أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - أمجد ناصر وشروط الإستجابة لقصيدة النثر الأوروبية الخالصة















المزيد.....

أمجد ناصر وشروط الإستجابة لقصيدة النثر الأوروبية الخالصة


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 2090 - 2007 / 11 / 5 - 09:37
المحور: الادب والفن
    


أثارت تجربة الشاعر الأردني أمجد ناصر إهتمام النقاد منذ صدور مجموعته الشعرية الأولى " مديح لمقهى آخر " عام 1979، ولم يكن الإهتمام مُنصبّاً على قصيدة التفعيلة التي بدأ بها مشروعه الشعري والتي أوشكت أن تهيمن على هذه المجموعة البَكر لولا أن تداركها ببضع قصائد نثرية التي كان قد كتبها في أثناء تواجده في بيروت متأثراً بالمناخ الإبداعي الفاعل الذي كانت تتميز به بيروت عن سواها من الحواضر العربية. كان مرّد الإهتمام وسببه هو تلك الإضمامة الجديدة من قصائد النثر المغايرة التي شكَّلت النواة الأولى لمشروعه الشعري في كتابة قصيدة النثر الخالصة، كما في " حياة كسرد متقطع " التي تتطابق مع إشتراطات وخصائص قصيدة النثر الأوروبية التي يُصطلح عليها بالإنكليزية " Prose poem " والتي تختلف كليةً عن قصيدة الشعر الحر " Free verse " وقصيدة الشعر المُرسَل " Blank verse" حيث يتوفر الأنموذجين الأخيرين على أوزان محددة لا تلتزم بها قصيدة النثر. وقد إنتبه أمجد ناصر الى هذا الفرق الكبير منذ وقت مبكر جداً، وعزز هذا الإنتباه بنماذج تطبيقية لقصيدة النثر الحقيقية التي برع فيها محمد الماغوط، سركون بولص، عبد القادر الجنابي، تمثيلاً لا حصراً. كانت تجربة أمجد ناصر على مدى ثلاثة عقود تقريباً تنضج على نار هادئة. حيث أصدر خلالها ثماني مجموعات شعرية توَّجها بمجموعته الأخيرة " حياة كَسَردٍ متقطِّع " التي تُعد أنموذجاً مكتملاً وغير منقوص لقصيدة النثر. وقد لا أغالي إذا قلت إن هذا الإكتمال يجمع بين شكل القصيدة ومضمونها في آنٍ معاً. بل أن المجموعة برمتها تصلح أن تكون بياناً شعرياً يبشِّر بقصيدة النثر، ولكن الذين يعرفون أمجد ناصر من كثب يدركون أنه شاعر مُحتفٍ بعزلته، وميّال الى الهدوء والتأمل ومتعة الإستغراق الذهني، بعيداً عن الجعجعة والفوضى والضجيج الإعلامي الذي يتفنن به بعض من الشعراء والشواعر الذين لا يرتكنون الى مشروع شعري محدد وواعد. وقبل أن نتناول بالنقد والتحليل إحدى قصائد هذه المجموعة لكي نبرهن للقارئ الكريم صحة ما نذهب إليه أود الإشارة الى أن أمجد ناصر معني بإثارة السؤال الشعري من خلال زاوية النظر التي يراها مناسبة وصحيحة لتعزيز وجهات نظره في هذا الجنس الإبداعي الذي يتقاطع بالضرورة مع الأشكال الشعرية القديمة ومضامينها. فمضمون قصيدة النثر يتمتع بحرية كبيرة أساسها الطاقة السردية التي قد تتوفر على رويٍ، أو قصٍ، أو حوارٍ، أو لقطات درامية، أو صور تشكيلية، أو سينمائية، أو فوتوغرافية، وما الى ذلك من معطيات سردية تستسيغها قصيدة النثر، ولا تنفر منها أو تدير لها كشحاً. تتوفر قصيدة " فتاة في مقهى كوستا " على شكل أنموذجي لقصيدة النثر. فالجمل الشعرية الطوال تكاد تهيمن على معظم مقاطع النص الشعري. ولا يمكن تقطيع هذه الجمل أو تجزئتها لأنها تضر بطبيعة التواشج السردي، وتواتر قصته، وتواصل أحداثه. والذي يقرأ هذا النص الشعري سيكتشف من دون لأي وجود عين الكاميرا السينمائية التي ترصد كل نأمة وحركة ضمن دائرة المشهد التي يتحرك فيها الشاعر والطرف الآخر الذي يشكل مادة أساسية في بنية قصيدته النثرية. فالمكان مقهى " كوستا " في شارع همرسمِث حيث إعتاد الشاعر أن يجلس لكي يكتب قصيدته المؤرِقة. جاءت هذه الفتاة في ضحىً يجاهد أن ينتزع شعاعاً من سماء لندن الرمادية. وقد توافق مجيئها مع رغبة الشاعر في كتابة قصيدة عن فتاة تأتي وتجلس أمامه، وكأنها موديل للرسم، في مقهىً خالٍ من الرواد. ولا شك في أن فعل الكتابة هو تفريغ لطاقة القلق الإبداعي المشحون بها طوال مدة إنتظاره لقدوم هذه الفتاة حتى وإن كان بصورة حلمية في أحلام يقظته الكثيرة. جاءت الفتاة فعلاً ،كما يوهمنا النص، ووضعت كتبها على الطاولة، وحقيبتها على الأرض، ونضّت سترتها، وإندفع نهداها القاسيان، وإرتجّا خلف كنزتها. هذه المتابعة التي لا تتم إلا بعين سينمائية ترصد كل حركات هذه الفتاة المُنتظرَة وسكناتها. هذا المقطع السردي لا يقبل التقطيع، وهو يشبه تماماً الأرقام التي لا تقبل القسمة على بعضها. وهذا البعض أو الجزء لا يمكن قراءته مفككاً أو مجزءاً، لأن مضمونه مقترن بالكل المتواتر، وبالصور السردية المتلاحقة التي تكشف عن ومضاتها المخبأة كلما قرئت بنَفَسٍ لاهث ضمن السياق المتوالي الذي لا يمنح القارئ فرصة للتريث أو إلتقاط الأنفاس. ولو دققنا النظر في الأفعال الحركية لوجدناها كثيرة، مبثوثة في متن هذا النص مثل " وضعتْ، نضَّتْ، مالتْ، أشعلتْ " الأمر الذي منح القصيدة بُعداً حركياً أنقذ النص من سكونية المكان، ومحدودية الفضاء الذي يضم الشاعر المُراقب، والفتاة المرصودة. إن التواصل الذي نتحدث عنه في هذا النص ليس قسرياً أو مفروضاً من الخارج، وإنما هو عفوي نابع من بنية القصيدة الداخلية المتدفقة. ولو إجتهد باحث أو ناقد في تقطيع هذه البنية النثرية المرصوصة لما أفلح في ذلك. والسبب يعود ببساطة الى الوحدة العضوية للمقطع السردي الذي لا يقبل التفتيت بخلاف كثير من قصائد النثر السائدة التي تخضع لفعل التقطيع والتجزئة والتفتيت من دون أن تترك أثراً يطعن في إشتراطات الشكل أو يُربِك معطيات المضون. وإستكمالاً للصورة الشعرية المشهدية المترابطة التي تذكِّرنا دائماً بالوحدة العضوية للمضمون. تميل الفتاة على حقيبتها، فينسكب شعرها، فتلّمه الى الخلف بحركة خاطفة، وكأن الشاعر يريد أن ينبِّهنا الى البعد الدرامي، وما يتخلله من لحظات تنويرية ستشع لاحقاً في متن النص وتضيئه بالكامل. وحينما توقد سيجارتها، وترتشف قهوتها، تنظر إليه " بزاوية منحرفة من عينيها ". هذه اللازمة ستتكرر مرة ثانية بطريقة تعبيرية فائقة الدلالة لأن الشاعر يزاوج بين الحقيقة والخيال في التعاطي مع هذه الفتاة التي جاءت بلحمها ودمها وجلست أمامه ترتشف القهوة وتنظر إليه بزاوية منحرفة، وأكثر من ذلك فإنها أوشكت أن تتحدث معه، كما أوشك هو أنه يجاذبها أطراف الحديث. وتتمةً لهذه الصورة الفنتازية القائمة على مفارقة شديدة التشويق لا بد للشاعر أن يعزز لنا الوجود الفيزيقي لهذه الفتاة التي جاءت، وستتوارى بعد مدة قصيرة لا تتجاوز رمشة عين. فالبلوزة الزرقاء، والزندان المبرومان، والفهود الصغيرة التي تتقافز من كتفيها هي جزء أساسي من اللعبة الفنية التي يديرها الشاعر بمهارة عالية، لكن " قدمها التي تتحرك تحت الطاولة على شكل مروحة " هي جملة أساسية أيضاً، وصورة شعرية مهمة ومركبة في آنٍ معاً، لأنها ستتكرر هي الأخرى كلازمة تعزز جانباً واقعياً غير متخيل. وقبل أن نصل الى نهاية النص يؤكد لنا الشاعر بأن التفاصيل التي يراها أمامه تحيله الى فتاة القصيدة التي يحلم بكتابتها، ولكنه ما إن يُسقط قلمه عمداً، ويلتقطه بسرعه البرق، ثم يرفع رأسه ليجدها قد غابت وتوارت عن الأنظار. وتعزيزاً لهذا التداخل الواقعي والفنتازي يضعنا الشاعر هذه المرة أمام صورة فتاة على ملصق إعلاني مثبت على الجدار " تجلس وحيدة، تدخن، وتحتسي قهوة، وتنظر بزاوية منحرفة من عينيها في مقهى يشبه هذا المقهى ". لا يكتفي الشاعر بصورة الفتاة كإحالة الى حلم يقظة، أو سقوط في لحظة إيهامية، لكنه يعزز وجودها بفنجان القهوة الذي تتركته ساخناً، والسيجارة التي خلفتها على حافة المنفضة، والمنديل المبقع بأحمر الشفاه، وقلبه المضطرب الذي تضاعفت دقاته بحيث بات يُسمع من بعيد. وعوداً على بدء نقول بأن الشاعر أمجد ناصر قد إنتبه الى طبيعة قصيدة النثر الأوروبية شكلاً ومضموناً، إلا أن نماذجه التطبيقية المُطمئنة للشروط الفنية قد تجسدت في " حياة كسرد متقطع " على رغمٍ من إنقلابه المبكر على سياقات النص الشعري العربي بمختلف أشكاله المتعارف عليها. إن الإقتراحات الجديدة التي يقدمها أمجد ناصر لشعرية قصيدة النثر العربية لا أظن أنها مسبوقة، خصوصاً وأن اللغة السردية تعززها وتتسيَّد فيها. إن شعرنة المنحى النثري يحتاج الى موهبتين في آنٍ معاً وهو أن يكون الكاتب ناثراً وشاعراً يتوفر على ثقافة موسوعية شاملة. ولهذا فأن حركة الشاعر الرشيقة وإنتقاله السلس بين الشعر والنثر أو العكس لم يكن متأتياً إلا من إخلاصه لقصيدة النثر، وإنغماسه في التجريب غير المعلن عنه طوال العقود الثلاثة الماضية التي أهلّته لأن يكتب نثراً عضوياً يتجاوز حدود القص أو الروي الإخباري الى الومضة الشعرية التي يصل إليها عن طريق التكثيف النثري الذي يتجاوز حدود النثر، كما ينحرف عن الشعر الخالص المحددة سماته سلفاً. أتاحت هذه المجموعة المتفردة لأمجد ناصر حرية تامة في إنتقاء الثيمات العصية على المعالجة الشعرية. ولهذا فإن منجزه الشعري يمكن أن نسمِّيه منذ الآن باليومي كماركة مسجلة بإسمه، وأن نسحب هذا الإعتراف الذي منحناه لشعراء آخرين لا يستحقونه لسبب بسيط وهو إنغماسهم في الحيِّز الشعري الضيق أكثر من إنشغالهم في الحيِّز النثري المنفتح على مجمل الفنون القولية وغير القولية أيضاً.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - غصن مطعّم بشجرة غريبة - مختبر للمقارنة بين ثقافتين وبيئتين
- آن إنرايت . . . ثالث روائية آيرلندية تختطف جائزة البوكر للرو ...
- بيكاسو الرسام الأكثر عرضة للسرقة في العالم
- في معرض كاووش الأخير: نساء فاتنات، وكائنات مُجنَّحة، وأُغنيا ...
- ظلال الليل لناصر بختي: جنيف تُقصي المهاجرين، وتنفي أبناءَها ...
- في مسرحية - ديمقراطية ونص - لأحلام عرب: الرئيس آخر مَنْ يعلم ...
- بعيداً عن بغداد كتاب جديد للفوتوغراف العراقي قتيبة الجنابي
- الفنان جمال بغدادي: أشبِّه الأصوات الجميلة بالورود، ولكل ورد ...
- الفنان جمال بغدادي: أشبِّه الأصوات الجميلة بالورود
- الروائي برهان الخطيب ل - الحوار المتمدن -: لم أخرج بعيدا عن ...
- الدورة السابعة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام
- في - عرس الذيب - لجيلاني السعدني: تنجو الذئاب القوية، فيما ت ...
- المخرج هادي ماهود في فيلمه الجديد ليالي هبوط الغجر
- بيت من لحم فيلم جريء لرامي عبد الجبار ينتهك المحرّم والمحجوب ...
- فيلم - 300 - للمخرج الأمريكي زاك سنايدر
- الروائي الأمريكي كورت فَنَغوت يستعين بالسخرية والكوميديا الس ...
- فاضل العزاوي على غلاف مجلة -بلومسبوري ريفيو-: دعوات ودواوين ...
- كوبنهاغن، مثلث الموت - نص توثيقي، وسيرة مدينة بامتياز
- متابعات صحفية
- معجبة تعثر على رواية مخطوطة لجينيت ونترسن وتعيدها لدار نشر ب ...


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - أمجد ناصر وشروط الإستجابة لقصيدة النثر الأوروبية الخالصة