عبدالله الداخل
الحوار المتمدن-العدد: 2261 - 2008 / 4 / 24 - 09:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ملاحظات في الكتابة عن الدين. 1 - المقالات المعادية وحرية الرأي والحلقات الشريرة - الموقف العلمي اللاديني هو الموقف الصحيح الوحيد للمثقف دون منازع.
إن ما يجعلني أكتب هذه الملاحظات هو بالدرجة الأولى حب البقاء survival، وهو أولا بقاء المجموعة من أصدقائي وأقاربي ومعارفي بمختلف أديانهم واتجاهاتهم الفكرية، والحرص على ضرورة تجنيب العراقيين المزيد من الأذى والخسائر من أي نوع في هذا الزمن الصعب.
أولاً - عندما يظهر مقالٌ معادٍ لأي دين، أو عقيدة، أو أقلية، في أي مكان، على الأنترنت، مثلاً، ومن وجهة نظر دينية مغايرة، علينا جميعا الاحتكام الى الهدوء والعقل، فالتطيُّر ولغة الغضب سيساعدان بالتأكيد كاتب المقال المعادي على بلوغ هدفه، إذ يجب أن نـضع في الحسبان إحتمالاً مهمّـاً، فقد يكون الغرض من المقال سياسياً؛ وفي كل الأحوال ينبغي كبح جماح البعض ممن يكتب بانفعال حتى ولو كانت الكتابة لمجموعة صغيرة فقط، ناهيك عن الكتابة لمنتديات أوسع.
ثانياً - رغم إيماني بحرية التعبير، أعتقد أن شأن كتابة ردود، في حالة الضرورة، على المقالات المعادية، أو التي تبدو كذلك، خاصة تلك التي يمكن تمييزأرديتها الدينية أوأغراضِها السياسية، ينبغي أن يكون مقتصرا على ذوي الاختصاص ممّن يتمتع بنظرة علمية حديثة، ووجهة نظر تقدمية، ولغة عربية سليمة، لكي يكون الرد مقنعا في عالم اليوم ولكي يتم كسب أكبر عدد من القراء الى جانب الحكمة. الاهتمام باللغة هو لقطع الطريق على المتحذلقين وكتـّاب الهُـراء، وهذا مهم نفسياً في مساعدة الكاتب البرئ حَسَنِ النية في تشخيص النـَّـفـّاجين وتجنب الانزلاق في هموم الحذلقة.
وفي الرد على أي مقال مُعادٍ ذي طابع ديني، والذي لابد أن يكون رجعياً يفضح كاتبه ذا العقلية التميـيزية، ينبغي تجنب وجهات النظر الدينية المعاكسة (المماثلة) لأنها تؤدي الى لغة "كيل الصاع صاعين" واسلوب "مقابلة الحجة بالحجة"، كما يحصل بين بعض "الكتـّاب" المصريين هذه الأيام: "ديني أفضل من دينك لأنه...!" و "نبيّي أحسن من نبيّـك لأنه...!"
إنَّ احتمالَ أن يكون الهدفُ الآني لكاتب المقال المعادي هو أن يضعَـك في هذا الموقف بالذات هو إحتمالٌ كبير كي ينتقل الى المرحلة التالية من خطته، أو خطة مَنْ يقوم بتوجيهه من رجال دين طموحين، أو كأن يكون هذا الكاتب مأجوراً سياسياً من قبل عناصر انتهازية في دولةٍ ما أو خارجها، أو من عناصر أخرى حكومية أو عميلة للإحتلال أو لكليهما؛ وبذا لا يكون تفويت الفرصة على هذا الكاتب ممكنا بسلوكٍ مشابه له، فالإنزلاق الى تقليده ليس من شأنه إلا ّ أن يزيد الطين بلة، ثم لا يلبث أن يُمرَّغ الجميع به مفضياً الى التمهيد لعمل سياسي أو عسكري أو انتقامي وفي كثير من الأحيان الى تدمير شريحة مفيدة من المجتمع.
إن الكتابة العدوانية المتغطرسة المتشحة بالدين والموجهة ضد شرائح مهمة في المجتمع العراقي تحاول استغلال بسطاء الناس لاثارة البغضاء. والكتابة العدوانية الدينية او الطائفية التميـيزية لتأليب بعض الطوائف على بعضها والتي ينتجها "كتـّاب" طائفيون ذوو إنتاج غزير هي كتابة أقل ما يـُقال فيها أنها تخدم الاحتلال وأغراضَه. وعلى الكتاب التقدميين من أيما اتجاه أو ثقافة تشخيص هؤلاء المشبوهين، وفضحهم بالتحدث الى الجمهور الأوسع، الى الشعب كله دون استثناء، الى العرب، الى العالم، وذلك بطرح الشؤون الحضارية التي تهم الشعب ككل والتي يقف في مقدمتها الجلاء*.
لابد من التأكيد على أهمية العلم في الكتابة للعراقيين وللبشرية عن التجربة المريرة للشعب العراقي والمآسي التي سبّـبها له الدين ورجال الدين، فإن نقد الدين يعتمد على العلم الحديث بالدرجة الأولى، كما يستند أيضا الى حكمة الشعوب وتجاربها وبما تقتضيه "الفطرة السليمة" common sense أو ما يترجمها منير البعلبكي كـ"حكم على الأشياء بصورة صائبة وحصيفة" أو "آراء الناس العاديين المُرسَلة على البديهة"، تلك الحكمة التي يزدان بها الانسان العاقل في أيما مكان من العالم والذي يسأل نفسَه إزاء كل شئ، وبتجرُّد عن اللامعقول وعن الخيال المفرط والشاذ عن السلوك السوي والفهم البشري المتحضر والحوار الفطري الطبيعي: "هل هذا معقول؟" Is this rational? وهل أن رجلَ الدين هذا، أو هذا "الكاتب" مالكٌ لقواه العقلية؟ وما هو الخلل في منطقه؟ لأن أي تحريض سلبي ضد أية مجموعة من البشر لابد أن تحتوي على خللٍ ما.
ثالثاً - في معنى حرية الرأي:
ينبغي الا نخلط مسألتين ببعضهما. يحصل كثيراً أنْ "ينتقد" رجلُ دينٍ مسلمٌ الدينَ المسيحيَّ، أو عندما يحصل النقيض، أو بالأحرى المثيل، حين "ينتقد" رجلُ دينٍ مسيحيٌّ الاسلامَ، (أو عندما يقوم زميلٌ لهما يهوديٌّ بـ"انتقاد" دينهما أو يقومان بـ"انتقاد" دينه،) أو أن يقوم غلاةُ طائفةٍ بـ"انتقاد" ما تعتقد به أخرى، أو أن يقوم "كتـّابٌ" من فئةٍٍ بـ"انتقاد" فئةٍ أخرى من طائفة واحدة، وقد يلي هذا اتهام البعض للبعض بالـ"مروق على الدين" أو على "تعاليم السماء"، أو مخالفة كلام الله والتمرد عليه، وقد تظهر حالات انتقاد حقيقية وجادة، بعضها من داخل السلسلة أو من حلقة منها، وبعضها الآخر يدعي كونه خارج الحلقة لكنه في الواقع لايدري أين هو بالضبط!* وما هذه "الإنتقادات" المغلـّفة سوى تحريضٍ ذي مستوى فكري واطئ، كثيراً ما تتبعه مشاكل سياسية وخلافاتٌ بين شرائح مهمة من السكان يغلب العنف عليها، تؤدي الى تفكيك المجموعات البشرية وتجلب الخراب الى بلدانها، أما في العراق فانها أدت وتؤدي للدكتاتورية وللإحتلال خدمات "جليلة"!؛ وأمثال هذه الحالات لا تـُعَد ولا تـُحصى في تأريخ الأديان والشعوب، وما جرّت من الويلات على البشرية في تأريخها ما يعجز العقل عن تصوره، وما تأريخ العراق أو وضع البشر فيه اليوم سوى نموذج.
وبما أن هذه العقليات متماثلة في كثير من الأمور والجذور والسلوك الناتج عنها (اضطهاد بعضهم البعض، على سبيل المثال) وبسبب العلاقة العضوية التاريخية بين هذه الأديان، فإن هذا السلوك الذي يمثل أسوأ أنواع الخيانة، أو أسوأ أنواع التخلف الفكري إن كان الكاتب "حَسَنَ النية"، هو ما يَصْدُق عليه تماما تعبير "الدوران في حلقة مفرغة"، وهو لا يعدو عن كونه تبشيرا لأحد الأديان أو العقائد دون غيرها؛ ورغم امكانية أن تنطلى علينا بعض التعابير الحديثة، وامكانية انضواء هذا النوع من الكتابة تحت لواء حرية التعبير، إلا أنني أعتقد أن حرية الكتابة، بضمنها، أو في مقدمتها، حرية انتقاد الأديان عموما من وجهة النظر العلمية الحديثة، هي القضية الحضارية والقانونية الأكثر أهمية في هذا المجال، بالاضافة الى كونها مسألة فلسفية، فالكاتب العلمي اللاديني هنا هو من خارج "الـسلسلة"، أو من خارج الحلقة المفرغة vicious circle، والتي هي بحق دورانٌ شرير في حلقة شريرة، إذا أخذنا الترجمة الحرفية بالاعتبار.
إن السبيل الوحيد أمام مثقفي العالم، وأمام مثقفي العراق والعرب أولاً، لغرض تجنـُّب الحلقات الشريرة، هو في تبنـّي الموقف العلمي الحديث، التقدمي، اللا تمييزي، اللاديني، وهو الموقف الوحيد، بلا منازع، والذي يمكن ان يُسمّى بحق، ويكون، موقفا ديمقراطيا، والذي من شأنه، وحده، أن يوحّد البشر، يحررهم، ينشر السلام، يُشير الى طريق العدالة الاجتماعية، وأن يقوّم مسار التقدم في العالم كله.*
فمتى سنفتح أعيننا؟
* وأهمها التركيز على ضرورة إدانة وإجلاء الاحتلال بكافة اشكاله وعزل الحكام العملاء على الفور والعمل على اجراء انتخابات حرة بعيدة عن تأثير المحتل والمطالبة بتعويض الشعب العراقي عن الخسائر التي لحقت بأفراد المجتمع وباقتصاد العراق وبنيته وثرواته وصناعته وزراعته ومياهه وخدماته وجيشه وأمنه وتحقيق حكم ذاتي متطور للكـُرد ورأب الصدع الخطير بين القوميتين والذي سببته الدكتاتورية ذات العقلية القومية-الدينية، وعمّـقه الاحتلال؛ والمطالبة باسترجاع الأموال المسروقة من حسابات الحكام السابقين في المصارف الغربية وتلك التي قام ويقوم بسرقتها الحكام الحاليون والعصابات على اختلاف أجناسها. إن قائمة المطالب العادلة لهذا الشعب المظلوم تطول كلما طال أمد الاحتلال. إن كل الدراسات الواقعية تشير الى أن الغرب كان مسؤولا عن تنصيب الدكتاتورية عبر الانقلابات اليمينية التي كان آخرها اقلابا 1968 و 79 وتثبيتها في حكم العراق واستغلالها في حرب دامت ثمان سنين ضد ايران ثم تقليم أظافرها في 91 في مؤامرة سياسية وتظاهرة عسكرية واكبت ظروفا سياسية بالغة التعقيد لفـّت العالم برمته، وقد كان الغرب سببا في الحصار الاقتصادي المشؤوم الذي راح ضحيته مئات الالاف من الأطفال والناس الابرياء، في تمهيد للإجهاز على الدكتاتورية واحتلال البلاد، والاستيلاء على آبار النفط فيه.
* رُبَّ سؤالٍ: "أين موقع د. وفاء سلطان هنا؟" وهذا ما سيكون عنوان الجزء الثاني.
* ان جهود الكتاب التقدميين ورجال الفكر والعلم (وأصدقاء الأقليات والمضطهدين) من مختلف الأديان لسد الطريق على عملاء الامبريالية لهي جهود عظيمة ولابد أن أسماءهم الطيبة ستـُكتب بأحرف من نور في تأريخ العراق.
#عبدالله_الداخل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟