مسرحية -ائتلاف أريزونا-: كوميديا فاشية بنكهة بلجيكية مضحكة حتى البكاء
احمد صالح سلوم
الحوار المتمدن
-
العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 00:22
المحور:
الادب والفن
المقدمة: بلجيكا، أرض الوافل والظلم الاقتصادي
مرحبًا بكم في بلجيكا، حيث الشوكولاتة حلوة، والبيرة لذيذة، لكن الحكومة مرّة كالعلقم! في هذه المسرحية الساخرة ، نقدم لكم حكومة "ائتلاف أريزونا"، تلك الفرقة المسرحية التي تجمع بين الفاشية الاقتصادية، العبث السياسي، والنيوليبرالية المتوحشة في عرضٍ يجعلك تتساءل: هل هذا مسرحٌ كوميدي أم مأساة وطنية؟ على خشبة المسرح، نرى كبار السن يُطردون من صندوق البطالة كما يُطرد كومبارس من فيلمٍ هوليوودي رديء، بينما الذكاء الاصطناعي والروبوتات يسرقون الأضواء – والوظائف – من الجميع. في الخلفية، تُعزف جوقة الشركات متعددة الجنسيات لحن النهب، بقيادة المايسترو النيوليبرالي دي ويفر وجورج بوشيز ، اللذين يعتقدان أن الثقافة مضيعة للوقت والشعب مجرد أرقام في جدول بيانات. فلنرفع الستار على هذه الكوميديا السوداء التي ستجعلك تضحك حتى تنفجر من الغيظ!
كبار السن، أو كيف تُصبح عبئًا في بلدٍ يعبد الروبوتات
المشهد الأول: رسالة الطرد من صندوق البطالة
تخيّلوا المشهد: 49 ألف بلجيكي بين 55 و65 عامًا يفتحون بريدهم الإلكتروني ليجدوا رسالة من حكومة "ائتلاف أريزونا" تقول: "عزيزي المواطن، شكرًا على سنواتك الطويلة في دفع الضرائب، لكننا قررنا أنك الآن عبء على اقتصادنا. تفضل، اذهب لتتسول في شوارع بروكسل أو أنتويرب!" هكذا، وبكل بساطة، قررت الحكومة أن كبار السن هم العدو العام الجديد. بعض هؤلاء لم يعمل منذ عشر سنوات، والبعض الآخر منذ خمسة عشر عامًا، لكن هل هذا لأنهم قرروا قضاء أيامهم في مشاهدة الوافل وهو يُخبز أو احتساء البيرة في مقاهي بروج؟ بالطبع لا! أرباب العمل يرفضون توظيفهم لأن تكاليف التأمين الصحي لهم أغلى من سيارة فيراري مستعملة. لكن، هل تتوقعون من حكومةٍ فاشية مثل "ائتلاف أريزونا" أن تعترف بهذه الحقيقة؟ لا، فبدلاً من ذلك، يُصورون كبار السن ككسالى يستلقون على أرائكهم ويستنزفون خزينة الدولة.
المشهد الثاني: الصحافة، أو فن تجاهل الحقيقة
تدخل الصحيفة البلجيكية الشهيرة إلى المسرح، تحمل عنوانًا صارخًا: "49 ألف كبير سن يُهددون بالطرد من إعانات البطالة!" لكن، كما هو متوقع من صحافة تخدم النيوليبرالية، تنسى هذه الصحيفة ذكر التفاصيل المملة. مثلًا، أن نسبة توظيف واحد من هؤلاء الآلاف شبه مستحيلة لأن الشركات تُفضل توظيف روبوت لا يطلب إجازة مرضية. أو أن التقدم التكنولوجي، من الذكاء الاصطناعي إلى الدرونز، يُزيح الشباب والكبار على حد سواء. بحلول عام 2030، أي خلال أقل من خمس سنوات، ستُطرد 300 مليون وظيفة عالميًا لصالح الروبوتات. الأطباء؟ استبدلهم برنامج يشخص الأمراض بدقة 99.9% ولا يطلب زيادة في الراتب. الصحفيون؟ لدينا الآن خوارزميات تكتب أخبارًا أفضل من معظم الزملاء، ولا تُزعج رئيس التحرير بطلبات العطلة. حتى عمال النظافة في المباني الشاهقة أصبحوا عاطلين لأن الدرونز تُنظف النوافذ بأناقةٍ تفوق راقصات الباليه. وحتى الشاحنات الضخمة في المناجم تُدار الآن بواسطة روبوتات مبرمجة، بينما السائقون يجلسون في المنزل يتفرجون على "نتفليكس" أو يبحثون عن وظيفة في "لينكدإن" دون جدوى.
المشهد الثالث: كبار السن، العدو الذي لم يختاروه
لكن، بدلاً من مواجهة هذا التحول التكنولوجي الجذري، تُفضل حكومة "ائتلاف أريزونا" تحميل كبار السن المسؤولية. يا للسخرية! كأن هؤلاء المواطنين، الذين قضوا عقودًا في بناء بلجيكا، هم من اخترعوا الذكاء الاصطناعي وطالبوا بطرد أنفسهم من سوق العمل. الحكومة، في عرضها المسرحي الفاشي، تُصورهم كعبءٍ اقتصادي، كما لو كانوا مجموعة من الكسالى الذين يستمتعون بجمع إعانات البطالة بينما يحتسون القهوة في مقاهي لوفين. الحقيقة؟ النظام الاقتصادي النيوليبرالي هو الذي يُفضل الروبوتات على البشر، والأرباح على الكرامة. لكن، لا تقلقوا، فحكومة "ائتلاف أريزونا" لديها الحل: اطردوا كبار السن من الإعانات، ودعوهم يواجهون مصيرهم في شوارع بروكسل الباردة!
النيوليبرالية، أو فن تحويل الشعب إلى كومبارس
المشهد الأول: النيوليبرالية، الدين الجديد
حكومة "ائتلاف أريزونا" ليست مجرد حكومة، بل هي طائفة دينية تعبد إله النيوليبرالية الذي هو الربح . في هذا العرض المسرحي، الاقتصاد ليس لخدمة الشعب، بل لتغذية جيوب الأقلية المالية التي تدير الشركات متعددة الجنسيات. 80% من ميزانية بلجيكا تذهب إلى المرتبات، لكن لا أحد يسأل: أين الاستثمار في الصناعة؟ أين الدعم للقطاع الثقافي؟ أين خطة لمواجهة الأتمتة؟ بدلاً من ذلك، لدينا لوييه ميشيل وشارل ميشيل، الثنائي النيوليبرالي الذي يعتقد أن الثقافة هي مجرد لوحات تُعلق في المتاحف، والجمعيات غير الربحية هي مضيعة للوقت. يا للعبقرية! بدلاً من دعم القطاعات التي تُعزز الهوية البلجيكية، يُفضلون تحويل الميزانية إلى جيوب الشركات التي تُنتج الروبوتات وتطرد البشر.
المشهد الثاني: القطاع الخاص، حيث الأربعين هي سن التقاعد
في القطاع الخاص، إذا كنت بلجيكيًا وتجاوزت الأربعين، فأنت رسميًا "قديم الطراز". الشركات تُفضل توظيف روبوت لا يطلب إجازة مرضية أو زيادة في الراتب. أما في الجمعيات غير الربحية، فقد يُسمح لك بالعمل حتى الخامسة والأربعين – بشرط أن يدفع صندوق المساعدات الاجتماعية راتبك وفق المادة 60. لكن، مع تقليص ميزانيات هذه الجمعيات بفضل السياسات النيوليبرالية، حتى هذه الفرصة أصبحت مثل تذكرة يانصيب: قد تربحها، لكن الأرجح أنك ستخسر. والأطرف؟ النيوليبراليون مثل ميشيل وأتباعه لا يملكون القدرة الإدراكية لفهم أن الثقافة هي عمود المجتمع. بالنسبة لهم، الثقافة هي مجرد "هواية"، والشعب هو مجرد أرقام يمكن حذفها من جدول البيانات.
المشهد الثالث: الجمعيات غير الربحية، آخر ملاذ يُدمر
الجمعيات غير الربحية كانت في يومٍ من الأيام ملاذًا لأولئك الذين يريدون العمل بعد الأربعين. لكن، مع السياسات النيوليبرالية التي تُقلص ميزانياتها، أصبحت هذه الجمعيات مثل سفينة تايتانيك: تتجه نحو الغرق بينما الركاب – أي العمال – يبحثون عن قوارب نجاة غير موجودة. حكومة "ائتلاف أريزونا"، بدلاً من دعم هذه الجمعيات، تُفضل تحويل الأموال إلى الشركات متعددة الجنسيات التي تستفيد من الأتمتة. يا للسخرية! في بلدٍ يُفترض أنه يُعزز القيم الاجتماعية، تُصبح الجمعيات غير الربحية ضحيةً لنظامٍ يرى فيها مجرد "مصروف إضافي".
الفصل الثالث: الصين، حيث الروبوتات تُطعم الشعب بدلاً من نهبه
المشهد الأول: مصانع شيامي، حيث الأضواء مطفأة
لنأخذ استراحة من هذا العرض المأساوي ونلقي نظرة على الصين، التي حولت الهرم السكاني المقلوب إلى فرصة ذهبية. في مصانع "شيامي" للهواتف الذكية، الأضواء مطفأة لأن لا حاجة للعمال! الآلات المبرمجة تُنتج الهواتف بدقةٍ تفوق البشر، وبخطأٍ شبه معدوم. والأرباح؟ تذهب إلى الدولة، التي تُعيد توزيعها لضمان حياة كريمة للجميع، بما في ذلك كبار السن. تخيلوا لو أن بلجيكا فعلت الشيء نفسه! لكن لا، في ظل "ائتلاف أريزونا"، أرباح الأتمتة تذهب مباشرة إلى جيوب مدراء الشركات متعددة الجنسيات، بينما الشعب يُترك ليأكل فتات الوافل.
المشهد الثاني: كبار السن في الصين، أبطال وليسوا أعباء
في الصين، كبار السن ليسوا مجرد أرقام في ميزانية، بل هم جزء من نسيج المجتمع. الدولة تستخدم أرباح الأتمتة لتوفير الرعاية الصحية، التعليم، وحتى الأنشطة الثقافية لهم. بينما في بلجيكا، يُنظر إلى كبار السن كأنهم ممثلون متقاعدون لا مكان لهم في العرض الجديد. حكومة "ائتلاف أريزونا" لا ترى فيهم إلا تكلفةً يجب التخلص منها، بينما الصين تُثبت أن الأتمتة يمكن أن تكون أداة للعدالة الاجتماعية، وليس للنهب.
الفصل الرابع: الذكاء الاصطناعي، البطل الذي سرق العرض
المشهد الأول: الذكاء الاصطناعي، النجم الصاعد
الذكاء الاصطناعي هو النجم الحقيقي في هذه المسرحية، لكنه يلعب دور الشرير بامتياز. دراسة أعدتها "إمبلمنت" لصالح جوجل تقول إن الأتمتة يمكن أن توفر 3 مليارات يورو في خمس فئات عمل فقط. رائع، أليس كذلك؟ لكن ماذا عن العمال الذين سيُطردون؟ في فرنسا، يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين حياة ذوي الإعاقة البصرية، لكن في بلجيكا، يبدو أن الذكاء الاصطناعي يُستخدم فقط لتحسين أرباح الشركات. كبار السن؟ الشباب؟ الكل يُرمى في سلة المهملات بينما الروبوتات تُغني نشيد النصر.
المشهد الثاني: الدرونز، راقصات الباليه الجديدات
تخيلوا المشهد: مبنى شاهق في بروكسل، والنوافذ تُنظف بواسطة درونز تتحرك بأناقةٍ تفوق أي عامل نظافة. لا إجازات، لا تأمين صحي، ولا شكاوى. هذه هي لغة المستقبل التي تتحدثها الشركات متعددة الجنسيات. لكن، ماذا عن عمال النظافة الذين كانوا يعتمدون على هذه الوظيفة؟ حسب حكومة "ائتلاف أريزونا"، يمكنهم البحث عن وظيفة أخرى – ربما كومبارس في فيلم عن نهاية العالم!
الفصل الخامس: النهاية، أو كيف يُصبح الشعب كومبارس في بلده
المشهد الأول: الستار يسقط، لكن العرض مستمر
في النهاية، حكومة "ائتلاف أريزونا" هي عرضٌ مسرحي يستحق جائزة "أسوأ إدارة في التاريخ". كبار السن ليسوا المشكلة، بل ضحايا نظامٍ يعبد الأرباح ويُهمل الكرامة. الذكاء الاصطناعي والأتمتة هما المستقبل، لكن بدون عدالة في توزيع الأرباح، ستبقى بلجيكا مسرحًا للظلم، حيث الشعب مجرد كومبارس في عرضٍ كتبته الشركات متعددة الجنسيات. فهل ستتغير النهاية؟ أم أننا سنظل نضحك حتى نختنق؟
المشهد الثاني: أملٌ بعيد؟
ربما، يومًا ما، ستستيقظ بلجيكا وتدرك أن الأتمتة يمكن أن تكون أداة للعدالة، كما فعلت الصين. ربما ستدرك أن كبار السن ليسوا أعباء، بل هم الأبطال الحقيقيون الذين بنوا هذا البلد. لكن، طالما أن "ائتلاف أريزونا" يقود العرض، فإن الشعب سيظل يُطرد من خشبة المسرح، بينما الشركات متعددة الجنسيات تُعزف لحن النصر.
المصادر
- تقرير صحيفة بلجيكية عن طرد 49 ألف من كبار السن في أول كانون الثاني 2026 من إعانات البطالة
- دراسة جوجل حول توفير 4 مليارات يورو عبر الأتمتة
- تقارير عن الأتمتة في الصين وتأثيرها على الاقتصاد