اختطاف جسد الفرد ثابت الدولة العربية المخطوفة

محمد بوجنال
الحوار المتمدن - العدد: 5436 - 2017 / 2 / 18 - 13:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تعتمد وتمارس الدولة العربية المخطوفة، من بين ما تعتمده وتمارسه، عملية اختطاف أجساد أفراد شعوبها أو قل الأعضاء المكونة لجسد أفراد الشعوب تلك لتجذير وخلق شروط القبول الطوعي للتسليع. فالمنطق الداخلي للنخبة العربية، ومنها النخبة المغربية، احترف ويحترف الاختطاف الذي هو أساسا تسليع الشعوب لضمان مصالحها.ومن بين مكونات الجسد المخطوفة سنطرح، على سبيل المثال لا الحصر، أعضائه التالية المتمثلة في : الرجلين واليدين والذكاء- دون نسيان غيرهم-.فالأعضاء الجسمية التي سبق ذكرها كمثال هي ،من الناحية العلمية، "تكون" أعضاء تحكمها القوانين الطبيعية والمجتمعية؛ وبلغة أخرى، فمكونات جسد الفرد العربي ذاك هي هي الفرد أو الشخص العربي كإنسان له حقوق وعليه مسئوليات بها يتوخى بناء الحضارة كإمكانات وارتقاء في سلم التطور بمعزل عن الانتماءات الجنسية أو الدينية أو العرقية أو القومية. فالرجلان تحركان الجسد في اتجاه المواضيع التي هي مطلب الإنسان؛ والقول بتحريك الجسد في اتجاه ما يخضع لقانون السرعة الذي هو أصلا أو كينونيا محايث في الفرد، تتحدد قدراته وفعاليته وإنتاجيته وفق مستوى مدى تحرر البنية المجتمعية العربية التي منها البنية المجتمعية المغربية. في هذه الحالة من التحرر، تتمكن الرجلان من الحركة بالشكل الذي هو أحد أشكالها المحايثة التي هي بالكاد الحركة في براءتها التي هي براءة الإنسان وأصالته. إلا أن الحاصل في عالمنا العربي هو عكس ذلك. فالنخب العربية سلبت الرجلان حركتهما البيئة والبناءة، لتصبح حركة موجهة (بفتح الجيم) على الدوام حيث تم تطويعها وتحويلها من حقيقتها إل نقيض ذلك أو قل أن حركة الرجلان تلك أصبحت ذات اتجاه وإيقاع أحادي التحديد كما أرادته وتريده نخبة الدولة العربية المخطوفة؛ اتجاه يتحدد بالكاد في ما تصر على تحقيقه النخبة تلك وهو سرعة الأرباح والرفع من سقفها.فمنذ الصباح تكون حركة الرجلان ذات اتجاه يتحدد صوب مكان النشاط حيث مصلحة النخب وعبودية الفرد؛ وبلغة أخرى، لقد امتلكت رجلا جسد الفرد العربي اللتان هما الحركة وبالتالي حرمانه من ملكية جزء من أعضائه التي يظهر له أنها كذلك، في حين يبرز قانون السوق الذي لا يؤمن إلا بقانون التسليع ، أنها، وبشكل مشرعن وضعيا ودينيا، ملكية للنخبة.
إ ذا كان الفرد العربي، ومنه المغربي،محروم من امتلاك رجلاه كحركة مستقلة،فهناء جزء آخر من جسمه يخضع لنفس قاعدة التوجيه الأحادي والاستعماري سبق أن حددناه في "اليدين". لا شك أن جسد الفرد هو بنية متكاملة لأعضائه؛ ففي ذات السياق تفهم طبعة واجتماعية اليدين لذى الفرد العربي – كغيره من باقي أفراد الشعوب- التي تتحدد في العمل على الرقي والارتقاء بالفرد وبالتالي بالإنسان. فمنطقها الداخلي هو صنع الآليات المادية استجابة لحاجيات الإنسان دون تمييز؛ فبهما يتم الإنتاج الصناعي والفلاحي والحرفي...الخ.فهما جزء لا يتجزأ من كرامة الفرد العربي- والعالمي عامة-. إلا أن الحاصل هو تعرضها للسطو والاستعمار من طرف نخب الدولة العربية المخطوفة. وقد سبق القول بأن هناك قاعدة تحكم النخبة تلك المتمثلة في الربح ولا شئ غير الربح؛ فوفق هذه القاعدة تم تحديد اليدين وترويضهما لكي تستجيبا للقاعدة تلك في المصنع والضيعة ومجمل الحرف, هكذا، فاليدان كحرة، في عالمنا العربي، تم تحريفها لتنتقل من الحركة المطلوبة بيولوجيا واجتماعيا إلى الحركة المشوهة والمعرقلة والموجهة نحو السلب والنهب الذي ممارسة الفساد في مختلف أو مجمل المجالات. هكذا، فقد تم سلخ الفرد العربي من جزء آخر من جسده دون أن يكون على وعي بذلك؛ جزء أصبح بمثابة سلعة زرعتها وصنعتها ونمقت ظاهرها النخبة.
أما بصدد الذكاء كمكون آخر من مكونات جسد الفرد العربي،ف"وجوده" يتلخص في البحث والابتكار أو قل اختراق المجهول بحثا عن الامتلاك المعرفي لجوانب منه. فموضوع الذكاء لا حدود له.إنه القدرات الحرة والنشيطة والمستقلة أو المتخلصة من مجمل أشكال الترويض والتسلط. إنه العضو الذي لا معنى لباقي أعضاء جسد الفرد بدونه أو بتحريفه. هذا الوضع يفتقر إليه الفرد في عالمنا العربي حيث تقوم نخبة الدولة المخطوفة بامتلاكه وتحويل وظائفه من مجال الإبداع واصطياد المجهول الذي هو الرقي بإنسانية الإنسان إلى مجال تنفيذ برامجها ودعم وتدعيم قدراتها ومواقعها. لذلك فذكاء الفرد العربي ذكاء وموجه وذو آفاق محددة في العمل والاستجابة لمصالح هذه النخبة ليبقى الفرد ذاك فاقدا أدوات وقدرة امتلاكه ذكاءه أو قل فردا تم اختطاف ذكائه بشكل مقنن ومشرع.
نخلص من السابق إلى فكرة أنه إذا كانت الدولة العربية مؤسسة مخطوفة والتي فرضت نخبتها الاختطاف العدواني للعقل العربي فإنها، وبالمثل،خدمة لمصالحها، قامت باختطاف مجمل أعضاء جسد الفرد العربي ليبقى فردا استعمرته نخبة الدولة العربية المخطوفة على مجمل المستويات :جهازا وعقلا وجسدا؛ أو بلغة بسيطة: فرد مستعمر من رأسه حتى قدماه. التغيير يقتضي التحرر اولا من هذا الاستعمار لتحرير الدولة والعقل والجسد.