أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - إلى أين تذهبُ الشمسُ... يا جوجان؟














المزيد.....

إلى أين تذهبُ الشمسُ... يا جوجان؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2291 - 2008 / 5 / 24 - 09:07
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"من أين جئنا/ ماذا نكون/إلى أين سنذهب". أسئلةٌ بسيطة. طفوليةٌ جدا. غُفْلٌ حتى من: (؟). هكذا أراد لها من أطلقها في وجه العالم! هو ليس طفلا. صحيحٌ أن الأطفالَ يسألون كلَّ يوم أسئلةً كتلك، ونحارُ في الإجابة، لكنهم يضعون علامةَ الاستفهام في صوتهم وفي عيونهم. لأن مَن يسأل دون أن يلوّن صوتَه بنبرة التساؤل، لابد أن يكون أحمق أو مجنونا. والأطفالُ حكماءُ كبار.
الزمان: آخر ليلة في القرن 19. المكان: جزيرة "تاهيتي" الساحرة في جنوب المحيط الهادي. الحدث: قرّر رجلٌ فرنسي في منتصف العمر اسمه بول جوجان Paul Gauguin أن ينتحر. لماذا؟ كده! الحياة لم تعد تروق له وخلاص! وخطَّطَ، قبل موته، أن يرسمَ لوحتَه الأخيرة ليعلنَ رفضَه العالمَ المتحضر الذي هجر الطبيعة والفطرة الأولى. قال إن الحداثة شوّهتِ الطبيعةَ الإنسانية وحرمتها من هُويتها، وإن لوحته تلك ستمثّل عناقًا أبديّا مع الحياة البكر في تلك الجزيرة النائية. فرَّ جوجان من أوروبا الصاخبة ليتعلّم من أبناء تاهيتي الفطريين لعبةَ مصالحة الطبيعة. هجرَ الباريسيات إلى فتياتٍ يشبكن زهرةً خلف الأذن اليسرى حين يبحثن عن حبيب، فإذا وجدنه انتقلتِ الزهرةُ إلى اليمنى. ترك مدينةَ النور إلى حيث جبالٍ قممُها حممُ براكين. ولما أيقن أن محبوبته باريس لم تنصت إلى لوحاته التي تدعوها إلى العودة للماضي بعفويته ونقائه، بل راحت توغل أكثر في الحداثة والتمدّن، قرر أن يلقي في وجهها رسالته الأخيرة شديدةَ اللهجة. ويمضي. محاولةُ انتحاره أخفقت، لكن لوحته تقفُ الآن في متحف بوسطن للفنون الجميلة بوصفها الأشهر بين أعماله. تصور مشهدًا من تاهيتي، بنسائها الخلاسيات المنخرطات في أعمالهن البدائية بملابس بسيطة وجدائل لم تلوثها أبخرة الماكينات. وفي أعلى يسار اللوحة حفر ثلاثَ عباراتٍ عصيّة:
(D où venons nous - Que sommes nou s- Où allons nous).
هل سميتُها "عبارات" لغياب علامات استفهام؟ أم لأنني أعجزُ من الرد عليها؟ لم يُلتفت لتلك الكلمات إلا كجزء من عمل فنيٍّ شهير، لا كوصيةٍ أخيرة من فنان مجنون، وحكيم، اسمه جوجان (1848-1903) .
في رواية "الشحاذ" لنجيب محفوظ يقول عمر الحمزاوي: "كان الأقدمون يتساءلون أين تذهب الشمس؟ ولم نعد نتساءل." فتجيبه زوجتُه: "بديعٌ أن نتخلص من سؤال!".
معها حق. لكن ثمة أسئلةً لو عرفنا إجاباتها فقدتِ الحياةُ دهشتَها. وكفَّ الشعراءُ عن الغناء. والفلاسفةُ عن النظر إلى السماء. والأطفالُ عن الركض وراء الفراشات. أسئلة جوجان تقفُ على رأس تلك الأسئلةِ التي يجب أن تظلَّ أسئلةً. مبهمةً ومُلغزةً وبكماء. هي أسئلةُ الأطفال التي تُعجز الكبار. وكلُّنا، حالَ الكلام عن الكون، أطفالٌ. وهذه إجابتي عن السؤال الأوسط. ولستُ أعرف إجابةَ السؤالين الآخرين، ولا أنا شغوفةٌ بمعرفتها. أعرفُ فقط أنه يلزمُ أن نظلَّ أطفالا نسألُ ونرجو ألا نعرفَ. حتى نعيشَ ونُدهشَ ونبدعَ ونحبّ. ولئن كانت مقولة علي ابن أبي طالب: "الإنسانُ عدوُّ ما يجهل" صحيحةً في مستوى، ففي مستوى آخر، نحن نُشغف بما نجهل. ولا نكفُّ عن السعي إليه ومحاولة فك شفرته. فأنتَ إن عرفتَ شيئا مججته. لذا يلزم أن تظلّ الحياةُ لغزا كي نحبّها. كيلا نفقدَ شغفَنا بها.
المصري اليوم-19/5/08



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انظرْ حولك في غضب
- ثقافةُ الوقوف في البلكونة !
- بالطباشير: فقدانُ الهالة
- داخل رحم
- الأحدب والجميلة
- ناعوت: «الهدم والبناء» في الوعي أصعب من «المعمار!-
- السوبر قارئ
- عينا الأبنودي
- اِصمتْ حتى أراك!
- كلام شُعَرا...!
- أنفي والجيرُ المبتّل
- الجميلُ الذي أخفقَ أن يكونَ عصفورًا
- بالطباشير : عزيزي الله، من رسم الخطوط حول الدول؟
- بالطباشير: آخرُ مُعتزلةِ هذا الزمان
- بالطباشير:يا باب الورد، حِصَّة وين؟
- الشَّحّاذ
- بالطباشير: -سُرَّ مَنْ رآكِ- أيتها الغيوم
- بالطباشير: يحدثُ هذا، وشكرا لفلسفة المصادفة
- بالطباشير: أنا الأديبُ الألْمَعيُّ مِنْ حَيِّ أَرْضِ المُوصِ ...
- بالطباشير: اِسفكسيا الجمال


المزيد.....




- البحرين.. جملة قالها الشيخ ناصر أمام بوتين وردة فعل الأخير ت ...
- مردخاي فعنونو: كيف عرف العالِم سر الترسانة النووية الإسرائيل ...
- وزير الخارجية الإسرائيلي: أخرنا إمكانية امتلاك إيران لسلاح ن ...
- إسرائيل تضرب وسط إيران.. قصف مبنى في قم وانفجارات في أصفهان ...
- -تمويل بغباء-.. ترامب يكشف سرا عن سد النهضة
- سفن وصواريخ.. كيف تساعد أميركا إسرائيل في صد هجمات إيران؟
- -شالداغ-.. خطة إسرائيل البديلة للتعامل مع منشأة -فوردو-
- إسرائيل تعلن اغتيال قائد لواء المسيّرات الثاني بالحرس الثوري ...
- عراقجي لشبكة إن بي سي: خيار التفاوض أو الحرب متروك للأميركيي ...
- الجامعة العربية تدين الهجوم الإسرائيلي على إيران وتدعو للتهد ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - إلى أين تذهبُ الشمسُ... يا جوجان؟