أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - فاطمة ناعوت - ترويضُ الشَّرِسة














المزيد.....

ترويضُ الشَّرِسة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2303 - 2008 / 6 / 5 - 10:25
المحور: الصحافة والاعلام
    


اثنان يثيران غَيرتي. تَهذُّبًا أقول "أغبِطُهما". إذ يخبرنا المعجمُ أن الغِبطةَ هي تمنّى شيء طيب يمتلكه الآخر، أما الحسد، معاذ الله، فهو تمنّي زوال هذا الشيء من الآخر. اثنان من مبدعيْ مصرَ. أوّلُهما روائيٌّ وأستاذ، والثاني شاعرٌ ومجايلٌ. إبراهيم أصلان، وعماد أبو صالح.
والحقُّ أن كليهما مثيرٌ للغَيرة على مستوى الإبداع الرفيع الذي لا يشبه إلا نفسَه. لكن سرَّ افتتاني بهما قائمٌ أيضا في مستوى تعاملهما الفريد مع اللغة العربية. كثيرٌ من الأدباء يُشَبّه فعلَ الكتابة بمراودة أنثى عن نفسِها! فيقول شاعرٌ: راودتُ القصيدةَ حتى أسلمت لي نفسَها، الخ. ورغم نفوري من التشبيه، إلا أن المقصودَ هو أن اللغةَ هي المحبوبةُ، والكاتبَ هو المُحبُّ الصَّبُّ. على أن افتتانَ الكاتبِ باللغة قد يوقعه تحت وطئتها فتحكمُ عليه شِباكَها، لكن بعض الكتّاب "الكبار" قادرٌ على ترويض اللغة وكسر شوكتها. هكذا فعل الاثنان: أصلان وأبو صالح.
كلاهما ساسَ اللغةَ. (ساسَ يسوسُ فهو سائسٌ أو سياسيّ من السَّوس والسياسة أي ترويض الكائن الحيّ والسيطرة عليه، تماما كما يروِّضُنا ساستُنا الطيبون). كلاهما امتطى اللغةَ وطوّعها حتى صارت، على جموحها وصعوبتها، كائنا أليفا طيّعا. هل تذكرون مسرحية شكسبيرTaming the Shrew؟ التي ترجموها بـ"ترويض النَمِرَة"، والأدق "ترويض الشرسة"، (وإن كانت ترجمةً حَرفيةً أقل جمالا من الأولى). أتذكّرُها كلما قرأتُ شيئا لأصلان أو لأبي صالح. كاثرين، أو "كيت" الفتاةُ الشرسة الحَرون، هي اللغةُ العربية التي دوّخت الشعراءَ والقراء والنحاةَ والألسنيين، فيما أصلان، وأبو صالح، ومَنْ على شاكلتهما وهم قليلٌ، يمثّلون "بوتروشيو"، الشابَ القادمَ من فيرونا ليخطبَ، رغم تحذير الناس، تلك الرعناءَ الأبيّة صعبةَ المراس.
فرادةُ أصلان الإبداعية تتجلى طبعا في التقاطاته المدهشة المُدوِّخة، لكنها أيضا تكمنُ في توسّله "الجملةَ الاسمية". على عكس ما تريدُ العربيةُ لنفسها. فقد اعتادتِ العربُ الجملةَ الفعلية حيث يسبقُ الفعلُ الفاعلَ، فنقول: خرجتِ البنتُ للحقلِ وسقتِ النباتات. لكن أصلان من الجرأة بحيث يقول: البنتُ خرجتْ للحقل. هي سقتِ النباتات. هذه الكتابةُ هي محاولةٌ للاقتراب من اللغة الشفاهية المحكية، وكذا هي عودٌ للكتابة الطفولية الأولى. كلنا يذكر أولَ جملة تعلمناها في المدرسة: عادل ذهب إلى المدرسة، سعادُ ذهبت إلى المدرسة. ولمّا كبرنا تعلمنا أن نكتب الجملة الفعلية "زي الكبار": ذهبَ عادل إلى المدرسةِ. جسارةُ أصلان وفرادته تلك هي لونٌ من ليّ عنق اللغة وكسر أنفها، إضافة لهدم القارِّ في أذهاننا الجامدة عنها. وهو ما فعله بيكاسو حينما نضج فنيًّا وراح يرسم مثل الأطفال قائلا: هل كان يجب أن أعيش ستين عاما حتى أرسم مثل طفل!
كذلك عماد أبو صالح طوّع اللغةَ بحيث اقترب كثيرا من الدارجة المحكية، دون الوقوع فيها، مع حفاظه على سلامة الفصحى نحوا وصرفا وتراكيبَ وصوغا. نلمح أيضا ذلك المنحى الطفوليّ في قوله: "لم أكن أبدا/ ولدا سيئا/ لم أفقأ عيني كلبٍ صغير/ ولم أسرقْ قلمَ ابن جارتنا/ (الأسود ذو السلسلة الصفراء)/ ولم أقطفْ وردتهم."
وكلنا فطنَ إلى أن الجملة المقوّسة تعني أنه سرق القلم لأنه يعرف كيف يصفه بدقة. هكذا يفعل الشعراءُ الكبار حين يكذبون، وهكذا أيضا يفعلُ الأطفالُ حين يحاولون خداعَنا. المصري.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَن يخافُ -حين ميسرة-؟
- ولم يكنِ الفستانُ أزرق!
- أعوامٌ من النضال والاعتقال-مشوار فخري لبيب
- إلى أين تذهبُ الشمسُ... يا جوجان؟
- انظرْ حولك في غضب
- ثقافةُ الوقوف في البلكونة !
- بالطباشير: فقدانُ الهالة
- داخل رحم
- الأحدب والجميلة
- ناعوت: «الهدم والبناء» في الوعي أصعب من «المعمار!-
- السوبر قارئ
- عينا الأبنودي
- اِصمتْ حتى أراك!
- كلام شُعَرا...!
- أنفي والجيرُ المبتّل
- الجميلُ الذي أخفقَ أن يكونَ عصفورًا
- بالطباشير : عزيزي الله، من رسم الخطوط حول الدول؟
- بالطباشير: آخرُ مُعتزلةِ هذا الزمان
- بالطباشير:يا باب الورد، حِصَّة وين؟
- الشَّحّاذ


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - فاطمة ناعوت - ترويضُ الشَّرِسة