أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - باسم الخندقجي - وجهة نظر فرنسية















المزيد.....

وجهة نظر فرنسية


باسم الخندقجي

الحوار المتمدن-العدد: 2105 - 2007 / 11 / 20 - 10:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعد عودتي من هناك ، إكتشفت أنني لم اكن أتقن الحياة على حقيقتها ووجهها الصالح ، ولم أكن اعلم ان هناك بقعة على هذه الارض ، أصابها التصحر الوحشي والاحتلاليَ وانها بحاجة لأنهار من الإنسانية كي ترويها .
ها أنا الأن بعد تلك الرحلة ، أشاهد من شرفة منزلي الناس الذين يتجولون في الشوارع ، أحاول أن أدخل إلى عقولهم كي ازرع بذور الشعور بالإنسان الذي يعاني ويقتل ويتشرد كل يوم في بقعة من بقاع هذه الأرض اسمها فلسطين .
أحاول أصرخ بأعلى صوت عندي في وجوه أولئك الناس الذي يعيشون على تفاهة الزمن والإنشغال بتربية أنانيتهم، والمثابرة على حب الذات دون الشعور بأبناء جنسهم وأخوتهم بالانسانية :
توقفو على قتل ضمائركم .. أرجعو لإ نسانيتكم الذاكرة ولا تغلقوا عيونكم وأنتم تشاهدون مشاهد القتل والدمار في اي منطقة تعاني من الظلم والجشع والوحشية في هذا العالم التافه .
الأن فقط أتقنت الحياة وعرفت ماذا تعني ، بعد أن أصبحت فلسطين هي قاموسي الذي أترجم من خلاله معاني هذه الحياة ، ولغتي الذي اخاطب بها هذا العالم .
أدركت الأن أن الظلم في هذه الدنيا أصبح قانون من لايلتزم به ويطبقه يعاقب بالموت ظلماً في الظلام .
مازلت أذكر ذللك الشاب الذي رافقني طيلة فترة إقامتي في مدينته ، كان مفعماً بالإرادة و الأمل كما الحزن ، يروي لي قصصاً عن معاناة عن شعبه دلائلها ثابتة على أرض الواقع .
كان (وليد) يحدثني دائما عن احلامه وأحلام شعبه ، ويتكلم معي بنبرة صوت مليئة بالأسى، وعباراته التي كانت تنطلق من اعماق فيها نوعية فريدة من الصمود والتحدي مازلت أذكر كلامه وقتذالك حين قال لي :
( نحن شعب يا سيدتي نحترم الحياة التي تحبنا ) .
ما أجملها من عبارة حين ينطق بها شاب لا يتجاوز عمره الجيلين ، كان يدهشني بمثل هذه الكلمات التي تكبره بألف جيل ، وناردهشتي لا تبلث أن أن تخمد في تلك الأرض التي تكبر بهم ، تسكنه ويسكنها ، فهناك كل شيئ ممكن عندما يكبرون الأطفال على حب الأرض التي تكبرهم ، يأتون إلى هذه الدنيا ويعلمون أنهم لم يخلقوا من أجلها ولكنهم على استعداد للموت من أجلها وفي سبيل خلق حريتها ، كنت حين أحاورهم أجد في حديثهم وجهة وطن لاوجهة نظر .
هؤلاء الأطفال الكبار الذين ليس لهم أية علاقة بسائر أطفال العالم ، فهم ولدوا ما بين القذيفة والقذيفة ، وعاشوا في ارض فرض عليها الاحتلال نظام حظر الطفولة ، فلم يجدو سوى طي صفحات براءتهم ليصبحو أطفال الحجارة ، لا يملكون سوى الحجارة لعبة وسلاحا ووسيلة للتعبير عن احلاهم .
أذكر أيضا عندما إصطحبني (وليد) إلى ذالك المخيم الذي تتكدس فيه مجموعة كبيرة من الأمال ، وأحلام العودة التي يحلم بها اللاجئون الذين تهجرو من ديارهم بغير حق .
سألته وقتذاك :
ما هو برنامج اليوم يا وليد ؟
أجابني بسخرية تمتزج بالأسى والمرارة :
برنامج اليوم مليئ بالأحزان .
أدركت ماذا يعني فيما بعد ، عندما بدأنا نتوغل في أزقة المخيم وعندما بدأت الحاجة فاطمة تروي لي قصة تشردها ولجوئها إلى ذلك المخيم ، ثم كيف إجتاح جيش الاحتلال الاسرائيلي المنطة ، وبدأ بتدمير أشياء لاتشبه في العادة تلك الأشياء التي نُطلق عليها اسم منازل ، روت لي كيف شردها الإحتلال مرتين وكيف لجأت في زمن واحد مرتين ، وكان وليد يترجم ماتقوله تلك المرأة المسنة ، وإذا اعجزت عليه كلمة كان يترجمها بدمعة أو دمعتين .
قبل ذهابي الى تلك الارض كنت أعيش حياتي بشكا طبيعي ، لم أكن أعلم أن هناك بشر يحترفون قتل البشر وتشريدهم ، ولم أكن أعلم أن ألاف الكتب والقصص والروايات التي كتبت ، كان مصدرها معاناة ومأساة ذلك الشعب الذي يحترف الحزن والألم و النكبة .
كانت الصدمة تنتابني مرات ومرات حين كنت أسال الأطفال عن أحلامهم وماذا يتمنون في هذه الحياة ، وأذكر أنني سألت هذا السؤال لطفل من أرض المعذبين في الأرض :
ما هو حلمك في هذه الحياة ؟
أجاب بالعربية وحين ترجمها وليد للفرنسية كانت أشد وضوحاً في هيبتها :
أن اموت شهيد....
هكذا يقولها بكل ثقة ، لا يريد أن يكون طبيبا او مهندسا، يريد أن يكون شهيدا في سبيل فلسطين ، هكذا هم الأطفال هناك لدرجة أن ميزان الحياة فقد توازنه ، ففي فلسطين فقط الأباء يدفنون الأبناء .
(وليد) ذلك الشاب الذي ترجم لي أهات ومعاناة شعبه بكل دقة و إتقان ، كان يؤمن بأنه سيأتي يوم تنمو فيه شجرة الحرية والإستقلال التي رويت وما تزال تروى من دماء الشهداء .
كان يقول لي دائما :
عندكا تعودين إلى وطنك ، إروى لأهلك وجيرانك ولكل الذين تعريفينهم ، إروي لهم قصة فلسطين وأبنائها ، قولي لهم أن يأتوا إلى هنا كي يروا بأعينهم مشهد الحياة الحقيقة .
كنت لا أعلم بماذا أجيبه أو ماذا أقول له ، فكلامه كان له واقع غريب يجعلني أخجل من نفسي ومن إنسانيتي .
هكذا هم الشباب يحملون على كاهلهم أحلام تفوق قدرة أعمارهم .
(وليد) هذا ، كان من المتميزين في التأثير على الأخرين بكلامه وصمته وكل حركاته ، كان يتمتع بموهبة الحكمة التي بعد إنقضاء عنفوان الشباب ، لقد كان يجتمع فيه الطفل والشاب والشيخ ، يؤمن بعدالة قضيته ويرفض الخضوع للأمر الواقع وحتمية العيش في ظلال الإحتلال .
قبل رحيلي بيوم جاءني كي يودعني ، كانت هيئته تختلف عما سبق ، حتى طريقته ولهجته في الكلام كانت تختلف .
قال لي :
إني أوصيك أنت و أصدقائك في نشر معاناة شعبي ، قولي لكل هذا العالم أن هناك شعب في مكان بعيد يستحق الحياة ، قولي لهم ان هناك أطفال يتخذون من الحجارة ألعاباً لهم وطموحهم الأجرأ هو الشهادة في سبيل وطنهم .
بدأت الدموع تنهمر و تنساب على وجنتي من شدة حزن حديثه ، ولم ارد عليه ، كنت فقط اهز رأسي كإشارة بالموافقة على كلامه ، كانت هي تلك المرة الأولى التي يحدثني بها هكذا ، كأنه بدلا من أن يودعني كنت أنا من يودعه ، قال هذه الكلمات وذهب ..
أخذت اصرخ وانادي عليه : وليد .... الى أين يا وليد ؟
أجابني دون أن يلتفت :
سأصنع من صفحات براءتي طائرة ورقية أسافر بها إلى الله ....

الاسير باسم الخندقجي
سجن جلبوع
قيادي في حزب الشعب الفلسطيني
الحكم مدى الحياة
منتدى غسان كنفاني






#باسم_الخندقجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثمة إنسانية … ؟
- هل تعرفون البرش ؟!
- تفتيش !!
- سجن صحراوي الإنسانية
- يوميات إنسانية معطوبة
- حلم من وراء القضبان ... منتدى غسان كنفاني الثقافي
- فرحة الأشياء الصغيرة
- ثمة عالم لنا؟! الأرض المُختلة
- رسائل أهل
- أهازيج فلافل
- أسئلة وجودية ؟! هكذا تحضر الإنسانية
- شقراء مجازاًًً
- زيارة ... ولكن !
- الكتلة التاريخية بأيديولوجية مُتجاوِزةٌ
- حبة اكامول !!
- عندما يرقص المطر
- على هدير البوسطة
- شكرا على مؤبداتكم
- قصة إيمان - غزة
- الأرض المُختلة (1) و الهزيمة


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - باسم الخندقجي - وجهة نظر فرنسية