أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - بالطباشير: عمتِ صباحًا يا استاطيقا القبح














المزيد.....

بالطباشير: عمتِ صباحًا يا استاطيقا القبح


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2104 - 2007 / 11 / 19 - 10:08
المحور: الادب والفن
    



طبيعي أن نجد امرأةً جميلة يستلهمُها الرسامون كموديل. فالجمالُ كان ويظلُّ مطمحَ الفنِّ وقِبلتَه. الحسناوات والورود والغيمات والأشجار ووجوه الأطفال والفراشات والقمر والنجوم والنهر، كلها مفردات أصيلة في معجم الجمال. فاتنةٌ تجلس أمام لوحة التشكيل فتحاول ريشة أن تقلّد الخطوط الخارجية لجسدها وملامح وجهها ولون بشرتها لتصوغ لوحةً، لسانُ حالها يقول، مثل أمجد ناصر: "سُرَّ من رآكِ". لكن ماذا عن دواخل الحسناء تلك؟ مهلا، لم يأخذني التفلسّفُ ولستُ بصدد الكلام عما درج الحكماءُ يلهجون به حول جمال الروح ورقيّ النفس ورجاحة العقل وفرادة الشخصية إلى آخر تلك المنظومة. أنا أبسط من ذلك. أحكي عن داخل الإنسان من أحشاء ودماء وأوردة وكبد وبنكرياس. هل واردٌ أن تكون هذه التيماتُ أهدافًا أو "موديلات" لرسّام؟
هيلين تشيدويك فنانة تشكيلية إنجليزية (1953-1996) فعلت هذا. رسمت لوحة عن الحب بين رجل وامرأة ليس بها إلا زوجان متعانقان من المخ بشري تحملهما كفُّ آدمية! فلسفتها تتوسّل حواشي الجسم الآدمي من أجل جدْل علاقة بين المتلقي وبين "الداخل"، عوضا عن "الخارج". ربما انطلق هذا التوجه من نزعتها النسوية التي جعلتها ترفض أن تجعل من جسدها، بوصفها امرأة فاتنة، موديلا للرسم. فراحت تستلهم الخلايا والأمعاء وقرنيات العيون أهدافا للوحاتها. بل تجاوزت في مسعاها العجائبي في استجلاب الفن من أشياء قبيحة في لوحتها الأشهر التي صنعتها بين عامي 91-92 وأعطتها عنوان "زهرات البَوْل"Piss Flowers . وفيها قامت هي وصديقها ديفيد نوتريس بالتبوّل على أقراص من الجليد، مما أنتج تجاويفَ وتعاريجَ ونتوءاتٍ صنعتها المادة القلوية للبول فوق صفحة الثلج. ثم التمييز بين بول المرأة وبول الرجل عبر اختلاف أشكال "الزهرات" التي صنعاها من الجليد.
وسواء أحببناها أم رفضناها أم أثارت تقززنا، تضعنا هذه التجربة أمام سؤال إشكالي ضخم. هل الجمالُ معياريّ؟ وإن نعم، فما معاييره؟ لمَ نصنعُ قائمةَ القبح من عناصر مثل: الصرصور، الغراب، الأفعى، البومة، الحذاء، الدماء، الأحشاء الخ، في مقابل معجم الجمال الشهير الذي أهلكه الشعراء واستهلكوه؟ هل الصرصور حقا كائن قبيح الشكل بالمقاييس البصرية الفنية؟ لو نحيّنا جانبا ميراثَنا العدائيّ المتراكم معه ونظرنا إليه بحياد نظرة تشكيلية لوجدنا أجنحةً نصف شفافة بلون مراوغ يقف بين الأحمر والبنيّ، وعيونا فاتنة بها عدسات مركّبة، ونجد رشاقة حركة وحبًّا للحياة لا شبيه له. ولعلنا نذاكر رواية "مصير صرصار" لتوفيق الحكيم. في الأخير سنجد اتزانا جماليا بصريا يشي بعبقرية تشكيلية وراء صنعه. هذا ما قد يقوله رجل في منتصف العمر لا يعلم شيئا عن محنة الإنسان التاريخية مع الصرصور والنظافة. كأنما زائر من كوكب آخر ليس به حشرات هبط إلى الأرض فجأة. هذا المثال الفانتازي الجدلي ألعبه أحيانا مع نفسي لكي أصنع علاقات طازجة مع الموجودات من حولي حين أكتب القصيدة. الغراب مثلا أراه كائنا فاتنا. كأنه رجل وسيم في اسموكنج رمادية أنيقة مطعّمة بالأسود والأبيض. صوته لا يجلب الشؤم كما ألصقنا به، بل أجده أجمل من هديل الحمام المخيف الذي كأنما يستلل من تحت الأرض. هكذا حبذا أن نبني علاقات جديدة مع الموجودات والكائنات التي ظلمناها كثيرا.
الذي زار حي "الملذات العابرة" في أمستردام، سوف يدهش من فتارين الزجاج التي تعرض النساء كبضائع استهلاكية. وبعدما يفيق من صدمته الوجودية حين الإنسان سلعة تُعرَض، سوف يدخل في صدمة فلسفية أخرى تضرب مفهومه الجاهز عن الجمال. حين امرأة جميلة (بالمفهوم الشائع عن الجمال من رشاقة وبياض بشرة ونعومة شعر ودقة ملامح) تُعرَض جوار امرأة سوداء بدينة جعدة الشعر غليظة الملامح، سواء بسواء. لكلٍّ سوقُها ومريدُها. والسعر موحد!
ذكرني هذا بأستاذ العمارة الذي طلب منّا في الفرقة الثانية بكلية الهندسة أن نصمم بوابة "جهنم". ثم مرّ بقلمه الغليظ الأسود ليشطب التصميمات التي خرجت جميلةً متزنةً متناسقة فنيًّا ومعماريا، ثم راح يشرح لنا "استاطيقا القبح" كأحد تيمات الخطاب ما بعد الحداثي في العمارة. وهو ما فعله بودلير شعرا حين مجّد الشيطان في "أزهار الشر". وما فعله قبله فيكتور هيجو، وإن على نحو تقليدي، حين أجبرنا أن نرى كوازيمودو، في "أحدب نوتردام" جميلا وسيما، رغم حدبة الظهر وعور العين والصمم والتشوه الجسدي المريع. القبحُ قد يكون أداةً عبقريةً لاستدعاء الجمال. حين يكون الفنانُ فنانًا.
www.f-naoot.com



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بالطباشير: أنا أندهش إذًا أنا إنسان
- بالطباشير: شاعرةُ الأشياء الصغيرة
- أيُّ مسلمين وأيُّ شعراءَ يا شيخ يوسف؟
- مهرجان الشعر العالمي 2007
- الشعر والطبقية - نعم للبستاني ولا للقروي!
- صعوبةُ أن تُختَصرَ في حذاء أو حقيبة
- -طنجة الأدبية- الآن في مصر والبحرين
- الأخبارُ القديمةُ ذاتُها تتكررُ مثل تبغٍ رخيص
- الفتنة في مصر- أين تنامُ؟ ومن الذي يوقظُها؟
- الحجاب، وصعوبة أن تُختصَرَ في حذاء
- عادل السيوي يقدم مرثية للعمر الجميل
- صراع التاريخ مع المصير في رواية -ينزلون من الرحبة-
- الرهان على الشباب في صنعاء- فكرةٌ نبيلة يعوزُها شيءٌ من القس ...
- راشيل كوري في يوم المرأة العالمي بمسرح الهناجر في مصر
- اسمُك راشيل كوري
- القناعُ الرمزيّ في أعمال نوال السعدواي
- عيد ميلاد سيدة النبع
- كراسة رسم
- هولاهوب
- محمود سالم رائدٌ عربيّ للرواية البوليسية لماذا لم يُترجم للم ...


المزيد.....




- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...
- ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟
- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...
- بمناسبة أربعينيّته.. “صوت الشعب” تستذكر سيرة الفنان الراحل أ ...
- خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية بالاسم فقط “هنــــ ...
- في ذكرى رحيل فلاح إبراهيم فنان وهب حياته للتمثيل
- الفنان صبيح كلش .. حوار الرسم والتاريخ
- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - بالطباشير: عمتِ صباحًا يا استاطيقا القبح