أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - بالطباشير: عِقابُ المرايا














المزيد.....

بالطباشير: عِقابُ المرايا


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2147 - 2008 / 1 / 1 - 08:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ثمة مذهب سيكولوجي، أو مزعم، اسمه "Mind over Matter". بما يعني قدرة العقل البشري على التحكّم في المادة. الموجودات من جماد وعناصر، وقيم مجرّدة حتى (؟!)، تغدو تحت سيطرة العقل، بعد إخضاعها لعمليات معقدة من التركيز الشديد. أجرى قسمُ علم النفس بجامعة أوتاوا تجارب لدراسة هذه الظاهرة وتوصّل بنتائج طريفة مثل النجاح في إخضاع حجر النرد وجعله يسقط على وجه معين حددوه سلفا. يُطلب من المشاركين التركيز بشدة على رقم ما وكتابته في ورقة قبل رمي النرد، وبتكرار المحاولة استطاع بعضهم بالفعل تجاوز نسبة الصدفة وقانون الاحتمالات وإسقاطه على الوجه المطلوب. ويقول بروفيسور فرانسيس باو المشرف على التجارب: كلما زادت ثقةُ المرء بالفوز حقق نسبةَ نجاح أعلى.
وكثيرة هي الحكايا التي قرأناها حول أناس يحركون الأكواب والصحون بعيونهم بمجرد التحديق فيها والتركيز في خلاياها ثم أمرها أن تتحرك. فتتحرك. شهدت في طفولتي أمرا كهذا. حين كان أبي وأمي يختلفان حول قضية، يجلسان متواجهيْن وبينهما ورقةٌ فوقها قلم. يقرأ أبي بعض التعويذات فيتحرك سنُّ القلم ليشير ناحية الشخص المخطئ. كنت أظنهما يلعبان. أبي كان ميتافيزيقيا حتى النخاع ويقرأ كثيرا في مدوّنات السِّحر والماوراءيات، رغم حفظه القرآن كاملا، بينما أمي تمتلك عقلا عمليًّا جدليا برجماتيًّا، ومن ثم كان التقاؤهما لونا من الكوميديا الكونية.
ولم يقل العلمُ كلمته النهائية حول الأمر. وأظنه لن يفعل كي يظل الغامضُ غامضًا ومثيرا. لكن العلم يقول إن تفاعلا كهربائيا يتم في خلايا الدماغ، في حالات الانشغال الذهني العميق والتركيز الحاد، فيخلق مجالا مغناطيسيًّا بوسعه أن يؤثر على الإلكترونات في المادة موضوع التركيز. ومن ثم يبدّل فيها. بل إن نظرية تذهب إلى أن ظاهرة "الحسد" تتم على هذا النحو. حيث شعاعٌ كهرو-مغناطيسيّ يخرج من عين الحاسد إلى المحسود فيجعله يزلُّ أو يقع. أو يموت!!
وفي الحقل الفلسفيّ، وربما الإبداعي، يتقاطع هذا الأمر مع رواية "الخيميائي" للبرازيليّ باولو كويللو حين حدثنا على لسان سانتياجو قائلا: إذا آمن الإنسانُ بحُلم ما إيمانا عميقا، تآمر الكونُ كلُّه من أجل تحقيقه. وقبله قال الشاعر الأمريكي رالف أميرسون: إنَّ العالمَ يُفسح الطريقَ لمن يعرفُ إلى أين هو ذاهب. والأمر ذاته شهدناه في فيلم مصري حديث عنوانه "أنت عمري". حبيبان مصابان بسرطان الدم. راقصةُ باليه شابة تحلم بالرقص مع فرقة البولشوي الروسية، ولم تتمن في أيامها الأخيرة سوى أن تموت فوق خشبة المسرح. حلمها كان قويًّا وإيمانها بتحقيقه حاسما. بينما حلمُ الولد ضعيفٌ فكان كمن يستدعي الموتَ لكي يسرع خطاه. فوق جسر النيل قالت: أتمنى أن تمطر السماء الآن لنركض تحت زخّات المطر. وأمطرتِ السماء. وترقص مع البولشوي. لكنها لن تموت فوق خشبة المسرح. لأنها هزمت السرطان وعاشت. ومات حبيبُها الذي لم يعرف كيف يحلم، وكيف يثق في حلمه.
اِشْتُقّ من مذهب "العقل فوق المادة" مذهبٌ آخر هو "Mind over Mind”، العقل فوق العقل. وهو طريقة للتغلّب على صعابنا بنفيها من دائرة الدماغ. فماذا لو أنك مُعسرٌ وتثقلك الديون؟ اقنعْ نفسَك أنك أثرى أثرياء العالم ولا تعرف فيم تنفق أموالك. الأمرُ أبعدُ خطوةً من أحلام اليقظة، وأقل خطوةً من الفُصام. شيء يشبه اليوجا الذهنية التي تجعلنا نصدق أحلامنا. فتتحقّق. شيء كهذا قاله فرانسيس بيكون قبل أربعمائة عام: "إن المرءَ سوف يصدّق ما يودُّ له أن يتحقق". وهذا ما يجعل كل إنسان متحمّسًا جدا لأفكاره ومعتقداته وربما أوهامه ولو لم تكن صحيحة. مثلما صدّق سجناءُ كهف أفلاطون أن ما يرونه على الحائط هو العالم الحقيقي ذاتُه ببشره وحيواناته وأشجاره، في حين لم تكن سوى خيالات وظلال وأوهام.
كل ليلة قبل أن أخلد للنوم أنظر في مرآتي. ليس بهدف تجميليّ، بل هي ساحة المحكمة خاصتي. لو ارتكبتُ خلال يومي خطأ ما، أجد أمامي وجها قبيحا لامرأة دميمة. والعكس لو أتيت فعلا طيبا أثناء النهار. عندي قصيدة عنوانها "ثقوبٌ تشكيليةٌ لا تغضبُ المرآة" تطرح الأمر. وليس في زعمي أية ألاعيب شعرية أو أخيلة مجازية. بل هو واقعٌ علميّ بحت. لأن جمالَ السلوك ينعكس بالفعل على الملامح فنرى أنفسنا جميلين بقدر ما أتينا من جمال وبقدر ما أحببنا الناس. والعكس. ولأنني أرتعبُ من عقاب المرايا أفكر كثيرا قبل الإقدام على حماقة قد تقضُّ ليلتي بعدما أطالع قبل نومي وجها لا أحبُّ مرآه. رغم هذا، الحماقاتُ لا تنتهي!



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بالطباشير: يا قمر على دارتنا
- بالطباشير: عمتِ صباحًا يا استاطيقا القبح
- بالطباشير: أنا أندهش إذًا أنا إنسان
- بالطباشير: شاعرةُ الأشياء الصغيرة
- أيُّ مسلمين وأيُّ شعراءَ يا شيخ يوسف؟
- مهرجان الشعر العالمي 2007
- الشعر والطبقية - نعم للبستاني ولا للقروي!
- صعوبةُ أن تُختَصرَ في حذاء أو حقيبة
- -طنجة الأدبية- الآن في مصر والبحرين
- الأخبارُ القديمةُ ذاتُها تتكررُ مثل تبغٍ رخيص
- الفتنة في مصر- أين تنامُ؟ ومن الذي يوقظُها؟
- الحجاب، وصعوبة أن تُختصَرَ في حذاء
- عادل السيوي يقدم مرثية للعمر الجميل
- صراع التاريخ مع المصير في رواية -ينزلون من الرحبة-
- الرهان على الشباب في صنعاء- فكرةٌ نبيلة يعوزُها شيءٌ من القس ...
- راشيل كوري في يوم المرأة العالمي بمسرح الهناجر في مصر
- اسمُك راشيل كوري
- القناعُ الرمزيّ في أعمال نوال السعدواي
- عيد ميلاد سيدة النبع
- كراسة رسم


المزيد.....




- تحويلات المصريين بالخارج تقترب من 30 مليار دولار خلال 10 أشه ...
- ربما تم إنشاؤه بالذكاء الاصطناعي.. ما حقيقة فيديو قصف إسرائي ...
- تراث أصفهان الفارسي والمواجهة بين إيران وإسرائيل
- غضب في مدينة البندقية على حفل زفاف جيف بيزوس ولورين سانشيز
- يسمع ضجيج القنابل قبل صوت أمه.. عن طفل رضيع في مستشفيات غزة ...
- -فائقو الثراء- في ألمانيا يمتلكون أكثر من ربع إجمالي الأصول ...
- صحيفة روسية: هل هناك من يستطيع تزويد طهران بالقنبلة النووية؟ ...
- ترامب: يمكن للصين مواصلة شراء النفط الإيراني
- فيتنام تحاكم 41 متهما في قضية فساد بقيمة 45 مليون دولار
- صحف إسرائيلية: هدنة ترامب تريح طهران وتنعش مفاوضات غزة


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - بالطباشير: عِقابُ المرايا