قوانين الشعوب: مقاومة غزة وصمود إيران في مواجهة الفاشية الصهيونية والأمريكية
احمد صالح سلوم
الحوار المتمدن
-
العدد: 8392 - 2025 / 7 / 3 - 08:44
المحور:
القضية الفلسطينية
عندما بدأت ميكروفونات الاحتلال الإسرائيلي تناشد أهل بيروت عدم استهداف الجنود والضباط الصهاينة، كما حدث في إحدى العمليات الفدائية التي نفذها مقاتلون من الحزب القومي السوري الاجتماعي في مقهى ببيروت عام 1982، كان ذلك تعبيرًا عن حالة الذعر التي أصابت قادة الاحتلال. كان آرييل شارون، الذي قاد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، قد تباهى بأنه نجح في تصفية حركة "فتح" وما أسماه "فتحستان" – تلك الحاضنة السياسية والعسكرية للفلسطينيين في لبنان. لكن هذا التباهي لم يدم طويلًا، فالشعوب، بقوانينها التاريخية العميقة، لا تستسلم للغزاة، بل تفرز مقاومة تناسب مستوى فاشية المحتل. هكذا، وُلدت مقاومة جديدة، ممثلة بحزب الله، لتصبح قوة جبارة أذاقت الاحتلال هزائم وجودية، فيما بقيت القوى الكومبرادورية الفاشية مثل سمير جعجع وجماعة الكتائب عاجزة عن تقديم أي مقاومة حقيقية، مكتفية بدورها كأدوات تخدم مصالح الاحتلال.
اليوم، يعيش بنيامين نتنياهو ومن خلفه القادة الأمريكيون، سواء جو بايدن أو دونالد ترامب، حالة من التحسر على تلك الأيام التي كانت فيها حركة "فتح"، بطابعها المرتزق وبحثها عن مناصب شكلية، خصمًا يسهل التعامل معه. فتح، التي كانت تسعى إلى الحصول على امتيازات من الاحتلال مقابل تنازلات سياسية، لم تكن سوى عصابات تخدم أجندات خارجية، بينما حزب الله، الذي تشكل كرد فعل على اجتياح لبنان وتصفية فتحستان، أصبح قوة إقليمية لا تقهر، تحرر الأراضي وتكبد الاحتلال خسائر لا يمكن تحملها. هذا التحول يكشف عن قانون تاريخي: كلما ارتفع مستوى الفاشية والعدوان لدى المحتل، كلما أفرزت الشعوب مقاومة أكثر صلابة وتنظيمًا.
في غزة اليوم، يحلم نتنياهو بتكرار سيناريو شارون، حيث يسعى لتصفية حركة حماس وما يسميه "حماستان"، ظنًا منه أن القوة العسكرية الغاشمة يمكن أن تقضي على إرادة شعب. لكن، كما أثبتت تجربة لبنان، فإن الشعوب لا تنكسر، بل تتكيف وتفرز مقاومة أقوى. مقاومة غزة، التي نشأت في ظل ظروف أقسى بكثير من تلك التي واجهتها فتح في لبنان، ليست مجرد حركة مقاومة، بل هي تعبير عن إرادة شعب يواجه إبادة جماعية وعدوانًا فاشيًا يتجاوز في وحشيته حدود أوشفيتز. هذه المقاومة، التي أذهلت العالم بصمودها في مواجهة آلة الحرب الصهيونية، بدأت بالفعل تكبد الاحتلال هزائم وجودية، سواء من خلال العمليات العسكرية أو من خلال كسر هيبته العالمية.
إن قوانين الشعوب، التي لا يفهمها القادة النازيون الجدد مثل نتنياهو وداعموه، تفرض نفسها بقوة التاريخ. فالشعب الفلسطيني، الذي يواجه حرب إبادة في غزة منذ أكتوبر 2023، لم يعد مجرد ضحية، بل أصبح رمزًا للمقاومة العالمية ضد الاستعمار والفاشية. العمليات المذهلة التي نفذتها المقاومة، من استهداف البنية العسكرية الإسرائيلية إلى كشف هشاشة جيش الاحتلال، تؤكد أن غزة ليست مجرد ساحة حرب، بل هي مختبر لصناعة مقاومة لا تقهر. هذه المقاومة، التي تتجاوز في تنظيمها وقوتها ما كانت عليه فتح في لبنان، أصبحت كابوسًا لنتنياهو وعصاباته، كما كان حزب الله كابوسًا لشارون وأتباعه.
في سياق أوسع، لا يقتصر تأثير هذه المقاومة على فلسطين وحدها. فإيران، التي صبرت طويلًا في مواجهة العدوان الأمريكي والصهيوني، أثبتت أنها قوة إقليمية قادرة على توجيه ضربات قاتلة للاحتلال وداعميه. منذ أن أطلقت إيران ردها العسكري على استهداف قنصليتها في دمشق عام 2024، أظهرت قدرتها على ضرب أهداف استراتيجية في الأراضي المحتلة بدقة عالية. هذه القدرات، التي تشمل صواريخ باليستية بعيدة المدى، أعادت رسم قواعد الصراع في غرب آسيا، حيث بات الاحتلال الصهيوني ومكانة القواعد الأمريكية في المنطقة مهددة بشكل غير مسبوق.
إيران، التي رفضت التطبيع مع الكيان الصهيوني والقوى الاستعمارية، لم تكتفِ بتطوير قدراتها العسكرية، بل أصبحت نموذجًا للدول التي تسعى إلى الاستقلال الوطني. صواريخها، التي يمكن أن تصل إلى أوروبا، بما في ذلك القواعد الأمريكية في إسبانيا، بريطانيا، ألمانيا، بلجيكا، وهولندا، تشكل تهديدًا استراتيجيًا للهيمنة الغربية. تصريحات النائبة الإسبانية ماريا كارفاليو، التي طالبت بإغلاق القواعد الأمريكية في إسبانيا، تكشف عن قلق أوروبي متزايد من أن العدوان الأمريكي على إيران، الذي يستند إلى منطق البلطجة ويتعارض مع أبسط قواعد القانون الدولي، قد يعرض شعوب أوروبا لخطر وجودي. فالقواعد الأمريكية في أوروبا، التي تحتوي على أسلحة نووية، تجعل القارة عرضة لرد إيراني مشروع وفق القانون الدولي، خاصة إذا استمرت في استضافة الطيران الصهيوني النازي الذي يستهدف إيران.
هذا الواقع يعيدنا إلى قوانين الشعوب التي لا تُهزم. فكما أفرزت اجتياح لبنان عام 1982 حزب الله كقوة مقاومة لا تُضاهى، فإن العدوان الصهيوني على غزة منذ 2023 سيولد مقاومة أكثر قوة وتنظيمًا. هذه المقاومة، التي تتشكل في ظل ظروف الإبادة الجماعية والحصار، لن تكون مجرد رد فعل، بل ستكون تعبيرًا عن إرادة شعب يرفض الاستسلام. العمليات العسكرية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، مثل هجوم طوفان الأقصى في أكتوبر 2023، أظهرت أن الاحتلال ليس فقط هشًا عسكريًا، بل أيضًا مهزوزًا سياسيًا ومعنويًا. هذه العمليات، التي كبدت الاحتلال خسائر غير مسبوقة، أعادت تشكيل الصراع ليس فقط في فلسطين، بل في المنطقة بأكملها.
في لبنان، كان سقوط فتحستان نقطة تحول، لكنه لم يكن نهاية المقاومة، بل بداية جديدة. حزب الله، الذي تشكل في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي، لم يكتفِ بالدفاع عن لبنان، بل أصبح قوة إقليمية تحدت الهيمنة الصهيونية والأمريكية. حرب 2006، التي حاول فيها الاحتلال القضاء على حزب الله، انتهت بهزيمة مذلة لإسرائيل، حيث أظهر الحزب قدرات عسكرية وتنظيمية تفوقت على جيش الاحتلال. هذه التجربة تثبت أن الشعوب، عندما تواجه فاشية المحتل، تفرز مقاومة تتناسب مع مستوى العدوان. في غزة، يتكرر هذا السيناريو، ولكن بأبعاد أكبر، حيث تواجه المقاومة تحديات غير مسبوقة، من حصار شامل إلى دعم غربي غير محدود للاحتلال.
إن فشل شارون في القضاء على المقاومة في لبنان يجب أن يكون درسًا لنتنياهو. فالشعب الفلسطيني، الذي يواجه إبادة جماعية في غزة، لن يستسلم، بل سيفرز مقاومة أقوى وأكثر تنظيمًا. هذه المقاومة لن تكون مجرد رد فعل، بل ستكون قوة وجودية تهدد استمرارية الاحتلال نفسه. تقارير دولية، مثل تلك الصادرة عن الأمم المتحدة، وثقت أن العدوان على غزة أدى إلى مقتل أكثر من 40,000 فلسطيني وتدمير أكثر من 70% من البنية التحتية بحلول منتصف 2025. لكن هذه الأرقام، رغم بشاعتها، لا تعكس إلا جزءًا من الصورة. فالشعب الفلسطيني، الذي يقاوم بأدوات محدودة في مواجهة آلة حربية مدعومة من الولايات المتحدة وأوروبا، أثبت أنه قادر على كسر هيبة الاحتلال وإعادة تعريف الصراع.
في المقابل، فإن القوى الكومبرادورية في المنطقة، مثل سمير جعجع وجماعة الكتائب في لبنان، أو تلك التي تدور في فلك الاحتلال في فلسطين والمنطقة، أثبتت عجزها التام. هذه القوى، التي تعتمد على دعم خارجي وتسعى إلى مناصب شكلية، لم تستطع تقديم أي مقاومة حقيقية، بل أصبحت مجرد أدوات في يد الاحتلال. على النقيض، حزب الله، الذي نشأ من رحم المقاومة، أصبح نموذجًا للقوة المنظمة التي تحدت الاحتلال وداعميه. هذا الفرق بين المقاومة الشعبية والقوى الكومبرادورية يكشف عن جوهر الصراع: إرادة الشعوب لا تُهزم، مهما كانت قوة المحتل.
في سياق أوسع، فإن إيران، التي تحملت عقودًا من العقوبات والعدوان، أثبتت أن الصبر الاستراتيجي يمكن أن يؤدي إلى تغيير موازين القوى. ضرباتها على القواعد الأمريكية في العراق عام 2020، رداً على اغتيال قاسم سليماني، وهجماتها على أهداف صهيونية عام 2024، أظهرت أنها ليست مجرد قوة إقليمية، بل قوة عالمية قادرة على تهديد الهيمنة الغربية. هذه الضربات، التي وصلت إلى قلب الأراضي المحتلة، كشفت عن هشاشة الاحتلال الصهيوني وداعميه. أما القواعد الأمريكية في أوروبا، فإنها أصبحت هدفًا مشروعًا لرد إيراني، خاصة بعد تصريحات مسؤولين أوروبيين، مثل النائبة الإسبانية، التي حذرت من أن هذه القواعد تهدد أمن القارة الأوروبية.
إن التهديد الإيراني، الذي يمتد من قبرص إلى اليونان وصولًا إلى بريطانيا وألمانيا، ليس مجرد استعراض قوة، بل هو تعبير عن حق مشروع في الدفاع عن النفس وفق القانون الدولي. فالدول الأوروبية، التي تستضيف القواعد الأمريكية والطيران الصهيوني، أصبحت شريكة في العدوان على إيران وغزة، مما يجعلها عرضة لردود فعل قد تهدد استقرار القارة بأكملها. هذا الواقع يكشف عن مدى الخطر الذي يشكله التحالف الصهيوني-الأمريكي على العالم، حيث أن سياسات البلطجة والعدوان لا تولد سوى مقاومة أقوى.
في النهاية، فإن قوانين الشعوب، التي لا يفهمها القادة النازيون الجدد، ستظل هي الحاكمة. مقاومة غزة، التي تتشكل في ظل إبادة جماعية، لن تكون مجرد رد فعل، بل ستكون قوة وجودية تهدد استمرارية الاحتلال. كما أن إيران، التي أثبتت قدرتها على تغيير موازين القوى، ستواصل تشكيل تهديد استراتيجي للاحتلال وداعميه. في عالم تهيمن عليه الفاشية الصهيونية والأمريكية، تظل المقاومة الشعبية، سواء في غزة أو لبنان أو إيران، الرد الوحيد الذي يمكن أن يكسر هيبة المحتل ويعيد تشكيل العالم على أسس العدالة والكرامة.