أشكال الأنظمة السلبية العربية :العداء للكفاءة والاستحقاق


محمد بوجنال
الحوار المتمدن - العدد: 5621 - 2017 / 8 / 26 - 16:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


الحراكات العربية نادت وطرحت العديد من المطالب من بينها الكفاءة والاستحقاق؛ ولا يهمنا مدى وعي الحراكات بهذه المطالب أم لا، بقدر ما يهمنا تشريح فكرة أنه لا تطور ولا تقدم من دون امتلاك الشعوب العربية درجة ما من الدرجات المتقدمة من الوعي بمعنى الكفاءة والاستحقاق، بل وبدون امتلاك تلك القيم في أشكالها العقلانية. ومن المسلمات المعروفة أن التأسيس لمبدأ الكفاءة والاستحقاق يقتضي توفير شروط من أولوياتها التأسيس لما يسمى " بالثورة الثقافية " على مستوى مختلف المؤسسات من أسرة وتربية وسياسة وإعلام ومجتمع مدني وفن وغيره.
ومن المسلمات المعروفة كذلك أن المنطق الداخلي لأشكال الأنظمة السلبية العربية، ومن ورائها الأب الرأسمالي، يدركون جيدا قيمة وخطورة " الثورة الثقافية " وهو ما يصنفوه ويحاربوه في أجنداتهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. ففي ظل السوق الرأسمالي في أشكاله الريعية، لا يمكن الكلام عن الكفاءة والاستحقاق إلا بالمعنى الميتافيزيقي والعنصري وهو منطق الأب الرأسمالي ووكلائه أشكال الأنظمة السلبية العربية. فالكفاءة والاستحقاق، في نظرهم، هو هبة إلهية ومعطى بيولوجي عرقي يتمركز في نخبة محددة ومصطفاة؛ فهي التي، بفعل الوراثة والهبة الإلهية،لها قدرة امتلاك واكتساب الكفاءة والاستحقاق؛ بل وتحمل مسئولية وفرض هذا المبدأ على ساكنة الكرة الأرضية التي منها ساكنة الدول العربية؛ وكلما تخلت هذه النخبة، يقول الأب الرأسمالي ووكلاؤه أشكال الأنظمة السلبية العربية، تعرضت المجتمعات إلى الفوضى والاحتراب والخراب؛ والسبب هو إسناد المهام لفئات أو طبقات اجتماعية تفتقر بيولوجيا ودينيا إلى مبادئ وقيم الكفاءة والاستحقاق. وللتوضيح، لا بد لنا من التمييز بين تلك المبادئ والقيم بالغرب المتقدم، ونظيرتها بالعالم العربي المتخلف.
ففي العالم الغربي المتقدم نجح الأب الرأسمالي في تكييف مبادئ وقيم الكفاءة والاستحقاق مع خصوصيات مجتمعاته،فتنازل عن جزء من مكوناته تلك، جزء غير مؤثر بقدر ما أنه مؤدلج ومسلعن (بكسر اللام والعين) أو قل أنه التنازل الماكر للحفاظ على نقاء المبدأ كما حدده وأراده؛ وعليه أخذ مبدأ الكفاءة والاستحقاق معاني ظاهرها فسح المجال أمام مناصب كانت جزء لا يتجزأ من المناصب التي تحتكرها النخبة، وباطنها حماية قواعد وقوانين امتلاك الكفاءة والاستحقاق التي هي ملكية شخصية للأب الرأسمالي. إنها العملية التي اقتضت وتقتضي من الأب الرأسمالي التأسيس لثقافة الترويض والتسليع وفق خصوصيات المجتمعات الغربية المتقدمة وبالتالي المحاربة الشرسة لما يسمى " بالثورة الثقافية ".
أما في العالم العربي حيث مستوى وعي ساكنته دون مستوى نظيرته في الغرب المتقدم، تم تحديد وتغليف مبدأ الكفاءة والاستحقاق بدلالة ميتافيزيقية وعرقية مع الحرص على إخفاء الثانية بالأولى شكليا وتماشيا مع مستوى وعي الساكنة بمعنى كون المبدأين هبة من الله يعطيها إلى من أراد، علما بأن رفض أو مساءلة إرادة الله تعرض أصحابها للتكفير والزندقة والإلحاد. هكذا، فالرؤِساء والملوك في عالمنا العربي هم خلفاء الله في الأرض يأتمرون بأمره وينهون بنهيه وخم الأكفأ والأكثر استحقاقا لتنفيذ الأمر الإلهي؛ أما غيرهم من الساكنة العربية فهم، بفعل قانون الوراثة والإرادة لإلهية، غير معنيين بامتلاك الكفاءة والاستحقاق. وبطبيعة الحال، هذا الوضع كيفته أشكال الأنظمة السلبية العربية مع خصوصيات شعوبها التي هي الأمية والفقر ومحبة الخرافة؛ بل واستثمرت وتستثمر السطحية والأنانية لدى جزء كبير من البورجوازية الصغيرة. ومعلوم أن المجتمعات لا تفكر ‘لا من داخل بنيتها ‘ذ لا دخل للسماء في ذلك. ومعنى هذا أن أشكال الأنظمة السلبية العربية أدركت وتدرك أهمية الثقافة التي بها تمكنت من ترويض شعوبها إلى درجة التسليع، يتساوى في ذلك المهمش والمعطل والفلاح والعامل والموظف العادي وفئات مهمة من البورجوازية الصغيرة. لذلك نجد انتشار الاتكالية والخرافة لدى البعض، والكذب عن الذات أو الوعي الزائف بشكليه اللاواعي والواعي لدى البعض الآخر، أو الممارسة الجنسية الفمية لدى البعض الثالث. إنه المشهد الذي أسست له أشكال الأنظمة السلبية العربية الذي يعني الانتشار والسيادة الفعلية لثقافة التسليع في تحديد وفهم دلالة الكفاءة والاستحقاق التي هي بلغتهم وصيغهم ودينهم وسنتهم وبيولوجيتهم حق مشروع لنخبة الأنظمة تلك.
وهكذا، وبالمجمل، فمختلف المسئولين في السلالم الدنيا فالدنيا هم مجرد خدم يفتقر أغلبهم إلى مبدأ الكفاءة والاستحقاق وهو ما يعني الجهل بتحمل المسئولية تنفيذا لقاعدة " أن لا يكون المسئول الأدنى فالأدنى كفأ ". وعليه، فالوضع السليم يقتضي، لمواجهة ثقافة أشكال الأنظمة السلبية العربية، التأسيس للثقافة النقيض لها، "الثورة الثقافية " التي وحدها الكفيلة بإقبار قيم الوصاية السياسية والدينية أو قل الكفيلة ،لا بالمعنى المطلق، بل كأولوية ذات القدرة على التسريع بعملية إنجاز التحرير، تحرير المبادئ الطبيعية والاجتماعية للإنسان العربي التي منها مبدأي الكفاءة والاستحقاق.