ملابسات مصدر -مرمدة- المجتمع المغربي


محمد بوجنال
الحوار المتمدن - العدد: 5722 - 2017 / 12 / 9 - 07:46
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     



نظريا، هناك الوجود الذي هو، وبالكاد، العلاقة التي ، بخضوعها لأشكال التاريخ،تنتقل من الإطلاقية إلى التحديد. وعند الكلام عن مجتمعنا المغربي، أخذ هذا الانتقال صبغة " المرمدة "؛ مرمدة تتجسد على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية؛ وهي مستويات تتباين من حيث علاقاتها الداخلية التي هي ، في المحصلة ، علاقات جدلية بحكم طبيعة الوجود التي تأخذ وتتحدد دلالاتها وفق ميزان قوى التاريخ الذي هو ،في مجتمعنا المغربي، تاريخ القوى المهيمنة أو قل أنه تاريخ الاحتكار والتسلط. ولا بد هنا من التذكير أن العلاقات بداخل هذه المستويات تخضع لقاعدة جدلية الوجود في شكلها السليم. إلا أن القوى المهيمنة في مجتمعنا المغربي استولت على العلاقات تلك وحورتها بالشكل الذي يخدم مصالحها؛ فالوضع السليم لجدلية العلاقة داخل وبين المستويات هو ما قامت وتقوم القوى المهيمنة بالمغرب بتهميشه، بل وبإلغائه المجازي.
فعلى المستوى الاقتصادي بمجتمعنا المغربي نجد الثروات الطبيعية من أراض فلاحية والمعادن الغنية والبحار الشاسعة ومناجم الفوسفاط الثرية والأشجار المنتجة والحيوانات المتنوعة. إنه المستوى الذي لا يوجد فيه، من حيث المنطق، الاستغلال والاحتكار والفقر.هذا الوضع تم طمسه لإخفاء مشروعية الترامي عليه؛ فلم نجد لدينا،على ما أعرف، في مغربنا، من طرح حقيقة هذا المستوى الاقتصادي والمادي أو قل أن مجمل التحليلات تتجاهل طبيعة العلاقات السليمة بين مكوناته تلك؛ وبلغة أخرى، فاللاشعور من جهة، والمناهج الملقنة بالمؤسسات التعليمية من جهة ثانية، والتجاهل الواعي من جهة ثالثة، تقاطعت بشكل شعوري ولاشعوري بصدد طبيعة العلاقة التي هي منطقيا سليمة، داخل هذا المستوى. لذا، فالتعامل في مغربنا مع هذا المستوى يتميز، سواء على مستوى النظام الرسمي أو اليمين أو اليسار، بالتشابه الذي هو عدم الاقتراب منه سواء كان ذلك بفعل اللاشعور أو الشعور أو بهما معا وتبديله بالاقتصاد السياسي الذي هو جزء لا يتجزأ من المستوى السياسي. ومحصلة كل ذلك استمرار امتلاك القوى المهيمنة هذا المستوى الاقتصادي أو قل سرقته وفق صيغ أعطتها وتعطيها صبغة المشروعية. ومن هنا استدعاؤها المستوى السياسي حيث يتم الصراع حول مستوى مجهول بأشكال مختلفة تمارسه فئات إن كانت مناضلة فهي لا تعرف السياسة، وإن كانت سياسية فهي لم تكن في يوم ما مناضلة، وفئات رجعية تتظاهر بما ليس حقيقتها. وعليه، فهو صراع شكلي بين طرف يجهل طبيعة العلاقات الداخلية لمكونات المستوى الاقتصادي، وطرف يجمع بين رجعيته وجهله لطبيعة العلاقات تلك والذي يتحدد كطرف مكلف بحجب طبيعة العلاقات تلك كما أراده الطرف المهيمن. وبهذا المعنى يفهم الصراع المزيف لمؤسستي البرلمان ومجلس المستشارين، والخرجات المتباينة لمجمل الأحزاب يمينها ويسارها، وكذا مجمل مكونات المجتمع المدني؛ فالضجيج هو سيد الموقف، وانتهاز الفرص بشكل واعي أو لاواعي أو بهما معا هو السائد. والمحصلة هي الإبعاد المدروس والفني لمكونات المجتمع المغربي عن معرفة حقيقة العلاقات المنطقية لهذا المستوى الاقتصادي؛ فتبقى بذلك مكونات المجتمع المغربي ضحية قصص وروايات الشعبوية والفقر والخوف الذي كلما تجاوز الحدود حصل الانفجار في شكل تظاهرات أو وقفات أو اعتصامات أصبحت القوى المهيمنة تحبذها وتستثمرها للتنفيس عن الحرمان الداخلي للمكونات تلك من جهة، واستثمارها كواجهة للتظاهر أمام الرأي العام العالمي باحترام الدموقراطية بالبلد من جهة أخرى.والاستثمارين فرضتهما خصوصية المرحلة. ومن هنا يتم توظيف المستوى الاجتماعي كعلاقات توظف لتزييف وإخفاء الوضع المأساوي الاجتماعي الذي عبرت عنه عزيزتنا خديجة بالصيغة التالية :" هناك تمرميدات...يعيشها مجتمعنا مخزية يندى لها الجبين وتهتز لها السماوات ". قلنا أنه للتخفيف عن هذا الوضع المخزي الذي تهتز له السماوات كما عبرت عنه عزيزتنا خديجة، يتم توظيف المستوى الاجتماعي كالقول بالتضامن والمساعدات الماكرة والإشادة بالصبر كمفتاح للجنة والتغطيات المموهة التي يقوم بها ما يسمى بالمحسنين في أشكال وبأشكال هي عبارة عن صدقات كما حصل مؤخرا بمنطقة بوعلام وغيرها من المناطق؛ وكل ذلك بهدف طمس الصراع بين أطراف مكونات المجتمع. فنمو وتنمية المجتمع المغربي هو هذه الأشكال من التمويه والمراوغات التي تبقي المهيمن مهيمنا والمهيمن عليه " ممرمدا ". ومن هنا يأتي المستوى الرابع الذي هو المستوى الثقافي والأيديولوجي المتمثل في الحرص على استمرار تدجين وتسليع عقل وشعور وعاطفة وسمع وبصر الفئات المهيمن عليها. وهنا لا يسعنا إلا أن نشيد بالتحليل الرزين الذي قدمه الأستاذ الناقد سعيد فرحاوي في فكه لطلاسم وأيديولوجية "العيطة العبدية" في إحدى الندوات مؤخرا بالمحمدية والذي ننتظر منه المزيد في الموضوع. ويوظف الطرف المهيمن هذا المجال معتمدا خاصة الأيديولوجيا الدينية لما لها من قوة تأثير على مكونات المجتمع المغربي.
هكذا، فبصدد مكونات المجتمع المغربي، نجد أنفسنا، كما هو الحال على أرض الواقع أمام طرفين : طرف يتمثل في القوى المهيمنة التي تمارس " مرمدة " غيرها، وطرف يتمثل في الفئات المهيمن عليها وهي الفئات التي تمارس عليها " المرمدة " التي تهتز لها السماوات صيغة عزيزتنا خديجة. في هكذا وضع، تبقى مكونات المجتمع المغربي المهيمن عليها معرضة دوما للجهل والفقر والتسلط دون اعتبار لمختلف حقوقها الطبيعية والإنسانية أو قل أنها فئات معرضة دوما للدونية و" المرمدة ".