أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - ما لم تحكه شهرزاد















المزيد.....

ما لم تحكه شهرزاد


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 1307 - 2005 / 9 / 4 - 11:33
المحور: الادب والفن
    


عملٌ مسرحيّ جديد يحملُ رسالةً شديدةَ اللهجة إلى كل الأنظمة السياسية الفاسدة. حيث شهرزادُ تبرحُ موقعَها التاريخيّ الأشهرَ كراويةِ أساطيرَ للملكِ الغارقِ في دم عذراواته اللواتي يُطاح برؤوسهن ليلة العرس، وتتحول إلى لسانِ حالِ الشعب المقموع الذي احتجبَ صوتُه عن مليكه بمعرفة بطانة البلاط التي زينت له كذبًا أن الشعب يؤازره وأنه لو "وقف على رسائل تأييده منهم لبلغ الشمس". "حكايا لم تروها شهرزاد" من تأليف الكاتب الشاب علاء عبد العزيز سليمان، وإخراج حسام الشاذلي.تُعرض على خشبة مسرح الجمهورية هذه الأيام من إنتاج مسرح السلام التابع للبيت الفني للمسرح بالقاهرة.
تُعدُّ شهرزاد، ابنة بغداد، إحدى أكثر الشخصيات النسائية إلهامًا لمخيّلة الأدباء والفنانين عبر العصور. ربما لما تحمله قصتُها ذاتُها، فضلا عن قصصِها الألف التي نسجها خيالُها، من تيمات فنية أدبية رفيعة توشّج الفانتازيا بالواقع بالفجائعية في إطار يجنح نحو الملحمية والروايات الدائرية التي تولّد بعضُها بعضًا.
كانت شهرزاد التاريخ تنسج في كل نهار حكايةً من خيالها كي تقصَّها على الملك في الليل. وطرافةُ الرواية كانت شرطًا للإبقاء على عنقها. فالملك الملول يريد أن يسمع ما يُدخل السرور إلى نفسه، والمقايضة هنا أن كلَّ حكايةٍ مسليّة تساوي رقبة عذراء تُعتَق هذه الليلة. أما شهرزاد الجديدة، بطلةُ مسرحيتنا، فقد تفننت في تعذيب الملك بحكايا مؤلمة أقضّت مضجعه، لأنها ببساطة لم تكن سوى واقع الرعيّة خارج أسوار القصر العالية التي حجبت عن الملك صوتَ الجوع والقهر. والملك يُبقي على رقبة راويته السادية، التي عرفت كيف تنفذ إلى بذور الألم داخل مولاها فتفجرها فما يكون منه إلا طلب المزيد من الألم، لأن رغبتَه في معرفة ما لا يعرف عن بلاده كانت قد هيمنت عليه.
وكأن المسرحية مونودراما أحادية أجادَ أداءها الأبطال الثلاثة. كأن خشبة المسرح لم يطأها سوى شهريار الملك المغدور بتركيبته النفسية الملتبسة، الذي لعب دوره سامي عبد الحليم سوى أن كلاً من البطلين الآخرين مثّل أحدَ الخيوط الخافية داخله. رغدة، بأدائها الجاد ولغتها العربية السليمة وملامحها التي تجمع بين الفتنة الآسرة والحدّة البريّة، مثّلت "الأنا العليا" للملك، أو الشقّ النقيّ اللوّام. ذلك الضمير الذي أثقلته نكبةُ خيانةِ "ريحانة"، زوجته الأولى، مع العبد الزنجيّ من جهةٍ، ومن جهة أخرى بطانةُ القصر من وزراء وأمراء الذين كانوا يزيدون من موات ضميره، إلى أن جاءت شهرزاد لتعيدَ الحياةَ إليه ولو بعد فوات الوقت. أما "مسرور" السيّاف، الذي لعب دوره أحمد السعدني، فقد مثّل الشقَّ الدمويّ المتألم في الملك، الشق الذي استسلم لفجيعته الخاصة فألهته عن مصير أمة كاملة ترزح تحت الظلم والخوف والجوع وكراهية الغد. ويظلُّ الشِّقان يعتركان طوال الوقت داخل نفس الملك: شق الضمير متمثلا في شهرزاد، والشق المظلم الناقم متمثلا في مسرور، عبر حوار شعري جميل لولا بعض الهِنات اللغوية والنحوية، وكذا إصرار المؤلف على وزن الحوار على تفعيلة "الخبب" فوقع في الكثير جدا من كسورات الوزن بينما كان بوسعه أن يجعل المسرحية كلها منثورة!
من الملاحظ أن المخرج لم يصرّ على وضع مقطوعة شهرزاد للروسي "كورساكوف" كخلفية موسيقية للعمل، وربما تعمّد ذلك حتى لا تأخذنا الموسيقى الآسرة إلى مرافئ الخيال البعيدة، بينما هو يريد أن يضع أيادينا، بكل قسوة، على الواقع بكل مفرداته ومعاصرته بعيدًا عن الجو الأسطوري الحالم الذي وسم "ألف ليلة وليلة"، فاستبدل بكورساكوف موسيقى تنحو نحو الإيقاعات الإفريقية الرعوية! وربما كان لديه أسبابه الخاصة لذلك، مثل بثِّ الوجل والترقّب في قلب المشاهِد لتنبيهه إلى أن ما يحدث في أنظمتنا العربية الراهنة لأشبه ما يكون ببدائية القبائل التي تنتهج مبدأ البقاء للأقوى.
الديكور لم يتغير طوال العرض، وهذه إن كانت مأخذًا فنيًّا بوجه عام حيث من ملامح المسرح الجيد تبديل المناظر والديكور حتى لا يشعر المشاهد بالرتابة، إلا أنني أستطيع أن أفهم أن قصدية المؤلف من وراء ذلك هو تكريس التركيز على الغرفة الوحيدة التي تمت فيها المأساةُ كاملةً. مخدع الملك. الذي يمثل بؤرة تكوّن مأساته الخاصة التي انعكست تداعياتُها على شعب بأسره. وربما "المخدع" لو رددناه إلى جذره اللغوي سيكون هو المطبخ الذي تُنسج فيه "الخدع" للملك كي يتصور أن شعبه ينعم بالرفاه ويبارك زعامته آناء الليل وأطراف النهار فيما الحقيقة نقيض ذلك.
من الملامح الجيدة في المسرحية عدم وقوع المؤلف في شرك الاعتقاد بصفاء النوازع الإنسانية. فلا شيءَ تامَ البياض ولا تامَ الظلام في منظومة البشر. جعلنا الحوار نستشف جوانب الخير الخبيئة في نفس الملك السابح في دم الأبرياء، فكل ظالم وراءه محنةٌ كبرى ربما لو رفعنا النقاب عنها وهبناه شيئا من التعاطف. وكذا "مسرور" الذي كانت متعته اليومية الأولى هي إطاحة رأس إحدى الجميلات، استطاعت شهرزاد، بمقدرتها على الغور عميقًا داخل نفسه، أن تكشف مناطق الضعف والانكسار. وأما شهرزاد، رغم كونها الجانب المضيء في كل الحدوتة، فلم تخلُ كذلك من بعض الغبار الذي نقضَ خرافةَ البياضِ الكامل حين اعترفت بدخولها القصر، ليس فقط في محاولة انتحارية منها لحقن دم عذراوات جدد، بل أيضًا للانتقام من الملك الذي أطاح بعقل حبيبها المنكوب.
الحوار يحمل صورًا شعرية رفيعة وجملا موجعة ذات دلالات قوية، مثلما تقول شهرزاد في مونولوجها الطويل حين سألها مسرور لماذا تهتم بالفقراء هي الموسرة الثرية:
"لا تعرف أن النار لمّا تتوحش لا تختار/ فحرير القصر وقش الكوخ في جوف النار لهما نفس الطعم/ حين تثور ألسنة اللهب النائم تحت رماد الذل فسرير الداعر ومهد الطفل لحظتها سواء/ في زمن الفوضى هل يسأل من جاع سنينًا (صحيحها:سنينَ) نفسه إن كان ما يسرقه فضلٌ (فضلاً) من مائدة التخمة أم بعضٌ (بعضًا) من قوت يتامى؟/ أقسم بالله أنْ لا/ في زمن الفوضى هل يقدر من كَبت الفقرُ رغبتَه في امرأة يحضنها أن يفْرِقَ ما بين بغىٍ تتمطى إغراءً وبين الحرة تتلوى حزناً لفقيدٍ مات؟/ أقسم بالله أنْ لا."
وكذا حوارها مع شهريار حين حكت له عن شعبه بما أدهشه:
"وكأنكِ تتحدثين عن أناس لا أعرفهم / حقاً مولاي، إنك فعلاً لا تعرفهم / إنه شعبي / شعبك صار مجرد أرقام في دفتر جواسيس الشرطة/ هذى كلمات السِّفلة، الثوار/ أخشى أن من تعنيهم بالسفلة قد صاروا كل الناس/ هذا جنون، لا يطمع كل الناس بنيل الحكم /هم أضعف من أن يبغون(يبغوا) الحكم / ماذا يبغون؟/ الخلاص."
حوار محكم بليغ وسمَ العمل كلّه، لولا السقطات النحوية والعروضية العديدة التي ما كان أسهل على هذا المؤلف الواعد أن يتجنبها عن طريق الاستعانة بمراجع لغوي يضبط النحو والصرف، وما كان ملزمًا بكتابة المسرحية موزونة فيرتكب تلك الخروجات العروضية.
بقى أن أحيي شابًا مثل علاء عبد العزيز أن تصدى لكتابة عمل يحمل رسالة عالية المضمون ومحايثة لمرحلة صعبة تحياها البلاد هذه الأيام عوضًا عما نراه من ترهات في مسرحيات وأفلام المشهد الراهن، تلك المواد التي تعمل جاهدة على تفريغ عقل المشاهد من أي احتمال للتأمل وتصحيح الوضع. وبقى أن أحيي المخرج حسام الشاذلي الذي أخرج لنا العمل على نحو فني جميل حيث الحوار بين الممثلين مضبوطٌ، بلا ملقّن، دون ارتباكات أو سهو أو تداخل مما يصدمنا كثيرًا في مسرحيات أخرى، مما يشي بجدية كل فريق العمل وكثافة مدة البروفات. وكذا الممثل سامي عبد الحليم الذي جاء أداؤه موحيًّا وطليقًا. وأخيرًا رغدة، النموذج الجميل للفنان المثقف العضوي الجاد ذي الموقف، وأحيي لسانها العربي الطليق، رغم الهنات، فرغدة شاعرة أيضًا. تحية عميقة لكل فريق عمل لو طالت مدة عرضه قليلا، ولو تحمس لمشاهدته جمهور أكبر، لربما يلقي حجرًا في بركةٍ راكدة.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيجاما
- خاتمٌ من أجل نائلة
- شهادة
- جريدة-الرأي العام- السودانية تلتقي فاطمة ناعوت
- فانتازيا التاريخ ... شعرًا - -الغرام المسلّح- لحلمي سالم
- اللغة والإنسان في تجربة الشاعر عماد أبو صالح
- استقطار الطاقة الصوفية للحرف العربيّ -لسان النار- لـ أحمد ال ...
- مجلة -آخر ساعة- المصرية تحاور فاطمة ناعوت
- نساء شكسبير للكاتب المصري الكبير رجاء النقّاش
- وهكذا أصبحت كائنًا مهذبًا جدًّا
- -زمنٌ للسجنِ، أزمةٌ للحرية- الشاعر -علي الدُميني- يُغنّي في ...
- اللّون
- -محكمـة !!-
- منْ وراءِ الحُجُرَاتْ
- البعيــد
- المرأة بين الكتابة والمجتمع
- كلُّ مكانٍ لا يُؤنّثُ، لا يُعوّلُ عليه
- ما وراء كتاب الشوباشي
- سوء الظن بالنفس وبالآخر
- لمن تُقرَع الأجراس في باريس ؟


المزيد.....




- فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - ما لم تحكه شهرزاد