أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عمار ديوب - الشرط الامبريالي في البنية الاجتماعية المتخلفة















المزيد.....


الشرط الامبريالي في البنية الاجتماعية المتخلفة


عمار ديوب

الحوار المتمدن-العدد: 1994 - 2007 / 8 / 1 - 10:54
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


يواجه العالم العربي أزمات مركبة ، ومن عدة مستويات . نتيجتها تفكك المجتمعات العربية كنهاية قصوى . ما شكل هذه الوضعية الحاملة لكل أشكال التمزق . هي الامبريالية العالمية على أثر نهاية الحقبة العثمانية ، وذلك عبر استعمارها الكولونيالي ، وتوحيد العالم عبر آلية السيطرة والهيمنة لجهة الامبرياليات والتبعية والتخلف لجهة الأطراف . الإشكال الأكبر إن العرب وهم يدخلون التاريخ الحديث دخلوا طور الأزمة فيه وعكس ذلك بلدان الامبرياليات حيث دخلت الاستقرار والتطور رغم وجود أزمة كبيرة فيها نتيجة أزمات اقتصادية وسياسية ومواجهتها في بداية القرن العشرين مجموعة ثورات اشتراكية هدفت إلى التخلص من النظام الرأسمالي نفسه ، وبالتالي كان زمن تطور العرب هوهو زمن دخولهم في أزمتهم التاريخية وبالتالي فقدوا حركة تاريخهم المستقل بفعل التدخل الامبريالي وهو ما خلق تفاعل بين البنيتين الكولونيالية والامبريالية، حيث للأولى الانغلاق وللثانية إدارة الأزمات بصورة مستمرة.

وهو ما أرسى وعمّق البنية الكولونيالية من خلال التخلف ، التبعية ، التجزئة ، البنية القطرية ، النمط الزراعي في الاقتصاد والصناعات الاستهلاكية . وبالتالي ، كتحصيل حاصل استمرارية البنى التقليدية ما قبل الوطنية ( العشيرة ، البنى الدينية ، الإقليم ، المنطقة ، العائلية ) .

المشاريع النهضوية:

المشاريع القومية أو الوطنية أو الليبرالية ، بعد الاستقلال لم تستطع تجاوز أثر الامبريالية في البنية المحلية ، أي لم تستطع تجاوز البنية الكولونيالية ، بقدر ما كانت إحدى تعبيراتها غير المباشرة ، فهي لم تبني نظاماً سياسياً ديموقراطياً وعلمانياً ، ولم تنهض باقتصاد صناعي متقدم ، ولم تشكل سوقها القومي ، ولم تستطع تحديث بنية الوعي ، ولم تأسس الحداثة على قيم الفرد بالمعنى الفلسفي رغم إرسائها بالمعنى الاقتصادي . وكذلك الأحزاب السياسية لم تستطع أن تكون أحزاب حداثية وقاطرة للتقدم العربي..

وبغياب كل ذلك . أبّدت هذه المشاريع ما أرادت تغييره. وبتأبيدها ذاك ، أبدت نفسها وحققت مصالحها ، فانفصلت قياداتها لتشكل الأنظمة البرجوازية الكبيرة وتحكم بشكل دكتاتوري . ولكن أيضاً بما يحقق للفئات البرجوازية المسيطرة مصالحها"التجارية والصناعية " . وبالتالي كان من جراء ذلك تفتيت البنى الحداثية الهشة في المجتمعات العربية وتغييب المشاريع النهضوية وتعزيز الارتباط التبعي بالامبرياليات وخاصة الأمريكية منها بعد أن أصبحت الأخيرة هي هي المسيطرة على وحدة العالم والصائغة لتوجهاته الرأسمالية ..

المساواة الفاسدة بين الأصل والفرع:

الفئات التي حكمت تلك الأنظمة والدول كانت في سيرورتها وسياساتها أسيرة التبعية البنيوية للامبريالية . وقد لعبت دون أدنى شك الكتلة السوفيتية ، والاستقرار في إطار الحرب الباردة دوراً في ديمومة الدول القطرية "البلدان التقدمية والرجعية" وهو ما كُشف بسقوط الكتلة السوفيتية وعودة الحروب التقليدية منها و الاستباقية واستباحة العالم بين الثمانية الكبار بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. وبالتالي لم تستطع الدول القطرية وليس من مصلحة الطبقات المسيطرة فيها تجاوز البنية المجتمعية التي شكلتها الامبريالية ومع تلاشي تلك الكتلة . نشأ النظام الدولي الجديد ، الذي قيل أنه نظام أبدي في السلام وتحقيق الديمقراطية والتعايش العالمي . فكان نظاماً إمبريالياً بامتياز حيث أعادت الدول الامبريالية تقسيم العالم وفتحته لصالح الشركات المتعددة الجنسيات عبر صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة الحرة وهيئة الأمم المتحدة . وبالمقابل ازدادت الحروب والفقر والتلوث والقتل المجاني وأشرفت بعض الخدمات الاجتماعية للأغلبية الفقيرة على التلاشي في العالم الامبريالي وفي العالم المُخلف . إذن ما تحقق هو عالم جديد ، دشنته الامبريالية الأمريكية ، حاولت فيه مد هيمنتها على العالم وضمه وهضم ثرواته ، وخاصةً على العالم المتمرد والذي استفاد من الكتلة السوفيتية فقيل أنها " الدول المارقة " وبالتالي ما يشكل تهديداً فعلياً لبنى الدول المتخلفة ولدول العالم ولمستقبل البشرية والبيئة والحيوان هي هي الامبريالية الأمريكية . وهو ما يدفعنا للتأكيد انه لا يمكن المساواة بين أثر الامبرياليات والمشروع الأمريكي ودور الدول المحلية . في ما أنتجته من تهتكات في البنى المجتمعية ، وذلك لان هذه المساواة التي يؤكد عليها بعض السياسيين والباحثين هي مساواة فاسدة ، تساوى بين الأصل المُشكل لبنية العالم أي الامبريالية كنظام عالمي وبين الفرع الذي تفرزه تلك البنية التي هي الدولة الطرفية أو التشكيلات الطائفية السياسية . فللأخيرة مصالح دون أدنى شك وهي تفعل وتساهم في خلق البنى المحلية ولكنها تفعل ذلك على أرضية البنية المُشكلّة أي على أرضية البنية الكولونيالية وفي مثال العراق ، ما أعطى الدول الإقليمية أو التشكيلات الطائفية السياسية دور ما في تأزماته ليس قوة هذه الدول والتشكيلات بل هو هو المشروع الامبريالي الأمريكي ، الذي لم يكن مشروعاً حداثياً كما يعتقد بعض تيارات الليبرالية أو الديمقراطية ، المهللة له والداعية لضرورته . وهو لا يحمل بالأصل هذه الإمكانية . فكان المشرق بالنسبة إليه أرض بلا شعب ، أرض للثروات وللغزو وللقتل فكان ما كان تاريخياً وتجدد ذلك وفي كل ذلك أثبتت دول المشرق العربي أنها موجودة ولديها بنى تقليدية ، ويمكنها الرد وتدافع عن نفسها ولكن شكل دفاعها كان بمجمله يعاني من أزمات كبيرة ولم تستطع تجاوز ما رسمته وأرسته الامبريالية - ليس عبر القلم والورقة- بل عبر الحروب الاستعمارية والقوانين الاقتصادية والسياسات الإعلامية ، التي والأنظمة الحاكمة أبقت هذه الدول المتخلفة تنتج تلك البنى التقليدية ، وهي عندما تتعرض للغزو تدافع عن نفسها , و وفي الربع الأخير من القرن العشرين تمظهرت كتشكيلات أهلية " عمر المختار – سلطان باشا الأطرش " وفي أواخر القرن العشرين تحولت التشكيلات الأهلية إلى طائفية سياسية بفعل الأخيرة ، مع عدم قدرة الأخيرة على استيعاب الأولى ، فإنها وهي في ذلك ليست إلا أسيرة تلك البنية الامبريالية ، أي أنها أسيرة التبعية البنيوية للامبريالية كنظام اقتصادي وسياسي وإيديولوجي عالمي.

خطورة فشل تحقيق المهمات الديمقراطية:

الدول الامبريالية تاريخياً حاولت ليس فقط تقسيم أجزء الأمة والأمم الأخرى بل تشكيل دويلات ضمن الأقطار على أرضية التكوينات الأهلية الدينية التاريخية ولكن القوى المستندة لهذه التكتلات أصرت على تشكيل الدولة القطرية الواحدة . المشكلة أن تلك الدول لم تكن جزءاً من مشروع حداثي للبنى المحلية وبنشؤ دول ما بعد الاستقلال وفشلها في تحقيق المهمات الملقاة على عاتقها داخليا أو قومياً نشأت الدولة القطرية المستندة إلى المشروع القومي ولكنها أيضاً لم تستطع تحقيق المهمات التي تصدّت لحلها ، و جاءت بالأصل لتحقيقها ونقضت دول البرجوازية التقليدية . أي مهمات " تشكيل بنية صناعية متقدمة، الوحدة القومية ، تحديث الوعي ، الدولة العربية الواحدة والحديثة. وبإخفاقها كمشروع تنموي تحولت الدولة- القومية- إلى مشروع برجوازي وبسبب تبعيتها وضرورة استمراريتها حفاظاً على مصالحها ، أعادت إنتاج البنى التقليدية. فكان إن تشكلت على تثمير أرضيتها ، ولا أقول منها ، قوى طائفية سياسية . تعبر في الأصل عن مصالح برجوازية (كبيرة، متوسطة ، صغيرة ) . وهذا أخطر ما فيها لما تتركه من انقسامات عمودية في المجتمعات . فتشل حركيتها نحو الحداثة والتنوير والعقلانية والعلمانية والاشتراكية .

ولكن وبغياب أفق المشروع القومي أو الشيوعي ومن جراء استبدادية الأنظمة العربية واستمرارية تدخلات الدولة الأمريكية واحتلال العراق وفلسطين ..

تبؤات بعض هذه القوى الطائفية السياسية "حركة حماس ، الجهاد الإسلامي في فلسطين ، حزب الله" مهمة الدفاع عن هذه المجتمعات ، ولعبت دوراً وطنياً بامتياز

. هذا الدور لم يكن دوراً ضد طائفة أخرى أو عشيرة أو إقليم ، وإنما كان في الأصل إما ضد المشروع القومي أو ضد المشروع الامبريالي . وقد يكون لتشكلها في مرحلة ما دور ضد طائفة أخرى مهيمنة باعتبار الطائفية السياسية لبقية الطوائف مشكلة نفسها سياسياً ووظيفياً في الدولة ، كما هو الحال في لبنان . حيث أن الطائفية المارونية هي الأصل بالتشكل الطائفي السياسي وقد همشت في سيرورة حكمها بقية الطوائف ومنها الشيعية ودفعتها بشكل أو بأخر لتشكيل طائفيتها ، وفي هذه الوضعية لعبت الثورة الإيرانية دوراً ما وأيضاً المخططات الإمبريالية في الدفع بذلك التشكل ، طموحاً منها في الإمعان في تشويه الصراعات الاجتماعية اللبنانية وتحويلها إلى صراعات مذهبية ، تؤدي في صراعاتها المذهبية إلى مآل غير مباشر يكرس الدولة الإسرائيلية الصهيونية ويبرر وجودها الطائفي العنصري.

ولا شك أن دور حزب الله دور أساسي في الطائفية الشيعية ، ولكن طائفيته تشكلت في إطار المعركة الوطنية التي كانت لها فصول متعددة في لبنان وليس في إطار تشكل الدولة الطائفي تاريخياً وعبر تركة الاستعمار الفرنسي . وبالتالي لم تتشكل الطائفية الشيعية بالضد من الطائفيات الأخرى وهو ما يميزها وخاصةً من موقع حزب الله بكونها طائفية "وطنية ". ويمكننا التعميم: عندما تتراجع قوى الثورة أو المقاومة الوطنية الديمقراطية تتقدم قوى المقاومة الإسلامية وهو ما كان

، وعكس ذلك صحيح ، فإن تقدمت قوى المقاومة الوطنية الديمقراطية نجد المقاومة الإسلامية لا دور فعلي لها.

مشكلة حزب الله وخاصةً بعد تحرير عام 2000 وتحرير عام 2006 أنه عاد ليلعب دوراً طائفياً ككل القوى السياسية الطائفية تاريخياً . وهو ما أظهره حزباً طائفياً ضد حزب طائفي أخر وهذا بالضبط ما حوّله ، هو أو حماس إلى قوى طائفية سياسية وجزء من النظام السياسي العربي المتخلف وينطبق الأمر ذاته على القوى الطائفية في العراق أو في غيرها من دول العالم العربي لا يطرحون أنفسهم إلا كأحزاب سياسية لها دور في تشكيل الدولة الطائفية، في العراق أو لبنان أو فلسطين ، ومصر ، الأردن أي هم ليسوا ضد الطائفية بل هم وبقية القوى السياسية الطائفية يشكلون النظام السياسي الطائفي كمعبر عن البرجوازية المحلية وبالضد من الأغلبية الشعبية؛ التي نكاية بأنظمة الاستبداد تنتخب تلك القوى وكذلك لأن الأنظمة العربية مع العربية السعودية بالتحديد مع الأمريكان عملوا طويلاً من أجل ما يسمى" الصحوة الإسلامية " وهو ما كان لهم . وهو كذلك ما يشكل أخطر مشكلة في الواقع العربي من خلال التمييز الماهوي الذي تحمله أيديولوجيا المستدينين على أساس الفرقة الناجية الأمر الذي يدمر مستقبل المجتمع بكليته ...

الكل الطائفي:

حماس هي الأخوان المسلمين الفلسطينية ولا تختلف عنها بقية القوى الإسلامية " كالإخوان الشيعة" ولا تختلف عنها قوى الإخوان المسلمين في سوريا ، فالأخيرة التي تحب أن تظهر نفسها كقوى ديمقراطية ؟ ليست إلا جزء من هذا الكل الطائفي أي من القوى السياسية الطائفية التي تشكل جزء من النظام العربي أو تتعامل مع بعض أطرافه وبالتالي أخوان سوريا ليسوا أفضل من إخوان مصر ؟! عدا عن أنه لدى جميع القوى الطائفية سياسة التمييز بين المواطنين على أساس الإيمان والكفر وبالضد من بقية الطوائف وحتى ضد الشعب بكليته. وهناك موقف موحد لديهم اتجاه العلمانية رغم أن العلمانية العربية واضحة في دلالاتها - إذا استثنينا العلمانية العربية المتأمركة - باعتبارها تحترم عقائد جميع الأديان وتؤمن حرية ممارسة الشعائر الدينية . وتساوى بين جميع المواطنين على أساس القانون . ولكن العلمانية تحفظ لغير المستدينين حرية المعتقد والإيمان والكفر وهو هو ما يعتبر مشكلة المشاكل للجماعات السياسية الطائفية حيث أنها ستتعرض للخطر بما يخص أقدس إيديولوجياتها ، أقصد رفض ما يخص دور الشريعة المؤولة طائفياً في الدستور أو القوانين واعتبار موضوع القوانين موضوع وضعي بشري بإمتياز..

القوى الطائفية ، طائفية بإمتياز، أي رغم تمييزنا السابق بين نشأتها . فإنها تتساوى في المآل وفي الايدولوجيا وبالتالي فحماس وحتى الجهاد الإسلامي رغم تميّز الأخير عن حماس هم أحزاب سياسية طائفية . وهم ضد بقية الشعب الفلسطيني . وحزب الله كذلك رغم أدواره الوطنية . أي لا يعدو أن يكون حزباً طائفياً وبغض النظر عن التكوين الأهلي الديني للمجتمع اللبناني "الشيعة والسنة والمسيحيين " لان هذه الطوائف هي نتيجة البنى المجتمعية الدينية القديمة والتي لا علاقة لها بالطائفية من قريب أو بعيد أي لا علاقة لها لا بحزب الله ولا بالقوات اللبنانية ولا بجماعة الحريري "المستقبل"ولا بحركة أمل أو الجماعة الإسلامية أو الحزب الاشتراكي التقدمي..

العقلانيين العرب :

نقصد من هذا التحليل أن على العقلانيين العرب أن يكونوا ذو ثقافة علمانية ، وألا يحللوا الواقع عبر منظور سياسي تكتيكي . ينطلق من محاربة المشروع الأمريكي أو الصهيوني فقط . وبالتالي من هو ضده أنا معه . ولا من خلال منظور سياسي شخصي بعيداً عن التفكر بمشكلات الطائفية السياسية وأثرها على البنية المجتمعية أو مآلاتها التبريرية للكيان الصهيوني كممثل وحيد ليهود العالم . وألا يُخفوا طائفية ما تحت غطاء أن قوى كالإخوان المسلمين أو حزب الله أو حماس قوى ديمقراطية وأنها تستند في تكوينها للأمة لا للطائفة أو أحياناً إخراج حزب الله أو حماس من هذا التصنيف أو العكس ، أي إخراج الأخوان المسلمين . وهو ما يخالف كل ما هو ملموس من ممارسات عملية لسلوك الإخوان في مصر مثلاً حيث "الإسلام هو الحل" ، مما يحوّلها إلى قوى طائفية بإمتياز، وبالضد من قوى طائفية أخرى أو تخلق قوى طائفية أخرى بالضرورة تآزرها في تخليف البنية الاجتماعية المحلية؟! أما الانخراط في المشاريع السياسية الطائفية باعتبارها حاملة التغيير ضد الاستبداد أو الاستعمار فهذا لن يوصلنا إلا إلى تشكيل النظام السياسي الطائفي الذي لن يكون إلا وجها جديداً للبرجوازية العربية بعد أن اتسخ وتمزق وجهها القديم . ولكن هذه المرة ستكتسي وجهاً جديدا" الوجه الطائفي الديمقراطي"ً نتيجة المساعي الحميدة لبعض تيارات من ليبراليين وديموقراطيين عرب وربما ماركسيين ستالينيين أيضاً...

الشرط الامبريالي :

الشرط الامبريالي المسيطر تاريخياً على وحدة العالم هو الشرط الأمريكي المسيطر راهناً ، والسؤال هل هذا الشرط ضد الطائفية السياسية أو ضد العشائرية ؟ أليس هو من يتعاون مع أنظمة الخليج وينصبّها ويخلقها بصورة مستمرة ؟ ثم أليس هو هو الذي تعاون مع القوى الطائفية في العراق ؟ ومن هي القوى التي يتعاون معها في لبنان أليست قوى طائفية ؟

وبالتالي الشرط الأمريكي هو من يؤبد هذه القوى ويوظفها لخدمته وبالضد من المشاريع القومية والشيوعية سابقاً وضد هذه المشاريع الآن . وهو ضدها لأنها حاملة لبرامج اجتماعية واقتصادية وسياسية مقاومة وضد النظام الرأسمالي نفسه وهو من أخطر ما يمكن أن يهدد المشاريع الاستعمارية في منطقتنا ؛ منطقة النفط وفلسطين التاريخية .

والشرط الأمريكي أيضاً ليس ضد الدولة القطرية ، فهو خالقها. ولكنه ضد تعارض مصالحها معه . أي هو معها شريطة أن تكون سلطة مُهيمن عليها ومُطواعة وذات أجهزة أمنية قوية . ولكن الآن مطلوب منها أن تكون بواجهة طائفية خدمة لمشاريع الشرق الأوسط وإسرائيل وتأبيد المصالح الأمريكية في العالم أي مطلوب أنظمة طائفية في كل المنطقة بما لا تتعارض مع المشروع الأمريكي وتعيد بذات الوقت إنتاج بنية مجتمعية متخلفة وقابلة للتفكك ويعاد إنتاجها بصورة مستمرة .

ولذلك ليس من الممكن الدفاع عن الدولة القائمة ، أية دولة " دولة التجزئة" ، لأننا بذلك نصبح مع أبو مازن ضد حماس ومع حكومة العراق الطائفية ضد المقاومة ومع حكومة 14 آذار ضد 8 آذار في لبنان ، ومع دول أخرى ذات أنظمة ديكتاتورية . وبالتالي الدولة ، ومهما كان شكل نظامها وفي أي زمان ومكان ؛ كانت ولا تزال دولة الطبقات المسيطرة . وهذا لا يعني أنها فقط دولة لطبقات المسيطرة ، وهي أيضاً لا تعلن ذلك للعلن حتماً. ولكن قوانينها الاقتصادية تفضح ذلك . ففي حضور الاقتصادي يمكن تلمس ماهية الدولة والنظام الحاكم . وأما تمثيلها لمصالح الطبقات الفقيرة فهولا يعدو أن يكون إلا بما يؤمن استمراريتها الحياتية وجزئياً السياسية وأحياناً بدون السياسية عندما تكون الدولة شمولية وذات مشروع على طريقة الدولة الستالينية أو حتى الفاشية . حيث قد تحتكر تمثيل الشعب عبر إعطائه بعض الضمانات والخدمات الاجتماعية والاقتصادية " أجور ، تعليم ، صحة " ولذلك ما يشكل الدولة هي مصلحة الطبقات وليس العكس وكذلك ليس من دولة فوق الطبقات أو الأمة . ولهذا فحماية المجتمع أو الأمة يتم عبر تشكيل قوى سياسية مجتمعية مدنية وحداثية واشتراكية بامتياز. فالقوى السياسية ، المفكرة بالسلطة والدولة والحاملة لمشروع سياسي يخص الدولة هي التي تشكل الدولة الحديثة وإذا كانت القوى السياسية طائفية ستشكل دولتها الطائفية..

المشروع الماركسي:

ما ينقل العرب إلى دولة حديثة بعد تجارب متعددة ليبرالية وبرجوازية متوسطة وذات نزوع قومي اشتراكي وشيوعية أو متأسلمة "السودان ، مصر، فلسطين" أو حكم ذاتي تحت الاحتلال يفرّط بحق العودة للاجئين إلى أراضيهم في كل فلسطين التاريخية هو مشروع خارج تجارب لم تستطع تجاوز تركة الامبريالية ولم تستطع مواجهة المشروع الأمريكي والصهيوني ، ويكون بالضرورة مشروع يستجيب للأكثرية الفقيرة بما هي الجزء الأكبر من أبناء الأمة . وهو لن يكون إلا مشروع الطبقات الثورية بقيادة قوى ماركسية بتحالفات واسعة . تشمل كل المتضررين ، والمحتمل تضررهم من سياق استمرارية العصر العولمي الامبريالي .

المشروع القادر على ما تقدم هو المشروع الديمقراطي العلماني المُشكل بالضرورة للدولة الديمقراطية العلمانية . إلا أن ما يشكل مشكلة حقيقة للمشروع الأمريكي الصهيوني ليست الدولة الطرفية أو القوى السياسية الطائفية بل هي القوى الديمقراطية العلمانية المتحالفة مع القوى الماركسية التي هي قوى ديمقراطية وعلمانية كذلك وهذا المشروع لا يستند فقط لمصلحة الطبقات الفقيرة ويستجيب لها بل هو يستجيب للمشاعر القومية للعرب ويحقق للأمة العربية دولتها الديمقراطية العلمانية الجامعة .

هذا المشروع ليس نكوصياً أو يستعيد الماضي كما هو ولا يبني نفسه على أدواته المعرفية بل هو ينطلق من كل ما هو ثوري عبر التاريخ دون إغفال الشرط الذي وجد به . إنطلاقاً من تحقيق إنسانية الإنسان بما هو قدرات خلاقة ومتمايزة ولكن بما هو إنسان عالمي . لذلك المشروع ، ماركسي في العمق . ولأنه كذلك ، فهو قادر على صياغة عالم جديد يستفيد مما هو موجود وينطلق بالبشرية نحو عالم أفضل عالم بلا قتل أو قمع أو جشع ، فيه يحقق الإنسان أحلامه وتتفجر فيه طاقاته . ولكن كل ذلك هو الحلم المستقبلي . أما واقعياً فنحن أبناء واقعنا الذي نعيش فيه ونرفضه ونتخيل الأجمل المشار إليه ونحاول ممارسته عملياً .

المشروع المراد يحقق للبشر منظومة الحريات التي لا تني تتوالي عبر اتفاقيات الأمم المتحدة (حقوق الإنسان السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والبيئية) وعبر مؤلفات المفكرين الثوريين وأحلام الفقراء ،وهو يؤكد الحرية المطلقة في ممارسة العبادات والشعائر الدينية للمؤمنين بها . ولكن لا يستطيع أن يضمن كل ذلك إن لم يكن مشروعاً علمانياً ديمقراطياً فيه جميع المواطنين متساوين أمام القانون مساواة فعلية وليس فيه تفارق على أساس الملكية الاحتكارية التي شوهت كل التاريخ الثوري للبرجوازية .

نوجز ، إن البرجوازية العربية لها ألف شكل وشكل ، ومنها " الطائفية الديمقراطية" ومنها" الأنظمة التقدمية " ومنها " الأنظمة الإسلامية" ومنها " ما هو كل الذي قلناه وغيره" ، المفارقة أن بعض قوى المعارضة العربية التي ذاقت الويل من الأنظمة الاستبدادية تدافع عن هذه البرجوازية عبر دفاعها عن أشكالها المشار إليها وكلما تغير الزمن . خبث التاريخ يدفعها لذلك تعلقاً بأوهام الحرية ، الديمقراطية ، القومية ، الوطنية ، التقدمية . وفي النهاية يأتي التاريخ ليودعها السجون أو يضعها على هامشه دون عمل .

رافعة النهوض:

ما نريد قوله أخيراً : إن ما يشكل رافعة للقوى الوطنية وللقوى القومية وللقوى الديمقراطية وللمنظمات الحقوقية والنسائية والشبابية ليست الامبريالية حتماً وليست عقليات زعماء الأحزاب الفردية ولا الطائفية السياسية ولا دولة إسرائيل وحتماً ليست البرجوازيات العربية التابعة والعميلة ولا الدفاع عن الدولة ، أي دولة السلطة القائمة ولا تقديم حل مشكلات الداخل العربي على إنهاء الصراع الإسرائيلي العربي ، بل هي هي القوى الماركسية النقدية مع تحالفاتها من القوى الديمقراطية العلمانية وبما يحقق مصلحة الطبقات الفقيرة..





#عمار_ديوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عام على الحرب الأمريكية على لبنان
- المسألة الوطنية والعولمة
- عصابتان فلسطينيتان ودولة صهيونية عنصرية
- المشروع الأمريكي في ثلاث عواصم عربية
- في نقد الديمقراطية والعلمانية عند برهان غليون
- مشاكل في سلم تصحيح مادة الفلسفة
- المشروع الأمريكي في نهر البارد
- قراءة في كتاب ما بعد الحداثة
- في الدولة العلمانية الديموقراطية
- نقد بيان ووثيقة تجمع اليسار الماركسي في سوريا
- انتخابات تحالف الجبهة والمال والعشيرة
- القرارات الليبرالية قرارات مميتة
- القومية، العلمانية، الديمقراطية
- قراءة في كتاب ما الماركسية، تفكيك العقل الأحادي
- القطري والقومي ومشكلة الهوية السورية
- المرأة في زمن العولمة
- الهيمنة البديلة للهيمنة الامبريالية
- قراءة في كتاب الماركسية والديمقراطية
- قراءة في فن الحب وطبيعته
- قراءة في التنمية المستدامة


المزيد.....




- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- من اشتوكة آيت باها: التنظيم النقابي يقابله الطرد والشغل يقاب ...
- الرئيس الجزائري يستقبل زعيم جبهة البوليساريو (فيديو)


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عمار ديوب - الشرط الامبريالي في البنية الاجتماعية المتخلفة