عقابيل تشرذم اليسار المغربي تظهر بمجاليها الأشد وضوحا في المحاولة المجهضة للتحالف بين حزبين اشتراكيين
أحمد رباص
الحوار المتمدن
-
العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 00:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد تقديمها كانطلاقة جديدة لليسار المغربي، لم تستمر محاولة التقارب بين حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية، لتكشف عن الشياطين القدماء لحزب اشتراكي غارق في خلافاته الداخلية وهوس "زعيمه" بالقيادة. بين الحسابات السياسوية والإيذاء وعدم القدرة على الاتحاد، يؤكد حزب الاتحاد الاشتراكي قبل كل شيء أنه لا يزال العقبة الرئيسية أمامها (المحاولة).
كان قوس المصالحة بين حزب الوردة وحزب الكتاب مجرد سراب آخر في مشهد اليسار المغربي.
بعد مرور ثمانية عشر شهراً فقط على إظهار التقارب الذي كان من المفترض أن يؤدي إلى تنشيط المعارضة المحتضرة، يؤكد الحزب الأول في المقام الأول عجزه المزمن عن تجاوز تطاحنات أجهزته وردود أفعاله الموحية بالهيمنة.
في ديسمبر 2023، تم النظر إلى توقيعهما مذكرة العمل المشترك على أنه عودة لليسار الموحد لمواجهة ما أشار إليه الحزبان بـ"الضعف السياسي" الذي أبانت عنه حكومة أخنوش، كما تكتب مجلة (جون أقريك)، في مقال خاص.
لكن، خلف التصريحات الكبيرة، سرعان ما طفت العادات القديمة على السطح.
تكتب المجلة أن فشل هذا التحالف يوضح قبل كل شيء الصعوبة التي يواجهها حزب عبد الرحيم بوعبيد في قبول اللعب الجماعي حالما اقتنع بأنه لن يخدم مصالحه بشكل حصري.
تحولت القضية إلى تصفية حسابات تحت سماء مفتوحة، منذ فصل الربيع.
من خلال البيانات الصحفية والخرجات الإعلامية المفاجئة، تظاهر إدريس لشگر، الكاتب الأول لحزب الوردة التي أظهره سابقا رسم كاريكاتوري وهو يسحقها بمطرقة ثقيلة، بأنه ضحية عصابة مزعومة دبرها شركاؤه.
ووراء هذا الموقف، رأى الكثيرون أنه قبل كل شيء محاولة خرقاء لإخفاء فشل تنظيمي ولإقناع الرأي العام بأن الحزب يظل "الرائد الطبيعي" للمعارضة التي ادعى بفمه المليان أنها معارضة صاحب الجلالة بعدما تناهى إلى سمعه تبجح نبيل بنعبد الله بأن الحكومة إنما هي "حكومة صاحب الجلالة" عندما كان أحد أعضائها قبل أن تعصف به غضبة صاحب الجلالة.
يمكن قراءة ادعاء لشگر كتعبير عن عدم قدرته على التحالف مع حزب علي يعته بشكل مستدام.
مرحلة حركة الرقابة التي ادعي الاتحاد الاشتراكي أنها "مبادرته الحصرية" تلخص الانزعاج بامتياز.
وبدلاً من بناء بديل ذي مصداقية، فضلت القيادة الاشتراكية تحويل العمل السياسي القوي إلى شجار غرور للمطالبة بالاستفراد بالمشروع. تلك استراتيجية مزايدة انتهت بإفراغ التمشي من معناه، بينما قدمت للحكومة مشهدا مؤلما من الانقسام.
إن النبرة العسكرية لإدريس لشگر، التي تضاعف الاتهامات بالتخريب، تكشف في المقام الأول عن مفهوم عفا عليه الزمن للقيادة السياسية.
وفاءً لكلماته، الهادفة إلى استعراض العضلات، لم يتوقف "زعيم" الاتحاد الاشتراكي أبدًا عن التلويح بفزاعة "التهميش" لتفسير انتكاساته.
ولكن بدلاً من التشكيك في نفسه، يفضل الجهاز الاشتراكي إلقاء اللوم على حلفائه وتكبير موقف الضحية إلى حد يصل في بعض الأحيان إلى منتهى السخافة.
من جانبه، لم يتأخر حزب التقدم والاشتراكية في إدانة "رؤية ضيقة" وتلك "الحسابات التكتيكية"؛ الشيء الذي حول فرصة إحياء اليسار إلى مواجهة عقيمة"، كما تكتب مرة أخرى (جون أفريك).
خلف الكواليس، يعتقد العديد من الناس أن حزب الاتحاد الاشتراكي، الغارق في صراعاته الداخلية وهوسه بالحفاظ على سلطة أخلاقية لم تعد تحظى بأي اعتراف، يكافح من أجل تجديد نفسه والتحدث إلى الناخبين.
باستثناء البداية غير المحتملة، لم تكن العلاقة الرومانسية العابرة بين "الوردة" و"الكتاب" أكثر من مجرد ذكرى محرجة.
بالفعل، تبدو الوعود المرتبطةبـ"دينامية جديدة" قد تجود بها الانتخابات التشريعية في غضون السنة القادمة أنها معرضة للخطر، بسبب عدم وجود قادة قادرين على تجاوز منطقهم الحزبي.
في انتظار حلول موعد الاستحقاقات القادمة، يستمر اليسار في الانقسام، لصالح الأغلبية التي لم تكن مضطرة إلى فرض القوة، فقط لكي ترى المعارضة اليسارية تدمر نفسها بنفسها وتخرب بيتها بأيديها.
والملاحظ المستغرب في آن واحد أن الرجلين لم يتوفقا في بناء سجر بين حزبيهما مع أنهما يكادان يجسدان نسخة مطابقة لأصل قائد مستبد لا يتورع في التضحية بتاريخ من النضالات والتضحيات من أجل غرض شخصي وأناني يتمثل بكل وضوح في تحويل الحزب إلى ضيعة تؤول كل منافعها وخيراتها ومزاياها إلى الكاتب/الأمين العام الذي عض بالنواجد على رئاسة الحزب دون مراعاة لحق إخوانه أو ىفاقه في الحلول محله في إطار التمرين على الديمقراطية التي تبين أن المجتمع المغربي لم يهيأ لها بعد منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي عندما بدأت بلادنا الحبو على دربها..