مملكة الظلمات: بين التطبيل للقضية الفلسطينية وتمويل مذابحها


احمد صالح سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 8434 - 2025 / 8 / 14 - 22:32
المحور: القضية الفلسطينية     

في الشرق الأوسط، حيث تُقاس الوطنية بعدد التغريدات عن القدس، وتُقاس الخيانة بعدد الصفقات مع تل أبيب، تقف المملكة العربية السعودية في موقع فريد: تُدين العدوان الإسرائيلي نهارًا، وتُموّله ليلًا. إنها مملكة الظلمات، حيث تُصاغ البيانات السياسية في قاعات فاخرة، بينما تُشحَن الذخائر في سفن تحمل علمها إلى موانئ الاحتلال.

في كل قمة عربية، يظهر المندوب السعودي متشحًا بشعارات الكوفية، يذرف دموعًا على القدس، ثم يعود ليوقّع صفقة صواريخ مع واشنطن، بعضها يُشحن مباشرة إلى تل أبيب. التصريحات تقول "نحن مع فلسطين قلبًا وقالبًا"، لكن الواقع يقول "نحن أيضًا مع إسرائيل... بندقيةً وذخيرةً".

المفارقة الكبرى؟ أن من كشف تورط السعودية في دعم آلة القتل الإسرائيلية لم يكن صحفيًا عربيًا، ولا قناة "الكرامة"، بل عمّال ميناء جنوة الإيطاليون. هؤلاء، الذين لا يعرفون الفرق بين رام الله وغزة، رفضوا تفريغ سفينة سعودية محمّلة بذخائر أمريكية متجهة إلى إسرائيل. قالوا: "لسنا شركاء في قتل الأطفال"، بينما كانت موانئ العرب تفتح ذراعيها للسفينة ذاتها وتُقدّم لها الشاي والتمر.

وفي الوقت الذي كان فيه نتنياهو يرسم حدود "إسرائيل الكبرى" من الفرات إلى النيل، كانت السعودية تُرسل الأسلحة كأنها تقول: "خذوا ما شئتم، فقط دعونا نحتفظ بالقصور". إسرائيل الكبرى تشمل أجزاء من السعودية، لكن المملكة لا ترى ذلك تهديدًا، بل فرصة استثمارية. كل طلقة تُرسل تُعتبر "استثمارًا في السلام"، وكل قنبلة "مساهمة في الاستقرار".

أما الجماعات الإرهابية، فليست سوى أدوات في لعبة الأمم. الجولاني، نجم هيئة تحرير الشام، خريج مدرسة "التمويل السعودي"، والبغدادي، زعيم داعش، تم تدويره أكثر من زجاجة مياه في مؤتمر المناخ. السعودية تدّعي محاربة الإرهاب، لكنها تموّله، ثم تُصدر بيانًا: "نستنكر بشدة!"

وفي مشهد أكثر تهكمًا، تُعلن المملكة أنها تريد "سلامًا عادلًا"، لكن السلام هنا لا يشمل الفلسطينيين، بل يشمل شركات الأسلحة الأمريكية، شركات الأمن السيبراني الإسرائيلية، وشركات العلاقات العامة التي تُجمّل صورة التطبيع. في 2023، تم رصد طائرة سعودية خاصة تقل رجال أعمال إلى تل أبيب لحضور مؤتمر "الاستثمار في الشرق الأوسط الجديد"، بينما كانت إسرائيل تقصف مستشفى في غزة.

السعودية تعتقد أنها تُدير اللعبة، لكنها في الحقيقة تُدار مثل شخصية ثانوية في رواية أمريكية. أمريكا تستخدمها كمنصة لتمرير السياسات، إسرائيل تستغلها لتطبيع وجودها، وأوروبا تبيعها الأسلحة وتُدينها في الصحافة. اللعبة الكبرى؟ السعودية تلعب دور الملك... في رقعة شطرنج لا تملكها.

وفي كل مفاوضات، يُستخدم الدم الفلسطيني كأداة ضغط: "نُدين العدوان، لكن نحتاج ضمانات أمنية"، "نُطالب بوقف إطلاق النار، لكن نُريد صفقة نفط"، "نُرسل مساعدات إنسانية، لكن نُغلق المجال الجوي أمام الإغاثة". دم الفلسطيني؟ أصبح مثل الدولار... يُستخدم في كل صفقة، ويُطبع بلا غطاء أخلاقي.

الإعلام السعودي لا يُغطي المجازر، بل يُغطي على المجازر. "العدوان الإسرائيلي" يُصبح "ردًا على استفزازات"، "الشهيد الفلسطيني" يُصبح "ضحية اشتباك"، و"صفقة الأسلحة" تُصبح "تعاون دفاعي". الصحفي السعودي ومرتزقة الريال في العربية والحدث والنهار والحياة والمدن ؟ لا يحمل قلمًا، بل طبلة... ويكتب بالنغمة التي تُعزف في واشنطن.

وفي النهاية، القضية الفلسطينية ليست قضية مبدأ في مملكة الظلمات، بل قضية مزايدة. كل تصريح دعم يُقابله شحنة ذخيرة، كل مؤتمر تضامن يُقابله تطبيع سري، وكل دم فلسطيني يُقابله صفقة نفطية. السعودية لا تُريد تحرير فلسطين، بل تحرير نفسها من عبء الضمير.

مملكة الظلمات؟ نعم. لأنها تُضيء طريق إسرائيل... وتُطفئ شموع غزة