هل كانت معارضة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قبل حكومة اليوسفي عبارة عن خدعة سياسية؟


أحمد رباص
الحوار المتمدن - العدد: 8475 - 2025 / 9 / 24 - 09:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أدعو كل من يملك ثقافة سياسية إلى أن يجيب عن هذاالسؤال: كيف ارتبطت شخصيات اتحادية برموز المخزن في الوقت الذي كان حزبها في المعارضة؟
كانت هذه التدوينة بمثابة منطلق لحوار فيسبوكي قصير ولكنه مفيد وبعيد عن الشخصنة، خاضه معي اصدقاء يعشقون ترك أثر على هذا الفضاء الساحر الذي جعل الناس في غنى عن استحضار متعلقات الكتابة.
وحتى نبقى بعيدين عن الشخصنة، لن أذكر أسماء هؤلاء الأصدقاء، ويكفي أنهم أنفسهم ومتتبعيهم الأقربين بمقدورهم الوصل بين الكاتب والمكتوب بحكم التطبع والتعود.
في هذا السياق، افتتح أولهم مسلسل الردود بهذا التعليق الوجيز: كانت معارضة للحصول على الريع فقط (باعت عزها بالمال). تلاه صديق آخر قائلا: قال الحسن التاني رحمة الله عليه :"اذا لم تكن لنا معارضة سوف نخلقها..." و قال أحد رموز الاتحاديين :"إنني مستعد أن أموت من أجل الملك."د صديقي الثالث، الذي من كثرة ما يتابعني على هذا الفضاء يخجلني كثيرا لأني لا أعامله بالمثل، وهو ليس وحيدا في مثل هذه الحالة، كتب يقول: الحزب كان يحمل في ذاته أسباب السقوط. فقد تسللت إليه البرجوازية، وقبلها من أجل دعمه ماديا. إلا أنها حولته مع مرور الأيام إلى حزب اصلاحي.
والآن، نصل إلى أحد قدماء الاتحاد الاشتراكي الذي كان مثلي معلما يرحل إلى جريدة الحزب عندما تضيق السبورة عن احتضان كلماته المحملة بمعنى الوجود كما هو موجود وكما ينبغي أن يكون. في شهادة مؤثرة، قال هذا المناضل الاتحادي الذي ظل حاملا للمشعل ولو تفرق رفاق الدرب شذر مذر: حكى لي أحدهم أنه في التسعينيات، وبعد اجتماع للمكتب السياسي للحزب المعني بالأمر، سارع أحد أعضائه إلى إيصال تقرير عن ذلك الاجتماع الى أحد المسؤولين الكبار في الدولة، لكن الأخير وبعد إنهاء العضو لكلامه، رد عليه: هادشي راه ناقص، آسي فلان. راه جا عندي قبل منك سي علان (عضو آخر من المكتب) وأعطاني تفاصيل أفضل منك...!!!! يعني كان البعض من قيادة الحزب يتسارعون لتحسين وجوههم أمام بعض أجهزة المخزن. كل والشبكة ديال؛ وذلك سنوات قبل حكومة اليوسفي.
بالفعل، كان سؤالي المتضمن في تدوينتي التي انطلق منها هذا الحوار فرصة لعدد، لا يهم إن كان محدودا، من أصدقائي لأن يبوحوا بما يعتمل في عقولهم بعد مرحلة نضالية نزيهة وفي أفق انتخابات قادمة يكثر الآن، كما هي عادتهم، الزعيق لإقناعنا بأنها ستكون مختلفة عن سابقاتها، وكأن المغرب، دولة وشعبا، قطع نهر الديمقراطية ونشفت أقدامه.
في هذا الإطار، يمكن إدراج تعليق أحد المتظاهرين معي الذي ينطلق من الافتراض لتواضعه أو لعلمه أن البشر ميالون إلى الإنكار: تجاوزت سن الأربعين، ولربما ناضلت في مرحلة معينة لصالح العدالة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.. لأجل انتشال الناس من أوضاعهم البئيسة التي كانوا عليها، إلا أني صدمت بحجم الجبن الذي يعتور شخصيات من معظم من ناضلت لأجلهم! وعندما بلغت مبلغا من التقدم في السن، أرادت أن تستفيد من جهدها وصبرها لصالحها ولصالح عشيرتها الصغيرة وأحيانا الكبيرة، فسلكت مسلك القرب. وهكذا هي اليوم مآلات الكثيرين.
للأسف، ناضل غيفارا من أجل الجبناء، فكان أن بلغ عنه راعي غنم لمطارديه زعما منه أن الرجل قد أفزع نعاجه ولم يدعها ترعى في أرض الله..
ونختم هذه المحادثة المفتوحة بما قاله صديق لا يقل صدقا عمن سبقوه: في السياسة لا يوجد أعداء دائمون او أصدقاء دائمون، بل يوجد مصالح دائمة. وكما ينحت الماء طريقه وسط الصخور، كذلك تنحت المصالح طريقها داخل الفولاذ الصلب أو المواقف الصلبة. الرعيل/الجيل المؤسس يكون عادة صلبا ودغمائيا، لكن الواقع يجعله يقدم بقايا هذه القدوة والأسوة في آخر عمره على مذبح المصالح. راجع التاريخ الإسلامي ناهيك عن التاريخ الغربي، فالتجربة العباسية خير دليل على ما أقول. فمن قام بالثورة ضد ظلم ولاة الدولة الأموية 12 إثنى عشر فردا من الصفوة من الدعاة للدولة العباسية لكن أبناء هؤلاء وأحفادهم الأوفياء بعد عهد الآباء والأجداد وضع لهم مقلب من طرف البراغماتيين الجدد في الحكم على شكل سؤال عقدي أقرب إلى السفسطة الفلسفية منه الى العقيدة التي تهتم بتطبيق القرآن سلوكا بين الأفراد وعدالة في المجتمع والسلطة، وكان السؤال هو: هل القرآن مخلوق من الله أم منزل من الله؟ الإشكالية المعروفة بفتنة خلق القرآن فأعدم بسبب هذا المشجب المصطنع أبناء وأحفاد الصفوة الأولى من دعاة العدالة المطلقة، أما من كانت أجوبته براغماتية ـ وعرف أن هذا الطعم ماهو إلا حيلة ذكية من الحاكم لتصفية الأخيار ـ تسلق المناصب ونال ما نال من النوال. وهكذا دواليك فكل عصر له مقالبه وأشقياؤه وأصفياؤه أو مخلصوه ومبلسوه، ويمكن أن تقيس هذا على الدولة الوطنية في العالم العربي بعد الاستقلال وما فعلت بالكثير من الثوار والمقاومين، وحتى بأبنائهم.