أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - بين الفهم والوهم














المزيد.....

بين الفهم والوهم


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8471 - 2025 / 9 / 20 - 10:31
المحور: الادب والفن
    


في إحدى ليالي الشتاء، حين كانت المدينة تغرق في صمتٍ ثقيل، جلس يوسف وحده في غرفته. بدا الضوء الخافت للمصباح كأنَّه يُلقي ظلالًا متراقصة على الجدران، أشبه بظلال أفكاره. كان يوسف في مواجهة مألوفة، لكنها مرهقة: دفتره الفارغ أمامه، وقلبه المثقل بأحلامٍ لم تُولد بعد.
لم تكن هذه المواجهة جديدة. لطالما شعر يوسف أن حياته تتأرجح بين واقعٍ لا يرضيه، وأحلامٍ يخشى مطاردتها. كلما فكر في الكتابة، تذكَّر صوتًا داخليًا يحذره:
"هذا مجرد وهم. الكتابة لن تمنحك شيئًا. العالم لا يُكافئ الحالمين."
لكنه كان يعلم، في أعماقه، أن هذا "الوهم" هو ما يبقيه حيًّا. كأنَّه طيفٌ يشده من هاوية الرتابة، وعدٌ بأفقٍ مختلف. وبين الوعد والخوف، كان يوسف حائرًا، يتساءل:
"ما الذي أفقده لو حاولت؟ وما الذي أكسبه لو استسلمت؟"
يوسف لم يكن وحده في هذا الصراع. كان يشعر أن هذا التردد ليس مجرد جزءٍ من حياته، بل هو انعكاسٌ لشيء أعمق: صراعٌ إنساني قديم بين الحقيقة والخيال. تساءل:
"ما هو الوهم؟ هل هو السراب الذي يخدعنا، أم هو البذرة التي تُزهر فقط حين نمنحها فرصة؟"
كان الوهم بالنسبة له كخيطٍ شفاف يربطه بشيء أكبر، لكنه كان يخاف أن يكون هذا الخيط هشًا، أن ينقطع ويتركه في فراغٍ أعمق. ومع ذلك، كان جزءٌ منه يهمس:
"الوهم ليس دائمًا كذبًا. أحيانًا، هو نافذتك إلى ما يمكن أن تكونه."

في تلك الليلة، وبينما كانت عينا يوسف تحدقان في دفترٍ فارغ أمامه، تسرَّب إليه صوتٌ خافت. بدا كأنه يأتي من أعماقه:
"لماذا لا تكتب؟"
توقف، مشدوهًا. نظر حوله، لكنه لم يجد أحدًا. ثم عاد الصوت، أقرب وأعمق:
"ألا تريد أن تكون الكاتب الذي حلمت به؟ لماذا تتوقف؟"
ابتسم يوسف بمرارة، وأجاب، كأنما يخاطب الصوت:
"ما الفائدة؟ في هذا العالم، الكتابة لن تطعمني، ولن تجعلني أعيش. هي مجرد وهم... وهم ألاحقه."
رد الصوت:
"ولكن، أليس هذا الوهم هو ما يبقيك حيًّا؟"
أمام هذه الكلمات، شعر يوسف بشيء يتغير. الغرفة أصبحت أوسع، والجدران تحولت إلى مرايا تعكس صورته، لكنها لم تكن صورته المعتادة. كانت هناك نسخٌ منه: واحدة جالسة أمام مكتب فاخر، تنهي رواية مشهورة؛ وأخرى تمشي بين الحشود، تُحاط بالإعجاب.
تحدثت إحدى النسخ قائلة:
"أنا أنتَ... لو كنتَ شجاعًا بما يكفي لتلاحق أوهامك."
أجابها يوسف بغضب:
"لكنكم لستم حقيقيين. أنتم مجرد خيال."
ردّت النسخة بابتسامة حزينة:
"وما الحقيقة إلا ما تختاره أنت؟ الوهم ليس عدوك. إنه خيطٌ، يمكنك أن تمزقه وتبقى حيث أنت، أو أن تنسج منه طريقًا نحو ما تريد أن تكون."
أغمض يوسف عينيه، لكن الصمت في داخله كان يزداد ضجيجًا. بدأ يرى أوهامه بشكل أوضح.
• الحلم بأن يصبح كاتبًا، كان يتنفس في داخله، لكنه كان يخشاه.
• العمل الذي اعتقد أنه واقعه الوحيد، كان يبتلعه لكنه لا يمنحه حياة.
"أيهما أكثر وهمًا؟" سأل نفسه.
شعر أن الأوهام ليست مجرد ظلال خادعة، بل هي مرايا تحمل رسائل. ربما كانت خوفه من الفشل، أو ربما كانت شوقه إلى حياة لم يعشها. لكن ماذا لو كانت تلك الأوهام هي بداية الطريق؟
حين أنهى يوسف كتابة الصفحة الأولى، لم تكن مجرد كلمات على ورق. كانت أشبه بجسرٍ صغير بناه لنفسه، بين خوفه وأحلامه. جلس يتأمل الصفحة، ولم تكن مثالية. لكنه شعر بشيء مختلف:
"هل هذا هو الفهم؟ ليس اليقين، بل الشجاعة للمحاولة؟"
أغمض عينيه واسترجع كلماته القديمة:
"الوهم هو البداية. الفهم هو النور الذي يأتي حين نعيد صياغة الوهم ليصبح حقيقة."
بدأ يدرك أن الوهم لم يكن عدوه. بل كان جزءًا من رحلته. كل الأوهام التي راودته عن العظمة، عن الكتابة، عن الحرية، لم تكن سوى رسائل من نفسه. كانت تدعوه إلى المحاولة، إلى النهوض، إلى الإيمان بأن الظلال قد تكون بداية النور.
في تلك الليلة، أدرك يوسف أن الكتابة ليست مجرد حلم، بل هي طريقه لفهم ذاته. لم يكن عليه أن يكتب ليُثبت للعالم شيئًا، بل ليُعيد تشكيل عالمه الخاص.
خرج إلى نافذته ونظر إلى الشوارع الفارغة. بدا الليل أقل كآبة. كأنَّ شيئًا ما قد تغير في داخله، وصار يرى النور حتى في الأماكن التي كان يخشاها.
يوسف لم يعد يخشى الأوهام. أصبح يراها كمعلمٍ خفي، يحمل في طياته مفاتيح الفهم. أدرك أن الفرق بين الوهم والفهم ليس في الحقيقة المطلقة، بل في طريقة التعامل مع الظلال.
"حين ننظر إلى أوهامنا بشجاعة، تصبح خيوطًا ننسج منها واقعنا. وحين نخشى مواجهتها، تبقى سرابًا يطاردنا."
في تلك الليلة، لم يعد يوسف شخصًا يبحث عن الحقيقة. أصبح شخصًا يصنعها. أدرك أن الحياة ليست صراعًا بين الفهم والوهم، بل رحلة عبرهما. بين الظلال والنور، بين الخوف والشجاعة، تتشكل هويتنا.
حين أغلق دفتره، همس لنفسه:
"الموفق هو من يعيد الصياغة. ومن خيوط الأوهام يصنع ثوبًا من الفهم. هذا ليس النهاية... بل البداية."



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فنون التعليم الحديثة: بين تعزيز المشاركة وبناء العاطفة وتنمي ...
- أشياء لا يفعلها الرجل إلا للمرأة التي يحبها حقًا
- -اخضرار الياسمين-،
- -الانطفاء الأخير-
- المقامة الفاسدة
- الأدب الياباني: مرايا الروح بين البساطة والعمق
- التي جعلت إبليس يعيد التفكير في كل شيء
- صراع وصفقات وضياع شعب
- «سكن الليل وفي ثوب السكون تختبئ الأحلام» – جبران خليل جبران
- نقد النقد: المفهوم والتطبيق في ضوء المقاربات الأدبية – قراءة ...
- تانكا من نبض القلب
- -الأبدية في رسائل لم تُرسل- -حين تلتف الكلمات حول عنق الذاكر ...
- في رمزية الهايكو وتجلياتها
- -حين عبرت عائدة، ابتسمت دمشق-
- حين ابتسمت الخلايا… وابتدأتُ أنا
- تأملات فلسفية ونفسية في مشوار العمر والشيب-
- الزواج: ميثاق المحبة والسكينة بين الروح والجسد
- الأكسجين والغباء في منظور إنساني وفلسفي -
- طهي الثوم والبصل: مخاطر الحرارة العالية وحلول صحية
- وكان صوتًا… لا يُشبه الأصوات


المزيد.....




- تنامي مقاطعة الفنانين والمشاهير الغربيين لدولة الاحتلال بسبب ...
- أحمد مهنا.. فنان يرسم الجوع والأمل على صناديق المساعدات بغزة ...
- وَجْهٌ فِي مَرَايَا حُلْم
- أحمد مهنا.. فنان يرسم الجوع والأمل على صناديق المساعدات بغزة ...
- نظارة ذكية -تخذل- زوكربيرغ.. موقف محرج على المسرح
- -قوة التفاوض- عراقجي يكشف خفايا بمفاوضات الملف النووي
- سميح القاسم.. الشاعر المؤرخ و-متنبي- فلسطين
- سميح القاسم.. الشاعر المؤرخ و-متنبي- فلسطين
- -أنخاب الأصائل-.. إطلالة على المبنى وإيماءة إلى المعنى
- -الأشرار 2- مغامرات من الأرض إلى الفضاء تمنح عائلتك لحظات ما ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - بين الفهم والوهم