أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - قارئة الفنجان














المزيد.....

قارئة الفنجان


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2345 - 2008 / 7 / 17 - 10:55
المحور: الادب والفن
    


شارع «البرّاد» بالعباسية، أحد الشوارع العريقة بالقاهرة. مواز لشارع أحمد سعيد الشهير. هو شارعُنا القديم، حيث وُلدتُ علي يد طبيب يهودي اسمه «ليون ليشع» كاد أن يودي بحياة أمي، بعدما انتزع رحمها.

شارعٌ فنان. وشاعرٌ أيضا. فيه كان يقطن الموسيقار الجميل محمد الموجي. هناك صادقتُ أبناءه وأبناء أخيه، خاصة إيناس إسماعيل الموجي، خريجة الموسيقي العربية. وفيه صادقتْ أمي زوجتَه الجميلة «أم أمين»، التي أحبها جميع الوسط الفني لحنوِّها وطيبتها، واعتبرها عبدالحليم حافظ ملاذَه الآمن الرءوم.

أبناؤه: أمين (محاسب)، الموجي الصغير (موسيقار أيضا)، يحيي الموجي (الموزّع الشهير)، ثم البنات: ألحان، أنغام، والصغيرة «غنوة»، التي لم ننادِها أبدا باسمها الحقيقي: «إلهام». فلابد أن تحملَ بناتُ الموسيقار أسماءَ موسيقيةً ذات صلة: اللحن، النغم، والغناء.

وكنتُ أصغرَ من أن أفهم أن «الإلهامَ» ذو صلة «ونُص» بالموسيقي! هنا في هذا الشارع في العمارة رقم ٣ أ، كان يأتي عبدالحليم حافظ ليؤدي بروفاته مع الموجي. حينما ظهرت أغنية «قارئة الفنجان»، كنا، نحن أطفالَ هذا الشارع الملاعين، نظن أننا نؤلف الألحان مع الموجي. أليست ضوضاؤنا أثناء اللعب تظهر في موسيقي الأغنية؟ طبعا.

المقدمة الموسيقية العاصفة التي تعجُّ بهزيم الرياح وعصف الشجر وتهشيم الزجاج وهدير الأمواج، لم تكن إلا من وحي شقاوتنا نحن العفاريت الصغار الذين كنا نعكر صفو الأستاذ بصخبنا، فيهرب منا إلي أحد الفنادق الكبري لكي يلحّن. لم ينهرنا أبدًا. علي نقيض د. جراند، طبيب الأسنان العصبي اليوناني الأصل، الذي كان يزجرنا كلما علا صخبُنا.

قارئة الفنجان. كنا أصغر من أن نفهم أن طبيعةَ القصيدة النزارية الرعوية تتطلّب مثل هذه الموسيقي الشرسة النافرة. عبقري الموجي وحقّ الله! نردد الغنوة ونعقد اجتماعات لنحلّل شفرة العبارة الغامضة: «والشَّعرُ الغجري المجنونْ، يسافرُ في كل الدنيا!». يعني الشَّعر ده حلو واللا وحش؟

صعب علي أطفال أن يعوا أن الغجرية والجنون من سمات الجمال الكبري. لكننا آمنا طوال الوقت أن الموجي يخصُّنا وحدنا، وأن هذه الأغنيات ملكنا نحن. نتفاخر بها علي زملائنا في المدرسة ممن لا يسكنون مثلنا شارع البراد. الشارعُ الفنان.

علي مقربة من هذا الشارع يسكن توفيق الدقن شرقًا، وشمالاً يسكن عبدالسلام أمين، ومحمد الدفراوي، ويوسف فخرالدين. كل هؤلاء الكبار العِظام ليسوا موضوع مقالتي. إنه عم سعيد، الإسكافي الشاعر. أجمل ما في شارع البراد.

شاعرٌ. رغم أنه لم يكتب قصيدة. لكن من قال إن الشِّعرَ قصيدةٌ؟ الشِّعرُ سلوكٌ وطريقة نظر إلي العالم. نحوٌ مختلفٌ من الإنصات إلي البشر. لذلك عم سعيد شاعرٌ بامتياز. في ملبسه الأنيق، علي بساطته. في اهتمامه بتهذيب شَعره وفي ابتسامته الدائمة رغم ضيق ذات اليد.

في رُقيه مع الناس. في اهتمامه بجمع المسامير من الشارع بالمغناطيس بعد انتهاء يومه، كيلا يؤذي أحدا.

والأهمُّ، في هوايته الفريدة. عم سعيد هو الذي علّم أطفال الحي لعبةَ الشطرنج. في أوقات فراغه يخرج الرقعةَ فوق طاولته الخشبية ويبدأ. يلاعب نفسَه لو لم يجد مَن يلاعبه! لو لم يكن هذا هو الشِّعرَ، فلا كانَ الشِّعرُ! المصري اليوم ١٦/٦/٢٠٠٨



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هنا فنزويلا
- اِستمرْ في العزف يا حبيبي!
- لسه الأغاني ممكنة؟
- ارفعْ مسدسَك عن أنفي، أُعْطِكَ فرجينيا وولف
- سؤالُ البعوضةِ والقطار
- ترويضُ الشَّرِسة
- مَن يخافُ -حين ميسرة-؟
- ولم يكنِ الفستانُ أزرق!
- أعوامٌ من النضال والاعتقال-مشوار فخري لبيب
- إلى أين تذهبُ الشمسُ... يا جوجان؟
- انظرْ حولك في غضب
- ثقافةُ الوقوف في البلكونة !
- بالطباشير: فقدانُ الهالة
- داخل رحم
- الأحدب والجميلة
- ناعوت: «الهدم والبناء» في الوعي أصعب من «المعمار!-
- السوبر قارئ
- عينا الأبنودي
- اِصمتْ حتى أراك!
- كلام شُعَرا...!


المزيد.....




- عشرات الفنانين والإعلاميين يطالبون ميرتس بوقف توريد الأسلحة ...
- حكايات ملهمة -بالعربي- ترسم ملامح مستقبل مستدام
- مسرحية -لا سمح الله- بين قيد التعليمية وشرط الفنية
- أصالة والعودة المرتقبة لسوريا.. هذا ما كشفته نقابة الفنانين ...
- الذكاء الاصطناعي التوليدي.. ضربة موجعة جديدة لقطاع الإعلام ا ...
- نقل الفنان المصري محمد صبحي إلى المستشفى بعد وعكة صحية طارئة ...
- تضارب الروايات حول استهداف معسكر للحشد في التاجي.. هجوم مُسي ...
- ديالا الوادي.. مقتل الفنانة العراقية السورية في جريمة بشعة ه ...
- مقتل الفنانة ديالا صلحي خنقا داخل منزلها بدمشق والتحقيقات تك ...
- القنبلة الذرية طبعت الثقافة اليابانية بإبداع مستوحى من الإشع ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - قارئة الفنجان