|
قبل فرض أي رقابة حوارية ، ما هو اليسار أولاً ؟
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2461 - 2008 / 11 / 10 - 02:15
المحور:
اراء في عمل وتوجهات مؤسسة الحوار المتمدن
فتح موقع الحوار المتمدن باب تقييمه علانية ، و هذه بالتأكيد خطوة عظيمة ، ليست فقط في مضمونها ، و لكن أيضا بسبب إنه الموقع الوحيد ، بين المواقع السياسية و الإخبارية الناطقة بالعربية - و ذلك حسب علمي - الذي أقدم على خطوة شجاعة و هامة كهذه . الحوار المتمدن بلا شك لم يفتح هذا الباب من أجل سماع عبارات الإطراء - و التي يستحقها عن جدارة - و إنما من أجل تقييم الماضي ، للإستفادة به في المستقبل . كلنا ككتاب بالحوار المتمدن ممتنين لصاحب ، أو أصحاب ، الفكرة ، و لكل من أسهم في إنزالها لأرض الواقع ، و لكل من قام و يقوم بإدارته و الحفاظ على دولاب العمل دائرا ، فالكثير منا يفتقر لنافذة واسعة تصل برأيه لأكبر عدد من القراء ، و قليلة هي المواقع الجريئة التي بنفس جماهيرية الحوار المتمدن ، و أكثر قلة هي المواقع التي نجت من إختراقات أجهزة الإستخبارات . الحوار المتمدن ليس لنا ككتاب فقط قناة لطرح أفكارنا ، إنه أيضا قناة إستقبال ، قناة للتواصل و المعرفة ، فكل كاتب هو أيضا قارئ ، و أعتقد أن الصفتين متلازمتين في موقع الحوار المتمدن بأكثر مما هي في أي موقع أخر ، فالباقة اليومية متنوعة و كبيرة ، تصل دائما لأكثر من سبعين مقال في القسم السياسي - الثقافي ، بالإضافة لمركز الأخبار و القسم الأدبي . و لكن كما قلت فإن إدارة الموقع لم تفتح باب التقييم لسماع الجانب الإيجابي فقط ، و إن كان هام للحفاظ عليه و تنميته ، و إنما في الاساس لسماع النقد السلبي . الحوار المتمدن ، و كما أرى ، يحتاج لأن يوسع من طيفه السياسي و الثقافي و الإجتماعي ، فلا ينحصر فقط في لون واحد . الموقع - كما هو واضح - هو معبر عن اليسار ، و لكن ما هو اليسار أساسا ، إذا أطررنا لإستخدام التعريفات ؟ هل يسار اليوم هو يسار الأمس ، إذا إستخدمنا التقييم الزمني ؟ هل يسار اليوم في أوروبا هو ذاته يسار أمريكا اللاتينية أو اليسار في الولايات المتحدة أو الهند أو جنوب أفريقيا ، إذا إستخدمنا التقييم المكاني مع توحيد العامل الزمني ؟ هل اليسار اليوم في فرنسا ذا لون واحد ، إذا وحدنا عامل الزمن و عامل البيئة لأقصى حد بحصر المقارنة في بلد واحد ذا شعب متجانس لحد كبير ؟ شخصيا لا أؤمن أبدا بالخطوط القاطعة الحادة في ميداني السياسة و الإجتماع ، لأن هذه هي الحياة ، فلا يوجد شيء إنساني نقي تماما و منفصل تماما أيضا عن التأثر بالآخرين و التأثير فيهم في نفس الوقت . السياسة و الإجتماع علمين إنسانيين ، و أي مطلع على علم السياسة يعرف أن علم النظريات السياسة هو أحد أكثر العلوم الإنسانية التي حدث فيها عمليات دمج بين عناصر مختلفة ؟ النظريات السياسية ليست إلا سبائك ، و لا توجد فيها معادن نقية . و إذا كان الدمج بين عناصر مختلفة لتكوين نظرية سياسية هو الحقيقة الأولى ، فإن الحقيقة الثانية هي أن المدارس السياسية غالبا ما تتحرك عن مواقعها ، فيتم تبادل الأماكن في أحيانا كثيرة ، و على سبيل المثال : من يعرف سيرة تشرشل - حسبما كتبها هنري بللينج - سيعرف تنقل تشرشل من حزب المحافظين إلى حزب الأحرار ، ثم عودته ثانية لحزب المحافظين ، بسبب إنه كان يؤمن ببعض العناصر في سياسة المحافظين و في ذات الوقت يؤمن بحرية التجارة ، و تلك الحرية هي أحد الأسس التي قام عليها حزب الأحرار البريطاني ، ممثل التيار الليبرالي . فهل اليوم حزب المحافظين في بريطانيا لازال يتبنى سياسة تقييد حرية التجارة ؟ أليس حزب المحافظين البريطاني اليوم هو المدافع الأول عن حرية التجارة في بريطانيا ؟ و هو موقف يدل على تغيير إتجاهه بمقدار مائة و ثمانين درجة . حزب العمال في بريطانيا ، أو الحزب الإشتراكي الفرنسي ، أو الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة ، أو حزب المؤتمر في الهند ، أو حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا ، أو الحزب الحاكم حاليا في أسبانيا ، أو الحزب الديمقراطي الإشتراكي في ألمانيا ، هل يفكر أيا منهم في تأميم المشروعات الإنتاجية القائمة ؟؟؟ ألم تنبذ معظم الأحزاب اليسارية القائمة حول العالم ، بما فيها الحزب الحاكم في قبرص حاليا سياسة التأميم ، و هي سياسة كانت فيما مضى أحد معالم اليسار ؟؟؟ اليسار اليوم يمكن تلخيصه بأنه الإحساس بالواجب تجاه المستضعفين و المهمشين ، و ترجمة هذا الإحساس النبيل إلى خطوات عملية عندما تتاح فرصة الوصول لموقع تنفيذي . لقد أصبح اليسار أقرب للتيار الليبرالي ، و ربما أكبر دليل على ذلك التقارب بين الليبرالية و اليسار ، الإندماج الذي تم بين حزب الأحرار في بريطانيا و مجموعة منشقة عن حزب العمال البريطاني ، و أدت لولادة حزب الديمقراطيين الأحرار ، الذي أصبح المعبر عن تيار الحرية الإقتصادية مع النزعة الإنسانية ، و هو تيار يتقارب جدا مع ما عرف بحزب العمال البريطاني الجديد في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي و بدايات هذا القرن . الخطوط ليست حادة فاصلة ، و السياسة من قديم الأزل مزج بين الألوان . موقع الحوار المتمدن يحتاج أيضا أن يكون معبر عن كل التنظيمات السياسية ذات الحس الإنساني ، المناصرة للمستضعفين ، و لو كانت مؤيدة لحرية التجارة و العمل ، و نصيرة لرفع الحدود السياسية بين البشر ، و ترفض معاداة الدين ، بل تراه طريق للتحرر من الفقر و الإستبداد و الخرافة ، دون أن تلجأ لفرض أي وجهة نظر دينية أو روحية على أحد ، مثل حزب كل مصر . لا نريد رقابة حوارية متمدنة تقرر هل هذا يسار أم يمين ، فتقبل مقال و ترفض أخر بناء على هذه السياسة . نريد أن يبقى الحوار المتمدن لنا ، ككتاب و قراء ، مائدة مستديرة بلا رئيس يمسك بالمطرقة ليمنح هذا حق الكلام و يقطع حديث أخر . و لكن برغم هذا النقد يبقى أن أقول بأن تقييم الموقع بشكله الحالي يصل لأكثر من ثمانية من عشرة ، إذا إستخدمت نفس طريقة تقييم المقالات المنشورة . و لتبق لنا يا حوار يا متمدن ، و لتكن في الطليعة دائما .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أوباما المصري قبطي أو نوبي ، و أوباما الخليجي من أصل أفريقي
-
نموذجنا هو ثورة التأسيس 1805 ، لا ثورة التأكيد 1919 ، لأن مص
...
-
خروج الشعب للثورة هو إستفتاء يمنح الشرعية للثورة ، و يسبغ ال
...
-
السطو السعودي على التسامح الأندلسي ، و سكوتنا المخزي
-
إنها حرب ثقافية بين نجد و النيل ، و المواجهة لابد منها
-
روسيا بوتين ليست نصيرة الفقراء و المضطهدين و التائقين للحرية
-
مصارف أمريكا أفرطت ، و مصارف مصر تمتنع و تحابي
-
مصارف الخارج أفرطت في أداء وظيفتها ، و مصارف مصر تمتنع و تحا
...
-
إلى الإتحاد الأوروبي : أقطع المفاوضات ، و أبدأ في العقوبات
-
ليكن النضال شاق و طويل ، و لكن بنيان الجمهورية الثانية قوي و
...
-
ضرورة إتفاقية دولية لحماية زوار كل الأماكن المقدسة
-
المستقبل للتقدمية ، أي الرأسمالية الضميرية ، أو الطريق الثال
...
-
القضية الأندلسية يا سادة يا أوصياء لها أصحاب
-
في قضية الجلف الكبير ، الكذب على العالم ضحى
-
في قضية هضبة الجلف الكبير ، الكذب على العالم ضحى
-
لن أغير رأيي بسبب شهرين
-
علم الوراثة الجينية يثبت أن العرب و بني إسرائيل من أصل واحد
-
إمتدادات الإخوان المسلمين الخارجية تمنعهم من قيادة التغيير ا
...
-
دلالات طلبهم منا الإنتظار ، السلطة خائفة
-
يكفيك ما قمت به يا شيخ قرضاوي
المزيد.....
-
مطاردة بسرعات عالية ورضيع بالسيارة.. شاهد مصير المشتبه به وك
...
-
السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة اختارت الحرب ووضع
...
-
الشرطة الأسترالية تعتقل 7 مراهقين متطرفين على صلة بطعن أسقف
...
-
انتقادات لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريحات -مع
...
-
انهيار سقف مدرسة جزائرية يخلف 6 ضحايا وتساؤلات حول الأسباب
-
محملا بـ 60 كغ من الشاورما.. الرئيس الألماني يزور تركيا
-
هل أججت نعمت شفيق رئيسة جامعة كولومبيا مظاهرات الجامعات في أ
...
-
مصدر في حماس: السنوار ليس معزولًا في الأنفاق ويمارس عمله كقا
...
-
الكشف عن تطوير سلاح جديد.. تعاون ألماني بريطاني في مجالي الأ
...
-
ماذا وراء الاحتجاجات الطلابية ضد حرب غزة في جامعات أمريكية؟
...
المزيد.....
-
الفساد السياسي والأداء الإداري : دراسة في جدلية العلاقة
/ سالم سليمان
-
تحليل عددى عن الحوار المتمدن في عامه الثاني
/ عصام البغدادي
المزيد.....
|