أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - النصّ والسينما : - كرنك - علي بدرخان















المزيد.....

النصّ والسينما : - كرنك - علي بدرخان


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 2261 - 2008 / 4 / 24 - 07:05
المحور: الادب والفن
    



1
نادراً ما قدّر لعمل سينمائيّ ، مصريّ ، أن يحدثَ في زمنه جدلاً ولغطاً ، كبيرين ، كما كان حاله فيلم " الكرنك " ، لعلي بدرخان . إنه الفيلم الثاني لهذا المخرج الموهوب ( إنتاج عام 1975 ) ، والمُعتمد سيناريو لممدوح الليثي عن رواية بالإسم نفسه لنجيب محفوظ . كاتب السيناريو ، كان قبلاُ قد تعامل مع عمل أدبيّ آخر لحامل " نوبل " ، العربيّ ؛ وهيَ رواية " ميرامار " ، للمخرج المبدع كمال الشيخ ( عام 1969 ) . ويقالُ أنّ لجنة حكوميّة ، عليا ، كانت قد تشكلت بأمر من عبد الناصر لتقييم " ميرامار " ، بعدما شكتْ الرقابة بكون السيناريو يتعمّد الإساءة لثورة يوليو ؛ وخصوصاً ما يتعلق بشخصيّة المثقف ا|لإنتهازيّ ، المنتمي للحزب الحاكم ، والمستغل وظيفته لدى الدولة بهدف الإغتناء غير المشروع . كان مما له مغزاه ، للحقيقة ، أن يكون أنور السادات ، نائب الرئيس آنذاك ، على رأس تلك اللجنة ، الموسومة ؛ هوَ من أسهم في منح الفيلم ضوءاً أخضرَ ، ومن إفتتح عهده ، لاحقا ، بحملة مركزة على الحقبة الناصريّة ، حاشداً فيها وسائل الإعلام ، المختلفة . تفاوتت ردود أفعال النقاد ، بشأن موجة الأفلام ، المبتدهة الحملة تلك منذ منتصف السبعينات وحتى مستهل الثمانينات من القرن المنصرم . وهذا علي أبو شادي ، في كتابه " سينما وسياسة " ، يكتب عن مخرج " الكرنك " ، علي بدرخان ؛ بأنه وقع في غيّ الشعارات ، البراقة ، عن الحرية والديمقراطية ، نافياً عنه مع ذلك تقصّد الإساءة للمرحلة الناصريّة . فيما صبّ الناقدُ حممه على كاتب النصّ ، السيناريست ممدوح الليثي ، محملاً إياه الناصيَة ، الخاطئة ، للفيلم ذاكَ ، مُتهماً إياه بما أسماه : " تصفية الحساب مع الثورة " .

2
في واقع الحال ، فليس السيناريست وحسب ، من سارَ في ركب الحاكم الجديد ، المُطهَّر ، والمُستخلِف سلفاً آثماً ظالماً ـ كذا . إنّ الناقد ، بدوره ، قد فعل ذلك أيضاً ! فالملاحظ ، بهذا الخصوص ، أنّ حملة اخرى ، مُشابهة ، قد شرع بها النظام المُباركيّ ، الميمون ، بحقّ الحقبة الساداتيّة ، مُحيلاً إليها كلّ مشاكل البلاد ، المزمنة . وعلى هذا ، فلا غروَ إذاً أن يُبادر بعض النقاد ، السينمائيين ، إلى إعادة النظر في تلك الأفلام ، العائدة لعقد السبعينات تحديداً ، ومن ثمّ تجريدها من صفات الموضوعية والصدق والأصالة ، بحجّة كونها متوافقة مع هوى الحاكم . ولكن ما تجاهله أولئك النقاد أنه حتى لو سلّمنا ، جدلاً ، بكون الأفلام هذه صدىً للتغيّرات السياسية في حينه ، فذلك لا يعني أنها تفتقد عموماً لشرط الإبداع ، الأهمّ ؛ وهوَ ترجمة الواقع بلغة فنيّة ، خالصة . فما بالكَ في فيلم كـ " الكرنك " ، مأخوذ عن نصّ روائيّ لكاتب بحجم نجيب محفوظ . ميزانُ تقييمنا هنا ، يختلف بطبيعة الحال بين مخرج وآخر ، ممن تعاملوا مع أعمال كاتبنا الكبير . هذا الأخير ، كما سبَق وكررناه في مقالات سابقة ، شغفَ بالفنّ السابع منذ فتوّته ورفده لاحقا بالكثير من رواياته وسيناريوهاته ؛ حتى ليجوز القولَ ، بأنّ إسمه تواشجَ في ذاكرة الأجيال ، جميعاً ، مع الفيلم المصريّ .

3
" الكرنك " ، كما لاحظ كثيرون ، هيَ الرواية الوحيدة التي ذيّلها كاتبها ، نجيب محفوظ ، بتاريخ الإنتهاء منها ( ديسمبر1971 ) . ثمة أكثر من تفسير لبغية الكاتب ، فيما يخصّ هذه المسألة . وعندي ، أنّ وجه القصد هنا ، رغبة كاتبنا في النأي بنفسه عن تلك الحملة ، المنظمة ، التي كانت منهمكة آنذاك في فضح سلبيات المرحلة الناصريّة ؛ عبرَ تأكيده أنّ روايته مكتوبة في تاريخ أسبق ، وربما في أواخر المرحلة تلك . و " الكرنك " ، من ناحية اخرى ، تفارق أيضاً أخواتها من الروايات المحفوظية ، في حجمها الصغير ( حوالي مائة صفحة ) . عناوينٌ أربعة ، مثلت فصول هذا الكتاب ، وعلى قسمة عادلة بين الأنوثة والذكورة : " قرنفلة " ، " إسماعيل الشيخ " ، " زينب دياب " و " خالد صفوان " . وسنرى أنّ ذلك التقسيم ما كان إتفاقا ، وإنما من ضمن خطة محفوظ ، الفنيّة . " الكرنك " ، إسمُ مقهىً قاهريّ ، كان شاهداً على معظم أحداث الحكاية . إنه إسمُ مكان ، إذاً . والأمكنة ، كما هوَ معروف ، كان لها شأن أساسيّ في روايات محفوظ ، فضلاً عن إستئثارها بمعظم عناوينها . والمقهى ، بمقتضى سيرة حياة حامل " نوبل " الأدب العربيّ ، كان مكاناً أثيراً لساعات فراغه ، القليلة ، فيه دأب على الإلتقاء بأخلص أصدقائه ، ( " الحرافيش " ) ، علاوة على مريديه ومحبيه .على ذلك ، يبدو صوتُ الراوي ، المُتفرّد ، في " الكرنك " ، كما لو أنه يُصدي شخصيّة كاتبنا بنفسه ؛ وكما لو أنه يروي لنا حكاية حقيقية . ولكن السيناريست ، ممدوح الليثي ، لم يأبه كثيراً بمرامي الروائيّ تلك ، فنيّة كانت أم رمزيّة ، حينما شرع بإعداد النصّ ـ كفيلم طويل . لقد توارى عن فيلم " الكرنك " ، على رأينا ، الكثيرُ مما ذهبتْ إليه الرواية الأصل ، وخصوصاً تلك الحوارات الشيّقة بين مرتادي المقهى . بالمقابل ، إهتمّ مخرج الفيلم بتفاصيل ثانويّة ، مُقحمة غالباً على النصّ ، حاشداً في سبيل ذلك عدداً كبيراً من نجوم الفنّ السابع ، المصريّ ـ كعماد حمدي وفريد شوقي وصلاح ذو الفقار وتحية كاريوكا وعلي الشريف وغيرهم . إنه فيلم النجوم ، في آخر الأمر .

سعاد حسني ، النجمة العظيمة ، كانت هنا بطل الفيلم ، الرئيس ( بدور " زينب دياب " ) . إنّ طريقة أدائها ، المُعجّزة بحق ، لتتجلى في هذا الفيلم ؛ هيَ الممثلة ، الفريدة ، القادرة معاً على التعبيرَيْن الميلودرامي والكوميدي ، بالسوية نفسها من الإجادة والكمال والإتقان . إنّ " زينب " ، من ناحية اخرى ، تمثل الجيل الشاب الذي وجدَ نفسه ، بعيد الثورة الناصرية ، يتنقل درجة ً درجة في مراتب الإحباط . ها هنا ، في مقهى " الكرنك " ، تجتمع يومياً مع أصدقائها ، يتبادلون الحديث في شؤونهم ، الشخصيّة ، وشؤون الوطن ، العامّة ؛ همُ الواجدون في صاحبة المقهى ، " قرنفلة " ( النجمة شويكار ) ، صدراً كبيراً ، مُحباً ومتفهّماً . ولكنّ تجربة الإعتقال الأولى ، المريرة ، كان عليها أن توقظ قلب " زينب " على حقيقة ما يجري في البلد ، المنكوب بزبانية الحاكم المستبد ، الأوحد . كان رفيقها " إسماعيل الشيخ " ، ( الممثل نور الشريف ) ، شريكاً للتجربة تلك ، الموصوفة ، وعلى خلفيّة دردشتهما المرحة في إحدى جوانب الحديقة الجامعيّة ؛ دردشة بريئة ، شاءَ أعوانُ الحاكم أن يجعلوا منها جناية على الثورة ، خطيرة . شخصيّة " خالد صفوان " ، ( النجم كمال الشناوي ) ، تلجُ الحدثَ هنا ، بصفته أحد الأعوان أولئك واليد الحديدية للنظام . في مكتب هذا المسؤول الأمنيّ ، الكبير ، تقع حادثة إغتصاب " زينب " ، المُشينة ، حينما يأمر أحد رجاله بالإعتداء عليها في حضوره . المشاهد الساديّة لتعذيب السجناء السياسيين ـ من المتهمين إعتباطاً ـ ستأخذ المساحة الأوسع في " الكرنك " (مدّة الفيلم حوالي الساعتين ونصف ) ؛ مما يحتم على المرء المُقارنة مع ما أسلفنا بخصوص قِصَر النصّ الروائيّ ، الأصل . وكان مما له مغزاه ، أن يُشار في حينه على صفحات الصحف إلى أحد مسؤولي الحكم الناصريّ ، ( مدير المخابرات اللواء صلاح نصر ) ، على أنه هوَ من عناه الفيلم في شخصيّة " خالد صفوان " ! وما كان الأمر بلا معنى ، على أيّ حال ، ما دام السادات كان قد أمر عندئذٍ بإعتقال المسؤول ذاك ، ومن ثمّ محاكمته على ما وصِفَ " جرائمه بحق معتقلي الرأي " .

على أنّ حرفيّة المخرج ، علي بدرخان ، في بعض مشاهد الفيلم تكاد تضاهي مثيلتها في النصّ الأصل ، المحفوظيّ . هذا وعلى الرغم من حقيقة ، أنّ الكثير من مشاهد " الكرنك " ، المميّزة ، كانت عبارة عن إضافة من مخيّلة السيناريست ، أو ربما المخرج ؟ لعلّ مشهد " زينب " ، الملفوظة للتوّ من الإعتقال التعسفيّ ، كان الأكثرَ تأثيراً على المُشاهد ؛ خصوصاً تلك اللقطة الرهيبة ، التي تقف فيها أمام موقف الحافلات العامّة ، يتناهبها شعورٌ من اليأس ، عارم ، حدّ أنها تفكر برمي نفسها تحت عجلات إحدى المركبات : حركة الكاميرا ، إذاً ، المتنقلة بين تعابير وجه بطلتنا وما يمرّ على حدّ بصرها من سيارات مسرعة ؛ هذه الحركة ، النادرة بحق ، كانت من التوتر والترقب والإثارة ، أنها لتجعل قلب المتفرج يخفق بشدّة وألم وإشفاق . وما كان لغير سندريلا الشاشة ، وقتئذٍ ، أن تجيد أداءَ هكذا دور صعب ، مُركب ، في فيلم " الكرنك " ؛ هيَ الممثلة العبقريّة ، التي وهبها القدَرُ للفنّ السابع ، كيما تؤدي أدواراً من ذلك النمط . في علة السياق هذه ، كان من الممكن لمخرج " الكرنك " أن يضافرَ ذلك المشهد ، الفذ ، الموصوف آنفا ، المتأثر مأساة البطلة " زينب " ، والتركيز على حالتها النفسيّة . على أنّ إهتمام مخرجنا هنا ، إنصبّ في مشهد آخر لليلة واحدة حسب ؛ عندما " يكتشف " خطيبها أنها أضحتْ غير عذراء ، بفعل تجربة المعتقل . ومن المنطلق نفسه ، نشدد على أنّ علي بدرخان ، في عمله السينمائيّ هذا ، الثاني ، ما كان قد عرفَ بعد قيمة الإختزال ، الفنية ، بما كان من إمعانه في التفاصيل غير المهمّة ، وذلك إرضاءً لعقليّة السوق أو المُشاهد التقليديّ . أما بالنسبة لما أوردناه آنفاً ، بشأن المشاهد المطوّلة في تفصيلها حياة ومعاناة المعتقلين السياسيين ، فإنها على الأرجح كانت تملقا للسلطة الساداتيّة ؛ هذه التي إستهلت عامئذٍ ( 1974 ) حملة عاتية على المرحلة السابقة ، الناصريّة . لا غروَ إذاً أن يتناهى زمن فيلم " الكرنك " إلى أبعد بكثير مما كانه أصله ، الروائيّ : فمحفوظ الكاتب ، إختار صدمة الخامس من يونيو / حزيران 1967 ، لكي ينهي بها عمله هذا . فيما إشتط المخرج ( والسيناريست ، أيضاً ، بطبيعة الحال ) في الذهاب بزمن العمل نفسه حتى حرب أكتوبر / تشرين الأول 1973 ، لخاطر أن يبرز النصر الساداتيّ مقارنة ً بالهزيمة الناصريّة !

[email protected]



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أقاليمٌ مُنجّمة 5
- أقاليمٌ مُنجّمة 4
- كما كبريتكِ الأحمَر ، كما سَيفكِ الرومانيّ
- أقاليمٌ مُنجّمة 3
- أقاليمٌ مُنجّمة 2
- آية إشراق لنبيّ غارب ٍ
- أقاليمٌ مُنجّمة *
- مَناسكٌ نرجسيّة 6
- سطوٌ على المنزل الأول
- مَناسكً نرجسيّة 5
- القبلة المنقذة في فيلم للأطفال
- مَناسكٌ نرجسيّة 4
- من جسر ثورا إلى عين الخضرة
- مَناسكٌ نرجسيّة 3
- مَناسكٌ نرجسيّة 2
- مَناسكٌ نرجسيّة *
- دعاء الكروان : تحفة الفن السابع
- ميرَاثٌ مَلعون 5
- ميرَاثٌ مَلعون 4
- ذهبٌ لأبوابها


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - النصّ والسينما : - كرنك - علي بدرخان