أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الروائي المصري رؤوف مسعد: ما أكتبه يثير القلق والحفيظة والضغينة كما يثير الإعجاب















المزيد.....

الروائي المصري رؤوف مسعد: ما أكتبه يثير القلق والحفيظة والضغينة كما يثير الإعجاب


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 2172 - 2008 / 1 / 26 - 10:09
المحور: الادب والفن
    


الجزء الأول
أنا متمرد بالسليقة على أسرتي، وطبقتي، وديانتي، وعلى مبدأ الكتابة التقليدي
أثارت " إيثاكا "، السيرة الذاتية – الروائية الجديدة للروائي المصري رؤوف مسعد جدلاً واسعاً لم تنتهِ تداعياته حتى الآن. فإثر صدروها هذا العام كتب عنها النقاد العرب عدداً من الدراسات النقدية التي تراوحت بين مؤازرة الكاتب أو الوقوف ضد تجربته الأدبية الإيروسية جملة وتفصيلاً. وبعد الحوار المستفِّز والجريء الذي نشره موقع " العربية نت " في 11 أبريل " نيسان " 2007 إنهمرت الردود ذات الطابع العدائي المستفِّز على الروائي، مُتهمينَ إياه بشتى التهم الفكرية والأخلاقية والأدبية، في حين يدّعي كاتب النص ومبدعه بأن كل الذي فعله هو إختراق شجاع، وغير مسبوق لعالم المثلية الجنسية، والسادية، والمازوشية، والإستعراضية، والبايسكشول، والافتراس، والفيتيشيزم، والجنس الجمعي وما الى ذلك. كما تفاقم الأمر حينما وضع الناشر عبارة " تجليات أدبية على الغلاف الأول للكتاب، فيما دمغ المؤلف كتابه بعبارة " نص روائي " في حين أن الناقد الحصيف سيجد في هذا الكتاب " سيرة ذاتية – روائية " لا غير. وكما هو معروف فإن ميثاق السيرة الذاتية الأصيلة ينطوي على عَقْدٍ حقيقي بين الكاتب والقارئ مفادهُ الوعدَ بالكشف عن الذات بكل دهاليزها ومنعرجاتها ومناطقها السرّية المُعاشة، فكيف إذا كانت هذه السيرة "سيرة ذاتية- روائية " تجمع بين الواقع والخيال، والحقيقة والافتراض، والسرد القصصي والتكثيف الشعري، إضافة الى عناصر معروفة في البناء السيري الروائي كالإسترسال في البوح، وعدم قمع الكائن السيري لكي يقول ما لا يُقال، ويفكر في اللامُفكَّر فيه، ويعرِّي المحجوب، ويُفصح عن المسكوت عنه. ولعل من المفيد هنا، في هذا التقديم المقتضب، الإشارة الى أن تقنية إستدعاء سعاد حسني بوصفها حافظة أمينة لأسماء الشهداء " والقَتَلَة " قد غيّرت مسار النص، وأضفت عليه طابعاً سحرياً وفنتازياً، ولولا هذه التقنية الغرائبية لما إستطاع رؤوف مسعد أن ينقلنا الى العالم الآخر، اللامرئي، الغامض. وبفضل سعاد حسني، الحاضرة الغائبة، التي لقّنته الأسماء، جهَّز الراوي قاربه، وعقد العزم على مواصلة رحلة العودة الى " إيثاكا " بعد أن أيقظ الدبابير الهاجعة في أعشاشها، لتطير بشكل غوغائي وتلسع الجميع من دون إستثناء. ظل رؤوف مسعد وفياً لمفهوم الكتابة الجديدة الذي صاغه مع نخبة من جيله الستيني أمثال صنع الله إبراهيم وكمال القلش وعبد الحكيم قاسم. وكان الأجرأ في كسر الأطر التقليدية المتعارف عليها في بناء الرواية الكلاسيكية. ولا أستغرب شخصياً إن قال رؤوف مسعد " إنه كاتب حالات، وليس كاتب حواديت " فـ " الحدوتة " تقيّدة بمساحة ضيقة لا يستطع فيها أن يلتقط أنفاسه، أما الكتابة عن " حالات " معينة فأنها تقوده الى مساحات حرة مفتوحة كما فعل في " إيثاكا ". وهو لا يرى في هذه الحالات المُشار إليها سلفاً، على مدار النص، إنحرافاتٍ أو شذوذاً أو أمراضاً، وإنما محاولات لتحقيق اللذة المتسامقة،. فالإيروتيك من وجهة نظره " ليس فعلاً في الجسد، ولكنه فعل في العقل أيضاً ". ولإستجلاء فحوى هذه السيرة، ومعرفة أراء مسعد المثيرة للجدل إلتقاه موقع " الحوار المتمدن " في أمستردام وكان لنا معه هذا الحوار:
*الفرد محور كتاباتي
*أكدّتَ في أكثر من مناسبة بأنك " كاتب حالات، وليس كاتب حواديت " وهذا يعني أنك لا زلت وفياً لمفهوم " الكتابة الجديدة " الذي صغتموه عام 1964 أنت وصنع الله إبراهيم وكمال القلش. هل لك أن توضِّح لنا طبيعة هذه " الحالات " التي تكتب عنها، وتدّعي أنها لا تخضع بالضرورة لشروط الكتابة الروائية الكلاسيكية التي تجاوزها الزمن؟
-من المؤكد أنك تعرف دراسة كونديرا الأخيرة حول رواية " مائة عام من العزلة " التي نشرتها " الحياة " مؤخراً بتاريخ 2-6- 2007 عن مقالات له في الملحق الأدبي مؤخراً " اللوموند " والتي يقول فيها حسبما جاء في نص " الحياة " ( وحدها الرواية تستثني الفرد فتميزه وتبرز جوانب حياته كاملة وأفكاره ومشاعره فلا تجعلها قابلة للاستبدال: هو محور كل شيء.) وهذا ما أردت قوله بأني كاتب حالات، وليس كاتب حواديت. فالفرد عندي لا المجموع، ولا الوطن، ولا العالم محور كتاباتي. الفرد هو محور كتاباتي. الفرد في " بيضة النعامة " يظهر في سردٍ متقطع وكذا في " غواية الوصال " أما في " مزاج التماسيح " التي كتبتها وأصدرتها بينهما فقد أردت أن أكتب نصاً بصوتين متقاطعين بحيث تكمن الحبكة في تقاطع النصين. كنت أريد أن أكتب رواية بها حبكة، رواية مثل الرواية الحديثة، ويبدو أو لعله من المؤكد أني رقصت على السلالم، فلم أكتب رواية ولم أكتب حالة، ولا أستطيع أن أفعل لها شيئاً الآن. مجموعتي الوحيدة " صانعة المطر " أسميتها حكايات وهي أقرب للحكايات منها للحالات أو هي مزيج بينهما. " إيثاكا " هي حالات بامتياز مستخدماً "حالة " معروفة هي القبض على الشباب في " كوين بووت " وبعضهم أتوا بهم من الشارع. ثم عندك حالة سعاد حسني الغريبة والغامضة من ظهورها كنجمة حتى إخراجها من هذا العالم. أضفت اليهم الشهداء الشيخ ياسين وشهدي وعبد الخالق محجوب وحاوي وسمير قصير وطه وسيد قطب وهم أيضاً حالات لا يجمع بينهم سوى قتلهم غدراً لأنهم يمثلون حالة مستعصية على التفاهم من قبل أعدائهم سواء أكانوا اًفرادا أم أنظمة. فإيثاكا ليست حدوتة أو حكاية أو حتى رواية: إنها حالة خاصة إذا ما نظرنا إلى المُرمِّم الذي يتحرك في " ايثاكا " من دون إسم. وحينما تتأمل إسم " إيثاكا " الأسطوري الأوذيسي فستعرف أنه مكان أسطوري لحرب أسطورية، لشخصيات أسطورية هي أنصاف بشر وأنصاف آلهة. والأوذيسة نفسها ليست حكاية أو رواية بأي معنى، أنها رحلة مثلما فهمها ورواها بطريقته بعد قرون جيمس جويس، وأعاد صياغة حالتها عصرياً وحداثياً وهنا تفرده، وتميّز عمله، وصعوبته أيضاً، لأنه مزج الأساطير الحديثة، أي الديانة المسيحية بالأساطير القديمة اليونانية وغيرها. لا ننسى أن المسيحية الغربية هي الوعاء الذي تصب فيه الثقافات الإغريقية والرومانية بأساطيرها، ونعرف أن الكتابات الأولى في الأناجيل كانت باللغات السائدة وقتها، أي اليونانية واللاتينية ثم الآرامية والسريانية. وهذا ما أفعله أنا من خلال جذوري وهوياتي الثقافية المتنوعة. وهذا ما فعله كفافيس اليوناني أيضاً في قصيدته الشهيرة " إيثاكا " التي إستعملتها أنا كحركة موسيقية واحدة خلال العمل كله.
*دهشة وغضب
* دعنا نركِّز قليلاً على " بيان الكتابة الجديدة ". ما مضمونه، وكيف غذيتموه، وما الذي أسفر عنه بعد أربعة عقود تقريباً؟
فيما يتعلق ببيان الكتابة الجديدة، أعتقد مخلصاً الآن أننا لم نكن نعلم بالتحديد ما نريد، وما نقصد بالتالي. أنا أيامها كنت مشغولاً بالمسرح، وكمال بالقصة القصيرة، وصنع الله بالرواية، وعبد الحكيم بقصصه القصيرة ورواياته القصار، لكن حتى هذا لم يكن واضحاً لأربعة شباب لم يتجاوزا عشرينياتهم وتنقصهم تجارب كثيرة أهمها تجربة الجنس. جمعونا من بيوتنا، ومن مراهقتنا وألقوا بنا في السجن. كانت تجربة الكتابة اليومية عن " السد العالي " تجربة جديدة، وأول تجربة تجمعنا ثلاثتنا أنا وإبراهيم والقلش وأخرها أيضاً. جمعتني مع صنع الله تجربة مَسرَّحة روايته " اللجنة " ولم تكن تجربة طيبة أو ناجحة بأي مقياس. صنع الله لم يعمل في أية مؤسسة عملاً جماعياً إلا في فترات متقطعة من حياته، وأنا كذلك. القلش عمل في قلب المؤسسة ولم ينتج سوى رواية وحيدة قصيرة هي " صدمة طائر غريب " وكتاب صغير عن حرب الستة وخمسين ومقاومة بورسعيد ومجموعتي قصص قصار. هذا هو إنتاجه حتى توفى وهو في السبعين. قاسم مات قبل أن ينضج جيداً وإنتاجه معروف ومحدود أيضاً. أنا حينما عملت بعض الوقت في العراق وفي بيروت لم أنتج شيئاً هاماً. وعطفاً على سؤالك الأول وإستكمالاً له أرجو أن أبيِّن لك حالات ما أكتبه على أن أوضح للقرّاء حالاتي الشخصية. دعنا نتفق على عنوان جانبي إسمه القطيعة. ثمة قطيعة متواصلة بين الجماعات الادبية في مصر، لا أعني هنا القطيعة بمعناها الشخصي، وإنما أعني الجماعات، فأنا لا أحب اصطلاح الأجيال الادبية التي تؤسس قطيعتها مع ما سبقها من كتابات نتيجة لظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية هامة. سأضرب لك بضعة أمثلة، فجماعات المدوِّنين الذين تبلغ مدوناتهم بضع مئات يمثلون منطقة خاصة في كتابة " الحالات " فكتاباتهم لا تنتمي لجنس أدبي عرفناه من قبل، إنما هي مزيج متنافر، لكنه قابل لأن يثير في القارئ الفكر والدهشة والغضب. إنهم يكتبون عن " حالاتهم " الخاصة مثل مدونة لها عنوان " حاجة تجنن يا جدع " وأخرى " أحل بالبطيخ " وثالثة " الحرملك " الى آخره. لقد أسست هذه المدونات حياتها الخاصة خارج النظام الأدبي- السياسي المتعارف عليه.
*حرب العصابات
*أفدتَ كثيراً في عملك الأخير " إيثاكا " من المدوّنات، خصوصاً مدونة " منال وعلاء "، والمدونة هي فن حديث اقترن ظهوره مع شيوع الإنترنيت في العالم كله، وقد قلتَ ما لا يمكن قوله إلا في المدونات. هل لك أن تحدثنا عن هذه التجربة وكيف استثمرتها في سيرتك الذاتية الروائية " إيثاكا "؟
-هذه ظاهرة صحية تشبه ظاهرة حرب العصابات التي أسسها الجنرال جياب في فيتنام إبان حرب الاستقلال ضد الجيش الفرنسي. إنها حرب لا تخضع لأنظمة الحرب المعروفة التي تُدرَّس في مدارس الحرب وأدبياتها، لكنها أثمرت نتائج هامة، وأصبحت تمارس بأشكال مختلفة! لقد ظهرت نتيجة احتياجات محددة من قوة وطنية لا تملك الترسانة العسكرية الضخمة التي تمتلكها دولة فرنسا وجيشها. المدوَّنات تشبه حرب العصابات لأنه حالما تقوم الدولة في مصر مثلا بغلق مدونة ومحاكمة أصحابها حتى تظهر عشر مدونات أخرى جديدة، وهكذا. أنا متابع دؤوب للمتغيرات على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لأني أتحرك وسط كل هذه العوالم بقناعات ليست ثابتة، فأنا منفتح على التغيرات الحادثة، وكنت من أوائل الكتاب المصريين الذين هم في مرحلتي العمرية " أيامها كنت في منتصف خمسينياتي " حينما بدأت بتعلم الكتابة على الكمبيوتر، وكتبت أول كتاب لي بالكمبيوتر وكان " بيضة النعامة ". "بيضة النعامة "هي بداية القطيعة مع ما سبقها من كتابات الجماعات الأدبية العربية والمصرية؛ فهي تحكي عن الاقباط في مصر، وكان الحكي عنهم من التابوهات، ليس فقط عن بيوتهم وحياتهم، ولكن عن التمييز الذي يعانون منه. ثانيا تحكي عن الجنس في السجن بين السياسيين اليساريين وهذا أيضاً من التابوهات. ثالثاً هي رواية تنتقل في فضاءات ليست مصرية حسب، لكن سودانية وأفريقية وغربية. وقد طبقت هذا على المسرح أيضا، لكني أود أن أعترف هنا بأني في تلك البدايات لم أكن واعياً بشكل كامل بحركتي وموقفي. كنت فقط أرغب بشدة أن أكتب شيئاً مختلفاً، وكنت كثيراً ما أحجم خوفاً من أن أجد نفسي وحيداً في منطقة مجهولة.
*الوقوف على الجانب الآخر
* بدأتْ قطيعتك مع الكتابة التقليدية من خلال المسرح. وكنت تحمل إرهاصات الطلاق لهذا النوع التقليدي من الكتابة. وتمنّي النفس بكتابة شيء مختلف. ما الذي تحقق من هذه الأمنيات الكبيرة؟
صحيح أن الإرهاصات بدأت في الكتابة المسرحية. كانت مسرحيتي الثالثة بعد " لومومبا والنفق "، و " يا ليل يا عين " بداية تجربة مسرحية جديدة لي لم تكتمل، ولم تحظَ بالنمو. هي مسرحية في حركة واحدة تتمحور حول هزيمة 1967 أخرجها كرم مطاوع، ومثَّل فيها سميحة أيوب وعبد الله غيث وآخرين. مسرحية ضد الحبكة الأرسطية. صادرها ثروت عكاشة وزير الثقافة آنذاك. كتبتها قبل دراستي للمسرح في وارسو وبعد كتابة مسرحيتي " لومومبا والنفق ". فقد كان يساورني منذ بداية إهتمامي بالكتابة هاجس أني أريد كتابة شيئ مختلف. ما هو؟ لم أكن أعرفه. كنت أعتقد أن المسرح هو مجالي. فقد مثلت في مسرحيتين في معتقل الواحات. " عيلة الدوغري " لنعمان عاشور الذي إستطاع بذكائه أن يتعامل مع المؤسسة الناصرية من دون تنازلات منه، فالرجل كان يحمل ذات الأفكار التي يحملها ضباط يوليو: أفكار مبهمة ويوتوبية. المسرحيتان السابقتان " ياليل ياعين " و " لومومبا والنفق " كانتا تمهدان لقطيعة مع المسرح الأرسطي والتشيكوفي، لكن لم يكن هذا طلاقا بائناً. كانت زعلة مني، لكن " يا ليل ياعين " كانت بداية وقوفي على الجانب الآخر من الكتابة، كانت أيضاً صادمة سياسياً، فقد كان تقرير الرقابة في البداية في صالح المسرحية ثم حينما قرر ثروت عكاشة وزير الثقافة والاستعلامات منعها من المسرح جاء التقرير " أنها مسرحية تهاجم المستويات العليا في الدولة " فأنا لم أكن معروفاً أو منتمياً للتنظيم الطليعي الذي أسسه عبد الناصر ليستوعب اليساريين فيه بعد أن حلَّت التنظيمات الشيوعية نفسها في إجراء غير مسبوق في تاريخ الحركة الشيوعية العالمية منذ تأسيسها. وكان عدم الالتحاق بالتنظيم الطليعي تفسره الدوائر الحاكمة بأنه عصيان وتمرد. في الحقيقة لم أكن متمرداً أو عاصياً، لكني كنت أريد أن أنجو بنفسي من العمل السياسي. إهتممت بالمسرح، ولم أكن أريد كتابة روايات، لم أفطن لسذاجتي أن المسرح مثله مثل بقية الأدوات الجماهيرية، هو جهاز يقع تحت السيطرة المباشرة للدولة من خلال جهاز الرقابة. المدهش أن الدولة في أخذها بما تصورته اشتراكية نقلت عن أجهزة الثقافة الدعائية السوفيتية مبدأ المسارح الجماهيرية، باعتبار أن المسرح وسيلة لتثقيف الجماهير بأفكار الدولة. كذلك لم أتبين إلا مؤخراً آنذاك أن المسرح عمل جماعي، وأن ميزانيته تتحكم فيها عوامل كثيرة لا علاقة لها بالفن، هذا ما جعلني أنصرف عن المسرح وعن الكتابة بشكل عام. فلم أكتب سوى ثلاث مسرحيات منذ نهاية الستينيات وحتى منتصف الثمانينيات. مسرحيات بسيطة وساذجة. وحينما رجعت مرة أخرى للكتابة المسرحية في منتصف الثمانينات قمت بمسرحة عملين أدبيين هما " الوقائع الغريبة " لأميل حبيبي ولم يرَ النور مع أني قدمته لعبد الله حوراني بعد موافقة حبيبي. كان حوراني مسؤولاً عن الدائرة الثقافية في منظمة التحرير، وتعرفت عليه في بيروت، والتقيته بعد ذلك أكثر من مرة في أكثر من بلد، لكن يبدو كما فهمت بعد ذلك من حبيبي أن المنظمة لم تكن ترغب في تلميع الرجل لأسباب فلسطينية غامضة على مداركي. والمسرحية الأخرى عن رواية " اللجنة " لصنع الله ابراهيم، وقد عثرت على مخرج أخرجها على مسرح صغير ملحق بالقومي، ولم تجد صدى جماهيرياً واسعاً. لكني بدأت عن وعي أتوق إلى تمزيق روابطي بعالمي القديم. كنت قد قررت عام 1981 الانسحاب نهائياً من العمل السياسي المنظم والعلني. وحينما رجعت الى مصر بعد الغزو الإسرائيلي على لبنان في حزيران 1982 كنت قد أمضيت 12 سنة خارج مصر من دون رغبة أو توق حقيقي للعودة اليها. كنت قد قاطعت مصر إن جاز التعبير، واكتشفت لبنان، وقررت أن أمضي حياتي فيه. كانت عودتي الى مصر إجبارية نتيجة للغزو الإسرائيلي ضد لبنان. هكذا رجعت إلى مصر ومعي في جيبي قرار واضح بالعودة إلى الكتابة مرة أخرى. كنت آنذاك في الخامسة والأربعين. وكنت في حينه محبطاً، وأشعر بأنني لم أحقق شيئاً ذا بال. لذلك أردت أن أكتب عن شخص يشبهني. هو أنا، ولكن متخففا من شخصيتي الحقيقية. فأنا مزيج من عدة هويات. وهذا معناه أني أنتمي الى الأقلية المختلفة دينياً في مجتمع غالبيته إسلامية. أنا أيضاً مولود خارج المجتمع المصري. مولود في السودان، ومن أسرة مسيحية، لكن خارج الأغلبية المسيحية القبطية السائدة في مصر. أقلية داخل الأقلية. كما أني أنتمي في فكري السياسيي الى أقلية سياسية يسارية. لكن هل يكفي هذا لكي أشعر بشيء خاص بي؟ بالتأكيد لا، كما أني لا أؤمن بأن للكاتب رسالة كبيرة أو حتى صغيرة. فمنذ عرفت هوميروس وأنا أقرأه باعتباره حكواتياً يسليني ويمتعني، فإذا إعتبرت أن هذه رسالة ما لكاتب ما، إذن تستطيع أن تضعني مع الحكواتية، وأكون لك من الشاكرين. فأية حكاية شعبية إذا تأملتها تجدها حالة خاصة تحاول أن تجتذب القاريء بأن تدعي أزمة ما. إذا تأملنا حكاوي " ألف ليلة وليلة " وبالتحديد الجو الأصلي منها غير المنتحل فستجد أنها حالات. أنظر الى البداية. شهريار يجد زوجته تخونه مع عبد فيقتلهما، ويقرر قتل كل إمرأة ينام معها بعد ليلة واحدة حتى تأتي شهرزاد وتقص عليه حكاياتها. إخترع حكاء " ألف ليلة وليلة " فكرة التشويق من خلال توقف شهرزاد عن الكلام المباح عند صياح الديك. هم يرتاحوا ويشربوا الشاي ويجمعون ما تفضل به عليهم السامعون في مقهى ما لينتقلوا الى مقهى آخر ويحكوا نفس الحكاية، وهكذا دواليك يكررون الحكاية الواحدة في عدة مقاه، ثم يعودون في الأمسية التالية ليبدؤا بقية الحكاية. ما حققته بالنسبة لي من شيء مختلف هو الروايات أو السير الذاتية الأربع " بيضة النعامة"، " مزاج التماسيح "، " غواية الوصال " و " إيثاكا ".



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديناصورات: عمالقة بتاغونيا: رسوم متحركة تحفِّز الخيال والر ...
- شعرية نزار قباني تحت مجهر صلاح نيازي: لماذا أحسَّ نزار بالشي ...
- كيت بلانشيت . .السمكة الصغيرة التي سقطت في نافذة العنكبوت
- غمامة زها حديد تهبط على ضفة التيمز
- مارك والنغر يفوز بجائزة تيرنر الفنية: عمل يجمع بين المفردة ا ...
- - متاهة بان - للمخرج المكسيكي ديل تورو: تحفة بَصَرية تؤرخ لن ...
- - مئذنة الشعر -. . قراءات نقدية في التجربة الشعرية لباسم فرا ...
- الروائي مجيد خضر الهماشي يستجير من الرمضار بالنار، ويتخذ من ...
- الفنان التونسي لطفي عبدلي: الوسامة وحدها لا تكفي لخلق الجاذب ...
- في شريطه القصير - البغدادي - لميثم رضا: عراقي وبريطانية يتقا ...
- قراءة في الأداء التعبيري لنيكول كدمان في - الموت من أجل . . ...
- حدود الفنتزة في فيلم - لص بغداد -
- المخرج رونالد إيميريش يوحِّد قوى الأرض ضد طواغيت السماء
- المخرج الأمريكي ويْس كرافِن يستوحي - موسيقى القلب - من - عجا ...
- أمجد ناصر وشروط الإستجابة لقصيدة النثر الأوروبية الخالصة
- - غصن مطعّم بشجرة غريبة - مختبر للمقارنة بين ثقافتين وبيئتين
- آن إنرايت . . . ثالث روائية آيرلندية تختطف جائزة البوكر للرو ...
- بيكاسو الرسام الأكثر عرضة للسرقة في العالم
- في معرض كاووش الأخير: نساء فاتنات، وكائنات مُجنَّحة، وأُغنيا ...
- ظلال الليل لناصر بختي: جنيف تُقصي المهاجرين، وتنفي أبناءَها ...


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الروائي المصري رؤوف مسعد: ما أكتبه يثير القلق والحفيظة والضغينة كما يثير الإعجاب