|
الموصل ..دعوة الى التسامح والعيش المشترك
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 2119 - 2007 / 12 / 4 - 11:09
المحور:
المجتمع المدني
الموصل عبارة عن عراقٍ مُصّغَر ، فحتى بداية الخمسينيات كان لايزال فيها يهود ، إضافة الى المسيحيين والمسلمين والايزيديين ، وكل هؤلاء من السكان الاصليين ، هذا عن الاديان ، اما الطوائف فهنالك الارثوذكس والكاثوليك والسنة والشيعة والشبك ، والقوميات فيها العرب والكرد والتركمان والكلدوآشور . وهذا شيء طبيعي في مدينة حَباها الله بموقع مميز يُشّكل مفترق طرق تجارية مهمة وحلقة وصل بين الشمال والجنوب والشرق والغرب ، مكانٌ لإلتقاء القوافل ومرتعٌ لتمازج الثقافات وتبادل السلع والخبرات ! . المدن التجارية عادةً ، مستعدة لأستقبال الجديد والتفاعل مع الآخرين تفاعلا مثمرا ، من اجل ترسيخ وديمومة المصالح المشتركة . وهكذا كانت الموصل حقاً ! كنيسٌ يهودي ، مسجدٌ اسلامي ، ديرٌ مسيحي ودار عبادةٍ ايزيدي ! مئات السنين عاش الاهالي في سلام . ولكن في كل فترة سلامٍ حقيقي كان ( رجال الدين ) المتنفدين ومن مختلف الاديان ، كانوا معتدلين ، يدعون اتباعهم ومريديهم الى التسامح ، الى تَقّبل الآخر ، الى البحث المستمر عن أرضيات مشتركة ، الى عدم الانجرار وراء غايات ( السلطة ) اياً كانت هذه السلطة اذا كان الهدف هو التفرقة والاحتراب . ولكي نكون واقعيين فان الاسلام اصبح دين الاكثرية في الموصل منذ أمَدٍ بعيد ، فعندما نتحدث عن دور رجال الدين فاننا نعني على الاغلب المسلمين منهم ، فليس من المنطقي ان يبرز حاخام يهودي او كاهن مسيحي او شيخ ايزيدي يدعو الى التطرف والتشدد والمواجهة ، وسط محيط غالبيته من المسلمين . فالاقليات تجنح عادةً الى السكينة والدعة خوفا من بطش الاكثرية ! وهذا لاينفي وجود مغامرين وراديكاليين في اوساط الاقليات . ان اسباباً موضوعية وذاتية أدت بالموصل الى ان تكون مسرحا لبروز الاتجاه القومي العربي منذ اكثر من نصف قرن . وللاسف تشبع هذا الاتجاه بكل سلبيات وامراض تلك المرحلة الناتجة عن الصراع الاقليمي والدولي المحتدم وتأثيراته المباشرة على الوضع المحلي . ان نزوع القوميين العرب الى المغالاة والتصعيد المستمر للعلاقة مع منافسيهم من صراع سياسي الى تناحر مميت ، والرضوخ والانجرار آنذاك الى سياسات الجمهورية العربية المتحدة الغير منطقية المضادة لثورة تموز ، كان من اهم الاسباب التي ادت الى الحوادث المؤسفة في الموصل في 1959 ، هذه الاحداث التي تّوجت التطرف القومي العربي واستدعت تطرفا مضادا من الشيوعيين والكرد ! أكاد لا ابالغ اذا قلت ان تداعيات تلك الاحداث المروعة لاتزال تؤثر بدرجة او بأخرى الى يومنا هذا ! خصوصا ان البعث الفاشي ومنذ 1963 لم يألُ جهدا في سبيل الشحن القومي والعنصري والشعارات الجوفاء ، التي طالما شجعت المتطرفين وآزرت المتشددين . ان صَداماً في سنواته الاخيرة وبعد افتضاح كذب شعاراته عن الوحدة والاشتراكية وإفلاس نظرياته الحمقاء ، لجأ الى سبيل آخر ، الى الدين . فمن خلال ( شجرته الخبيثة ) التي ابتدعها وإدعاءه زورا انتسابه الى آل البيت ، وارتداءه لبوس الاسلام رغم موبقاته التي يندى لها الجبين ! استطاع من خلال سياسته العتيدة المتمثلة بالترهيب والترغيب ، ان يجمع حوله حشدا من انصاف الملالي واشباه الشيوخ لكي يطبلوا له ويبرروا افعاله الشنيعة بحق كل الشعب العراقي تحت يافطة الدين والايمان والاسلام ! من خلال المساجد وخُطب الجمعة التي يكتبها وكلاء الامن ! ان الكاتب والباحث ( حسن العلوي ) ، الذي كان بعثيا مقربا من القيادة ، حتى بداية الثمانينيات ، اعترف مرارا وعلنا بان البعثيين كانوا يحرقون القرآن ويرفعوه على رايات متهمين الشيوعيين بإحراقه وسط صياح مفتعل ، الله اكبر ..الله اكبر ويدعون ( المؤمنين ) الى القصاص من الملحدين الكفرة ! هذه الدعوات كانت تفعل فعلها الخبيث في الغوغاء منذ نهاية الخمسينيات . فماذا ننتظر من هكذا حزب وهكذا سياسيين ؟ لا يردعهم رادع اخلاقي ولا ديني من ارتكاب اشنع الافعال ؟! ان البعث الفاشي خلق جيلا مُعَّوَقا لايعرف غير شعاراته الغبية ولا يرى غير وجوه ( الرفاق ) الصفراء ، ولا يقرأ غير مقررات المؤتمرات البعثية . ان جيلاً تربى على العسكريتاريا لَهْوَ جيل خطر ، وياليتها كانت عسكريتاريا تعتمد على الشجاعة والفروسية والتضحية من اجل اهداف نبيلة وقضايا عادلة ، بل كان من ابرز مبادءها الغدر والخيانة والقتل العشوائي . حيث تمثلت التربية البعثية الفاشية في فدائيي صدام والاجهزة القمعية من امن ومخابرات واستخبارات وقيادات المنظمات الحزبية وقادة الجيش والجيش الشعبي . ازلام البعث هؤلاء بتنفيذهم اوامر صدام منذ تنصله من اتفاقية آذار سنة 74 ومعاودته الحرب على الشعب الكردي ومرورا بتنكيله بالشيوعيين والديمقراطيين وحزب الدعوة والقوميين العرب الشرفاء ، وحتى قتله الوحشي لرفاقه في قيادة البعث عام 79 ، هؤلاء الازلام والاتباع مهدوا له الطريق لجرائمه اللاحقة الكبيرة من حربٍ شعواء على ايران الى عمليات ( الانفال ) سيئة الصيت ، الى غزوه الكويت الى المقابر الجماعية وسحق الانتفاضة الى التمادي في تجويع وتركيع الشعب العراقي ! عجبي عجبي لمن يدافع عن مجرمي البعث العتاة !! اعتقد جازما ان المُدافِع عن صدام ونظامه الفاشي ، واحدٌ من ثلاثة : اما متورطاً في جرائم ضد الشعب العراقي ، او مستفيداً وصاحب امتيازات خاصة من النظام السابق ، او مريضا نفسيا يُصّدق ان العهد المقبور كان يمثل كرامة الامة العربية والاسلامية ! ان هذه الفئات القليلة والشاذة من المجتمع يجب ان لا يُسمح لها بالتأثير على الاغلبية الشريفة ، ولا افساح المجال لأيتام البعث بتعكير الامن ، ونبذهم اجتماعيا وتقديم المذنبين الى العدالة . الموصل لن تكون جميلة اذا خَلَتْ من المسيحيين ودّقات النواقيس ، وسوف تفتقر الى وداعة الايزيديين وطقوسهم البديعة اذا أجْبِروا على الرحيل منها . نجح الصهاينة سابقا في تشجيعنا على تهجير اليهود ، يهودنا العراقيين الى اسرائيل ! ولكن اليوم لن يفلح الفاشيون الجدد المتمثلون في القاعدة و ما يُسمى بدولة العراق الاسلامية ، لن يفلحوا في تحويل الموصل الى مدينة طالبانية ذات لون واحد قاتم . فالحدباءُ زاهيةٌ بعربها وكردها وكلدانها وتركمانها !
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل تعود الموصل حُرّة رائعة
-
مَنْ سيربَح ْ المليون ؟
-
يارجال الدين ..ماذا ابقيتم للسياسيين ؟
-
إحْنه وين و هُمّه وين !
-
المأزق الكردي - التركي
-
الى الاردن : ( النفط مقابل المعاملة الحسنة ) !
-
نعم لحرية المرأة في البصرة !
-
لولا(نا) لما كان في الحكم عبيد الدرهم
-
الى هيئة الرئاسة..نقد وعتاب
-
حماية حقوق المستهلك الكردستاني
-
في العراق .. اقوال وتعليقات
-
بن لادن لرئيس قبيلة تكساس:أسْلِمْ..تَسْلَمْ!
-
اجواء بغداد مليئة بالحفر !
-
الامام المهدي ليس راضيا
-
يافرحتنا..اكبر سفارة بالعالم !
-
دول الجوار العراقي
-
الاصلاح الاقتصادي في العراق
-
الديمقراطية العراقية...وجهات في النظر
-
في العراق..عندما يتكلم السياسي بصراحة
-
العراق ..في زاوية ضيقة انت محاصر
المزيد.....
-
الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي
...
-
إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل
...
-
الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟
-
اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي بشبهة -رشوة-
-
قناة -12-: الجنائية ما كانت لتصدر أوامر اعتقال ضد مسؤولين إس
...
-
الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية بمستشفيا
...
-
مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: أعداد الشهداء بين الأبرياء
...
-
لازاريني: 160 من مقار الأونروا في غزة دمرت بشكل كامل
-
السفارة الروسية لدى واشنطن: تقرير واشنطن حول حقوق الإنسان مح
...
-
غرق وفقدان العشرات من المهاجرين قبالة سواحل تونس وجيبوتي
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|