عادل عطية
كاتب صحفي، وقاص، وشاعر مصري
(Adel Attia)
الحوار المتمدن-العدد: 2143 - 2007 / 12 / 28 - 09:59
المحور:
الادب والفن
قريتى ، مثل كل القرى المصرية ، تقع تحت ضوء الشمس 0
عندما كنت صغيراً ، كنت العب فى ملاعبها ، ملاعب الشمس ، الممتدة بلا حدود إلا فى حدود قريتى الصغيرة ، بسعادة غامرة وافرة ، ولم اشعر يوماً بالخوف والرهبة من اى شىء 0
ولكن منذ سنوات قليلة ، وذات يوم جمعة ، وفى كل يوم جمعة لاحقة ، ارتفعت الاصوات عبر مكبرات الصوت التى انتشرت بغزارة فى انحاء قريتى ؛ لتعلن بلغة التحذير والتهديد والوعيد :
" ان الشمس التى نحيا فى حرارتها ، تبلغ درجة الحرارة على سطحها اثنى عشر ألف درجة بمقياس فهرنهايت 0 فإذا خرجتم من بيوتكم ، فعليكم بارتداء النظارات السوداء ، حتى تحافظوا على عيونكم من ضوئها ، ويجب عليكم استخدام المظال الواقية من اشعتها الحامية ، ولا بد من ارتداء ملابس خاصة ، صممناها وخصصناها لكم ، لحمايتكم مما تبثه الشمس من اشعاعات ضارة قاتلة000" 0
شعر أهل قريتى بالخوف والفزع من الشمس ، وبخوف وفزع أكثر من اناس ابتدأوا يظهرون بكثافة ، يحملون سياطاً قاسية ، يضربون بها كل الذين لا يطيعون أوامرهم !
كان حكيم القرية ، راقداً على سرير المرض الابيض فى احدى مستشفيات المدينة 0
وعندما اخبره أهل القرية بما حدث فى قريتهم ، طالبين منه المشورة ، معتذرين له على ما اضافوه إلى معاناته عن غير رغبة منهم ، تكلم بانفاس متعبة مجهدة ، وقال :
- لا عليكم ، فالامر جد خطير ، فوق كل مرض 0
وصمت قليلاً ، ريثما يستجمع قوته ، ثم قال :
- ان حرارة الشمس المرتفعة جداً ، إن سلطانها وجبروتها ، كما يطلق عليه هؤلاء الذين ظهروا كغرباء بينكم ، لم تستخدمه ضد الانسان ، ولم يمنعها عن محبتها لنا وعطاؤها ، فلم تحجب عنا نورها الذى يضئ لنا الحياة ، ولم تمنع دفئها فى وقت البرد ، بل أكثر من ذلك ، فضوءها يغسل الهواء من ثانى اكسيد الكربون ، ويدفق علينا بالاكسجين من خلال عملية البناء أو التمثيل الضوئى ، وحرارتها تقتل الجراثيم ، وتنمى النباتات 0ألا تذكرون مثلنا الدارج : " البيت الذى تدخله الشمس لا يدخله الطبيب " ؟!00 ارجعوا إلى قريتنا ، وأخبروا هؤلاء الغرباء عنا ، أنهم على خطأ ، وقاوموا افكارهم بأفكاركم المستنيرة 0
ارتاح أهل قريتنا لكلمات الحكيم ، وقرروا مجابهة كل فكر لئيم هدّام 0
#عادل_عطية (هاشتاغ)
Adel_Attia#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟