجمهور.
المشاهد نفسه – (في استنكار) باعتباره أحد أفراد الجمهور؟!
مدير الأمن – (يخاطب المشاهد في غلظة) بالطبع أحد أفراد الجمهور.. أم أنني لست مواطناً مثلك؟! فهل لديك اعتراض على ذلك؟!
الشاهد نفسه- (في تهيّب ) أبداً يا سيادة مدير الأمن.
مدير الأمن – (في لطف وهو يبتسم) أؤكد لكم يا إخواني أنني واحد منكم. ولي مشاكلي الحياتية أيضاً. فخذوا حريتكم في الكلام وكأنني غير موجود. ونحن المسؤولين نؤمن بحرية الرأي إيماناً كاملا.
مسعود الهاني – (وهو يضحك ضحكته المفتعلة) أرأيتم؟! نحن هنا جميعا مواطنون هدفهم عرض مشاكلهم على بعضهم بعضا. وأعتقد أن هذه التجربة ستكون ناجحة.
جبار العودي – (وهو يبتسم) أنا أشك في ذلك يا زميل مسعود.
مسعود الهاني – (وهو يضحك ضحكته المفتعلة) بل ستكون تجربة ناجحة فعلا يا زميل جبار. (وهو يدير عينيه في وجوه المشاهدين) فمن منكم يحب منكم أن يفتتح المسرحية بمشكلته؟ (يظل المشاهدون صامتين) يبدو أنه يجب أن يفتتح المسرحية شخص يتحلّى بالجرأة الأدبية. لذلك سأقوم أنا بذلك. (وهو يتنحنح) أعتقد أن البعض منكم شاهدوا مسرحياتي وأعجبوا بها. وقد اشتهرت مسرحياتي بأنها تعالج مشاكل المجتمع وخصوصا مشاكل أبناء الطبقة المسحوقة. فأنا أؤمن كما قلت بأن المسرح ينبغي أن يكون في خدمة المجتمع. وقد واجهتني مشكلتان أثناء عملي. الأولى تتعلق بالمسؤولين عن الرقابة. والثانية تخصّ جمهور المسرح.
فأما المشكلة الأولى فهي أصعب وأعقد. فكثيراً ما يعترض الرقيب على عبارات في النصّ ويطلب حذفها. فأكون مضطراً إلى ذلك مما يحدث خللاً في النصّ المسرحي. وصّدقوني أبها الأخوان.. قد لا يكون هناك أيّ مبرّر لحذف تلك العبارات. والحقيقة أن الكثيرين من زملائي الكُتّاب والصحفيين يشكون من هذه الظاهرة ومن تعسّف الرقيب..
مدير الأمن- (مقاطعاً) يا أستاذ مسعود. لابد أنك تعلم أن من يتولى المسؤولية في السلطة يحمل على كاهله عبئاً عظيماً. فهو مسؤول عن المحافظة على سلامة وأمن النظام والمجتمع من أي أخطار تتهدده من ذوي الأهداف المشبوهة. فلا تلم الرقيب على إخلاصه لوظيفته.
مسعود الهاني – ولكن ليس كل من يقدّم أفكاراً تختلف عن أفكار السلطة يهدف إلى الإساءة إلى النظام أو العبث بأمن الدولة يا سيادة مدير الأمن.
مدير الأمن – أنت لست أدرى يا أستاذ مسعود من المسؤولين بواجباتهم.
مشاهد- فماذا إذن عن حرية الرأي التي تتبناها الدولة؟
مدير الأمن – (إلى المشاهد بغلظة) ليس معنى حرية الرأي حرية التخريب. افهموا ذلك.
مسعود الهاني – (وهو يضحك ضحكته المفتعلة) لنكتف إذن بالنقاش حول هذه القضية. واسمحوا لي أن أعرض عليكم مشكلتي الثانية وهي تخصّ جمهور المسرح. فهم لا يكترثون بالمسرحيات الجادة ويولعون بالمسرحيات الهابطة التي تدغدغ غرائزهم الفجّة وتثير ضحكهم. وبمعنى آخر إن جمهور المسرح يعرض عن المسرحيات التي تقدم له غذاء روحيّا وثقافيا ويقبل على المسرحيات التافهة التي لا هدف لها. وطبعا هذا يثبّط همتنا نحن المخرجين الجادين إضافة إلى ما يكبّدنا من خسائر مادية.
مشاهد- كيف تلوم المشاهدين يا أستاذ مسعود على إقبالهم على المسرحيات الخفيفة التي تسلّيهم وتبدد عنهم شيئاً من همومهم ومعاناتهم اليومية؟ ألا تعتقد أنهم في حاجة فعلاً إلى التسرية عنهم في حياتهم الصعبة؟
مسعود الهاني – وكيف سيتوفر لهم إذن رصيد جيد من الثقافة إذا رفضوا مصادرها؟
المشاهد نفسه – هناك مصادر أخرى للثقافة غير المسرح يا أستاذ مسعود.
جبار العودي – أنا أؤيد الأخ وأعتقد أن مهمة المسرح الأولى هي إمتاع المشاهدين لا إلقاء المحاضرات عليهم.
مدير الأمن- بالتأكيد00باتأكيد0 ما لهم ودوخة الرأس؟
مسعود الهاني – (وهو يضحك ضحكته المفتعلة) على كل حال لنكتف بهذا القدر من النقاش حول هذه القضية. ولنعط الفرصة لمتحدث أخر. وأرجو من الأخوة أن يوجزوا في عرض مشاكلهم وكذلك في مداخلاتهم ليتسّع المجال لمشاركة أكبر عدد ممكن من المتحدثين. والآن من يحب أن يعرض مشكلته؟ (يرفع منير السالم يده).. تفضل أيها الأخ. وأرجو أن تقدّم نفسك للحضور. (يتراجع مسعود الهاني إلى مقعد بجوار المنصة).
منير السالم – (يغادر مقعده في الصالة ويصعد إلى المنصة) أنا منير السالم موظف في مصلحة البلديات. ومشكلتي هي مع رئيسي الذي يرفض الموافقة على ترقيتي التي أستحقها منذ شهور، مع أنني موظف نشيط ودؤوب وملتزم بالدوام وبأداء واجباتي. ولا أدري ماذا أفعل للحصول على حقي.
مشاهد – إذا كنت كما تذكر يا أخ.. فلماذا يرفض رئيسك الموافقة على ترقيتك؟!
منير السالم – لأن ضميري لا يسمح لي بقبول الرشوة لتمشية المعاملات غير القانونية. وعليكم أن تفهموا الباقي.
المشاهد نفسه – فأنت إذن مثال الموظف النزيه بارك الله فيك.
مشاهد – وما فائدة النزاهة في هذه الأيام يا أخ؟ إنها لا تؤكل خبزاً وهي تجيء على حساب متطلبات عائلة الشخص (مخاطباً منير) والأفضل لك يا أخ منير أن تتساهل وتطبق المثل القائل " نفيد ونستفيد".
مشاهد – أي والله صدقت يا أخانا. وليت موظفو البلديات يرحموننا ويقدّرون ظروفنا نحن أصحاب عربات البضائع فيستفيدون ونستفيد. لكنهم يحاربوننا في رزقنا ولا يسمحون لنا بالتواجد في اماكن كثيرة قائلين بأننا نخالف التعليمات. مع أننا نستأهل عطفهم فظروفنا صعبة جداً. وفي الأيام التي لا نبيع فيها شيئا نبيت بلا عشاء.
مشاهد – ما هذا الكلام العجيب يا إخوان؟! أين ذهبت المُثُل إذن؟ لو سمح كل موظف لنفسه أن يرتشي بحجة حاجته للمال لخرب المجتمع. الرشوة يا إخوان هي أخطر جريمة يرتكبها المواطن بحق الوطنلأنها أساس الفساد0
مشاهد – اسمحوا لي يا إخوان أن أصحح ما قاله لكم السيد منير فأنا زميله في العمل. وأؤكد لكم أن كل ما ذكره هو كلام باطل لا أساس له من الصحة. فهو مثال الإهمال في عمله وأوراق المراجعين مكدسة على مكتبه وهم يشكونه دائما إلى الرئيس.
منير السالم ) –مخاطبا المشاهد المعني) أنت تعلم أن سبب تراكم أوراق المراجعين على مكتبي هو مخالفتها للتعليمات والقوانين المرعية وأنا لا أقبل الرشاوي مثلك.
المشاهد نفسه – والله إنك لكاذب. وأنت تفتري عليّ وعلى الرئيس. والرئيس معروف لدى الجميع بالنزاهة الكاملة.
منير السالم - بل أنت الكاذب. وأسباب كذبك معروفة لجميع الزملاء. فأنت تحاول الدفاع عن الرئيس وعن سلوكه الديكتاتوري . وقد اتخذك جاسوساً علينا. وأنا في الحقيقة لم أتحدث عن مساوئه كلها وعن تعامله البيروقراطي مع موظفيه ومع المراجعين الذين يضجون بالشكوى منه.
مدير الأمن – اسمع يا سيد منير. لا يليق بالموظف المحترم أن يتحدث عن رئيسه على هذا النحو وأن ينتقد سلوكه هكذا ولا أن يوجه إليه مثل هذه التهم بالحق أو بالباطل. فهو قبل كل شيء وبعد كل شيء رئيسك0
مسعود الهاني – لنكتف أيها الأخوان بهذا القدر من النقاش حول هذه القضية (وهو يدير عينيه في الجمهور) من يحب أن يعرض مشكلته؟! (ترفع سليمة الهادي يدها).. تفضلي. تفضلي أيتها الأخت.
سليمة الهادي – (تغادر مقعدها على المسرح وترتقي المنصة) أنا سليمة الهادي زوجة رؤوف الصالح. وأقول لكم إن الانسجام بيننا مفقود. وإن حياتنا معاً لم تعد تطاق. لكنني أصارحكم أيضاً أننا نكتم وضعنا هذا عن أصدقائنا ومعارفنا وهم يعتقدون أننا زوجين سعيدين.
رؤوف الصالح – ( من على خشبة المسرح ) وهل تريديننا إذن أن ننشر غسيلنا القذر على الناس؟!
سليمة الهادي – أنا لا أقول ذلك. ولكن أنت تعلم كم يكلفنا كتمان هذه الحقيقة من معاناة. ولو تحدثنا عن مشاكلنا لأصدقائنا لساعدونا في حلّها.
رؤوف الصالح – ليس هناك بيوت خالية من المشاكل ولا تحدث فيها مشاحنات. وكل ما في الأمر أن الناس يحصرونها داخل بيوتهم ولا ينشرون غسيلهم القذر على الآخرين. ثم من قال لك إن هناك مشكلة حقيقية بيننا؟
سليمة الهادي – فلماذا إذن هذه المشاحنات المستمرة بيننا؟
رؤوف الصالح - خيالك هو الذي يصور لك مثل هذه المشاكل.
سليمة الهادي – إذن فهل خيالي هو الذي يصوّر لي بأنك لا تسهم معي في أعمال البيت وترمي الأعباء كلّها عليّ؟
رؤوف الصالح – ومن قال لك إن الرجل مسؤول عن أعمال البيت؟ أليس المعروف في بلدان الدنيا كلها أن المرأة هي المسؤولة عن أعمال البيت؟! ثم ألا يكفيني ما ألقاه من تعب في عملي المرهق طول النهار؟
سليمة الهادي – وأنا؟! ألست أعمل مثلك خارج البيت؟ ألا أعود إلى البيت مرهقة أنا أيضاً؟! ومع ذلك فعليّ أن أهيئ لك مائدة الطعام كاملة حتى السلطة ثم أغسل الأطباق .
رؤوف الصالح – هذا واجبك .
مشاهدة – هكذا هم الرجال يتصورون أنهم السادة وأننا إماء عندهم وأن من واجبنا أن نخدمهم ونحن الممنونات.
مشاهد – وما العجب في ذلك يا أخت؟ أليس الرجل هو ربّ العائلة؟!
المشاهدة نفسها – ونحن أيضا ربّات العائلة.
سليمة الهادي – (افي سخرية) على كل حال لا عجب في ذلك فأنتم فعلا أسيادنا .
رؤوف الصالح – لا تضطريني يا سليمة إلى نشر غسيلنا القذر على الناس. ولا تدفعيني إلى الحديث عن إهمالك لشؤون البيت والأطفال متحججة بانشغالك بعملك الوظيفي الذي لا ضرورة له.
سليمة الهادي- ( في سخرية ) وهكذا أكون تحت سيطرتك المطلقة وأمد لك يدي دائما . . أتنكر أن كل شيء في البيت ينبغي أن يتمّ بموافقتك وتوجيهاتك وإنني لا أستطيع التصرف بحرية حتى براتبي ؟
رؤوف الصالح – لماذا لا تكونين صادقة وتخبري الحضور الكرام بأنك أنت التي تريد أن تستبد بشؤون البيت كلها ولا تقبل نصحاً من أحد؟
مشاهدة – طبعاً .. أليست المرأة سيدة البيت؟!
سليمة الهادي – ( باستنكار)أنا التي تستبد بشؤون البيت ؟ أنا التي لا تستطيع أن تنفق فلسا واحدا ما لم تحصل على موافقتك ً؟ (توجه حديثها للجمهور) تصوروا أنني كلما أردت شراء حاجة للبيت أو لي فلابد من حدوث مشادة بيننا.
المشاهدة نفسها – هذا هو طبع كل الأزواج يا أخت سليمة . فهم يقترون علينا ولا يهون عليهم أن نصرف فلساً واحداً.
رؤوف الصالح – (موجها حديثه إلى الجمهور) إنها تتهمني بذلك يا إخوان لأنها أشد النساء إسرافاً. وهي تبدّد راتبها على شراء الملابس غير الضرورية والتي تتكدس في خزاناتها، وعلى الحلي التي لا لزوم لها. وهي تشتري أشياء للبيت لا ضرورة لها مطلقا. وتسرف في تقديم الهدايا للأهل والأصدقاء بدون تعقل. وإذا نصحتها بالاقتصاد في مصاريفها غير الضرورية اتهمتني بالبخل. إنها في الحقيقة مثال الإسراف.
مشاهدة – أنت تكذب، فابنتي ليست مسرفة. أنت الذي تستولي على كل راتبها وتقتّر على البيت دائما. أنت أحلت حياة ابنتي إلى جحيم.
مشاهدة – ابنتك هي التي أحالت حياة ابني إلى جحيم يا ام سليمة .
مشاهد – والله إن تدخلكن في حياة أبنائكن هو الذي يحيلها إلى جحيم يا أم سليمة.
مدير الأمن – يا ست سليمة. عليك أن تتذكري دائماً أن الرجال قوامون على النساء وأن الله قد أمر الزوجة بطاعة زوجها.
مسعود الهاني – اعتقد أيها السيدات والسادة أننا

استنفدنا وقتاً كافيا في نقاش هذه القضية. وينبغي لنا أن نعطي الفرصة لمتحدث آخر. فمن منكم يحب التحدث عن مشكلته؟! (يرفع علوان العباس يده).. تفضل يا حاج علوان.
علوان العباس – (يغادر مقعده في الصالة ويصعد إلى المنصة) أنا الحاج علوان العباس وعملي تاجر.
مشاهد – (في سخرية) وهل لدى التجار مشاكل في حياتهم أيضاً؟ إنهم يعيشون في نعيم دائم وعليهم ان يحمدوا الله.
مشاهد- ومن قال لك يا أخ أن التجار جميعا يعيشون في نعيم؟ فالكثيرون منهم قلقون دائما مما قد يلحق بهم من خسارة.
مسعود الهاني – (وهو يضحك ضحكته المفتعلة) صحيح يا حاج علوان.. ما هي مشكلتك؟
علوان العباس – مشكلتي ليست مشكلة شخصية بل مشكلة التجار جميعا. والمشكلة تتعلق بنظرة الناس إلينا.
مسعود الهاني –وما المشكلة في نظرة الناس إليكم يا حاج علوان؟
علوان العباس – إنهم يتهموننا بأننا نبتزهم وأن جشعنا لا حدود له وأننا لا نبالي بالفقراء وذوي الدخل المحدود.
مشاهد – أليس الأمر كذلك فعلا يا حاج علوان؟ فأنتم ترفعون أسعار البضائع بأي ذريعة كانت. وهكذا يكتوي بنارها الفقراء وذوي الدخل المحدود. ولم نسمع بتاجر يوما حدّ من جشعه ومن رغبته في الربح.
مشاهد – لا .. لا يا أخ. أنت تظلمنا فنحن لسنا كذلك. واعلم أننا لسنا مسؤولين عن ارتفاع الأسعار فهي مرتفعة من المنشأ أو بسبب ضرائب الدولة.
علوان العباس – هذه هي حقيقة الأمر يا إخوان كما ذكرها الحاج أحمد.
مشاهد – فهل تنكر يا حاج علوان أن التجار يحبون المال أكثر من غيرهم؟!
علوان العباس – أبدأ يا أخ. فنظرتنا إلى المال هي نفس نظرة بقية الناس. دلّني على إنسان لا يحب المال أو يزهد فيه. فحبّ المال والكسب ليس عيباً خاصاً بنا نحن التجار. وقد قال الله في كتابه الحكيم "المال والبنون زينة الحياة الدنيا"
المشاهد نفسه – ولكن هناك أناس لا يتهالكون مثلكم على المال يا حاج علوان.
علوان العباس – بالقول لا بالعمل يا أخ. فلو أتيحت الفرصة لأمثال هؤلاء الناس لتهالكوا عليه أيضاً.
مشاهد – معنى هذا أنك يا حاج علوان لا تمانع أبداً في رفع أسعار بضائعك مادمت بمنأى عن الحساب.
علوان العباس – أكون كاذباً لو قلت غير ذلك. فهذه هي طبيعة الإنسان. فلا تلوموننا على ذلك يا إخوان وأحسنوا الظن فينا.
مشاهد – وماذا عنّا نحن الفقراء؟ ألا يفكر أحد فينا؟! ألسنا بشراً مثلكم؟! أليست لنا رغبات واحتياجات؟ فهل كتب الله علينا أن نعيش في كفاف دائم؟ ألا يحق لنا أن نحلم بالحياة الرضيّة؟
مدير الأمن – (في غلظة) هل هذه المسرحية فرصة لتحريض الفقراء ضد الأغنياء وإثارة البلبلة والشغب في المجتمع؟ كفى نقاشاً في هذا الموضوع. انتم بدأتم تلوّصون .
علوان العباس – (وهو يبتسم) على كل حال يا إخوان لكل ما قسم الله له من رزق. ولا علاقة للتجار بما يعانيه الفقراء من شظف العيش.
مشاهد – يا إخوان.. الحق مع الحاج علوان. فليس التجار هم الملامون بل قوانين الدولة هي الملامة. فهي تتيح لهم فرص الكسب بلا رقابة وحساب.
مدير الأمن – (في غلظة) ما هذا اللواص ؟ ما العيب في قوانين دولتنا؟! إنها أحسن قوانين في العالم. وهي توفر للمواطنين استثمار ذكائهم وشطارتهم لكسب رزقهم الحلال.
مسعود الهاني – (وهو يضحك ضحكته المفتعلة) اعتقد أنه آن الأوان للاكتفاء بما سمعناه من نقاش حول هذه القضية يا إخوان. (وهو يدير عينيه في الحضور) فهل من راغب آخر في التحدث عن مشكلته؟ (يرفع زاهد محمد يده).. تفضل أيها الأخ .. تفضل.
زاهد محمد – (يغادر مقعده على المسرح ويرتقي المنصة) أنا زاهد محمد.. طالب في السنة النهائية من المدرسة الثانوية. ومشكلتي هي مشكلة الشباب جميعا ممن هم في سنّي. والمسؤول عنها هم الآباء. فهم يتدخلون في صميم حياتنا الشخصية ويحرّمون علينا ممارسة كل رغباتنا بحجة الانصراف إلى الدراسة.
مشاهد – وأين الخطأ في ذلك يا بُنيّ؟! أليس المفروض ألاّ تشغلوا بالكم بغير الدراسة لكي تضمنوا مستقبلكم؟
زاهد محمد – الخطأ في ذلك واضح يا عم. فمعنى ذلك أننا نتحول إلى آلات شأننا شأن الكومبيوتر. ونحن بشر من لحم ودم ولنا عواطفنا ورغباتنا خارج نطاق الدراسة.
مشاهد – هكذا هم الآباء جميعا لا يحسنون سوى هذه النغمة. ومن أجل ذلك يحرّمون علينا كل شيء.
المشاهد السابق – وما الذي نحرّمه عليكم؟
زاهد محمد – تحرمون علينا ممارسة كل هواياتنا وتتدخلون في اختيار الملابس التي تلائم ذوقنا بل وتمنعوننا حتى من حلق رؤوسنا بالطريقة التي تعجبنا.
مشاهد – هذا ما يفعله أبي معي بالضبط.
المشاهد السابق – (في سخرية) الحق معكم فنحن مقصرون تجاهكم. ويجب أن نتيح لكم كل ما تمليه عليكم رغباتكم. علينا أن نسمح لكم بالتدخين وشرب الكحول وحتى بتناول المخدرات. أفلا يتمتع شباب الغرب بهذه الحريات . . فكيف نحجبها عنكم ؟
زاهد محمد – لا يا عمّ. نحن لا نطالب بذلك. نحن نطالبكم بالسماح لنا بممارسة هواياتنا المعقولة. فأبي مثلاً يرفض السماح لي بالاستماع إلى الموسيقى والأغاني الغربية مدّعياً أنها تضيّع وقتي.
المشاهد نفسه – وهل تسمي هذه هواية معقولة يا بني؟ هل تسمي الاستماع إلى صخب الموسيقى الشبيه بصخب سوق الصفافير وصراخ المغنين الشبيه بصراخ المجانين هواية معقولة ؟ ما العيب في غنائنا العربي وموسيقانا العربية؟
زاهد محمد – على كل حال انتم الآباء لا تراعون رغباتنا ومشاعرنا وهذا يجعل حياتنا مرّة كالعلقم. وأنا أصارحكم بأننا نعدّ الأيام بل الساعات للتخلص من عبوديتكم.
مدير الأمن – (بشدة) ما هذا اللواص ؟ بدلاً من أن تتفلسفوا عليكم أن تهتموا بدروسكم وتضمنوا مستقبلكم. ويجب عليكم ألاّ تشغلوا أنفسكم بأي أمور أخرى غير الدراسة. وابتعدوا عن السياسة على نحو الخصوص التي يزجكم فيها المخربون. فالسياسة ليست لعبة بأيدي الزعاطيط وهي مفسدة لكم.
مسعود الهاني – أظن أن هذه المشكلة قد تمّ استيعابها. وعلينا الآن أن ننتقل إلى مشكلة أخرى. (وهو يدير عينيه في وجوه الحاضرين) من منكم يحب أن يعرض مشكلته؟ (يرفع شمخي العلي يده).. تفضل أيها الأخ.. تفضل.
مدير الأمن – (ينظر إلى شمخي في غضب) مالك وهذا اللواص يا شمخي؟ إجلس.. إجلس ولا تلوّص.
مسعود الهاني – (وهو يضحك ضحكته المفتعلة) أرجوك يا سيادة مدير الأمن أن تفسح له المجال ليعرض مشكلته.
مدير الأمن - (في غضب) ومن قال لك إن لديه مشكلة ؟! أفراد القوات المسلحة ليس لديهم مشاكل أصلاً وكل ما عليهم هو طاعة أوامر رؤسائهم.
مسعود الهاني – (وهو ينظر إلى شمخي) تفضل أيها الأخ شمخي.. تفضل.
شمخي العلي – (يغادر مقعده على المسرح ويرتقي المنصة) أنا شرطي الأمن شمخي العلي. طبعاً سيادة مدير الأمن محق في قوله بأننا أفراد القوات المسلحة ليس لدينا مشاكل وليس لنا إلا أن نطيع الأوامر. ولكن فليسمح لي سيادة مدير الأمن..
مدير الأمن – (مقاطعا بخشونة) لا أسمح لك.. اجلس ولا تشترك في هذا اللواص.
مسعود الهاني – استمر .. استمر يا أخ شمخي.
شمخي العلي – على كل حال ليس عندي مشكلة حقيقية يا إخوان. وكل ما هنالك أنني أردت أن أقول لكم إننا أفراد الشرطة أناس طيبون مثلكم ولسنا قساة كما تتصورون. وقلوبنا رحيمة مثل قلوبكم.
مشاهد- (بسخرية) فكيف إذن تسمح لكم قلوبكم الطيبة الرحيمة بأن تضربوا مواطنيكم بقسوة أثناء المظاهرات بل وأحيانا تطلقون عليهم النار؟
مدير الأمن – (في غضب) يا أستاذ مسعود. عليك أن تمنع مثل هذا اللواص الذي يمسّ هيبة السلطة.
مسعود الهاني – (في حرج) لكننا وعدنا الحضور يا سيادة مدير الأمن بأن يدلي كل واحد منهم بمداخلته بحرية تامة. ثم أن هذا الكلام لا علاقة له بهيبة السلطة.
مدير الأمن – (بلهجته الغاضبة) كيف لا علاقة له بهيبة السلطة؟ (ملتفتا إلى الحضور في غضب) على كل واحد منكم أن يراقب ما يقول ولا يلوّص. وقد أعذر من أنذر.
مسعود الهاني – استمر يا أخ شمخي .. استمر.
شمخي العلي – انتم تظلموننا يا إخواني. ونحن أبرياء من كل ذنب. فنحن حينما نضرب المواطنين في المظاهرات أو حتى نقتلهم فلأننا نتلقى الأوامر من رؤسانا الكبار. ونحن موظفون مأمورون. وحينما تصدر إلينا الأوامر فيجب علينا طاعتها وتنفيذها وإلا تعرضنا لعقوبات تقصم ظهورنا. وأترجّاكم أن تعلموا أننا حينما ننفذ تلك الأوامر يعصر الألم قلوبنا لأننا نعلم أنكم تدافعون عن حقوق المواطنين جميعاً وما نحن سوى مواطنين مثلكم.
مدير الأمن – (بغضب) لا تلوّص يا شمخي واضبط لسانك.
شمخي العلي - العفو يا سيادة المدير. أنا لا أقصد انتقاد الحكومة. فالحكومة على العين والرأس وكل ما أريد قوله للإخوان الكرام أننا أفراد الشرطة مظلومون. ونحن ننفذ أوامر رؤسائنا. فلماذا يوجه اللوم إلينا؟ ثم أننا مساكين نضحي بأرواحنا أحياناً بسبب المهام التي نكلف بها. وكل حياتنا خطر في خطر. ألم يقتل بعضنا أثناء المظاهرات؟ ألم يقتل بعضنا حينما يكلفون بمهمة القبض على المجرمين؟ فما ذنبنا؟ ألسنا بشرا نخاف على حياتنا كسائر البشر؟! أليس لدينا عوائل مسؤولين عن إطعامها؟ ومع ذلك لا تدفع لنا الحكومة رواتب مجزية. فرواتبنا كما تعلمون يا إخوان شحيحة وهي لا تكاد تسدّ مطالب عوائلنا. وكلكم تعلمون أننا من الطبقة المسحوقة. نحن مساكين يا إخوان وحرام عليكم أن تظلمونا.
مشاهد – أنت على حق في كل ما قلت يا أخ شمخي. والذي ينبغي أن يلام هم رؤساؤكم الكبار الذين يصدرون إليكم مثل تلك الأوامر الجائرة.
مدير الأمن- (يقف ويخاطب مسعود في غضب) لا.. لا. الأمور خرجت عما هو مرسوم لها يا أستاذ مسعود. ويظهر أن بعض الناس لا يعرفون حدودهم ولا يضبطون ألسنتهم. ولديّ أمر رسمي بفضّ هذا الاجتماع إذا تجاوزت الأمور حدودها المرسومة وأخذ الناس يلّوصون. انتهت هذه المسرحية البائخة يا أستاذ مسعود. (يوجه كلامه إلى الحضور وهو يؤشر بيديه) هيّا انصرفوا.. انصرفوا. انتهت هذه المسرحية السخيفة. (يهتف) عباس.. خريبط.. محيسن.. أخرجوا الحضور من هذا المكان.
(ينهض من بين الجمهور أشخاص يرتدون الزيّ المدني ويبدؤون بدفع الناس بغلظة وهم يهتفون " هيّا.. هيّا". فيخرج الحاضرون في عجلة من الصالة والمسرح).

- ستار الختام -







#شاكر_خصباك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امرأة ضائعة
- صراع -مجموعة قصصية-
- بيت الزوجية -مسرحية-
- ذكريات ادبية
- القهقهة ومسرحيات اخرى
- الطائر
- كتابات مبكرة
- مسرحية -الغرباء-
- عالم مليكة
- البهلوان ومسرحيات اخرى
- هيلة
- مسرحية-القضية-
- اوراق رئيس
- مسرحية -الدكتاتور-
- الهوية
- الاصدقاء الثلاثة
- عهد جديد....مجموعة قصصية
- السؤال؟!!
- الشيء مسرحية من ثلاث فصول
- تساؤلات وخواطر فلسفية


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاكر خصباك - الرجل الذى فقد النطق