أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الشاعر أحمد الصافي النجفي بين غُربة الروح وغُربة الفكر















المزيد.....

الشاعر أحمد الصافي النجفي بين غُربة الروح وغُربة الفكر


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 2204 - 2008 / 2 / 27 - 08:39
المحور: الادب والفن
    


حياة حافلة بالتمرد والتشرّد والإبداع
صدرَ عن " دار العِلم للطباعة والنشر " في بيروت كتاب نقدي جديد يحمل عنوان " أحمد الصافي النجفي: غربة الروح ووهج الإبداع " للشاعر والباحث العراقي د. إبراهيم العاتي. وقد تضمن الكتاب مقدمة مركزة، وسبعة فصول، ومختاراتٍ شعريةً مُستلّةً من سبعة دواوين شعرية، إضافة الى قصائد أُخَرْ إنتقاها الباحث من المجموعة الكاملة للأشعار غير المنشورة، الأمر الذي يتيح للقرّاء والمعجبين بشعر الصافي النجفي أن يطلّعوا على عدد غير قليل من القصائد الوجدانية والروحية والفكرية التي لا تخلو من مقاربات فلسفية عميقة. تتوفر المقدمة، على الرغم من قصرها، على عددٍ من الآراء النقدية المهمة التي تنتصف لتجربة النجفي الإبداعية والحياتية بعيداً عن السقوط في فخ الإخوانيات والمجاملات العابرة. ومن بين أبرز الآراء المبثوثة في متن هذه المقدمة القيّمة هي " نأيْ الصافي النجفي عن التقليد " الذي كان مهيمناً في النصف الأول من القرن العشرين. فليس غريباً أن يجترح الصافي لنفسه أسلوباً خاصاً به، ينتمي إليه، ولا يُحيل الى غيره من الشعراء. وقد أشار العاتي الى أن هذا الأسلوب، أو الطريق الجديد والغريب والمغاير " قد صدم النقاد ومتذوقي الشعر في بادئ الأمر " غير أن هذه الصدمة أخذت تتبدد عندما وجدت قصائد الصافي النجفي طريقها الى الصحف والمجلات الثقافية المتخصصة، حيث تكَشّفَ مشروعه الشعرية عن " مزايا فنية وجمالية " سوف تترك تأثيرها على قرّائه ومحبّيه في العراق والشام وبقية بلدان العالم العربي. كما أشار العاتي الى أهمية المضامين الفلسفية والوجودية التي تنطوي عليها تجربة الصافي الشعرية الأمر الذي حقق له شهرة عربية واسعة فاقت أقرانه ومجايليه. وعلى الرغم من مكانته الشعرية الكبيرة إلا أنه لم يأخذ حقه من النقد والدراسة والتحليل، خصوصاً أن النقاد والباحثين العرب قد وجدوا أنفسهم أمام أشكال شعرية حديثة كالشعر الحر، والشعر المُرسل، وقصيدة النثر وما الى ذلك أشكال شعرية جديدة سرقت الأضواء من جيل الروّاد الذين أسهموا بقدر أو بآخر في التأسيس لمرحلة التجديد والحداثة الشعرية والنثرية. إعتمد العاتي في كتابه النقدي على عدد غير قليل من المصادر والأبحاث النقدية التي تناولت تجربة الصافي الشعرية، غير أن المصدر الأكثر أهمية هو معرفته الشخصية بالصافي النجفي، ولقاءاته المتكررة معه في أثناء دراسته الجامعية، حيث كان العاتي طالباً في قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية في كلية الآداب في دمشق. وقد خلص الباحث الى نتيجة مهمة مفادها " أن شعر الصافي شديد الإلتصاق بتفاصيل حياته، فشعره حياته، وحياته شعره، عكس كثير من الشعراء الذين تبدو حياتهم في واد، وشعرهم في وادٍ آخر! ".
نقوش على الذاكرة
إستهلّ العاتي الفصل الأول من الكتاب إستهلالاً سردياً يصلح أن يكون مقدمة سلسة لقصة قصيرة أو نص روائي. ويبدو أن ذلك الخريف الدمشقي الساحر لا يزال منقوشاً على شاشة الذاكرة المتشبثة بتفاصيل عزيزة على الروح والقلب. فالعاتي كان توّاقاً منذ صغره لمعرفة الأوساط الأدبية. وما هذا بمستغرب عليه، فهو شاعر وباحث وطالب فلسفة. ولا بد أنه يجد نفسه وسط النُخب الثقافية العراقية والعربية. ومن حُسن المصادفة أن يكون العاتي متحدراً من النجف الأشرف، وهي ذات المدينة التي ينتمي إليها شاعرنا الكبير أحمد الصافي النجفي، الأمر الذي ذلّل من صعوبة اللقاء الأول، وسرّع في عملية التعارف التي ذهبت الى أقصى مداها في التآلف والحميمية. " فالأرواح المتآلفة تتجاذب ". وأكثر من ذلك فإن المناطق المشتركة بين العاتي والنجفي كثيرة، فكلاهما شاعر، وكلاهما معني بالفلسفة، إضافة الى تحدِّرهما من بيئة ثقافية واجتماعية وفكرية واحدة. في " مقهى الهافانا " الدمشقي كان اللقاء الحميمي الأول الذي إنطلق من خلف صحيفة يومية. فالمقهى، على ما يبدو، هو بيتهُ ومكتبهُ وصالة إستقبال ضيوفه ومُحبيه. أما غرفته الصغيرة " البائسة " في سوق الحميدية فهي لا تليق بقامة شاعر كبير مثل الصافي النجفي، ولكنه " آثر الفقر، كما قال العاتي في إهدائه، ليصون كرامة الشعر ". ولا بد من الإشارة الى أن النجفي قد تغرّب قبل ذلك بعقد أو يزيد من السنوات. فخلال الحرب العالمية الأولى وما تلاها من أحداث جسام أفضت الى قيام العشرين، وحصار النجف إستطاع الصافي النجفي الهرب الى إيران، مغتربه الأول، حيث أمضى ثماني سنوات بعيداً عن الأهل والخلان، لكنه أفاد كثيراً من هذه الغربة حيث أتقن اللغة الفارسية، وترجم بواسطتها " رباعيات الخيام " ترجمة شعرية دقيقة ظلت علامة فارقة حتى يومنا هذا على الرغم من تعدد الترجمات لهذا الأثر الأدبي الخالد. أما غربته الثانية فقد بدأت عام 1930، ولم تنتهِ إلا عام 1977، أي بعد إندلاع الحرب الأهلية اللبنانية بسنتين. وما إن عاد حتى وافاه الأجل المحتوم بعد بضعة أشهر ليطوي حياة شاعر جُبل على الفقر والتشرد وعدم الإستقرار. يؤكد العاتي بأن الصافي قد عاش مختلف أشكال الغربة الروحية والجسدية والمكانية. " أما كَفَت غربة الروح أجرعها / حتى تُضاف إليها غربةُ الوطنِ " غير أن الغربة الفكرية أقسى أشكال الغربة على الصافي النجفي حيث قال: " فأبصرتُ طعم الكل مراً وقاسياً / ولم أرَ أقسى قط من غربة الفكرِ ". وعلى الرغم من أن غربة الصافي النجفي الثانية كانت إختيارية ولم تكن قسرية، إلا أنها كانت مليئة بالمصاعب. ولعل أشقها على النفس حينما أصبح نزيلاً لمستشفى الغرباء حيث " الداخل فيه مفقود، والخارج مولود! ". كان الصافي عزيز النفس أبيّها. فلم يتكسب، ولم يمدح سلطاناً أو يمجد حزباً سياسياً، بل بالعكس كان يغلِّف قصائده بأثواب السخرية المرة " صافحتني يد أمرئ فرآني / ساخن الكف من لظى الوسواس / قال هذه حرارة الإيمان / قلتُ: لا، بل حرارة الإفلاس! ". يزخر الفصل الأول بمعلومات كثيرة عن طبائع الصافي النجفي، وعاداته اليومية، وطقوسه في كتابة الشعر. وليس غريباً أن يأتي الصافي الى مقهى " الهافانا " مبكراً حيث يتناول فطوره البسيط، ثم يشرع في قراءة عدد من الصحف السورية واللبنانية، ثم يستعمل حواشيها كمسودات لقصائده التي يكتبها في هذا المقهى أو ذاك. وحينما يتعذر وجود الصحيفة كان يدوِّن قصائده على علب السجائر الفارغة، أو على أية ورقة ملقاة على أرضية المقهى. وكان الصافي يتضايق من شيئين أساسيين وهما " دخان السجائر ولعب الطاولة " فالأول يفاقم حالته الصحية السيئة، والثاني يؤرقه ويسبب له الإزعاج. كان الصافي النجفي من أنصار حركة " المشروطة " المناوئة للإستعمار البريطاني. كما كان معارضاً قوياً للتيار الديني المحافظ. فهو صاحب رسالة أخلاقية وإصلاحية في الوقت ذاته. توصل الباحث في هذا الفصل الى أن الصافي كان متمرداً على نفسه وعلى التقاليد الإجتماعية البالية. وكان يقف بكل قوة إزاء البدع الوافدة من بلدان أخرْ. ولعل حادثة التصفيق التي نقلها الصافي الى النجف هي خير مثال لما نذهب إليه. فحينما قرأ الشاعر المرحوم صالح الجعفري قصيدة له يقول فيها " فحيوا بالسلام مصفقينا " بادر الصافي الى التصفيق وسط دهشة الحاضرين الذين أعربوا عن سخطهم وتذمرهم لهذا التجاوز الذي وبخّه عليه أخيه الأكبر توبيخاً شديداً.
السهل الممتنع
تتصف قصائد الصافي النجفي بالبساطة والعمق، فليس فسها فذلكات لغوية أو مفردات عويصة تستعصي على الفهم. وقد رصد العاتي في الفصل الثاني من هذا الكتاب العالم الفني للصافي النجفي. وتوصل الباحث الى أن هذا العالم الفني الذي خلقه الشاعر خلال رحلته الإبداعية الطويلة إنما هو عالم قائم على البساطة في طرح الأفكار والمضامين الشعرية، غير أن مقترباته ومعالجاته الفنية للموضوعات هي التي تمنح قصائده دفقاً وحيوية عاليتين. فالصافي النجفي، كما يؤكد أغلب النقاد، هو " شاعر معاني لا مباني ". فالشكل ليس مهماً بالنسبة إليه، لكنه يولي المعنى إهتماماً كبيراً. أما بساطة الألفاظ والمفردات الشعرية التي يستعملها فهي مقرونة بالعمق الشديد، والمفارقة الذكية، والسخرية المرة في كثير من الأحيان، تلك السخرية التي تذكرنا بالكوميديا السوداء. وبحسب الناقد اللبناني رئيف خوري فإن هذا الأسلوب هو " السهل الممتنع " بحد ذاته. فثمة روح شعري لا يستطع خلقه إلا شاعر مبدع، وفيُّ لمشروعه الشعري. إن ما يلفت الإنتباه في قصائد الصافي النجفي هي كثرة الألفاظ والكلمات المتداولة في لغة الحياة اليومية، إضافة الى جرأته الواضحة في إستعمال بعض المفردات " العامية " التي طوّعها الشاعر، وأدخلها في نسيج نصه الشعري حتى باتت من لُحمة النص وسُداته. ويرى العاتي " أن الصافي النجفي لم يكن يؤمن بوجود مفردة شعرية وأخرى غير شعرية " وإنما كان مؤمناً بوجود معالجة شعرية وأخرى غير شعرية. إن منْ يطيل النظر في البيتين الآتيين سيكتشف أن الألفاظ الغربية والحوشية قد تطوّعت تماماً حتى باتت جزءاً من السياق العام للنص الشعري. " إن الغريّ بلدة تليق أن / تقطنها الشيوخ والعجائز / فصادرات بلدتي مشائخ / وواردات بلدتي جنائز " أن مفردتي " الصادرات " و " الواردات " التجاريتين منسجمتان تماماً مع السياق العام للنص الشعري، ولا تربكان إيقاع السامع ألبتة. وثمة أمثلة أخرْ على إدخاله للمصطلحات السياسية، وتوظيفها في نصوصه بطريقة فنية لافتة للإنتباه. لم يكن هذا التوظيف الفني للمفردات العامية والمصطلحات السياسية مجرد نزوة عابرة، وإنما نزوع فني هدفه التجديد الذي لم يسبقه إليه أحد من شعراء عصره أو مجايليه في الأقل. وقد أورد الباحث نماذج كثيرة يمكن الإطلاع عليها سواء في الفصل الثاني، أو في بقية فصول هذا الكتاب النقدي. تجدر الإشارة الى فلسفة المكان لدى الصافي النجفي. فثمة علاقة حميمة تنشأ بينه وبين المكان الذي يقيم فيه. ولا غرابة في أن يظل الصافي متشبثاً بغرفته القديمة المزرية في جامع ومدرسة الخياطين على الرغم من العرض السخي لوزير الأوقاف السوري الذي قرر في وقت متأخر جداً أن يمنحه بيتاً مريحاً للسكن يليق بمنزلة الشاعر الثقافية غير أن رد الصافي كان بليغاً ومؤثراً وموجعاً في الوقت ذاته حيث قال: " إني سكنت هذه الغرفة أربعين عاماً. وكتبتُ فيها ثلاثة عشر ديواناً، فهي " كغار حرّاء " بالنسبة لي. وليس من الوفاء بعد تلك العشرة الطويلة أن أفارقها أو أرحل عنها! ".
أنا جمعُ أشخاص وما أنا واحد
يتناول د. العاتي في الفصل الثالث من الكتاب العلاقة الوثيقة بين الشعر والفلسفة حيث تتبع الباحث أشكال العلاقة التي تطورت من شعر الحكمة عند زهير بن أبي سلمى الى الشكل الأكثر تعقيداً عن أبي تمام والمتنبي، ثم الى الشعر الفلسفي الخالص عند المعري وغيره من فلاسفة التصوف وأساطين العرفان. تتبع الباحث المرامي الفلسفية في شعر الصافي النجفي منطلقاً من فكرة مفادها أن الصافي النجفي هو شاعر معاني لا مباني، كما أسلفنا، أي أن هناك أفكاراً جوهرية خالصة تهيمن على ذهن الشاعر وحواسه في آن معاً. وأن همّ الصافي هو " النفاذ الى ما وراء الظواهر للوصول الى الحقائق المطلقة " وهذا ما يفعله الفيلسوف، غير أن الفرق بين الشاعر والفيسلوف كبير الى حد ما. فالشاعر، بحسب الدكتور العاتي، يتوسل بالخيال والوجدان والعقل الباطني لملامسة الحقيقة أو الوصول إليها إن أمكن، أما الفيلسوف فهو يلجأ الى العقل والتحليل المنطقي والبراهين الدامغة. وهذا الرأي لا ينفي أن فلاسفة الإشراق يعتمدون على الحدس والكشف والذوق، أي أنهم قريبون جداً من الشعراء. لا شك في الصافي قد درس العلوم العقلية في حوزة النجف، وتعمق في المنطق والفلسفة وعلم الكلام، وأن وسيلته الإستدلالية هي العقل لا العاطفة أو الشعور أو الوجدان. كما أن ولعه بعدد من الشعراء العرب القدامى والمحدثين يكشف عن عمق النزعة الفلسفية لديه، ويكفي أن نشير هنا الى تأثره بجميل صدقي الزهاوي الذي قدّم الصافي النجفي الى القراء العرب، وتوقع له مستقبلاً شعرياً كبيرا. من الآراء الجديرة بالدراسة والإهتمام أن الصافي النجفي قد توصل خلال حياته الطويلة نسبياً الى عدد من الآراء والأفكار التي سبق أن توصل إليها فلاسفة كبار أمثال وبرجسون من دون أن يطلِّع عليها شاعرنا النجفي. وقد أورد د. العاتي عدداً من الأمثلة التي تؤكد صحة ما يذهب إليه. ويكفي أن نشير هنا الى الى ما قاله الدكتور شارل مالك، وزير خارجية لبنان الأسبق، بأن الصافي النجفي توصل الى نفس النتائج التي توصل إليها هيجل. وحينما إستفسر من الصافي النجفي إن كان قد قرأ هيجل من قبل؟ فأجاب الصافي بالنفي. وأعتقد أن الدكتور العاتي هو أقدر من غيره في دراسة هذه الظاهرة اللافتة للإنتباه، والتحقق منها، سواء أكانت حقيقة دامغة أم مجرد توارد خواطر لا غير. فالدكتور العاتي كان قريباً جداً من الصافي النجفي، كما أنه شاعر، ومتخصص في حقل الفلسفة، كما أشرنا في مقدمة هذه الدراسة. كان الصافي النجفي يحمل عدداً كبيراً من التناقضات وقد أورد الباحث نماذج متعددة منها، ولكن يظل البيت التالي من الأبيات الشعرية التي تعزز حجم التناقض الذي كان يحمله في تضاعيف نفسه حيث يقول " تناقضت الأفكار عندي كإنما / أنا جمعُ أشخاص وما أنا واحد ". وقد خلص الباحث في نهاية الفصل الى أن رحلة الصافي النجفي قد بدأت من الشك، وإنتهت الى اليقين المطلق، والإيمان الخالص، والتصوف المحض.
حدود التأثر والإعجاب
أشار الدكتور العاتي في الفصول الأولى من الكتاب بأن شخصية الصافي النجفي تنطوي على تناقضات كثيرة. فمن يطريهم اليوم قد ينقلب ضدهم غداً! وفي الفصل الرابع من هذا الكتاب يرصد العاتي علاقة الصافي النجفي مع الشعراء سواء أكانوا قدامى أم محدثين. وأن هذا الرصد الدقيق الذي تبناه العاتي يشكل فعلاً سيرة ذاتية للصافي النجفي الذي أهمل هذا الجانب، ولم يُعره أدنى إهتمام. ومن خلال لقاءات العاتي المتكررة معه تبين أن الصافي النجفي يمحض عدداً من الشعراء حُباً من نوع خاص، ويشيد بمواهبهم وتجاربهم الشعرية مثل المتنبي والمعري وعمر الخيام، غير أن هذا الإعجاب قد ينقلب ذات يوم الى نقد شديد. لا بد من الإشارة الى أن الصافي النجفي قد تأثر فعلاً بالعديد من الشعراء العرب والأجانب غير أن حدود تأثره لا يتجاوز " الروح والجوهر ". ويندر أن تجد قصيدة للصافي النجفي تعتاش على إيقاع قصيدة لشاعر آخر سواء من مجايليه، أو من الأجيال السابقة. وبسبب سعة هذا الموضوع سنكتفي بذكر أسماء الشعراء الذين نالوا إعجابه، أو كانت تربطه وإياهم علاقة من نوع ما وهم ديك الجن الحمصي، المتنبي، الخيام، سعدي الشيرازي، جلال الدين الرومي، محمد تقي بهار، إيليا أبو ماضي، فوزي المعلوف، رشيد سليم الخوري، بدوي الجبل، فخري البارودي، نزار قباني، سلمى الخضراء الجيوسي، محمد سعيد الحبوبي، علي الشرقي، محمد باقر الشبيبي، رضا الموسوي الهندي، آغا رضا الأصفهاني، معروف الرصافي، عبود الكرخي وآخرين لا يسع المجال لذكرهم جميعاً.
النزوع القومي
ذكر د. العاتي أن الصافي النجفي قد انتمى الى حركة " المشروطة " المناهضة للإستبداد، والداعية الى التعددية الحزبية، والحياة البرلمانية الحقيقية. وأكثر من ذلك فإن الصافي كان يتوفر على مشاعر قومية جياشة. وحينما قاد العقيد صلاح الدين الصباغ حركته الإنقلابية أُتهمت ألمانيا بأنها كانت وراء ذلك الإنقلاب. ويبدو أن تهمة " النازية " قد لحقت بشاعرنا الكبير الصافي النجفي، حيث إعتقلته القوات البريطانية إثر وشاية ملفقة، وزجّته في السجن لمدة " 43 " يوماً تفاقمت إثرها حالته الصحية، وشارف على الخطر، لكن القائمين على السجن نقلوه " تحت الحراسة " الى مستشفى سان جورج، ثم أعادوه الى السجن حينما تماثل للشفاء. وخلال مدة سجنه أنجز الصافي ديواناً كاملاً أسماه " حصاد السجن "، ويعد هذا الديون بحق علامة فارقة في أدب السجون. وعلى الرغم من الوضع المأساوي الذي كان يعيشه الصافي السجن إلا أن السخرية لم تفارقه. لنتمعن في البيت الآتي: " رمونا كالبضائع في سجونٍ / وعافونا ولم يبدوا إكتراثاً / رمونا في السجن بلا أثاثٍ / فأصبحنا لسجنهمُ أثاثاً ". يؤكد العاتي بأن صديقه القديم صالح جبر هو الذي توسط لدى السلطات البريطانية حينما كان وزيراً للداخلية، ووكيلاً للخارجية، وأخرجه من السجن. وعلى إثر تلك الوشاية المغرضة أصبح الصافي متوجساً في علاقاته الشخصية مع الناس الآخرين. ومع ذلك فقد ظل نزوعه القومي قوياً، وربما يكشف تشبثه بالزي العربي عن طبيعة هذا النزوع المشروع في وقت كانت تعاني فيه العروبة من توجهات قطرية عدائية.
المرأة في حياة الصافي وشعره
تشكِّل المرأة جانباً مهماً في حياة الصافي النجفي وشعره في آن معاً. وكلنا يعرف أن طبيعة التوتر في علاقته الشخصية مع أخيه الأكبر إنما تعود الى رفض الصافي النجفي الزواج من الفتااة التي أختارها له أخوه السيد محمد رضا. يطرح العاتي عدداً من التساؤلات المنطقية التي كانت وراء رفض هذه الزيجة من بينها: هل كانت للصافي النجفي علاقة عاطفية بفتاة أخرى؟ أم أنه رفض فكرة الزواج المدبر؟ ثم يحيلنا العاتي الى الدكتور الراحل جلال الخياط الذي لازم الصافي في الشهور الأخيرة، كما حقق أعماله الشعرية غير المنشورة في ديوان ضخم. حيث يؤكد الخياط على وجود هذه العلاقة العاطفية التي لم تنته بالزواج. وأكثر من ذلك فإن الخياط يعتبر فشله في الزواج ممن أحب هو السبب الرئيس لمغادرته الى سوريا ولبنان، وليس المرض كما هو شائع في الأوساط الثقافية العربية. أما الفصل السابع والأخير فهو ختام الرحلة الحياتية والإبداعية حيث يتخلص الصافي النجفي من شكوكه وتناقضات الخطيرة ويتجه كلياً الى رحاب الإيمان حيث يتحقق صفاءه الروحي الكامل.




#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السيرة الذاتية- الروائية: - غصن مطعم بشجرة غريبة - مثالاً
- التشكيلي الكردي صدر الدين أمين . . . من البكتوغرافي الى الشا ...
- - فهرس الأخطاء - والأنموذج المُحزِن للتيه العراقي:عبود الجاب ...
- هيمنة الشتاء النووي في - الطريق - الى العدم
- الروائي المصري رؤوف مسعد: أنا أقلية في المجتمع الهولندي، وأق ...
- الروائي المصري رؤوف مسعد: أنا متمرد بالسليقة على أسرتي، وطبق ...
- الروائي المصري رؤوف مسعد: ما أكتبه يثير القلق والحفيظة والضغ ...
- الديناصورات: عمالقة بتاغونيا: رسوم متحركة تحفِّز الخيال والر ...
- شعرية نزار قباني تحت مجهر صلاح نيازي: لماذا أحسَّ نزار بالشي ...
- كيت بلانشيت . .السمكة الصغيرة التي سقطت في نافذة العنكبوت
- غمامة زها حديد تهبط على ضفة التيمز
- مارك والنغر يفوز بجائزة تيرنر الفنية: عمل يجمع بين المفردة ا ...
- - متاهة بان - للمخرج المكسيكي ديل تورو: تحفة بَصَرية تؤرخ لن ...
- - مئذنة الشعر -. . قراءات نقدية في التجربة الشعرية لباسم فرا ...
- الروائي مجيد خضر الهماشي يستجير من الرمضار بالنار، ويتخذ من ...
- الفنان التونسي لطفي عبدلي: الوسامة وحدها لا تكفي لخلق الجاذب ...
- في شريطه القصير - البغدادي - لميثم رضا: عراقي وبريطانية يتقا ...
- قراءة في الأداء التعبيري لنيكول كدمان في - الموت من أجل . . ...
- حدود الفنتزة في فيلم - لص بغداد -
- المخرج رونالد إيميريش يوحِّد قوى الأرض ضد طواغيت السماء


المزيد.....




- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الشاعر أحمد الصافي النجفي بين غُربة الروح وغُربة الفكر