أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - بالطباشير: أنا أندهش إذًا أنا إنسان














المزيد.....

بالطباشير: أنا أندهش إذًا أنا إنسان


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2090 - 2007 / 11 / 5 - 09:38
المحور: الادب والفن
    



اندهشتُ حين انتبهتُ أن القططَ لا تندهش. لهذا قلتُ: "القطةُ لا تندهشُ/ حين تبصرُ السيدةَ تصفعُ وجهَ الطفلةِ الجميل/ لما كسرتِ الكوبَ/ القططُ لا تقدرُ أن تندهشْ/ لكن تقدرُ أن تتسلّلَ في الليل/ لتخمشَ تلك اليدْ."
والأرستقراطية والإيتيكيت يقولان لك "لا تندهش"ْ. فالاندهاشُ بدائيةٌ وقلّة تحضّر. ولم تَرُقْ لي هذه المعلومة أبدا. أدهشتني! فأنتَ حيٌّ بقدر ما تندهش. ولا تتوقف عن الدهشة إلا حينما تعرف. وهل احتوتنا المعرفةُ أو هل نحن احتوينا المعرفةَ؟ كلما ضبطتُ نفسي متلبسةً بحال دهشة أفرح. رغم غيظي من عدم الفهم، أفرح. هو لونٌ من الغيظ المُبهج. مثلما يؤلمنا أحد أضراسنا ألما خفيفا فنجزُّ عليه كي يزيدَ الألمُ قليلا. فنشعر بشيء من اللذة المشوبة بالوجع. هذا الوجع يؤكد لنا أننا نحيا ولم نمت بعد، فنودُّ تأكيدَ الألمِ لتأكيدِ الحياة! أفرحُ بدهشتي لأنها دليلي أنني أحيا وأتنفس وأتفاعل مع الوجود. مازالت أمورٌ بديهية، تحدث عشرات المرات في اليوم، تدهشني. أندهشُ كلما رأيت بطنا منتفخا لامرأة بما يشي أن ثمة شيئا ينمو داخلها الآن، وشيك الخروج إنسانا! أندهشُ من القلم يخطُّ رموزا وخطوطا، هي أفكار داخل مخي، وإذ تقعُ عليها عينا شخص آخر يعرف فورًا ما يدور برأسي! ولو فصلتني عنه الأميالُ وربما الدهور! تدهشني الذبابةُ في كابينة القطار تحتفظ بمكانها في الهواء، القطار يجري وهي ثابتة لا تصطدم بجدار الكابينة! تدهشني النملةُ تسير في خمس ثوان ما يوازي طول جسدها ألف مرة! بالقياس، كأنما إنسانا يمشي ميلا في بضع ثوان! تدهشني الغيمةُ والمطرُ والنحلةُ والورقةُ والحبُّ والكراهيةُ والموتْ. الميلادُ يدهشني أكثر من الموت. يدهشني الطميُ الأسود الكاحلُ ينشقُّ عن زهرةٍ حمراءَ وورقة خضراءَ! ويجيء العلمُ ليفسدَ عليّ كلَّ متعي. درسُ الكيمياء والفيزياء والأحياء هي ضدٌّ تعسفيٌّ تآمريّ على كل بهجات الدهشة التي أجتهدُ أن أحصلّها. العلمُ عدو الفرح. لأنني سأتعلم أن البذرة تسقط في التربة ويتولد حولها مناخٌ مناسبٌ من رطوبة وأكسجين فتنشقُّ عن جذرٍ ثم ساقٍ ثم براعمَ ثم زهرة! وأن مياه المحيطات تتبخر بفعل حرارة الشمس فتصعد إلى الأعلى وتتجمع على هيئة غيمة قد تمطر. ثم لأعرف أن القمر هذا الجميل، الذي طالما ناجيته من شرفتي وحاورتُ أرنبه الأبيض الواقف يدقُّ القمحَ في هون، إن هو إلا كوكبٌ صخريٌّ مظلم يسرق من الشمس نورها فيضيء في غفلة منها حين تنام. تبًّا!
الدهشةُ تعني السؤال، والسؤال يجيب عنه العلم. لكن تبقى أمورٌ لم يحلّها العلم، ومن ثم توجّب اشتقاق لون جديد من العلوم الإنسانية هو الإبستيمولوجيا أو نظرية المعرفة، وليس العلم. ليبقى الشاهدُ الذي يظلُّ يذكرنا على الدوام أن العلم قاصرٌ، وسوف يظلُّ قاصرا حتى يبقى العالَمُ لغزًا مُحيّرًا لنا، ونظل نندهش فنثبت، لأنفسنا، أننا بشر. ولهذا يقول هوسرل إن السؤال يبدأ بالرجوع إلى الذات قصد تحطيم المعارف الجاهزة التي يمكنها أن تكون عائقا إبستيمولوجيا ضد مشارفة الحقيقة. فعلى الإنسان أن ينشئ فلسفةً خاصة، قائمة على حدوسه المطلقة. من أجل ذلك رفض فيثاغورس أن يُدعى "حكيما" لأن الحكمة تعني امتلاك الحقيقة. ومَن يمتلكُها؟ وفضّل عليها كلمة "فيلسوف"، وهو محبُّ الحكمة، وليس مالكها. هذا التواضع المعرفيّ، والتوق الدائم إلى التعلّم، هو الذي سيولّد فيما بعد منزع الشك المنهجيّ الذي سيؤسسه ديكارت في القرن السابع عشر. لذلك تبقى الأسئلة أهم من الإجابات عليها، وكل جواب يصبح بدوره سؤالا جديدا، كما قال كارل ياسبرس. فاندهاش نيوتن من سقوط التفاحة بدلا من طيرانها في الجو بعدما تحرّرت من غصنها خلق سؤالا. ومن ثم نظرية. فهل كان نيوتن حين اندهش فيلسوفا أم عالما أم شاعرًا؟ عندي أنه كان محض إنسان تحرّر من استعمار اليقين والمُسلّمات وحسب. من هنا نقدر أن نفهم المنطق التوليديّ للسؤال السقراطي. حين كان سقراط يبادر محاوره بسؤال جدّ بسيط حول أمر شديد البداهة. ثم يتدرج الحوار خطوةً خطوة "ليولّد" أسئلةً إشكالية كبرى. فإحساس سقراط بتواضع معرفته (!) جعله يساجل رجال الدولة بحثا عن الحقيقة، محاولا أن يحطم عندهم ذلك الاعتقاد الدوجمائي بامتلاك اليقين. فلاقى ما لاقى. من الرائع أن نتحرر من الوثوقية والجاهزية والمفروضية والبداهة. ونستسلم للذة الدهشة. حيث لا شيء بديهيًّا فوق الأرض. كل شيء يصلح أن يكون محلّ سؤال. ومحل دهشة من ثم. حتى قبسة الهواء التي تدخل رئتي الآن لكي أحيا لدقيقة قادمة. هل حقًّا القطةُ لا تندهش؟



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بالطباشير: شاعرةُ الأشياء الصغيرة
- أيُّ مسلمين وأيُّ شعراءَ يا شيخ يوسف؟
- مهرجان الشعر العالمي 2007
- الشعر والطبقية - نعم للبستاني ولا للقروي!
- صعوبةُ أن تُختَصرَ في حذاء أو حقيبة
- -طنجة الأدبية- الآن في مصر والبحرين
- الأخبارُ القديمةُ ذاتُها تتكررُ مثل تبغٍ رخيص
- الفتنة في مصر- أين تنامُ؟ ومن الذي يوقظُها؟
- الحجاب، وصعوبة أن تُختصَرَ في حذاء
- عادل السيوي يقدم مرثية للعمر الجميل
- صراع التاريخ مع المصير في رواية -ينزلون من الرحبة-
- الرهان على الشباب في صنعاء- فكرةٌ نبيلة يعوزُها شيءٌ من القس ...
- راشيل كوري في يوم المرأة العالمي بمسرح الهناجر في مصر
- اسمُك راشيل كوري
- القناعُ الرمزيّ في أعمال نوال السعدواي
- عيد ميلاد سيدة النبع
- كراسة رسم
- هولاهوب
- محمود سالم رائدٌ عربيّ للرواية البوليسية لماذا لم يُترجم للم ...
- مازن


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - بالطباشير: أنا أندهش إذًا أنا إنسان