أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - لأني إذا مِتُّ أخجلُ من دمعِ أمي














المزيد.....

لأني إذا مِتُّ أخجلُ من دمعِ أمي


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2374 - 2008 / 8 / 15 - 05:12
المحور: الادب والفن
    


لو كان محمود درويش يدركُ كمْ قلبا عربيا، من مثقفين وشعراء وقراء ومناضلين وقوميين، يتعلّق بقلبه الآن، وهو راقد بمستشفاه ميموريال هيرمان في هيوستن بولاية تكساس بالجنوب الأمريكي بين يدي أطبائه.. ما مات.

لو كان يدري كم روحا تتوجه للسماء تصلي من أجله وتدعوه للعودة، فارسا للشعر النبيل، لهزم الموت مثلما هزمه من قبل في أواخر التسعينيات في عملية قلب مفتوح مشابهة لما يمرُّ بها الآن، فكتب جداريته العظيمة بعدما أخفق الموتُ في إخماد خفق قلبه فقال: «هزمتُك يا موتُ/ الفنونُ الجميلة جميعُها هزمتك/ سوف أكون ما سأصيرُ في الفلك الأخيرِ/ وكلُّ شيء أبيضُ/ البحرُ المعلَّق فوق سقف ِغمامةٍ بيضاء/ واللاشيءُ أبيضُ في سماء المُطلق البيضاء/ كُنتُ/ ولم أكُن/ فأنا وحيدٌ في نواحي هذه الأبدية البيضاء/ جئتُ قُبيل ميعادي/ فلم يظهرْ ملاكٌ واحدٌ ليقولَ لي:/ «ماذا فعلتَ ـ هناك/ في الدنيا؟».

لكنه يعرف! وماتَ رغم هذا!.. يعرفُ مكانتَه ومكانَه.. يعرف قامتَه في مدونةِ الشِّعر ومُقامَه في قلوب الشعراء.. يعرف كيف هزّت كلمتُه أركانَ الكنيست والمجتمع الصهيوني علي نحو أشرسَ، مما فعلتِ الرصاصاتُ والمدافع. يعرفُ أن قصائدَه شحنتِ المناضلين بالطاقة وغذّت جيوبَهم بالذخيرة.

فلماذا مات؟ كيف لم يهزمِ الموتَ هذه المرةَ أيضا؟ كيف سمحَ للموت أن يخطفَه من بيننا فيما لانزال نحتاج إليه احتياجَنا الشعرَ والهواءَ وجلاءَ المحتّل وعودةَ القدس؟ كيف للرجلِ أن يلملمَ أوراقَه ويرحلَ هكذا سريعا، قبل أن يري العابرين بين الكلمات العابرة يحملون أسماءهم وينصرفون كما أمرهم أن يحملوا أسماءهم وينصرفوا؟

وهذه الأرضُ قد أطلعته علي أسرارِها. «قالتْ لنا الأرضُ أسرارَها الدمويةَ/ في شهر آذار مرّت أمام البنفسج والبندقية خمسُ بنات/ وقفن علي باب مدرسة ابتدائية/ واشتعلن مع الورد والزعتر البلدي/ افتتحن نشيدَ التراب/ دخلن العناق النهائي/ آذارُ يأتي إلي الأرض/ من باطنِ الأرض يأتي/ ومن رقصة الفتيات/ البنفسجُ مال قليلاً ليعبرَ صوتُ البنات/ العصافيرُ مدّت مناقيرَها في اتّجاه النشيد وقلبي/ أنا الأرض/ والأرض أنا/ خديجة! لا تغلقي الباب/ لا تدخلي في الغياب/ سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل/ سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل/ سنطردهم من هواء الجليل». فكيف يموتُ دون أن يطلعنا علي أسرار الأرض؟

كيف يخونُ وعدا قطعَه علي نفسه، ألا يموتَ قبل أمِّه كيلا يفجعها فيه؟ كيف سيواجه ثَكلَها ودموعَها تسيلُ حارقةً فوق وجنتيها مع دموع ملايين ممن أحبوه وحفظوه في عقولهم وقلوبهم شاعراً وإنسانا ومقاتلا أبيضَ اليدين؟ قال إنه يعشق عمره، لأنه لو مات سيخجل من دمع أمه؟ «أحنُّ إلي خبزِ أمي/ وقهوة ِأمي/ ولمسةِ أمي/ وتكبرُ في الطفولةُ/ يوماً علي صدرِ يومٍ/ وأعشقُ عمري لأني إذا مِتُّ أخجلُ من دمعِ أمي/ خذيني أمي إذا عدتُ يوماً وشاحاً لهُدبِك/ وغطي عظامي بعشبٍ/ تعمّدَ من طُهْرِ كعبكِ/ وشُدّي وثاقي/ بخصلة ِشعرٍ/ بخيطٍ يلوِّحُ في ذيلِ ثوبكِ/ عساني أصيرُ إلهاً/ إلهاً أصيرْ/ إذا ما لمستُ قرارة قلبكِ/ ضعيني إذا ما رجعتُ/ وقوداً بتنّور ناركِ/ وحبلَ غسيلٍ علي سطحِ داركِ/لأني فقدتُ الوقوفَ/ بدون صلاةِ نهارك/ هَرِمتُ فردّي نجومَ الطفولة/ حتي أُشاركَ صغارَ العصافير دربَ الرجوع/ لعشِّ انتظارِك».



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العادات الشعبية بين السحر والخرافة
- تأنيث العالم في رواية ميس إيجب. من الذي قتل مصر الجميلة؟
- على باب فيروز
- شجرةُ البون بون
- قارئة الفنجان
- هنا فنزويلا
- اِستمرْ في العزف يا حبيبي!
- لسه الأغاني ممكنة؟
- ارفعْ مسدسَك عن أنفي، أُعْطِكَ فرجينيا وولف
- سؤالُ البعوضةِ والقطار
- ترويضُ الشَّرِسة
- مَن يخافُ -حين ميسرة-؟
- ولم يكنِ الفستانُ أزرق!
- أعوامٌ من النضال والاعتقال-مشوار فخري لبيب
- إلى أين تذهبُ الشمسُ... يا جوجان؟
- انظرْ حولك في غضب
- ثقافةُ الوقوف في البلكونة !
- بالطباشير: فقدانُ الهالة
- داخل رحم
- الأحدب والجميلة


المزيد.....




- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - لأني إذا مِتُّ أخجلُ من دمعِ أمي