التنمية بين نضالية الفيلسوف نيغري(ورفاقه) والشعبوي بنكيران (وحاشيته)


محمد بوجنال
الحوار المتمدن - العدد: 6444 - 2019 / 12 / 22 - 09:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يتميز الفيلسوف انطونيو نيغري الإيطالي بكونه مفكرا ومناضلا تمحورت أنشطته حول سبل النهوض بقوى " الجمهور" حامل قدرات النمو والتنمية معتمدا كمرجعية النص الماركسي التالي:" في مرحلة من مراحل التطور، تدخل قوى الإنتاج في علاقة تناقض مع علاقات الإنتاج...في هذه المرحلة نصبح أمام التغيير الذي يمكن أن يكون بطيئا أو سريعا لاندلاع الثورة الاجتماعية "؛ كما أنه، لحصول التنمية،اعتمد كذلك أحد أهم نصوص ماركس بالغرونديسا:" شذرات عن الآلات" حيث حدد فيها لازمة التنمية في العلاقة الجدلية بين ثلاث صيغ؛ الأولى صيغة" قوى الإنتاج العام للدماغ الاجتماعي"، والثانية صيغة "العلوم الاجتماعية"، والثالثة صيغة "قوى العمل الذهني". وقد ركز نيغري على الصيغة الأخيرة لأهميتها في مجال التنمية لأنها، في نظره، هي حاملة القدرة على تشكيل الطبيعة وتحرير الجمهور بفعل التقدم المعرفي الذي عرفته وتعرفه العلوم الاجتماعية. وعليه، فقد أبرز مفكرنا أن مصدر " العمل الذهني" قد تحول، بفعل النظام الامبراطري (النظام الرأسمالي) من الأصل في الإنتاج والإبداع والمساواة والحرية إلى غير أصله، ومن قوى الإنتاج إلى نقيضها الذي هو القوى المهيمنة. ففي الجمهور وبالجمهور، توجد وتتحقق التنمية التي هي ميزته الطبيعية والتاريخية كلما حصل تحريره وتحرره؛وتختفي ليحل محلها الإفقار والاستغلال كلما هيمنت القوى الامبراطورية وهو الحاصل؛ ويشارك انطونيو نيغري، بأساليب مختلفة ،فلاسفة رفاقا له كمايكل هاردت ويان موليي بوتانغ وأندري غورز وغيرهم .
أما في مقابل ذلك في المغرب الذي اخترنا منه بنكيران (وحاشيته) كمثال لعلة تحمله مسئولية الوزارة الأولى وحاشيته؛ فالمؤكد أنه نقيض انطونيو نيغري وبالتالي فهو نقيض مفهوم التنمية حيث اعتبار كونه هذه الأخيرة ليست بأي حال إفرازا للقدرات الذاتية للشعب(لغة بنكيران وحاشيته الغامضة) المغربي بقدر ما أن مصدرها ومرجعيتها العناية الإلهية التي طوعت وسخرت قوى الشعب لما فيه مصلحة الأمة. معتمدا وحاشيته أسلوب الشعبوية. ومن هنا تغييبه وتذليله لطبيعة مكونات الشعب المغربي من جسد وعقل التي لا تعدو كونها، في نظره وحاشيته، سوى مكونات مسخرة استجابة لما حددته لها الذات الإلهية. فالتنمية تكون بهذا التصور الشعبوي تنمية سماوية مكرا، واستغلالية وتسلطية أرضا.لذا، فالتنمية ،في نظره،لا تتضمن الصراع بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج ما دامت العلاقات تلك علاقات مرجعيتها فوق بشرية؛ والمافوق منزه عن الظلم والتسلط الذي مصدره البشر(الشعب). وهكذا،فطرح التنمية كعلاقات صراع بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج وفق جدلية الصيغ الثلاث هو طرح مغلوط؛ فالدماغ الاجتماعي لقوى الشعب، حسب التصور الشعبوي لبن كيران وحاشيته، وعلى نقيض الوارد لدى نيغري، هو دماغ سخرته الذات الإلهية لتنفيذ بناء رسالة التنمية؛ دماغ اجتماعي محتواه قبلي ونشاطه تنفيذي يرفض الصراع والاستغلال. أما العلوم الاجتماعية فتتناقض وحصول التنمية لعلة أنها إنتاج بشري غربي وإلحادي؛ علوم تربط التنمية بتفعيل قدرات الشعب الجسدية والعقلية اللذان لا يعدوان كونهما ظلا للعقل المنزه والمطلق؛ بهكذا علوم نكون، في نظر بنكيران وحاشيته، أمام آليات إنتاج مشوهة وناقصة وبالتالي أمام تنمية مشوهة وناقصة تحكمها قوانين المصالح الشخصية. أما بصدد صيغة قوى العمل الذهني، فالعلم والقدرة هو علم وقدرة الذات الإلهية التي منحتها لشعوبها الطيعة والتي وحدها تمنحها القدرة على التفكير كنعمة؛ وفي هكذا تصور ، بطبيعة الحال، قمع للشعب ومنعه من ممارسة حقه الطبيعي في التفكير والإبداع وبالتالي منعه من خلق شروط بناء وتحقيق التنمية.هكذا يكون بنكيران (وحاشيته) قد ألغى الشعب أو قل قتله مجازيا بعد أن قتله سياسيا واقتصاديا وثقافيا. فالجسد والعقل والمعرفة هم نعمة سماوية مؤقتة الوجود وذات وظيفة تتحدد في تنفيذ رسالة التنمية لا التصرف فيها أو قل أن حصول التنمية يقتضي، في نظر بنكيران وحاشيته، العداء لمكونات الشعب المتمثلة في الجسد والعقل. وهكذا نكون، مع بنكيران وحاشيته، قد انتقلنا من التصور العقلاني ذو المناهج العلمية والإبداعية في طرح التنمية إلى التصور الشعبوي الذي يعتمد الماورائيات والقبليات المطلقة في تحقيق التنمية مدعما ذلك بشطحاته السجالية والحلقية.
وفي هذا الإطار، ودفاعا عن أهمية المعرفة لحصول التنمية، يستدعي انطونيو نيغري نصا ماركسيا آخر في الموضوع: " تراكم المعرفة والكفاءة وكل قوى الإنتاج العامة للدماغ الاجتماعي احتواها الرأسمال "؛ فعملية الإنتاج تمر بهذا الاحتواء لتصبح قيمة إنتاج أكثر غموضا؛ غموض يلبسها ثوب المشروعية الذي هو في حقيقته نقيض ذلك أو قل أنه النهب والاستغلال. لذا، دعا أنطونيو نيغري إلى ضرورة تكوين الجمهور كإحدى مراحل تثوير التاريخ لمواجهة تسلط معيار الأجور والفائض وقوانين الملكية المعتبرين بمثابة عراقيل" لتحرير قدرات وطاقة المجتمع وهو ما دافع عنه رفاقه بأساليبهم الخاصة. فالتنمية في إطار نظام الإمبراطورية(النظام الرأسمالي) عملية يستحيل حصولها بفعل المنطق الداخلي المتوحش للإمبراطورية. إلا أن تحرير الجمهور جسديا وعقليا، وهي الفكرة التي نادي بها غرامشي بدوره، تمكنه، كلما تحقق، من حصول التنمية وبالتالي المساواة والحرية والإبداع. ولعرقلة فاعلية نظام المعرفة، في حقيقته، عملت الإمبراطورية (النظام الرأسمالي) على احتوائه كما فعل سابقوها من الأنظمة؛احتواء ألبسها فيه لباس الغموض واكتساب المشروعية؛ إسقاط هذا الاحتواء يتطلب النضال الذي هو ضرورة لخلق شروط تكوين الجمهور لتحرير قدراته وطاقته المعرفية الكفيلة وحدها بتحريره الذاتي وتخليصه من تسلط معايير الإمبراطورية (الأجور، الفائض، الملكية الخاصة).
إلا أن بنكيران وحاشيته يرون نقيض ذلك؛ فاعتماد المقاييس المادية للأجور والفائض والملكية الخاصة هو اعتماد غير مشروع مرجعيته النظام المادي الغربي الذي يتناقض ومرجعية الشريعة أو قل أنه في الشريعة توجد منزلة، آليات حصول التنمية؛ وعليه، فنظام المعرفة، لا يوجد خارجها بقدر ما أن الحصول عليها يستدعي فقط استدعاء أسلوب النقل الذي يهدي إليه الله من يشاء من عباده؛ وكل ذلك يطرحه صاحبنا (وحاشيته) بأسلوب شعبوي مغلف بالحكايات والنكت التي بها يدعم فكرة أن الخروج عن النص بدعة،فلا تنمية مع غياب النص؛ وهذا معناه العداء للمعرفة التي تتمثل في السؤال والبحث والنقد والإبداع. بهذا الموقف يفهم اليسار المغربي ومجمل المثقفين اغتيال الشهيد عمر بنجلون لأن السؤال والتفكيك والنقد تهديد لمصالح النخبة المهيمنة
فلا شك أننا من جهة أمام عقل إيطالي نظر وناضل ويناضل لأجل تحقيق التنمية الذي هو بالكاد نضال ضد الفوارق والاستغلال والتسلط وكذا الزيادة من خلق وتوفير شروط تحرير وتحرر الجمهور؛ ومن جهة أخرى أمام لاعقل حارب ويحارب جدلية الجسد والعقل الذي يحصل عنه، وباللزوم المنطقي، محاربة التنمية والتركيز على تشجيع الزيادة من خلق شروط تسليع الشعب. ولا يفوتنا القول أن هناك نماذج أخرى تكن العداء للتنمية كتحرير وتحرر يمكن أن نشير إليها ولو بعجالة متمثلة في النخب شبه اللبرالية التي سخرت هذه المرة البشر والله على السواء لإعطاء المشروعية لتنفيذ خطة طريق التنمية بالمغرب.
وعموما، فالتنمية مجال عقلاني على المستويين النظري والميداني كما هو وارد لدى أنطونيو نيغري وباقي رفاقه، وكلما غاب ذلك وهو الوارد في شعبوية بنكيران وحاشيته، كلما كنا أمام نفي الشعب جسدا وعقلا ليبقى المغرب فقط هو المجالس والندوات والأوراش الماكرة.