أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - محمود سالم رائدٌ عربيّ للرواية البوليسية لماذا لم يُترجم للموسوعة الفرنسية؟















المزيد.....

محمود سالم رائدٌ عربيّ للرواية البوليسية لماذا لم يُترجم للموسوعة الفرنسية؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 1366 - 2005 / 11 / 2 - 13:02
المحور: الادب والفن
    


آخذ دراجتي لأقطع شارع "9" بضاحية المعادي، حيث تقطن خالتي، تاركةً شقيقي وأبناءَ خالتي الأكبر سنًّا مني يغيبون في حدائق دجلة لاصطياد الضفادع والفراشات. أقطعُ الشارع جيئةً ورواحًا عدة مرات في محاولة للبحث عن خمسة صِبية سوف ألتقيهم حتمًا لأكون سادستهم. تختخ ومحب ونوسة وعاطف ولوزة والكلب زنجر، أبطال سلسلة أدب المغامرات البوليسية "المغامرون الخمسة" لمحمود سالم التي كانت تصدر عن دار المعارف بدءًا من عام 1968 وأعيد طبعها مرات عديدة نظرًا لنجاحها الساحق وقتئذ. ذلك الكاتب الذي لم ينل ما يستحقه من التفات يليق بمبدع أثّر بقوة في بنية أجيال متعاقبة. كنت أخفي هذه القصص داخل طيات كتب المدرسة كي أهرب من عيون أمي التي لا تراهن إلا على التفوق الدراسيّ وحسب. وأعترف أن تلك "المغامرات" أو "الألغاز" كما كنا نسميها قد رمت بذرة الخيال والتحليل المنطقي داخل عقلي الصغير الآخذ في التشكّل وقتها. ترتيب الأحداث، التحليل الزمنيّ والتعليليّ للحدث، دراسة البعد السيكولوجي والاجتماعي للشخوص الضالعين في السرد، تلك التيمات التي بوسعها أن تبني داخل عقل الناشئة في المراحل الأولى لتشكّل مكونهم المعرفي آليةَ التفكير المنهجي العقلي التحليلي وهرمونيطيقا الحدث إن جاز التعبير. وجود مثل هذا الكاتب وهذه السلسلة يرد على السؤال التي تبنته جريدة "الحياة" اللندنية منذ شهر حول غياب الرواية العربية البوليسية وأنها حِكْر على الغرب وحسب. والحال أننا لو سلّمنا بالريادة الغربية للرواية البوليسية متمثلةً في إدجار آلان بو، أو ، لو شطحنا قليلا، سوفوكليس الإغريقي في مسرحيته "أوديب ملكًا"، وكذلك لو سلّمنا بثراء المنجز الغربيّ في القصِّ البوليسي على مدار قرن ونصف منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى الآن، فإن القراءة المنصفة للمنجز العربيّ سوف تضع محمود سالم بامتياز ضمن كتّاب الرواية البوليسية أو "رواية الجريمة" كما كان يطلق عليها الأنجلو ساكسون قبل أن ينفصل هذا اللون السردي عن فن الأدب الروائيّ ليشكل جنسًا فنيًّا قائما بذاته. وعندي أن محمود سالم كتب الرواية البوليسية "الأصعب" والأكثر تفردًا عن الغرب، لأنه ببساطة توجه إلى شريحة قراء ذوي طبيعة خاصة، الأطفال والناشئة، ما يتطلب مقدرة خاصة على بناء حبكةٍ درامية تقوم بوظيفتين لا واحدة. أولاهما رسم عقدة تنكشف خيوطها عن طريق تجميع مفاتيح يلقيها السارد خفية بين السطور ليلتقطها القارئ محاولا بناء تصوّر منطقي يساعده على كشف اللغز مع آخر سطر ربما، وهذا ما تتفق عليه كل الروايات البوليسية. وثانيتهما محاولة الكاتب، بوصفه متوجها إلى عقول في طور النمو، أن يبذر ميكانيزم "الشك" والتفكير والتعقّل داخل عقل القارئ فيأخذ به من خانة "النقل" القاتلة إلى خانة "العقل" التي من شأنها خلق نواة العالِم والمفكر لو اكتملت شروط تخلّقه. الميزة الأخرى التي تميزت بها روايات محمود سالم عن غيرها من روايات الجريمة الغربية أن أبطال العمل صِبية ثابتون في كل عمل، وهذا يوفر على القارئ منطقة الديباجة التي تمهد لرسم شخوص العمل كل مرة، فيكون "اللغز" أو العقدة هو البطلَ الحيَّ في كل رواية. وكون الأبطال صبية صغارًا، يخلق شيئًا طريفًا من التناقض والمفارقة، حيث يقوم خمسة من الأطفال بعمليات "عصف ذهني" Brain Storming يجمع بين الذكاء والبراءة في آن، ما يكرّس حقيقة ذكاء الطفل المصريّ وتميزه بين أطفال العالم. ولأن الكاتب يتوسل صِبية صغارًا كشخوص لعمله ولأنه يتوجه إلى صبية صغار كقراء له، فقد كان عليه اختيار النهج الأصعب في تناول الجريمة، وهو عدم ورود أي لون من ألوان العنف الجسدي في قصصه، إذ لم نر في سلسلة روايات محمود سالم، التي ربت عن المائة، ذكرًا لخنجر أو مسدس أو نقطة دم واحدة، بل تتكئ حبكة حل الشفرة جميعها على التحليل والمنطق والإيقاع بالمجرم عن طريق الخدعة وحدها لا بالعنف ثم تقديمه إلى العدالة للقصاص. وهذا يدفعنا إلى الكلام عن أخطر وأهم ما يميز تلك المجموعة البديعة التي استلبتني في بداياتي الأولى حتى قبل أن أتقن عملية القراءة وهو تسريب بذرة "الجمال" في روح الطفل في غفلة منه ودون وعي، بوصف الجمال معادلا للحق والخير والعدل. كيف استطاع الكاتب أن يخلق حفنة من الأطفال مشروعُهم الرئيس في الحياة هو تكريس الجمال والعدل والحق في محيطهم الصغير الرحب؟ شخوصه الذين رُسموا ببراعة جعلتني أوقن من وجودهم بالفعل معنى أن أحيا بأمل اللقاء بهم ذات صدفة مُفرحة ومشاركتهم المغامرة.
أعتبر أنني أنتمي إلى جيل محظوظ توفرت له مقومات إثراء الخيال. سلسلة "المكتبة الخضراء" التي أصدرتها دار المعارف أيضًا هي أحد أهم الروافد التي ساهمت في تخصيب خيالنا. حكايا الجنيات والأميرات والساحرات كونت البنية الميتافيزيقة الفانتازية داخل عقولنا، في حين كوّنت روايات محمود سالم البنية الواقعية المنطقية التحليلية. أطفال اليوم تعساء رغم توفر ميديات تكنولوجية مبهرة لأن وجود الصورة مكتملة عبر الفيديو والكمبيوتر يعطّل عمل الخيال فيتحول الطفل إلى "مستقبِل" كسول غير فاعل في حين كان على أطفال جيلي أن يُعملوا المخيال كي يتمموا الصورة التي يرسمها لنا السرد بالكلمات.
أما الأمر المحزن بالفعل فهو غياب العرب كليّةً عن " موسوعة الآداب البوليسيّة" التي أصدرتها دار النشر الفرنسية "جوزيف ك". وهي موسوعة مؤلّفة من جزءين حول القص البوليسي في العالم. وبسؤاله عن غياب الأدب العربي أجاب المشرف على الموسوعة كلود ماسبلاد لصحيفة "الحياة" قائلا: "إنّ الموسوعة موجّهة إلى القارئ الفرنكوفوني، لذلك لم يتمّ الاعتماد إلاّ على النصوص البوليسيّة المكتوبة باللغة الفرنسيّة، أو المترجمة إلى الفرنسية". ويؤكد ماسبلاد أنّه على استعداد لإضافة قسم خاصّ بالأدب البوليسي المكتوب بالعربيّة في الطبعة المقبلة لو وُجد من يقوم بالترجمة أو تولى مهمّة التعريف بهذا الأدب". فهل أنتهز هذه الفرصة وأرجو د. جابر عصفور أن يكلّف مجموعة من المترجمين بالعمل على إنجاز نسخة فرنسية من سلسلة "المغامرون الخمسة" عبر المشروع القومي للترجمة حتى يتسنى للعرب دخول هذه الموسوعة؟
"كوب الليمون المثلج" كلما قرأت تلك العبارة لابد أن أتذكر هؤلاء المغامرين، سيما "لوزة" التي كانت تقاربني في العمر وهي تحمل الكوب للمفتش سامي الأب الروحي للفريق. وحين شاهدت محمود سالم قبل أيام على قناة النيل الثقافية أحسست بضرورة عمل مداخلة تليفونية كي أعترف له بفضله على طفولتي التي ركضت طويلا في شارع 9 باحثةً عن تختخ ولوزة وسائر رفاقي المفترضين الحقيقيين.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مازن
- ضرورةُ أن تكونَ النهاياتُ حاسمة
- ما لم تحكه شهرزاد
- بيجاما
- خاتمٌ من أجل نائلة
- شهادة
- جريدة-الرأي العام- السودانية تلتقي فاطمة ناعوت
- فانتازيا التاريخ ... شعرًا - -الغرام المسلّح- لحلمي سالم
- اللغة والإنسان في تجربة الشاعر عماد أبو صالح
- استقطار الطاقة الصوفية للحرف العربيّ -لسان النار- لـ أحمد ال ...
- مجلة -آخر ساعة- المصرية تحاور فاطمة ناعوت
- نساء شكسبير للكاتب المصري الكبير رجاء النقّاش
- وهكذا أصبحت كائنًا مهذبًا جدًّا
- -زمنٌ للسجنِ، أزمةٌ للحرية- الشاعر -علي الدُميني- يُغنّي في ...
- اللّون
- -محكمـة !!-
- منْ وراءِ الحُجُرَاتْ
- البعيــد
- المرأة بين الكتابة والمجتمع
- كلُّ مكانٍ لا يُؤنّثُ، لا يُعوّلُ عليه


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - محمود سالم رائدٌ عربيّ للرواية البوليسية لماذا لم يُترجم للموسوعة الفرنسية؟