أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمة ناعوت - الأحدب والجميلة














المزيد.....

الأحدب والجميلة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2272 - 2008 / 5 / 5 - 11:10
المحور: سيرة ذاتية
    


من الصعب على المرء نسيان ‘’أولَ’’ مرة من كل شيء في حياته. أول مرة يذهب إلى المدرسة، أول مَن صادقه، أول معلم في حياته، أول كلمة قرأها، أول لعبة جاءته، أول حب في حياته، أول بلد سافر إليها، وطبعا أول كتاب قرأه. بالنسبة لي، وبعد تجاوُز مجلات الأطفال: ميكي وسمير وتان تان، وألغاز ‘’المغامرون الخمسة’’ لمحمود سالم، وقصص ‘’المكتبة الخضراء’’ الفاتنة التي كانت تصدر عن دار المعارف بمصر، بعد تجاوز هذه القراءات التمهيدية الأولى لا أنسى أن أول عمل أدبي قرأته كان ‘’أحدب نوتردام’’ للفرنسي الرائع فيكتور هيجو. وجدت الكتاب أمام مصعد العمارة التي نقطن بها وأنا عائدة من مدرستي في الخامسة أو السادسة من عمري ربما. بالكاد أعرف ‘’أفك الخط’’. ما معنى ‘’أحْدُب’’؟ هكذا كنت ألفظها. وما معنى نوتردام؟ يبدو أنه شيءٌ طلسمي مما اعتدت أن أراه في مكتبتنا! لكن سرًّا ما سيدفعني للقراءة لتكون أول عمل أدبي أقرأه. كوازيمودو وأزميرالدا. الأول رمزٌ للقبح الشكلي والتشوّه الخَلقيّ، فيما الثانية رمزٌ للجمال الجسدي الفاتن. على أن كليهما يجتمعان في جمال الإنسان ورقيّ الروح. أحدبُ، يحمل فوق ظهره نتوءًا شاذا سيجعل منه أضحوكة باريس القرن الثاني عشر، له عين واحدة فيما الثانية ضامرةٌ مُقفلة. لا يجيد الكلام إلا بلعثمة مرتبكة. مما سيحدو بأهالي باريس لانتخابه ‘’أميرا للحمقى’’ في احتفالهم السنوي. لم يكن كوازيمودو سوى لقيط وجده قس كنيسة نوتردام على بابها في فجر أحد الصباحات الباريسية القارسة. تركته أمه بِليلٍ ربما لدمامته وبشاعة تكوينه. يلتقطه القس ويربيه ليجعل منه أداةً طيّعة تنفذ أوامره دون تفكير أو إرادة. ويغدو قارعَ أجراس الكنيسة الضخمة مما يُفقده السمع، لتكتمل منظومة عاهاته. أزميرالدا، يعني زمردة، البنت الغجرية التي ترقص في احتفال الحمقى في صحبة عنزتها التي تجيد السحر. سمراء ممشوقة شعرها جَعِدٌ فاتن. تسلب ألباب الحضور، ومنهم قس الكنيسة، المتمزمت الذي سيحاول هباءً أن ينالها. فيخطفها ويسجنها في غرفة بأحد أبراج الكنيسة تمهيدا لحرقها بتهمة السحر والشعوذة وفقا لقوانين أوروبا القروسطية. يدخل عليها الأحدب محاولا مواساتها، لكنها تجفل من بشاعته. أحبها لأنها الوحيدة التي لم تسخر من عاهاته وسقته جرعة ماء حين كبّله القس بالأغلال في ساحة الميدان عقابا على مخالفته أمره وخروجه من الكنيسة استجابة لنشوة الفرح بلقب ‘’أمير الحمقى’’، جاهلا بكمّ السخريات التي يضمرها شباب باريس فيما يتوجونه بالتاج الورقي. هو أحبها. وهي أشفقت عليه. كان في وجودها حيّة دليلٌ له على وجود الجمال الإنساني المكتمل. الروح والجسد. لذلك حارب البشرَ جميعا من أجل الإبقاء عليها. صدَّ بجسده المعوّق بوابةَ الكاتدرائية الضخمة، فيما الباريسيون يحطمونها بجذوع الأشجار ملوحين بشعلات النيران طلبا لرأس الساحرة الملعونة. ولما قتلها القسُّ في الأخير، لم ينتبه كوازيمودو لنفسه إلا وقد قذف بربيبه القسّ من البرج الشاهق ثم جثا على ركبتيه يبكيهما معا قائلا: هؤلاء كل من أحببت! ثم يدفن نفسه معهما حيًّا ليحفر الناس القبر بعد سنين، فيجدون هيكليْن عظميين متعانقيْن، أحدهما لفتاة، والآخر لمسخ بشري معوّج الظهر. حين حاولوا فصل الهيكلين يتفتتان عظاما صغيرة. قرأتها أكثر من خمس مرات. وجعلني الافتتان بها أبحث عنها في لغات أخرى، فقرأتها في ترجمات عن الفرنسية بالإنجليزية والعربية. نحن لا ننسى أول رواية قرأناها ولو بعد مئة عام. سيما إذا كان الكاتب فيكتور هيجو. عرفت تفاصيل الكاتدرائية غرفة غرفة وبرجا برجا وجرسا جرسا. وحين أدخل كلية الهندسة قسم العمارة بعد ذلك بعقد كامل سأدرس الكنيسة في مساقطها الأفقية والرأسية كأحد أجمل القطع الفنية التي أفرزتها المدرسة القوطية Gothic Architecture في القرن الثاني عشر. شيء يشبه الحلم وأنا أتتبع بقلمي الرصاص كل خطوط الكنيسة. النوافذ الدائرية بزجاجها الملون المعشق، الأبراج الشاهقة، المنمنمات والحفائر والمنحوتات، الأجنحة الطائرة، تماثيل الملائكة التي تعدُ الخطّائين بالمغفرة. حتى الأرشيدوق فرولو وكوازيمودو رأيتهما في المساقط داخل بعض أروقة الكنيسة وعند المحراب. كأنني أسير داخلها في صحبة الأحدب الذي لم أره إلا وسيما ساحرا. وحين أزور باريس لأول مرة يسألني الرفاق أين تريدين أن تذهبي؟ فأقول كنيسة نوتردام، بيتي الأول. أقف على ضفة نهر السين وأتأمل البناية الشاهقة، وألمح كوازيمودو يلوح لي من أحد أبراجها هاتفا: تعالي يا عزيزتي، فأنا أحبك أيضا!



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ناعوت: «الهدم والبناء» في الوعي أصعب من «المعمار!-
- السوبر قارئ
- عينا الأبنودي
- اِصمتْ حتى أراك!
- كلام شُعَرا...!
- أنفي والجيرُ المبتّل
- الجميلُ الذي أخفقَ أن يكونَ عصفورًا
- بالطباشير : عزيزي الله، من رسم الخطوط حول الدول؟
- بالطباشير: آخرُ مُعتزلةِ هذا الزمان
- بالطباشير:يا باب الورد، حِصَّة وين؟
- الشَّحّاذ
- بالطباشير: -سُرَّ مَنْ رآكِ- أيتها الغيوم
- بالطباشير: يحدثُ هذا، وشكرا لفلسفة المصادفة
- بالطباشير: أنا الأديبُ الألْمَعيُّ مِنْ حَيِّ أَرْضِ المُوصِ ...
- بالطباشير: اِسفكسيا الجمال
- قطعة من الفراغ-قصائد إيميلي ديكينسون
- صقيعٌ لم يَحُلْ دونه أحد
- الدينُ لله، فهل الوطنُ للجميع؟
- بالطباشير: لفرط حضورِكَ، لا أراك!
- بالطباشير: عِقابُ المرايا


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمة ناعوت - الأحدب والجميلة