أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - بالطباشير: لفرط حضورِكَ، لا أراك!














المزيد.....

بالطباشير: لفرط حضورِكَ، لا أراك!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2150 - 2008 / 1 / 4 - 11:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يسألُ أحدُ التلامذة أستاذَه: لماذا لا توجّه لي أيَّ سؤال مثل بقية طلاب علمِك ومحاوريك؟ فيجيب سقراطُ بعدما انتبه لحضوره فجأة: لم تتكّلمْ لأراك! تكلمْ حتى أراك. التلميذُ حاضرٌ حضورا فيزيقيًّا وجسده مرئيٌّ، لكنّ عقله غيرُ مرئي، فغاب الجسد أيضًا. لأن العقل هو أداة الحضور الوحيدة في حلقات النقاش وجلسات الحوار. الكلامُ يمنح الإنسانَ حضورا نعم، لكن ثمة كلاما يسلب قائلَه الحضورَ فيغيب رغما عن /أو بسبب فائض القول والثرثرة. الحضورُ الكثيف لونٌ من الغياب كثيفٌ أيضا. رُبَّ صَموت حضورُه أكثفُ من اللاغطين، إذ يعرف متى يتكلم وكيف وفيمَ يتكلم، ومتى يصمت ويحسن الإنصاتَ والتأمل. الكلامُ فنٌّ، والصمتُ فنٌّ أصعبُ وأرقى.
الغيابُ الكثيف حضورٌ كثيف. ولذلك نتذكر موتانا ونجعل منهم أيقونات بعد رحيلهم، فيكون حضورهم ربما أكثف من الأحياء. ننسى أخطاءهم ونراهم ملائكة. الموتُ يجمّل البشر ويُلبسهم غلالةً من قداسة وسمو. في رواية "تلصص" لصنع الله إبراهيم كان الطفل يتذكر أمَّه الغائبةَ وأقوالها طوال الوقت. فكانت حاضرةً أكثر من أبيه الحي.
وتُعلمنا النظرية الماركسية أن أقصى اليسار هو أقصى اليمين. الأبيض في أسفل درجاته أسود، والأسود في أعلى درجاته أبيض. الأبيض يحوي كل الألوان ويعكسها معا، والأسود يمتصٌّ كل الألوان ولا يعكس شيئا. الحضورُ المطلق والغياب المطلق شبيهان وصنوان. وبينهما ثالثٌ مرفوع وسيط. وباهت.
"المغامرون الخمسة" مجموعة ألغاز لمحمود سالم كنا نقرأها في طفولتنا الأولى. علمتنا لعبةً جميلة. مشبكٌ صغير يخفيه أحد الصبْية وعلى بقية المشاركين أن يجدوه. من يجده يفوز ويحلُّ دورُه ليخبئه وهكذا. وكان واحدهم ذكيا بحيث شبكَ المشبكَ في صدر قميصه فلم يره أحد. الكل يبحث في الأمكنة الخبيئة ولم يدر بخلد أحد أن تكون ضالتُه شديدةَ الحضور وفي مجال رؤيته!
هذا شرخٌ في الجدار المواجه لمكتبي الآن. موجودٌ منذ سنوات لا ريب. موجود لدرجة أنني لم أعد أراه. مثلما لا نرى السلّم الذي نهبطه ونرتقيه يوميا كوسيلة التواصل الوحيدة بالحياة. هو حاضرٌ جدا إلى درجة الغياب جدا. ومثلها كل أعضاء جسدنا التي لا نشعر بها إلا حين تغيب فننتبه أنها (كانت) موجودة. مَن منّا أرسل تحية الصباح لقلبه الذي يخفق دون كلل منذ ثلاثين أو خمسين أو سبعين عاما، أو رئتيه اللتين تصفيان له الأكسجين طوال الوقت، أو بنكرياسه أو كبده اللذين يخلصانه من سموم الدنيا؟ هي أشياء تعودنا وجودها كأنها حتمٌ مقدور وحقٌّ مشروع لا حاجة لنا بتأمل جمال حضورها. لكن مريض الفشل الكلويّ له رأي آخر حتى لتكاد عيناه تخترقان أجساد البشر لتطمئنا أن ثمة كليتين في الداخل تعملان بكفاءة. ثمة كليتان حاضرتان، في مقابل كليتيه الغائبتين. معتادون على حضور أشيائنا فننساها. لأن الاعتياد يقتل الحضور. ولذا هو عدو المبدعين الأول فيحاولون دائما قتله لكي تحضر الأشياء ومن ثم تحضر الدهشة فالإبداع.
يُقال إن المرأة ترى التفاصيل فيما الرجل يرى الكليّات وتغيب عنه دقائق الأشياء. وأقول: "ليس الرجلُ كالمرأة/ النساءُ يعرفن الزهرَ، والرجالُ لا يفطنون إليه/ إلا بعدما يذوبُ بين أصابعهم/ مخلّفًا طيبَه/ فيقولُ واحدُهم:/ كانت هنا زهرة!".
وتقول النكتة المصرية: "مرة واحد من حرّاس الحدود كان بيعدى عليه كل يوم واحد راكب عجلة (دراجة) وفيها جردلين (دلوان) رمل. فكان الحارس يقعد يفضى الجرادل علشان فاكر ان الراجل بيهرب فيها مخدرات لكن مكانش بيلاقى فيها غير رمل بس ...كل يوم عالحال ده ..لغاية ما زهق..وبعدين جه فى مره اجبره ع الاعتراف باللى بيهربه فقال له انا باهرب عجل!"

جريدة "الوقت" -البحرين



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بالطباشير: عِقابُ المرايا
- بالطباشير: يا قمر على دارتنا
- بالطباشير: عمتِ صباحًا يا استاطيقا القبح
- بالطباشير: أنا أندهش إذًا أنا إنسان
- بالطباشير: شاعرةُ الأشياء الصغيرة
- أيُّ مسلمين وأيُّ شعراءَ يا شيخ يوسف؟
- مهرجان الشعر العالمي 2007
- الشعر والطبقية - نعم للبستاني ولا للقروي!
- صعوبةُ أن تُختَصرَ في حذاء أو حقيبة
- -طنجة الأدبية- الآن في مصر والبحرين
- الأخبارُ القديمةُ ذاتُها تتكررُ مثل تبغٍ رخيص
- الفتنة في مصر- أين تنامُ؟ ومن الذي يوقظُها؟
- الحجاب، وصعوبة أن تُختصَرَ في حذاء
- عادل السيوي يقدم مرثية للعمر الجميل
- صراع التاريخ مع المصير في رواية -ينزلون من الرحبة-
- الرهان على الشباب في صنعاء- فكرةٌ نبيلة يعوزُها شيءٌ من القس ...
- راشيل كوري في يوم المرأة العالمي بمسرح الهناجر في مصر
- اسمُك راشيل كوري
- القناعُ الرمزيّ في أعمال نوال السعدواي
- عيد ميلاد سيدة النبع


المزيد.....




- صحة غزة: تسجيل أعلى حصيلة قتلى منذ أسابيع وسط دراسة إسرائيل ...
- نتيجة مثيرة للقلق.. دراسة تكشف الآثار الصحية لامتلاك الأطفال ...
- ماذا نعرف عن -حصار السويداء- ؟
- نيسان تبهر العالم من جديد: سيارة كهربائية بمحرك بنزين
- خطة حصر السلاح.. بين حسم لبنان الرسمي ورفض حزب الله
- مرصد حقوقي ينذر بمذابح جماعية -غير مسبوقة- إذا نفذت إسرائيل ...
- واشنطن تعلق إصدار التأشيرات لمواطني بوروندي بسبب -انتهاكات م ...
- رجل أعمال مقرب من زعيم المعارضة النيجيرية يثير قلق الرئيس وح ...
- مظاهرات في النمسا تطالب بقطع العلاقات مع إسرائيل
- مستوطنون يشرعون بإقامة بؤرة استيطانية غرب الخليل


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - بالطباشير: لفرط حضورِكَ، لا أراك!