أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - بالطباشير: فقدانُ الهالة














المزيد.....

بالطباشير: فقدانُ الهالة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2275 - 2008 / 5 / 8 - 10:38
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يقول المثلُ الإنجليزيّ: Empty Vessels Make the most Noise، ما يعني أن الأواني ‘’الفارغة’’، وحدَها، تُصدرُ الصَّخبَ الأعلى. فأنت إن خبطت بملعقة معدنية على جُدُر إناء معدني، لن تُحدثَ ضوضاءَ ولا إزعاجاً كثيفاً إلا إذا كان الإناءُ فارغا. أما الإناءُ الممتلئ فسيحفظ هدوءه وصمته الرفيع. لأنه ممتلئ. والكلام إذ يصحُّ في المستوى الفيزيائي، يصحُّ بامتياز في المستوى الفلسفيّ والفكري. والإنسانيّ أيضا. القاعدةُ تنطبق على البشر مثلما تنطبق على الأواني. تجد كاتبا مبتدئا ما يزال يخطُّ خواطرَ ساذجةً ويخطئ في الإملاء والنحو يتعامل مع الناس بوصفه ‘’الأخيرَ زمانه’’ الآتي ‘’بما لم تستطعه الأوائلُ’’. بل ويظنُّ أن عدم إقبال الناس عليه مرّده أن كتابته أعلى من مستوى المتلقي! وفي المقابل تجد ‘’الكِبار’’ يتواضعون ويتباسطون، حتى أمام الصغار. لأن المرء كلما ازداد علما أيقن أن ما يجهل أكثرُ جدا مما حصّل.
جاءني كاتبٌ شاب مازال يتلمس خطى الكتابة في أولى مراحلها. كان ذلك في المجلس الأعلى للثقافة بمصر قبل أعوام. وطلب مني أن أقدّمه إلى المفكر المصري الكبير محمود أمين العالم الذي كان يجلس على مقربة. قال إن كل ما يرجوه، وحسب، هو أن يصافحه ويعرب له عن حبه وفرحه بلقائه وجها لوجه. فقلتُ اذهبْ وحدك، سوف يرحب بك فهو جميل وغير متعال، ‘’الحكاية مش محتاجة وساطة يعني! فأبدى خجله وألحّ على احتياجه إلى ‘’وسيط’’. وذهبنا للعالم وقلتُ: هذا الشاب الجميل يودُّ أن يصافحك، فما كان من الأستاذ إلا أن وقف ومدّ يده قائلا: أنا اسمي محمود أمين العالم. وابتسامة رائقة باشّة تكسو وجهه تليق بنبيّ. قلتُ يا أستاذ لا تعرّفْ نفسَك! فالمعروف لا يُعرّف، وتقديمك نفسك إهانةٌ لنا كونك رمزا من رموز مصر. أَبَعد كل ما قدّمت لنا وللوطن من فكر وعمر وجهد وكفاح مازلت محتاجا أن تعرّف نفسك؟! فابتسم بحياء وقال: اسكتي يا بنت وبطلي بكش، هو أنا عملت حاجة! والكلام عن هذا الرجل لا ينفد أبدا، سواء في شِقّه الإنسانيّ، أو في شقّه الفكري والفلسفي والتنويريّ والسياسي. حدثني أنه أيام اعتقالات 59 كان السجّان يجلده بالسوط صباحا، والعالم يجلس في المساء إلى ذلك السجّان ذاته ليعلمه ويمحو أميّته!! فهتفت مندهشة: كيف؟ قال: كلٌّ منا يؤدي عملَه! هو يجلدني لأن قادته أفهموه أنني عدوُّ الوطن والدين، ومن ثم فواجبه أن يعاقبَني، لأنه يحب الوطنَ ويحبُّ الدين. وأنا أقوم أيضا بدوري التنويري معه فأعلمه، ذاك أن واجبي نحو وطني أن أنوّر أبناءه ما وسعني ذلك. ذاك أنني أفهم جيدا أن محنة هذه الأمة تكمن في وعيها. ودور كل مثقف أن يبني وعي الناس، قبل أن يحاسبهم على أخطائهم. يَقدرُ واحدٌ من نسيج رفيع الطراز وقامة عالية السموق مثل محمود أمين العالِم أن يغفر لسجّانه وجلاده. هو لم يكظم غيظه، ولم يعفُ عن الناس وحسب، كما تأمرنا الآية الكريمة، بل كان من المُحسنين كذلك، مع من آذوه وعذبوه. والحق أن العالم حين جلس إلى السجان وراح يعلمه الأبجدية والقراءة، فيما خطوط السياط تقطر دما من ظهره، ومن روحه، لم يكن نبيّاً ولا مسيحا متسامحا، بل كان حصيفا يعرف أين يكمن عدوه. عدوه لم يكن ذلك الجاهل الذي يحمل سطوا في يده، بل عدوه هو ‘’الجهل’’ ذاته. ولذلك راح يحاربه.
ثم يأخذه السجّان إلى حيث الصخور الضخمة ويقول له: كسّرْ يا مسجون! للصخرة سبعة أبواب، في واحد منها فقط تكمن نقطة الضعف. فيسمحُ العالمُ للسجان ‘’الجاهل’’ أن يعلمه كيف يحدد مكمن الضعف في الصخرة!
هل تذكرون قصيدة ‘’فقدان الهالة’’ التي ترجمها الشاعر عبدالقادر الجنابي من بين ما ترجم من شعر شارل بودلير؟ قصيدة بديعة تحكي عن شاعر كبير كان يمشي في الوحل، فسقطت عنه ‘’هالته’’. لم ينحن الشاعر ليلتقط هالة المجد التي وقعت. بل تركها ومضى وهو مسرورٌ لأمرين. أولا لأن تخلصه من علامة مجده وشهرته ستسمح له أن يجول بين البسطاء والعامة بحريّة ويفعل مثلما يفعل الرعاع. وثانيا لأن شاعرا تافها حتما سوف يعثرُ على الهالة يوما، فيلتقطها ويفرح بها. من الممتع أن تتسبب في فرح أحد ما، حتى ولو لم يكن مستحقا لهذا الفرح.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- داخل رحم
- الأحدب والجميلة
- ناعوت: «الهدم والبناء» في الوعي أصعب من «المعمار!-
- السوبر قارئ
- عينا الأبنودي
- اِصمتْ حتى أراك!
- كلام شُعَرا...!
- أنفي والجيرُ المبتّل
- الجميلُ الذي أخفقَ أن يكونَ عصفورًا
- بالطباشير : عزيزي الله، من رسم الخطوط حول الدول؟
- بالطباشير: آخرُ مُعتزلةِ هذا الزمان
- بالطباشير:يا باب الورد، حِصَّة وين؟
- الشَّحّاذ
- بالطباشير: -سُرَّ مَنْ رآكِ- أيتها الغيوم
- بالطباشير: يحدثُ هذا، وشكرا لفلسفة المصادفة
- بالطباشير: أنا الأديبُ الألْمَعيُّ مِنْ حَيِّ أَرْضِ المُوصِ ...
- بالطباشير: اِسفكسيا الجمال
- قطعة من الفراغ-قصائد إيميلي ديكينسون
- صقيعٌ لم يَحُلْ دونه أحد
- الدينُ لله، فهل الوطنُ للجميع؟


المزيد.....




- انقسام باختيار خليفة البابا فرنسيس.. ماذا يقف على المحك؟
- لأول مرة.. سقوط صاروخ أطلق من اليمن قرب مطار بن غوريون في إس ...
- الصحف الإيطالية تكشف كيف يلعب ماكرون بورقة البابا!
- شجرة تاريخية زرعت في لندن عام 1762 تدخل عصر الفن الرقمي
- شاب سوداني يتطوع لدفن قتلى الحرب في السودان
- هل شرب القهوة خلال تناول الطعام مُضر؟
- ترامب يتعرض لانتقادات بعد نشره صورة بالذكاء الاصطناعي باعتبا ...
- الكرملين: الرئيس الصيني سيزور روسيا في 7-10 مايو
- السيسي يتسلم دعوة رسمية من العراق لحضور القمة العربية
- -محملة بذخائر-.. الجيش السوداني يعلن استهدافه طائرة أجنبية ب ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - بالطباشير: فقدانُ الهالة