أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 22















المزيد.....

سيرَة أُخرى 22


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5122 - 2016 / 4 / 3 - 08:56
المحور: الادب والفن
    


1
عادةً، حينما أبكّرُ في الإستيقاظ من النوم، أسمعُ أولاً زقزقة العصافير المُتقافزة على سطح المنزل. قبل ذلك، أفيق على صوت الآذان، أو التسبيح السابق له، ثمّ أعود بعدئذٍ لمتابعة غفوتي. المسجد، يلتصق بالمنزل من جهة غرفتي، الكائنة في الدور الثاني. المؤذن، كان لا بدّ أن يُذكّرني كل مرة بابن مهنته، المرحوم أبو علي آله رشي؛ الذي كان يتعهّد ايقاظ المؤمنين من مئذنة مسجد سعيد باشا بصوته الأجش ولكنته الكردية.
بعد عودتي من الحمّام، أجدُ صينيّة الفطور تنتظرني على الطاولة المُحاذية للسرير. من باب الحجرة، المُشرع الدرفتين، ينسلّ على الأثر العصفورُ المُسمّى " طيبيط " باللهجة المغربية. إنه يحطّ على عتبة الحجرة مُياشرةً من موقفه على درابزين السطح، سواءَ كانَ مُنفرداً أو زوجاً. في بعض الأحيان، أجدُ هذا العصفور قد سبقني إلى سفرة الفطور، إلا أنه لا يلبث أن يخبط جنحيه ويفرّ مجدداً. وإذ يقتنع " طيبيط " بما ناله من فتات الحلوى، فإنني أجلس بأثره على طرف السرير كي أتناول طعامي. الأصواتُ، إذاً، تفتتحُ الصباحَ. وهيَ ذي الروائح، بدَورها، تُعلن نفيرَ الفطور: الشاي الأخضر، المُنعنع؛ القهوة بالحليب؛ البيض المقلي؛ البِصَارة ( الفول المدمّس المطحون ). علاوة على أنواع الزيتون الفاخرة، التي عليها أيضاً أن تجعلني أستعيدُ نكهة الفطور الشاميّ.

2
اليوم، كنتُ على موعدٍ مع حجز بطاقة العودة بالطائرة. قبل الظهر، ركبتُ التاكسي من " باب أغمات " وكان المفترض أن يأخذني إلى رياض خالة ابني، الواقع في " باب دُكالة ". ما أن أصبحنا على مقربة من قوس مدخل " قصر البديع "، إلا والناس يشيرون للسائق بأنّ الطريقَ مقطوعٌ بسبب الإصلاحات. عدنا أدراجنا، لنرى بعدئذٍ طابوراً من السيارات يسدّ أول مدخل من مداخل منطقة القصر الملكي. السيارات، كانت تتقدّم من المدخل ( وهوَ أيضاً قوس أثري ) من ثلاث جهات وكلّ منها يبغي الأسبقية. بعد دقائق ممضّة، استطاعت سيارتنا اجتيازَ المدخل. وإذا بي أبصُرُ شرطيَّ السير واقفاً هناك، وكان يتكلم بالموبايل غيرَ عابيءٍ بما يجري.
على أثر مغادرتي الرياضَ، فضّلتُ الوصولَ إلى ساحة المدينة القديمة مشياً عَبْرَ درب " دار الباشا " والأسواق. في العادة، فإنني كنتُ أتسوّقُ كل أسبوع تقريباً من عند بائعي الكتب بإزاء أسوار " باب دكالة ". إلا في هذه السفرة، حيث صادفَ وجودي بمراكش أثناء معرض الكتاب الوطني، الذي احتلّ جانباً من " ساحة جامع الفنا ". اليوم، وبعدَ قرابة ثلاثة أشهر من وصولي للمغرب، فكّرتُ بأنه آنَ أوانُ الهدايا لأولادي الموجودين بالسويد. هذا مع العلم، بأنني خلال النزهة في مصيف " أوريكا " كنتُ قد اشتريتُ لإبني خنجراً جميلاً مصنوعاً مقبضه من العظم، علاوة على طقم حلي تقليدية لشقيقته. وعلى كل حال، وصلتُ لسوق السمّارين، أينَ تتراصفُ محلات بيع الملابس والهدايا التذكارية. لأتذكّرَ فجأة، بأنّ ما كان في محفظتي من أوراق مالية كنتُ قد دفعتها ثمناً لتذكرة بطاقة الطائرة.

3
المقهى، لعله أول مكان عام تعرّفتُ عليه في مراكش قبل حوالي ثمانية أعوام. كنتُ عندئذٍ أرتاد " مقهى كافيه دو فرانس "، القائم على طرف الساحة الأشهر في المدينة؛ " جامع الفنا ". من على سطح المقهى، ينبسط للمرء منظرٌ ساحر لهذه الساحة علاوة على قسمٍ كبيرٍ من المدينة القديمة. " مقهى الأرغانة "، كان أيضاً مكاناً أثيراً وخصوصاً طابقه العلوي، الذي يكشف عن قرب جانباً آخر من تلك الساحة. المقهى الأخير، توقفتُ عن زيارته منذ أيار 2011 حينما تعرّض لتفجير إرهابيّ. أما المقهى الأول، فإنني سبقَ أن هجرته على أثر تعرّفي على مقاهٍ أكثر حداثة.
حيّ " كَيليز "، المسكون من قبل نسبة كبيرة من الأوروبيين، يتميّز بمقاهيه الراقية وأغلبها يقعُ على جانبيّ " شارع محمد الخامس " النابض بالحركة والحيوية. في البداية، كنتُ أؤثرُ " مقهى الشارلو " المُكنّى على اسم الفنان العظيم شارلي شابلن. بعد ذلك، رحتُ أرتاد مقاهي الشيشة ( الأركَيلة ) متنقلاً بينَ " دبي " و" السونترز " و" أرماني ". الجدير بالتنويه، أنني بدأتُ في تدخين الشيشة منذ زيارتي لمصر في ربيع 2003، حتى أنني اشتريتُ واحدة من " خان الخليلي ". في سورية، لم أكن من هواة الشيشة ولا حتى المقهى. آنذاك، كنتُ معتاداً على السهر في المطاعم / البارات، الكائنة في مركز دمشق؛ مثل " الريّس " و" الفريدي " و" اللاتيرنا " و" السفراء ".

4
أصدقائي، هنا في مراكش، هم أناس بسطاء وطيبون. أكبرهم سناً، يصغرني بعقدين من الأعوام على الأقل. نجتمعُ غالباً في المقهى، فهذا يتسلّى بالشيشة وذاك ينشغل بجهاز المحمول. كذلك فإنهم ينتمون لمدن مختلفة؛ ورزازات وأغادير والكازا. وإذا كان الطبخُ هواية بالنسبة لي، فإنّ الآخرينَ خريجو معاهد سياحية ويعملون بفنادق كبرى كطهاة وحلوانية. أحياناً، أمازحهم بالقول: " كلنا هنا يحملُ رتبة شيف! ".
أمس مساءً، حضرنا في المقهى إحدى مباريات التأهل لكأس العالم. وقد فاز الفريق المغربي على منافسه الأفريقي، جزر الرأس الأخضر. الحماس لكرة القدم، هيَ عدوى انتقلت إليّ من أولئك الأصدقاء. في المقابل، تأثّر هؤلاء فيّ لناحية الإهتمام بالأخبار السياسية. إنهم كغالبية المغاربة، يعبّرون عن ألمهم لما حلّ من مآسٍ بشعبنا وبلدنا. هم لا يحتاجون لفلسفة المثقفين، المتشدّقين بخطر الأفكار السلفية، لكي يروا الحقائق كما هيَ فعلاً. من ناحيتي، لم أُقِمْ أبداً علاقة صداقة مع أولئك المنتمين للفئة المثقفة، من أدباء وأضرابهم. هذا مع العلم، بأنّ حضوري في صحافة النت طوال العقد الماضي، جعلني أتعرّف على بعض الكتّاب المغاربة وأتبادل معهم الإيميلات. الإقتراب من المثقفين، مثلما جرّبته شخصياً في أمكنة أخرى، لا ينطوي سوى على مخاطرة التعرّض للإحباط والخيبة والغدر.

5
نهار الأمس، مررتُ تباعاً على ثلاث حدائق. عند الظهيرة، كان الجوّ حاراً جداً؛ على الأقل، بالنسبة لهذا الوقت المبكر من الربيع. بعدما شربتُ كأساً من عصير البرتقال، هناك في ساحة " جامع الفنا "، اتجهتُ مباشرةً نحوَ حديقة " الكتبية ". الحديقة، كانت مليئة بالسيّاح نظراً لوقوعها في قلب المدينة القديمة. جلستُ في ظلّ شجرة برتقال، فانتشرَ في أنفي عبقُ أزهارها المُسْكِر. علاوة على أريج الشمشير، المُسيّج الأحواض المليئة بالورد الجوري. إلى جانبي، كان زوجٌ شاب يتبادلان حديثاً ضاحكاً. ابنهما الجميل، وكان يبدو في الرابعة من عمره، اقتربَ مني في حذر. فكم شعرتُ بالحزن، حينما عادَ إلى أبويه وصار يكلمهما بلغة الإشارات.
على الأثر، خرجتُ من المدينة القديمة خِلَلَ بوابة فندق " المأمونية ". منذئذٍ، عليّ كان إلتزامُ الجهة الظليلة بأيّ شارعٍ أمشي فيه. وهيَ ذي مداخلُ الفنادق الفخمة، المُزيَّنة بالنوافير وأحواض الأزهار وعرائش المجنونة، تتوالى أمام عينيّ. بعد ذلك، أجدني أمامَ مدخل الطريق المؤدي إلى حيّ " غيليز ". ثمّة، وبعدما سرتُ لحوالي ربع ساعة، لاحت لي أسوارُ حديقة " جنان الحارتي " المُكتَنَفة بأفياء أشجار الزيتون والنخيل. ارتحتُ قليلاً تحتَ قبّة المنظرة، المتوسّطة ساحة الحديقة، وقد ترامى حولي المراهقون من الجنسين. أشعرُ بالجوع، فأتجه إلى مطعم الوجبات السريعة. ومن هناك رأساً إلى حديقة " مولاي عبد السلام "، الكائنة في مدخل المدينة القديمة. البحرات الأربع ذات النوافير، المهيمنة على معظم الساحة الكبرى للحديقة، تأسرني كما في كلّ مرة. بائعُ القهوة الشابّ، لم يلبث أن عرضَ عليّ بضاعته باللغة الفرنسية. ثمّ تحوّل البائعُ إلى الإنكليزية، حينما راحَ يُخاطب سائحاً آسيوياً.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القيدُ الحديديّ
- خنجرٌ نحاسيّ
- طبيب
- حافظةُ الحظ
- معلّم
- أعمى
- فنانة
- قصة صداقة
- في المتحف
- سيرَة أُخرى 21
- أمثولة وحكاية
- أقوال غير مأثورة 3
- سيرَة أُخرى 20
- غرائب اللغات
- قلب أبيض
- نبع
- سيرَة أُخرى 19
- الإنسجامُ المعدوم
- سيرَة أُخرى 18
- ( اسمُ الوردة )؛ الرواية كفيلمٍ فذ


المزيد.....




- “عيد الرّعاة” بجبل سمامة: الثقافة آليّة فعّالة في مواجهة الإ ...
- مراكش.. المدينة الحمراء تجمع شعراء العالم وتعبر بهم إلى عالم ...
- حرمان مغني الراب الإيراني المحكوم عليه بالإعدام من الهاتف
- فيلم -العار- يفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان موسكو السينمائي ...
- محكمة استئناف تؤيد أمرا للكشف عن نفقات مشاهدة الأفلام وتناول ...
- مصر.. الفنانة دينا الشربيني تحسم الجدل حول ارتباطها بالإعلام ...
- -مرّوكِية حارة-لهشام العسري في القاعات السينمائية المغربية ب ...
- أحزان أكبر مدينة عربية.. سردية تحولات -القاهرة المتنازع عليه ...
- سلطنة عمان تستضيف الدورة الـ15 لمهرجان المسرح العربي
- “لولو بتعيط الحرامي سرقها” .. تردد قناة وناسة الجديد لمشاهدة ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 22