التقديس اعتقال، فهل الشعب الفلسطيني تمرد على القاعدة؟


محمد بوجنال
الحوار المتمدن - العدد: 6919 - 2021 / 6 / 5 - 12:38
المحور: القضية الفلسطينية     


يعتبر التقديس،في عالمنا العربي،ثابتا بنيويا،منه وبه تعطي أشكال الأنظمة الكامبرادورية ومختلف المؤسسات مشروعية سلطتها وتنظيمها المعاديين لتحرير للشعوب. والتقديس هنا لا نفهمه فقط بالمعنى الضيق،المعنى الديني،بل بمعناه الشامل الذي هو التنازل طواعية،في مختلف المجالات،عن كل الحقوق أو أجزاء منها.ويا عيني، التقديس هو الخريطة المطلوب من الشعوب تبنيها واحترامها والانخراط فيها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا؛وهي خريطة تحددها قبليا نظريا وممارسة قوى خفية.أكيد أنها تتميز بالاختلاف ولكن من داخل منظومة التقديس الذي هو ما يسمى فلسفيا بالترنسندنتال أو قل الكتاب المقدس البشري الذي يستحيل ممارسة التفكير والسلوك وأشكال الأحاسيس والعواطف من خارجه لأن في ذلك تمرد على خارطة الطريق التي هي أشكال الأنظمة الكامبرادورية العربية ومختلف المؤسسات المعادية بشكل علني أو مضمر للشعوب.للتوضيح أكثر،نحن لا نحصر معنى المقدس في الأديان فقط كما سبق القول،بل هذه الأخيرة ليست سوى جزء من المقدس؛إنه المعنى الذي يتسع ليشمل غيرها :فالأنظمة"مقدس"،وأحزاب اليمين"مقدس"،ومجمل أحزاب اليسار"مقدس"،ومجمل مؤسسات المجتمع المدني"مقدس"؛ فلا يمكن للشعوب العربية،أينما وجدت،أن تتنفس سوى " المقدس ".بهذا المعنى حصل ويحصل نفي الشعب العربي وفي مقدمته الشعب الفلسطيني أو قل عرقلة قدراته وإمكاناته التي كلما تخلصت من اعتقالها كلما تحررت وحققت سيادتها ونموها وتنميتها.
ومعلوم فلسفيا أن الشعب العربي،كباقي شعوب العالم، هو مكونات تتساوى انطولوجيا من حيث الإمكانات والقدرات. لذا،فهي،في حال حصول ذلك،تمثل تهديدا لأشكل "المقدس".ففلسفيا،كلما اكتشفت الشعوب العربية حقيقة العلاقة بين "الطبيعي" و"الإنساني"،كلما حصل الانفجار وهو،وبالكاد، التمرد الفعلي على قواعد وقوانين "المقدس" في أشكاله المختلفة؛ وبلغة أخرى، فاكتشاف العلاقة تلك بين"الطبيعي"و "الإنساني" تعني إحلال عقلية محل أخرى تكون قد امتلكت الوعي بمعنى وجودها والقدرة على سن قوانينها وتدبير شئونها؛ وعي وقوننة وتدبير يبقون دوما منفتحين وهو تأكيد لحقيقة وجودها كشعوب،وفي نفس الآن، تخلصها من "المقدس" بمختلف أشكاله التي يمكن اختزالها،في التحليل الأخير،،في "مقدس" أشكال الأنظمة الكامبرادورية العربية؛اختزال التعدد في الواحد.وكلما بدت بوادر التخلص من الاعتقال،كلما هبت القوى"المقدسة"،بمختلف أشكالها وآلياتها،لمحاربتها والعمل على تذويبها تمهيدا لاحتضانها وبأشكال متفاوتة حسب هرمية ميزان القوى تلك.وهذا ما حصل للشعب الفلسطيني الذي خاض مواجهة لمدة 11 يوما في وجه المحتل الإسرائيلي؛فالبوادر ترجمت نفسها على مستوى الميدان؛ بوادر تمثلت في تملكه واستثماره لقدراته وإمكاناته كشعب،التي لا يمكن،بما أنه مصدرها،إلا أن تحقق النجاح بفعل اكتشاف تلك العلاقة السابقة الذكر المتمثلة في العلاقة بين الطبيعي والإنساني التي كلما حصلت، كلما حصل الانفجار وهو واقع حال الشعب الفلسطيني مؤخرا.إنها القدرات والإمكانات التي تمتلكها انطولوجيا كل الشعوب العربية إلا أنها تبقى قدرات وإمكانات معتقلة أو قل تحت رقابة أشكال "المقدس".
والسؤال الذي يبقى مطروحا هو:ما مصير هذا الإنجاز،إنجاز الشعب الفلسطيني،الذي تخلص نسبيا من سيطرة هذا"المقدس"،إنجاز تمثل في الترجمة الفعلية على مستوى الميدان؟