أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - فاطمة ناعوت - بالطباشير: أنا الأديبُ الألْمَعيُّ مِنْ حَيِّ أَرْضِ المُوصِلِ














المزيد.....

بالطباشير: أنا الأديبُ الألْمَعيُّ مِنْ حَيِّ أَرْضِ المُوصِلِ


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2157 - 2008 / 1 / 11 - 11:09
المحور: الصحافة والاعلام
    


البحور الخليلية التي كانت تنتظم قصائد الشعراء العموديين، كانت، بوصفها قالبا مُقيّدًا للشاعر، تمنحه بعض الميزات، مثلما تسلبه شيئا من حريّة التحليق في أفق الكلمة. أولى المزايا سهولةُ الحفظ كونها على تفعيلات محددّة سلفا، وقافية. بينما يصعب على الشاعر الجديد أن يستدعي قصيدته من الذاكرة كونها جنحت عن القانون المنتظم للساكن والمتحرك. كذلك يسّرَ الشعراءُ القدامى على أنفسهم قليلا بابتكار الزحافات والعلل، بل وبعض الإجازات اللغوية مثل تنوين الممنوع من الصرف حتى ينتظم الوزن العروضي. التقيتُ مرة شاعرا يكتب قصيدة النثر وقد صرف ممنوعا بقوله: دخلتُ (حدائقًا) غنّاء. فسألتُه: لماذا لم تقل "حدائقَ"؟ فقال: العرب أجازوا صرفها. فقلتُ له: تأدّبْ يا صاحبي، كانت عليهم قيودٌ أجازت لهم ما لا يُجازُ لنا وقد تحررّنا من العروض، أما آن للقصيدة الجديدة أن تعيد الأجرومية النحوية، على الأقل، إلى جادتِها؟ فغضب مني.
وتفنّن العرب بالفعل في قصائدهم وفي تغريبها. مثلما جمع امرؤ القيس في بيت واحد متواليةَ أفعال في قوله: "أفادَ وجادَ وسادَ وزادَ/ وذادَ وفادَ وعادَ وأفضل". ونلحظ أن كل كلمة في ذاتها هي جملة مفيدة من فعل وفاعل (أفاد هو- وجاد هو، الخ). ثم جاء المتنبي بالأعجب حين حشد أربعة عشر فعل أمر في بيت: "أقِلْ أنِلْ اِحملْ سَلْ أعِدْ/ زِدْ هِشْ بِشْ تفضلْ أدنِ سُرّ صِلْ". ولما بلغه أن الناس تعجبت زادهم عجبا ونظم بيتا من أربعة وعشرين فعل أمر: "عِشْ ابْقِ اِسْمُ سُدْ قُدْ جُدْ مُرْ إنهِ رِ فِ اِسْرْ نُلْ/ غُظْ اِرْمِ صِبْ احمِ اغزِ أسبِ رِعْ زِعْ دِ لِ اثنِ نِل". ولكل فعل أمر مما سبق معنى سليمٌ ومنطقي يحثّ على طيب الخصال جميلها فمثلا "لِ" تعني كن واليًا على الناس بالعدل، "فِ" يعني كن وفيًّا، "دِ" كن كريما واحمل الديات لأتباعك، الخ. وإن كانت من مزايا العمود، بالنسبة إلى الشاعر، سهولة الحفظ والاسترجاع من الذاكرة، فإن حكاية الأصمعي مع أبي جعفر المنصور تنقض هذه الظاهرة. أبو سعيد الأصمعي الشاعر العباسيّ الذي كُنيّ بشيطان الشعر، وراوية العرب، قال عنه الأخفش: ما رأينا أحدا أعلم بالشعر منه، وقيل في رثائه: "لا دَرَّ دَرُّ نباتِ الأرضِ إذ فُجِعَت/ بالأصمعيِّ لقد أبقتْ لنا أسفا/عِشْ ما بدا لك في الدنيا فلست ترى/ في الناس منه ولا في علمه خَلفا". كان الخليفة المنصور يحاول حفظ أموال الدولة التي كانت تُغدق على الشعراء بغير حساب فسنّ قانونا ألا يُجزى إلا الشاعر الذي يأتي بقصيدة لا قِبل بحفظها. لو أتى بها شاعر أخذ زنةَ ما كُتبت عليه ذهبا. وكان يحفظ الشعر بمجرد سماعه مرة، ولديه غلام يحفظه من مرتين، وجارية من ثلاث. فكان يستعيد القصيدة رأسا بعد سماعها من الشاعر، ثم يعيدها الغلامُ وقد سمعها مرتين، من الشاعر ومن الخليفة، ثم الجارية بعد سماعها مرات ثلاث، بإضافة استظهار الغلام. حزن الشعراءُ فما كان من الأصمعي، وكان من ندماء الخليفة، إلا أن تنكّر في زي إعرابي رث الهيئة مشوش الشعر ملثّم ودخل على الخليفة وقرأ قصيدته: "صَوتُ صفيرِ البُلبُلِ هَيَّجَ قلبي الثَّمِل/ِالماءُ والزّهرُ معاً مَعْ زَهرِ لَحْظِ المُوقَلِ/وأنتَ يا سيِّدَلي وسيِّدي ومَوْلَى لِي/فَكَمْ فَكَمْ تَيَمُّني غُزَيِّلٌ عَقَيْقَلي/قَطَّفتَهُ مِنْ وَجْنَةٍ مِنْ لَثْمِ وَرْدِ الخَجَلِ/فقالَ لا لا، لا لا لا فَقَدْ غَدا مُهَرْوِلِ/والخُوذُ مالَت طَّرَبَنْ مِنْ فِعْلِ هذا الرَجُلِ/فَوَلْوَلتْ وَوَلوَلَتْ وَلي وَلي ياوَيْلَلي/فَقُلتُ لا تُوَلْوِلي وبَيِّني اللُؤْلُؤَ لي/قالتْ لَهُ حينَ كذا انهَضْ وجِدْ بالنُّقَلي/وَفِتْيَةٍ سَقَوْنَني قَهْوَةً كَالعَسَلَ لِي/شَمَمْتُها بِأَنَفي أَزْكى مِنَ القَرَنْفُل/ِفي وَسْطِ بُسْتانٍ حُلي بالزَّهْرِ والسُرُورُ لي/والعُودُ دَنْدَنْ دَنَا لي والطَّبْلُ طَبْطَبْ طَبَ لي/طَبْ طَبِطَبْ طَبْ طَبِطَبْ طَبْ طَبِطَبْ طَبْطَبَ لي/والسَّقْفُ سَق ْسَقْ سَقَ لي والرَّقْصُ قَدْ طابَ لي/شَوى شَوى وشاهِشُ على وَرَقْ سِفَرجَلي/وغَرَدَ القِمْر يَصيحُ مَلَلٍ في مَلَلِ/وَلَوْ تَراني راكِباً على حِمارٍ أهْزَلِ/يَمْشي على ثلاثَةٍ كَمَشْيَةِ العَرَنجِل/ِوالناسْ تَرْجِمْ جَمَلي في السُوقْ بالقُلْقُلَلِ/والكُلُّ كَعْكَعْ كَعِكَعْ خَلْفي وَمِنْ حُوَيْلَلي/لكِنْ مَشَيتُ هارِباً مِن خَشْيَةِ العَقَنْقِلي/إلى لِقاءِ مَلِكٍ مُعَظَّمٍ مُبَجَّلٍ/ يَأْمُرُني بِخَلْعَةٍ حَمراءْ كالدَّم ْدَمَلي/أَجُرُّ فيها ماشِياً مُبَغْدِداً للذِّيَلِ/أنا الأديبُ الألْمَعي مِنْ حَيِّ أَرْضِ المُوصِلِ/نَظِمْتُ قِطْعاً زُخْرِفَت ْيَعْجزُ عَنْها الأدْمُلِ/أَقُولُ في مَطْلَعِها صَوْتُ صَفيرِ البُلْبُلِ."
أسقط في يد المنصور وأخفق في حفظها فقال هاتِ أوراقك نَزِنُها لك ذهبا، فقال الأصمعي: لم يكن لدي أوراق فنحتُّها على عمود رخاميّ ورثته عن أبي، يحمله بالخارج أربعةُ رجال وناقة. وأفرغ خزانة الدولة في جيبه.




#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بالطباشير: اِسفكسيا الجمال
- قطعة من الفراغ-قصائد إيميلي ديكينسون
- صقيعٌ لم يَحُلْ دونه أحد
- الدينُ لله، فهل الوطنُ للجميع؟
- بالطباشير: لفرط حضورِكَ، لا أراك!
- بالطباشير: عِقابُ المرايا
- بالطباشير: يا قمر على دارتنا
- بالطباشير: عمتِ صباحًا يا استاطيقا القبح
- بالطباشير: أنا أندهش إذًا أنا إنسان
- بالطباشير: شاعرةُ الأشياء الصغيرة
- أيُّ مسلمين وأيُّ شعراءَ يا شيخ يوسف؟
- مهرجان الشعر العالمي 2007
- الشعر والطبقية - نعم للبستاني ولا للقروي!
- صعوبةُ أن تُختَصرَ في حذاء أو حقيبة
- -طنجة الأدبية- الآن في مصر والبحرين
- الأخبارُ القديمةُ ذاتُها تتكررُ مثل تبغٍ رخيص
- الفتنة في مصر- أين تنامُ؟ ومن الذي يوقظُها؟
- الحجاب، وصعوبة أن تُختصَرَ في حذاء
- عادل السيوي يقدم مرثية للعمر الجميل
- صراع التاريخ مع المصير في رواية -ينزلون من الرحبة-


المزيد.....




- السعودية.. الديوان الملكي: دخول الملك سلمان إلى المستشفى لإج ...
- الأعنف منذ أسابيع.. إسرائيل تزيد من عمليات القصف بعد توقف ال ...
- الكرملين: الأسلحة الأمريكية لن تغير الوضع على أرض المعركة لص ...
- شمال فرنسا: هل تعتبر الحواجز المائية العائمة فعّالة في منع ق ...
- قائد قوات -أحمد-: وحدات القوات الروسية تحرر مناطق واسعة كل ي ...
- -وول ستريت جورنال-: القوات المسلحة الأوكرانية تعاني من نقص ف ...
- -لا يمكن الثقة بنا-.. هفوة جديدة لبايدن (فيديو)
- الديوان الملكي: دخول العاهل السعودي إلى المستشفى لإجراء فحوص ...
- الدفاع الروسية تنشر مشاهد لنقل دبابة ليوبارد المغتنمة لإصلاح ...
- وزير الخارجية الإيرلندي: نعمل مع دول أوروبية للاعتراف بدولة ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - فاطمة ناعوت - بالطباشير: أنا الأديبُ الألْمَعيُّ مِنْ حَيِّ أَرْضِ المُوصِلِ