ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)
الحوار المتمدن-العدد: 2124 - 2007 / 12 / 9 - 08:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من أخطر الحالات التي تواجه السفن السائرة في البحار الكُتل الثلجية التي تطفو على السطح خادعة الربان عن حجمها الحقيقي بإختفاء الجزء الغاطس الذي قد يكون هالكاً للسفينة فيما إذا إصطدمت بها . هكذا كان حالُ السفينة تايتانيك .
شعوبنا تسير في حالة من الخطورة إلى هلاكها ما دامت تسير في بحر يختزن الكثير من المهلكات ، يطفو بعضها على السطح أحياناً حسب مُراد السياسيين وأغراضهم الآنية ، حيث تُنفخ مسألة بسيطة لتكبُر وتهيج من جرّائها النفوس ، وتُنظمً التظاهرات الصاخبة في حين هناك مسائل أخرى أهمّ وأخطر لا يُثار الغبار حولها . لقد أصبحنا كلعبة يحُركنا السياسيون حسب مشيئتهم وليجعلوننا نرى فقط ما يشاؤون ولا غير .
كان هناك نكرةٌ في بلد رغب أن يشتهر بنشر أحدى رسومه الكاريكاتيرية المسيئة إلى النبيّ محمد ( ص ) ، وإنّ هذا العمل إساءة لمشاعر كلّ مسلم غيور على دينه وواجب على الجميع إستنكاره ، فذلك أمرٌ لا نقاش فيه . كان الحدث قد حصل في شهر أيلول من عام ، والسياسيون لم تكن القضية في إطار إهتماماتهم ، ولكن بعد أشهر شاء هؤلاء أن ينفخوا في هذه القضية لإستثارة النفوس ، فصارت جميع وسائل الإعلام مشغولة بها ، وأطلقت الفتاوى الدينية لتكفير ذلك النكرة حيث أصبح علماً ، ولو بوجه قبيح ولكن معروفاً في العالم كله ، ونظمت المظاهرات في معظم البلدان الإسلامية تهتف بالقصاص منه ، كلّ ذلك الضجيج المفتعل ، وكانت هناك طبخاتٌ سياسية أهمّ تحدث في الجزء الغاطس من السياسة الدولية دون أن تجلب إنتباه أحد من المشغولين في زحمة ذلك الضجيج .
والشيءُ بالشيءِ يُذكر، ففي هذه الأيام إثيرت ضجة حول مُدرّسة أجنبية في إحدى البلدان العربية لم تعترض على إطلاق إسم ( محمد ) من قبل أحد طلابها على دمية على شكل دب . فقد شاءت الأغراض السياسية ضرورة النفخ في هذه القضيّة دون النظر في إحتمال أن لم يكن للمقصود بالتسمية أية علاقة بإسم النبي ، فهناك من حملة هذا الإسم بالملايين فيهم الحسن وفيهم السيّء ، وقد يكون أحدُ طلبة ذلك الفصل يحملُ ذلك الإسم ويشبه الدبّ في آن وصار مبعثاً لزميله لتسمية الدب بإسمه . ولكن السياسيين ولتحقيق أغراضهم ساقوا الأجنبية إلى المحاكم وحُكم عليها بالسجن ، ونُظمت المظاهرات ( الشعبية ) بالطريقة المعروفة لدينا ، وأطلقت الفتاوى جُزافاً ، كُلّ ذلك وصورة الإسلام في نظر الرأي العام العالمي تتدنّى وتُقرن بالعنف والإرهاب ، ثمّ يأتي رئيسُ تلك الدولة ليُصدر أمر العفوعن المدرسة وكأنّه يبعث برسالة إلى الرأي العام العالمي أن الخير لا يزال موجوداً في هذا البلد وأنّ هناك على الأقلّ شخصٌ واحدٌ له من الحكمة ما يكفي لجعله مؤهّلاً لرئاسة هذه الدولة ، فهل هذا ما نسميه الدفاع عن الدين الإسلامي ؟ وما يماثل ذلك قصة المرأة التي تعرضت إلى الإغتصاب من قبل سبعة من المجرمين حيث حكم عليها في بلد تُطبّق فيه الشريعة الإسلامية بالجلد مائتي جلدة وهي العقوبة التي أصبحت في ذهن العالم المتحضّر من الجرائم ضد الإنسانية ، فأيّ صورة للإسلام تقدّم هذه الممارسة إلى العالم ، وهل خلى هذا البلد فعلاً من موبقات أدهى من هذه الجريمة التي أرتكبت ضد إمرأة ثم وجدت المحاكم هذه المرأة بالذات مجرمة تستحقّ الجلد ؟
قلبنا في العراق صفحة الطاغية وتأمّل الناسُ خيراً ، وفرحوا بُرهة ، ولكن ذلك لم يكن في مخطط البعض منهم . تمّ التطبيلُ والتزميرُ عند إعتقال الطاغية وكان الشعب ينتظرُ محاكمته عن مئات الألوف من الجرائم التي إرتكبها في الخمس والثلاثين عاماً من تسلطه على الحكم ، فمن جرائم كانت ضحيتها آلاف الشهداء الذين سقطوا من جيع فئات الشعب ومناضليه ، وآلاف الشهداء من القوات المسلحة الذين سقطوا في حرب غزو إيران الجار المسلم والآلاف من غزو الكويت البلد الجار العربي المسلم ، ومن آلاف الشهداء من الأكراد في حملات الأنفال وحلبجة ، ومن جرائم التلاعب بمقدرات البلد وتحويله إلى بلد يئنّ تحت وطأة ديون ثقيلة بينما هو بلد نفطي والمفروض أن يكون من أغنياء الدول في العالم ، ومن جرائم النظام الدكتاتوري البوليسي الذي كبّل الشعب وحرمه من أبسط حرياته وحقوقه . من كلّ تلك الجرائم وغيرها التي يملأ تعدادها مجلدات من التقارير والكتب شاءت مصلحة أو لنقل رغبة السياسيين الذين بيدهم القرار أن ينتقوا واحدة ، واحدة فقط ليحاكموا الطاغية عليها ، ألا وهي جريمة مجزرة الدجيل . نعم إن مجزرة الدجيل كانت واحدة من الجرائم المروّعة التي إرتكبها الطاغية وكان يستحقّ على إرتكابها الحكم بإعدامه مرّات بعدد الشهداء الذين كانوا ضحايا تلك المجزرة ، ولكن يبقى السؤال لماذا تمّ إختيار هذه الجريمة بالذات ثم تم تنفيذ حكم الإعدام فيه وبعد ذلك إسدال الستار على جميع الجرائم الأخرى ؟ ألم يكن الأجدر أن يحاكم على جرائم إستخدامه أسلحة الدمار الشامل المحرمة دولياً مثل الأسلحة الكيمياوية والجرثومية ؟ ألم يكن الأجدر أن تنشر وقائع ما توصلت إليه لجان التحقيق في تلك الجرائم لكي يكون الشعب على بيّنة على ما كان يجري مدعماً بوثائق رسمية كوسيلة لتوعية الآلاف من المخدوعين بوطنية الطاغية وكشف خبايا الأسرار التي تثبت عكس ذلك للوصول إلى إبعاد أؤلئك المخدوعين من التعاون مع البؤر الإرهابية وتوفير المأوى والملاذ لهم ؟
إنّ قادة أنظمتنا السياسية وحكامنا يرهبون وعيَ الشعب ، ويهابون أن يكون الشعبُ على علم بالحقائق كاملة ، بل يرسمون دائماً أن يرى الشعب ما يريدونه أن يرى ، الجزء الظاهر على السطح فحسب ، إنها سياسة تسطيح الفكر والعقل ، فإلى متى نكون ضحايا لهذه السياسة ؟ ومتى يكون الشعبُ مؤهلاً لأن يكشف المخفي ويرى الحقائق كاملة ويكون حرّاً في إتخاذ قراره الحرّ غير المرتهن للسياسيين ؟
#ييلماز_جاويد (هاشتاغ)
Yelimaz_Jawid#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟